- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
العقوبات الجديدة التي فرضها "الاتحاد الأوروبي" تشير إلى استعدادٍ أكبر لمحاسبة طهران
على الرغم من أن التداعيات النهائية للعقوبات الجديدة على إيران غير مؤكدة، إلا أنها إشارة قوية على أن الحكومات الأوروبية هي الآن أكثر استعداداً من أي وقت مضى لمواجهة انتهاكات النظام الإيراني لحقوق الإنسان، وتسليم الطائرات بدون طيار إلى روسيا، والمماطلة النووية.
في 14 تشرين الثاني/نوفمبر، تبنى "الاتحاد الأوروبي" حزمته الثالثة من العقوبات لهذا العام ضد النظام الإيراني. وتضمنت هذه الدفعة الأكبر حتى الآن اثنين وثلاثين تصنيفاً قائماً على حقوق الإنسان وأربعة تصنيفات تتعلق بحرب أوكرانيا، مما يشير إلى أن العواصم الأوروبية أصبحت أكثر ارتياحاً في توسيع الضغط على طهران بسبب جهودها المستمرة لقمع المحتجين، وعرقلة المفاوضات النووية، وتزويد روسيا بالأسلحة.
إحباطات أوروبا
منذ أن تبنى "الاتحاد الأوروبي" جولته الأولى من العقوبات المتعلقة بحقوق الإنسان ضد طهران في 17 تشرين الأول/أكتوبر، استمرت الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد، فردّ النظام الإيراني باستخدام القوة. ووفقاً للمنظمة غير الحكومية "حقوق بشر إيران"، قُتل ما لا يقل عن 326 شخصاً، من بينهم 43 طفلاً. كما حاولت السلطات قمع المظاهرات بإغلاق الإنترنت واعتقال نحو 15 ألف شخص.
وفي الوقت نفسه، سعى النظام إلى مواجهة رد الفعل الغربي الناتج عن ذلك من خلال اعتماد سياسة منسقة لأخذ الرهائن، تستهدف المواطنين الأوروبيين في المقام الأول. فهناك مواطنون من النمسا وبلجيكا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وبولندا والسويد الذين هم حالياً تحت الحجز من قبل الجمهورية الإسلامية بذرائع كاذبة، كما هو الحال مع العديد من المواطنين الأمريكيين. وعلى الرغم من عمليات الاعتقال، يبدو أن الحكومات الأوروبية لم تدَعْ شيئاً يردعها عن متابعة فرض العقوبات.
ويبدو أن مسؤولي "الاتحاد الأوروبي" مستاءون بالمثل من موقف إيران غير المتعاون بشأن التفاوض على إحياء «خطة العمل الشاملة المشتركة» والامتثال لالتزامات الضمانات. وحاولت طهران تصوير نفسها على أنها الطرف البنّاء في كلا الملفّين، وهي نقطة شدد عليها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بعد إجراء مكالمة مع "الممثل الأعلى" لـ "الاتحاد الأوروبي" جوزيب بوريل في وقت سابق من هذا الشهر. ومع ذلك، فقد فشلت إيران في الواقع في التعاون على جبهات متعددة، مما أدى إلى إثارة الإحباط في العواصم الأوروبية، ومن المحتمل أن يدفع مجلس محافظي "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" إلى توجيه اللوم إلى النظام في اجتماعٍ يبدأ في 16 تشرين الثاني/نوفمبر.
كما تشعر العواصم الأوروبية بالقلق من من أن إيران ستزود روسيا بطائرات قتالية إضافية بدون طيار لاستخدامها ضد أوكرانيا، وربما حتى صواريخ باليستية قصيرة المدى للمساعدة في إعادة بناء مخزون الكرملين من الذخائر الموجهة بدقة. وفي 5 تشرين الثاني/ نوفمبر، وبعد أسابيعٍ من الإنكار، أقرّت طهران أخيراً بأنها وفّرت بعض الطائرات بدون طيار - لكنها زعمت بعد ذلك أن جميع عمليات التسليم تمت قبل غزو أوكرانيا. وبالإضافة إلى المخاوف بشأن تسليم الأسلحة، أدان وزراء خارجية "مجموعة الدول السبع" (الدول الصناعية الغربية) مؤخراً وجود مدربين إيرانيين في أوكرانيا.
أحدث العقوبات
استهدفت العقوبات المتعلقة بحقوق الإنسان والصادرة في 14 تشرين الثان/نوفمبر وزير الداخلية أحمد وحيدي وشخصيات مختلفة من «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني وميليشيا "البسيج" و"قوة إنفاذ القانون" والجيش الوطني ("جيش الجمهورية الإسلامية في إيران" أو "ارتش") وشرطة الجرائم السيبرانية. وشملت هذه العقوبات:
- قادة محليين وإقليميين متورطين في انتهاكات محددة مثل مجزرة المدنيين في زاهدان (المعروفة باسم "الجمعة الدامية")، وحوادث العنف في «إقليم كردستان»، وقتل فتاة مراهقة رفضت غناء أغنية موالية للنظام
- أربعة عناصر من شرطة الأخلاق مسؤولين عن توقيف مهسا أميني، الشابة التي أدى تعذيبها ووفاتها إلى إشعال شرارة الحركة الاحتجاجية الحالية.
- "بنياد تعاون بسيج"، وهي مؤسسة تقدّم خدمات الرعاية الاجتماعية لأعضاء "البسيج"، ولها مساهمات اقتصادية في قطاعات إيرانية أساسية
- "برس تي في" (Press TV)، وهي شبكة تلفزيونية حكومية قد تواجه الآن مشكلة في العمل أو البث في أوروبا
- "أرفان كلاود" (ArvanCloud)، وهي شركة تكنولوجيا مرتبطة بجهود النظام الرامية لإنشاء شبكة إنترانت إيرانية منفصلة.
كما فرض "الاتحاد الأوروبي" عقوبات على أفراد وكيانات من الجهات المتورطة في إمداد روسيا بطائراتٍ مسيّرة، وتشمل هذه: قائد «الحرس الثوري» الإيراني حسين سلامي، و"القوة الجوفضائية لـ «الحرس الثوري»" وقائدها أمير علي حاجي زاده؛ و "شركة القدس لصناعة الطيران". وهذه الأهداف الأربعة جديرة بالملاحظة لأن كلاً منها سبق أن صنفته هيئة منفصلة من "الاتحاد الأوروبي" على صلة بأسلحة الدمار الشامل، مما يعني أن العقوبات الجديدة لن تُحدِث أي تأثير إضافي. ومع ذلك، من المقرر رفع العقوبات المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل في تشرين الأول/أكتوبر 2023 بموجب بنود «خطة العمل الشاملة المشتركة»، لذا ستضمن التصنيفات المرتبطة بالطائرات من دون طيار بقاء بعض العقوبات سارية بعد ذلك التاريخ إذا لزم الأمر. (ويواجه سلامي أيضاً عقوبات بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، لذلك تُعَدّ بعض هذه الترتيبات غير ضرورية وتُعتبَر بمثابة إشارة سياسية في حالته).
وبدا أن توقيت إعلانات "الاتحاد الأوروبي" كان منسقاً بشكل وثيق مع الحكومتين البريطانية والأمريكية. فقد أصدرت لندن عقوباتها الخاصة في الوقت نفسه، بينما أصدرت واشنطن بيان دعمٍ في غضون عدة ساعات وأعلنت فرض عقوبات أمريكية متعلقة بالطائرات من دون طيار في الخامس عشر من تشرين الثاني/نوفمبر. إن الوتيرة المتسارعة لهذه الإعلانات جديرة بالملاحظة أيضاً - ففي السنوات التسع الماضية، أصدر "الاتحاد الأوروبي" حزمتين فقط من العقوبات المستندة إلى حقوق الإنسان ضد إيران.
ومع ذلك، فإن الأثر النهائي لهذه التدابير غير واضح. فمن خلال تصنيف مجموعة واسعة من عناصر الأمن الإيرانيين - ذوي رتب من رقيب إلى عميد - ربما سعت السلطات الأوروبية إلى التحذير من أنها ستُحمِّل المسؤولية حتى للضباط ذوي الرتب المنخفضة عن أي عمل عنف يرتكبونه. والسؤال هو ما إذا كان ذلك سيؤثر بشكل ملحوظ على ولاء أي فرد من عناصر الأمن أو في الحسابات السياسية لقادة النظام. ويبدو أن هذا غير مرجح في الوقت الحالي.
الخطوات التالية
في الأسابيع والأشهر المقبلة، يجب أن يحافظ "الاتحاد الأوروبي" على هذا الزخم عبر فرض تكاليف إضافية على النظام الإيراني. وفي 14 تشرين الثاني/نوفمبر، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه سيدعم إقامة بعثة دولية لتقصي الحقائق للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان الإيرانية في "مجلس حقوق الإنسان" في جنيف، وأن اتّباع هذا الإجراء على مستوى متعدد الأطراف سيكون بداية جيدة. وحتى من دون الحث على إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة، باستطاعة "الاتحاد الأوروبي" تصعيد الضغط على قطاع الطاقة في إيران، الذي يوفر موارد هامة جداً لقواتها العسكرية. وأخيراً، بإمكان "الاتحاد الأوروبي" تعزيز القيود المفروضة على - ومشاركته المزيد من المعلومات حول - الطريقة التي تستغل بها إيران التكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج في برنامج الطائرات بدون طيار.
هنري روم هو زميل أقدم في معهد واشنطن. لويس دوجيت-جروس هو زميل زائر في المعهد ودبلوماسي في "الوزارة الفرنسية لأوروبا والشؤون الخارجية"؛ الآراء الواردة هنا شخصية بحتة.