"في 27 أيلول/سبتمبر، خاطب نورمان رول وسوزان مالوني ومايكل سينغ منتدى سياسي في معهد واشنطن. ومالوني هي نائبة مدير "برنامج السياسة الخارجية" في "معهد بروكينغز". ورول، هو موظف محنك في "وكالة الاستخبارات المركزية" الأمريكية و "مكتب مدير الاستخبارات الوطنية"، وكبير مستشاري "مشروع مكافحة التطرف" و "المتحدون ضد إيران النووية". وسينغ هو زميل أقدم في زمالة "لين- سويغ" والمدير الإداري للمعهد. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهم".
سوزان مالوني
تشكّل الأعمال التي ارتكبتها إيران خلال الأشهر الأربعة الماضية عواقب متوقعة لسياسة الضغط الأقصى التي تتبعها إدارة الرئيس ترامب. فحين انسحب الرئيس الأمريكي من «خطة العمل الشاملة المشتركة» في أيار/مايو 2018، أثار الكثير من المتابعين تنبؤات كارثية عن رد إيران المحتمل. لكن في العام الذي تلا ذلك القرار، ارتأى النظام الإيراني ضبط نفسه نسبياً، معبّراً عن رغبةٍ في معرفة ما ستسفر عنه حملة الضغط الأمريكية، وكيف ستردّ أوروبا عليها، وما إذا كانت الشركات ستلتزم بالعقوبات المفروضة من جانب واحد.
لكن سرعان ما اكتشفت طهران أن سياسة الضغط كانت فعالة بشكل لا يصدَّق، على الرغم من قلة الدعم من حلفاء الولايات المتحدة. فقد خلّفت وقعاً مباشراً على اقتصاد إيران، وهو ما شعر به المواطنون الإيرانيون العاديون بشكل أكثر حدة مما شعروه مع العقوبات السابقة. حتى أن القيود المالية جعلت من الصعب عليهم الوصول إلى الإمدادات الغذائية والطبية، علماً بأن هذه المواد معفاة من العقوبات الأمريكية.
وحين استنتج النظام الإيراني أنه لن يتمكّن من تحمّل الصمود غير المحدود لحملة الضغط الأقصى، شعر بالحاجة إلى تغيير حسابات الإدارة الأمريكية وإعطاء إحساس بالإلحاح حول هذه القضية بالنسبة المجتمع الدولي الأوسع. وللقيام بذلك، لجأت إيران إلى تكتيكٍ ساعدها بشكل جيد في الماضي، ومفاده: عندما تُضرب، عليك أن تضرب بقوة أكبر.
إن التصعيد الناتج عن ذلك أتى بثماره في طهران. فقد أصبح المجتمع الدولي أكثر تجاوباً مع المسؤولين الإيرانيين الذين يسعون إلى تخفيف المشاكل المالية التي تعاني منها بلادهم. وبينما تتفق الأطراف الأوروبية الموقعة على «خطة العمل الشاملة المشتركة» على أن أعمال طهران غير مقبولة على الإطلاق، إلا أن هذه الأطراف أصبحت الآن أكثر صخباً حول تحميل الولايات المتحدة مسؤولية إصلاح الأوضاع. كما قامت هي نفسها بمبادرات كثيرة - ففي أعقاب الهجمات الأولية على أهداف خليجية، على سبيل المثال، تعهدت فرنسا بتقديم قروض بقيمة 15 مليار دولار إلى طهران، بينما التقت المستشارة الألمانية بالرئيس حسن روحاني، في خطوة منحت الشرعية للنظام.
وما تريده طهران هو استمرار الوصول إلى النظام المالي العالمي، ومن المرجّح أن تواصل مسيرتها التصعيدية إلى أن تنال ما تريده، ومن خلال ذلك تغيير أساليبها الاعتيادية بانتظام، بحيث تستهدف ناقلة نفط هذا الأسبوع ثم تنتهك في الأسبوع التالي «خطة العمل الشاملة المشتركة» عبر تركيب أجهزة طرد مركزي ذات كفاءة عالية، وهكذا دواليك. وسوف تُعقد هذه التكتيكات المتغيرة مساعي الرد الأمريكية.
من الواضح حالياً أن الولايات المتحدة خسرت أي تأثير رادع كان لها على إيران، وسيظل هذا هو الحال إلى أن تُقرر فرض تكاليف على طهران جراء أعمالها الأخيرة. وقد كانت التكتيكات المالية فعالة للغاية في التضييق على الاقتصاد الإيراني، ولكنها لم تُثبت بعد قدرتها على تغيير حسابات النظام. وللقيام بذلك، يتعيّن على واشنطن اتخاذ مجموعة من الإجراءات من خلال إطار عمل دبلوماسي شامل يحدد رؤية الإدارة الأمريكية للمستقبل السياسي لإيران.
نورمان رول
كانت الردود الأمريكية والإقليمية موزونة حتى الآن، ويسهل نوعاً ما التنبؤ بها. فالسعودية والإمارات والكويت والبحرين، شأنها شأن واشنطن، لا تملك أي مصلحة في خوض نزاع مع إيران في الوقت الحالي، حيث لا يُمكن لأي من هذه الدول التنبؤ بتبعات أي ضربة عقابية على إيران.
وبعدة طرق، كرر الرئيس ترامب سياسات الرئيسين أوباما وبوش عبر تزويد حلفاء الولايات المتحدة بالأسلحة الدفاعية، وتجنب النزاعات، ومحاولة جمع الشركاء المترددين ضمن تحالف واحد. وتُعتبر أوروبا شريكاً مهماً من عدة نواحٍ، ولكنها ليست دائماً شريكاً مناسباً. فهي لا تستطيع وضع حد للعقوبات أو الإجراءات الأمريكية، ولا تزال تردد لحناً واحداً على مسمع الولايات المتحدة، وهو العودة إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة». كما أن قدرتها على الضغط على طهران لا تتعدى رغبتها في تفعيل «خطة العمل الشاملة المشتركة» ومعالجة مشاكل إيران المالية.
ورغم أن معظم حلفاء واشنطن راضون نوعاً ما عن ردها الصامت، إلا أنهم قلقون بشأن حدوث المزيد من التصعيد. وبالتأكيد هناك البعض الذين يشعرون بخيبة أمل بسبب عدم توجيه ضربة أمريكية، ولكنهم ليسوا هم الذين سيتعيّن عليهم التعامل مع العواقب.
وبالتالي، اعتمدت الأطراف المعنية في المنطقة نهجاً حذراً ومدروساً، حتى إيران نفسها. فبالرغم من الاستفزازات الإيرانية، لا يرغب النظام في خوض نزاع في وقتٍ يواجه فيه ضعفاً هائلاً في الداخل وانتقال وشيك في قيادته. ولذلك فإن الاحتمالات بأن تسبب الضربة على إيران حرباً شاملة غير مرجحة للغاية، على الرغم من المخاوف المثيرة للقلق بحدوث عكس ذلك.
وتدرك طهران أيضاً أن الولايات المتحدة لا يمكنها الدفاع عن كل مَواطن ضعفها في الوقت نفسه. ووفقاً لذلك، قد ينفّذ النظام أو وكلاؤه سلسلة من الهجمات القصيرة والحادة التي تهدف إلى رفع أسعار النفط والسلع الأساسية، وبالتالي إرغام الجهات الفاعلة الدولية على الضغط على إدارة ترامب للتخفيف من حدة العقوبات الأمريكية.
وفي خضم جميع الانتقادات التي تتعرض لها إدارة ترامب، حافظت الإدارة الأمريكية على ثبات كبير في سياستها - أي على وجه التحديد رفض رفع العقوبات عن طهران إلى حين تغيير سلوكها. بيد أن التحدي الأكبر الذي تواجهه في تطبيق هذه السياسة هو غياب النهج المدعوم من الحزبين الأمريكيين تجاه إيران. كما أن الإدارة الأمريكية تشهد خلافاً غير مسبوق بشأن مقدار الدعم الذي يجدر بالولايات المتحدة تقديمه للسعودية. وفي الوقت نفسه، تغيّرت بعض الدوافع التقليدية لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وأصبحت تتجاوز احتياجات الطاقة فقط.
أما الخاسر الأكبر في الوضع الراهن فهو قوة الردع الأمريكية. فلا يشك أحد في مسؤولية إيران عن قائمة طويلة من الانتهاكات الدولية، ومع ذلك رأى الجميع أن النظام الإيراني يواصل مخالفاته دون أن يدفع الثمن. ومن المؤكد أن الجهات الفاعلة المارقة في جميع أنحاء العالم تستوعب هذا الدرس.
وإذا حصل وأجريت المفاوضات مع إيران، يجب على صانعي السياسة في الولايات المتحدة أن يضعوا في اعتبارهم أنّ أي تنازلات يقومون بها ستأتي في النهاية على حساب أولئك الذين يعيشون في المنطقة. وبذلك يصبح السؤال الأهم: ما هي التنازلات التي تكون إيران على استعداد للقيام بها؟
مايكل سينغ
لدى إيران عدة أسباب لتصعيد مثل هذا الهجوم الكبير على السعودية، أوّلها أسعار النفط - فمع تراجع صادرات النفط الإيرانية بسبب العقوبات، فإن أي زيادة في أسعار النفط العالمية ستساعد النظام الإيراني من الناحية المالية. لكن إحداث ارتفاع دائم في الأسعار يستوجب على الأرجح شن عدد من الهجمات المتلاحقة، وهذا لم يحدث حتى الآن.
ثانياً، تعهدت طهران منذ فترة طويلة بأنه إذا لم تستطع تصدير النفط، فلن تتمكن الدول المجاورة لها من تصديره أيضاً، وبالتالي تُشكل الهجمات وسيلة للوفاء بذلك الوعد. ويريد النظام بشكل خاص أن تدفع السعودية ثمناً لمساعدتها الولايات المتحدة على تقييد الصادرات الإيرانية.
ثالثاً، تحاول إيران فصل أمريكا عن حلفائها وإخراجها في النهاية من المنطقة بالكامل. وطوال فترة التصعيد الإيرانية الأخيرة، نفى المسؤولون الأمريكيون إلى حد كبير الفكرة بأن الولايات المتحدة لا تزال تملك مصالح حيوية في الخليج، حتى أن بعضهم بدأ يسأل ضمنياً عن سبب اضطرار أمريكا للدفاع عن السعودية. وتثار مثل هذه الأسئلة في كلا الحزبين السياسيين في الولايات المتحدة، وبين الرأي العام الأمريكي، وحتى بين أبرز حلفاء أمريكا - وربما يشكل هذا الأمر بالنسبة لإيران جائزةً أكثر قيمة من أي شيء آخر.
رابعاً، يتوق النظام الإيراني إلى تغيير قواعد اللعبة لصالحه من خلال التصعيد النووي. وتدرك طهران جيداً أن العقوبات لا تنجح دائماً، وإذا نجحت، فإنها تستغرق بعض الوقت. ولكن، وفقاً لما شهدته في الفترة التي سبقت «خطة العمل الشاملة المشتركة»، بوسع الأزمة النووية أن تصعّد الأمور بسرعة كبيرة، لأن المجتمع الدولي يتخوف من برنامج إيران النووي أكثر من دعمه للإرهاب على سبيل المثال. ولذلك يحاول النظام الإيراني التحكم بهذا الجدول الزمني من خلال التصعيد على جبهات أخرى، حتى في الوقت الذي يواصل فيه تحدّي "خطة العمل الشاملة المشتركة" وتخطي حدودها.
خامساً، تفوق قدرة إيران على تحمّل المخاطر في الشرق الأوسط على قدرة الولايات المتحدة، كما أن التزامها بتحديد مسار الشؤون الإقليمية أكبر من الالتزام الأمريكي، على الأقل خلال العقد الماضي. ولذلك فهي تعتقد على ما يبدو أن التصدي للمصالح الأمريكية في الخليج والعراق، ومناطق أخرى هو استراتيجية ناجحة.
وفي المرحلة المقبلة، ستواصل إيران بلا شك نهجها المتمثل في شن نوع معين من الهجمات، وهي تنتظر الرد الأمريكي الذي يهدف إلى معالجة ذلك التهديد المحدَّد، ثم تحاول مفاجأة واشنطن من خلال مهاجمة هدف مختلف تماماً وبطريقة مختلفة. ينبغي على الولايات المتحدة أن تدرك هذا النهج وأن تتوقف عن مقاربتها التفاعلية المحضة، لترغم طهران بدلاً من ذلك على التفاعل مع الأعمال الأمريكية. وهذا يعني توسيع نطاق حملة الضغط الأقصى من مجال العقوبات الذي يعتبر محدوداً للغاية، ليطال مجالات أخرى، بما في ذلك الأعمال العسكرية السرية والضغوط الدبلوماسية. فخيارات الهجمات الإيرانية ووتيرتها تتطلب الردع، ويجب أن تكون واشنطن مستعدة لمجابهة أعمال النظام الحركية بردٍّ حركي.
أعدت هذا الملخص دنيز يوكسل. أمكن تنفيذ سلسلة برامج منتدى السياسات بفضل سخاء "عائلة فلورنس وروبرت كوفمان".