- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3731
الردود الإقليمية على الاحتجاجات الإسرائيلية
استغلت العديد من وسائل الإعلام في الشرق الأوسط الأزمة التي تمر بها إسرائيل، لتعزيز خطبها التحريضية، لكن بعضها قدم تحليلات دقيقة من منظور المبادئ الديمقراطية والسلام العربي - الإسرائيلي.
استرعت الاحتجاجات الإسرائيلية غير المسبوقة في الأسابيع الأخيرة انتباه المراقبين في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتباينت ردود الفعل في المنطقة، بما في ذلك بين الدول العربية الشريكة لإسرائيل. واستغل الكثير من المعلقين النزاع لترسيخ صورة سلبية عن إسرائيل، خاصة بعد أن شنت قواتها مداهمات على المسجد الأقصى. ومع ذلك، سعى البعض بصدق إلى تحليل الأحداث الجارية وتفسيرها. إن إلقاء نظرة عن قرب على ردود الفعل يقدم صورة مفيدة لمعرفة النظرة الراهنة إلى إسرائيل في المنطقة، وكيف تظل سمات تفاعلها مع الفلسطينيين مركزية في تلك المفاهيم.
استغلال الفتنة
استغلت الأصوات المعادية لإسرائيل إلى حد كبير الاحتجاجات لنشر رسائلها المعتادة. وتجلى هذا الاتجاه بشكل خاص في وسائل الإعلام الإيرانية، مثل "وكالة أنباء تسنيم" و "طهران تايمز"، التي نشرت تقارير كثيرة تجادل بأن الوحدة الاجتماعية في إسرائيل آخذة في التآكل، وأجهزتها الأمنية ضعيفة، وعلاقاتها مع الولايات المتحدة آخذة في التدهور. وتنقل وسائل الإعلام هذه الرسالة جزئياً من خلال نشرها مقاطع فيديو وصور لمتظاهرين وأفراد شرطة يشتبكون بعنف دون توضيح السياق الذي وقعت فيه هذه الحوادث.
كما صوّر المعلقون الإعلاميون في الجزائر ولبنان وسوريا وتونس وتركيا ودول أخرى الاحتجاجات على أنها مقدمة لـ "لانهيار إسرائيل الوشيك"، حيث وصف البعض المظاهرات بأنها "خارجة عن السيطرة" والانقسامات الداخلية بأنها "دائمة". ونصح أحد الكتاب الجزائريين (دول) المنطقة بـ "السماح لإسرائيل بتدمير نفسها".
وفي قطر، سلّطت قناة "الجزيرة" الضوء على الانقسامات المزعومة في العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، مستشهدة بالتعليقات الأخيرة للرئيس بايدن باعتبارها "الخطوة الأخيرة في فضح فكرة «القيم المشتركة» باعتبارها أسطورة تأسيسية للعلاقة". ووصف مقال آخر الاحتجاجات بأنها "بداية النهاية" لحكومة نتنياهو.
حتى أن التعليقات عن "الضعف" الاجتماعي والسياسي شوهدت أيضاً في البلدان التي تقيم معها إسرائيل علاقات رسمية. ففي الإمارات العربية المتحدة و الأردن، على سبيل المثال، وصف النقاد الأزمة بأنها "انحدار نحو الفاشية والعنصرية" وعلامة على الإطاحة "الحتمية" بالحكومة. وفي مصر، أعلن مقدم البرامج التلفزيوني الشهير المؤيد للحكومة المصرية أحمد موسى أن إسرائيل "تحترق وتنهار" كعقاب من الله - وهي إدانة كررها بعض مستخدمي "تويتر".
وبالفعل، تم استخدام الهاشتاغ Israel_is_eroding# ("#إسرائيل_تتآكل") أكثر من 12500 مرة على وسائل التواصل الاجتماعي في الأسبوع الذي أعقب قرار نتنياهو بإيقاف الإصلاح القضائي المقترح من قبل حكومته بصورة مؤقتة. ونشر المستخدمون أيضاً قدراً كبيراً من المعلومات المضللة، بما فيها مقطع فيديو انتشر بشكل واسع يظهر فيه حاخام وهو يمزق العلم الإسرائيلي ويلوّح بعلم فلسطيني - وهو حدث لم يحصل خلال الأزمة الحالية ويمكن إرجاع تاريخه إلى عام 2019.
ردود الفعل الرسمية والعامل الفلسطيني
كما ذُكر أعلاه، أدت المداهمات الإسرائيلية الأخيرة للمسجد الأقصى إلى تفاقم هذه الصور السلبية، كما هو الحال مع التدفق السنوي للزوار اليهود إلى جبل الهيكل/الحرم الشريف. ويقيناً، شكك العديد من المعلقين بشكل مشروع في كيفية تنفيذ المداهمات، من بينهم العديد من المشرعين الأمريكيين. ومع ذلك، اغتنمت بعض الأصوات الاشتباكات كفرصة أخرى لحشد المشاعر المعادية لإسرائيل.
على سبيل المثال، خلال مكالمة هاتفية أجراها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي مع نظيره الجزائري عبد المجيد تبون في 9 نيسان/أبريل، شدد رئيسي على أن "محور المقاومة" في طهران يستفيد من هذه الديناميات، ثم دعا إلى تشكيل تحالف أوسع مناهض لإسرائيل في المنطقة. وفي دول أخرى، دفعت المداهمات مستخدمي تويتر و الجماعات الناشطة إلى تجديد انتقاداتهم لـ "اتفاقيات إبراهيم" وغيرها من خطوات التطبيع العربية الإسرائيلية.
أما الدول التي وقّعت اتفاقيات تطبيع أو معاهدات سلام مع إسرائيل، فلم تصدر أي منها بيانات حكومية رسمية حول أزمة القضاء أو الاحتجاجات، تماشياً مع توجهها التقليدي بتجنب التعليقات العامة حول التطورات الداخلية في دول أخرى. ومع ذلك، انتقد العديد من المسؤولين علناً الموقف الإسرائيلي الأخير تجاه الفلسطينيين، لا سيما تصرفات بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية والسياسي اليميني المتطرف الذي تم منحه دوراً مهماً في وزارة الدفاع أيضاً.
على سبيل المثال، أدلى سموتريتش مؤخراً بتعليقات تدعو إلى "محو" بلدة حوارة الفلسطينية وإنكار وجود الشعب الفلسطيني. فندّدت وزارات خارجية البحرين و مصر و المغرب و الإمارات بشدة بهذا الخطاب، ووصفته بأنه "غير مسؤول" و"عنصري". وقبل هذا الحادث بوقت قصير، أدانت وزارة الخارجية الأردنية بشدة ظهور سموتريتش في مؤتمر في باريس، حيث وقف وراء منصة عرضت خريطة تصور المملكة الهاشمية كجزء من "إسرائيل الكبرى".
وأثارت المداهمات على المسجد الأقصى المزيد من الإدانات المباشرة. فبعد اجتماع طارئ دعا إليه الأردن، أصدرت "جامعة الدول العربية" بياناً رفضت فيه "الجرائم التي ترتكبها [إسرائيل] ضد المصلين المسلمين العزل" وحذرت من احتمال تصعيدها. كما أدانت بيانات صادرة عن وزارات خارجية البحرين و مصر و الأردن و الإمارات هذه المداهمات، ودعت بعضها السلطات الإسرائيلية إلى تجنب التصعيد واحترام وصاية عمّان على الحرم الشريف.
وفي الواقع، لا تزال الديناميات المحيطة بجبل الهيكل/الحرم الشريف وفلسطين بشكل عام العدسة الرئيسية التي يصور من خلالها الكثيرون في المنطقة الأمور السياسية لإسرائيل وسياساتها، حتى في الحالات التي لا علاقة لها بالعلاقات الإسرائيلية - الفلسطينية. وإلى جانب ردود الفعل الحكومية الحادة الآنفة الذكر، يمكن رؤية هذا التصور في الكثير من التعليقات الإعلامية في المنطقة. على سبيل المثال، قال أحد الكتّاب إن "المقاومة الفلسطينية للاحتلال هي سبب أساسي كامن" وراء الاحتجاجات القضائية الإسرائيلية الحالية، في حين جادل مقال في قناة الجزيرة بأن التظاهرات و "الخلاف" الإسرائيلي مع واشنطن يمثلان فرصة لوضع القضية الفلسطينية في المقدمة.
فرصة للتحليل
بشكل أقل شيوعاً، عمل بعض المتابعين في المنطقة على وضع وتحليل الاحتجاجات في سياقها - في دلالة على أن بعض الناس يعتبرون إسرائيل حالياً دولة يمكن دراستها مثل أي دولة أخرى. حتى أن البعض أعرب عن دعمه للاحتجاجات لصالح مكاسب ديمقراطية.
في مصر، على سبيل المثال، أشاد الإعلامي المعارض محمد ناصر بالمتظاهرين "لدفاعهم عن حقوقهم وديمقراطيتهم"، واصفاً المظاهرات بـ "الربيع العبري". واستخدم عمرو أديب العبارة نفسها على قناة "إم بي سي مصر"، مشيراً إلى أن بعض العرب "ينتظرون" أن تؤدي الانقسامات الداخلية إلى انهيار دولة إسرائيل، وخلص إلى أن ذلك لن يحدث.
كما حاولت بعض الأصوات على وسائل التواصل الاجتماعي توفير قدر أكبر من الوضوح وتحدي الرواية القائلة بأن إسرائيل تنهار ببساطة. وأشار أحد الأكاديميين الذي هو كاتب عمود في وسائل الإعلام إلى أن الاحتجاجات هي مسألة داخلية تدخل "ضمن إطار النزاع بين الأحزاب السياسية" واصفاً التنبؤات بأن المؤسسات الإسرائيلية ستنهار بأنها "كذبة لا أساس لها من الصحة". وعرض باحث آخر مصادر لفهم خطة الإصلاح القضائي وردود الفعل العكسية المقابلة بشكل أفضل.
أما الصحفي اللبناني المؤثر الذي يعمل في الإمارات، نديم قطيش، فقد وجّه انتقاداً دقيقاً لائتلاف نتنياهو في سياق السلام العربي - الإسرائيلي، لكنه أشار أيضاً إلى الدور المهم لـ "أولئك الذين يتمسكون بالإيمان والسعي وراء مستقبل يمكن فيه التعايش السلمي في الشرق الأوسط". وفي مقال آخر، كتب أن المظاهرات أظهرت "نضج الديمقراطية الإسرائيلية" لأن المتظاهرين يقاتلون من أجل سيادة القانون بغض النظر عن مخاوف الأمن القومي الحالية للبلاد. كما رفض استخدام الوضع الفلسطيني باعتباره "المقياس الوحيد الذي يمكن من خلاله قياس إسرائيل"، بقوله أن الاحتجاجات تقدم "درساً قيماً لبقية دول الشرق الأوسط".
ولعل الأهم من ذلك هو استمرار الرغبة في التعاون مع إسرائيل على الرغم من ردود الفعل القوية على الأزمة الحالية. ففي الآونة الأخيرة، وضعت الإمارات اللمسات الأخيرة على اتفاقية تجارة حرة مع إسرائيل تهدف إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية، في حين أعرب الرئيس محمد بن زايد ونتنياهو عن رغبتهما في "تعزيز السلام" و "مواصلة الحوار" خلال مكالمة هاتفية أُجريت في 4 نيسان/أبريل. وفي المغرب، دافع القصر الملكي عن علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل ضد انتقادات أكبر حزب إسلامي في البلاد.
فرانسيس ماكدونو هي مساعدة أبحاث في "مشروع فكرة" التابع لمعهد واشنطن.