
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4030
عنف المستوطنين يؤجج التوتر في الضفة الغربية.

كانت الضفة الغربية تُعد جبهةً ثانويةً نسبياً في حرب إسرائيل بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، غير أن استمرار تصاعد عنف المستوطنين اليمينيين المتطرفين قد يُفضي إلى تداعيات خطيرة.
شهدت الأشهر الأولى من عام 2025 ارتفاعاً ملحوظاً في أعمال العنف اليميني المتطرف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية - بزيادة تقدر بنحو 30% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وذلك وفقاً لتحليل الحوادث الأخيرة. ويحدث هذا الارتفاع في وقت انخفض فيه العنف الفلسطيني بشكلٍ ملحوظ، إلى ما معدله ست هجمات كبيرة شهرياً في الفترة بين كانون الثاني/يناير وآذار/مارس، مقارنةً بأربع وعشرين هجوماً شهرياً خلال الفترة نفسها من عام 2024. ويُعزى هذا التراجع في الهجمات الفلسطينية إلى العمليات التي نفذها الجيش الإسرائيلي منذ السابع تشرين الأول/أكتوبر 2023، والتي تهدف إلى تفكيك الشبكات الإرهابية في الضفة الغربية، لاسيما في الجزء الشمالي من الإقليم، ولكن أيضاً في الجنوب. إن زيادة عنف المستوطنين في الوقت الذي يتراجع فيه العنف الفلسطيني يعزز الرأي القائل بأن هجمات المستوطنين ليست مجرد رد على الهجمات الفلسطينية، كما ادعى البعض.
مساعي مستمرة لخلق "حقائق على الأرض"
تم توثيق العنف اليميني المتطرف في الضفة الغربية منذ أوائل الثمانينيات، عندما تم الكشف عن "خلية يهودية" تنفذ هجمات إرهابية ضد الفلسطينيين. ومنذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تم رصد هذه الحوادث والتحقيق فيها باستمرار من قبل منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية والدولية.
وغالباً ما تصور الجماعات اليمينية في إسرائيل هذه الأفعال على أنها ردود فعل انتقامية أو رادعة على الإرهاب الفلسطيني ضد المستوطنين الإسرائيليين. كما ترفض هذه الجماعات استخدام مصطلحات مثل "الإرهاب اليهودي" و"عنف المستوطنين"، مفضّلةً تسميات أخرى مثل "جريمة قومية" أو، في الآونة الأخيرة، "انتهاكات للقانون. ويتّسق هذا الموقف مع سياسات الحكومة التي تعارض اتخاذ إجراءات ردعية صارمة، مثل الاعتقال الإداري أو أوامر الحماية، وتدعم الدعوات المطالبة بتفكيك الشعبة اليهودية في جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، وهي الجهة التي تقود جهود الاستخبارات والوقاية في هذا المجال.
يبرر أولئك الذين يعتبرون عنف المستوطنين المتطرفين مسألة جنائية لا أمنية ذلك جزئياً بالإشارة إلى خصائص مرتكبي هذه الأفعال. فمعظمهم من الشباب، وغالباً ما يكونون قاصرين، وهم إما من الجيل الثاني أو الثالث من مستوطني الضفة الغربية. وقد تسرب العديد منهم من التعليم النظامي، أو ينتمون بشكلٍ فضفاض إلى أنظمة تعليمية بديلة أو تأهيلية. ويميلون إلى العيش في مجموعات تشجّع على النشاط الميداني والانسحاب من الأطر الاجتماعية التقليدية، "والعودة إلى الطبيعة." وعلى هذا النحو، فإنهم غالباً ما يرفضون سلطة الشخصيات السياسية، بما في ذلك قادة المستوطنين الرسميين، وكذلك الشخصيات الدينية والأبوية.
ومنذ أواخر التسعينيات، يعيش هؤلاء الأفراد - الذين يُشار إليهم عادة باسم "شباب التلال -"في المزارع والبؤر الاستيطانية، أي المستوطنات التي أُقيمت دون إذن رسمي من الحكومة، والمنتشرة في مختلف أنحاء الضفة الغربية. ويقع معظم هذه المواقع في المنطقة (ج)، وهي الجزء من الضفة الغربية الخاضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، مع وضع مستقبلي غير محدد. ومع ذلك، فإنهم يظهرون أيضاً بشكلٍ متزايد في المنطقة (ب)، وهي منطقة خاضعة للسلطة المدنية الفلسطينية، وبالتالي يُرجح أن تُدرج ضمن دولة فلسطينية مستقبلية. والواقع أن هدفهم الأساسي هو تعزيز الوجود اليهودي في هذه المناطق وتقليص الوجود الفلسطيني، ما يعني خلق حقائق على الأرض تُسهم في تشكيل - أو إحباط - أي اتفاق محتمل للوضع النهائي في الضفة الغربية بأكملها. ويساعد هذا الهدف في تفسير الموقف المتساهل - بل والداعم أحياناً - الذي تبنته الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تجاه "شباب التلال" على مدى الجيل الماضي، إذ اعتبر بعض المسؤولين أن دور هذه الحركة في منع "الزحف الفلسطيني" إلى المنطقة (ج) يعد خطوة ضرورية في سياق سياسة الضم الإسرائيلي الفعلي.
في ظل الحكومة الحالية، تصاعد الدعم العلني لشباب التلال بشكلٍ ملحوظ؛ إذ نظّم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزيرة الاستيطان والبعثات الوطنية أوريت ستروك، في وقتٍ سابق من هذا الشهر، احتفالاً حظي بتغطية إعلامية واسعة، سلما خلاله "مكونات أمنية" للمزارع و"المستوطنات الجديدة" في منطقة جنوب جبل الخليل. وشملت هذه المكونات مركبات للطرق الوعرة، وكاميرات، ومعدات للرؤية الليلية، مع تخصيص ميزانية خاصة قدرها 75 مليون شيكل (نحو 20 مليون دولار) لهذا الغرض.
يعود تاريخ أعمال العنف التي ارتكبها "شباب التلال" إلى إنشاء أولى البؤر الاستيطانية في فترة التسعينيات. وعلى مر السنين، ساهمت هذه الهجمات، إلى جانب التحولات في السياسة الإسرائيلية، في تهجير التجمعات الفلسطينية من المنطقة (ج)، ولا سيما في جنوب جبل الخليل وغور الأردن. ويبدو أن الحرب الحالية في غزة قد شجعت هذه الجماعات بشكلٍ متزايد، إذ أصبحت أكثر عدوانية، ومصممة على طرد المزيد من الفلسطينيين من منازلهم وأراضيهم الزراعية ومناطق الرعي والأعمال التجارية، ودفعهم إلى التكدس في المناطق الفلسطينية المكتظة بالسكان، بما في ذلك بعض المناطق خارج المنطقة (ب)، ولا سيما ما يُعرف بـ"محمية" صحراء يهودا. وقد وقعت معظم حوادث العنف التي تم توثيقها في وسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية قرب البؤر الاستيطانية، على الرغم من أن بعضها وقع أيضاً بالقرب من مستوطنات قائمة ومعترف بها رسمياً. ويميل المعتدون إلى استخدام أسلحة غير حادة، مثل الهراوات والحجارة، وأحياناً أسلحة نارية قانونية.
نفذ "شباب التلال" أيضاً أعمال تخريب واسعة النطاق استهدفت الممتلكات الفلسطينية الخاصة، مثل المنازل والشركات والمركبات والمعدات الزراعية. وقد شملت هذه الأعمال تسميم مصادر المياه، وإحراق الحقول الزراعية والمراعي، واستخدام أساليب تهدف إلى حرمان الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم، مثل منعهم من دخول بساتين الزيتون خلال موسم الحصاد. ووفقاً لمنظمة "كيرم نافوت" الإسرائيلية لحقوق الإنسان، فقد تم طرد سكان أكثر من خمسين تجمعاً فلسطينياً بين عامي 2022 و2024 بسبب عنف المستوطنين.
هجمات المستوطنين والجيش الإسرائيلي
يلاحظ الفلسطينيون أيضاً أن جنود الجيش الإسرائيلي - الذين يُفترض أن يوفّروا لهم الحماية - يشاركون أحياناً في هذه الحوادث العنيفة، أو يقفون موقف المتفرج ويسمحون بوقوعها. تعود هذه الظاهرة جزئياً إلى أن العديد من أفراد الأمن الإسرائيليين العاملين في الضفة الغربية ينحدرون من المستوطنات، على الرغم من أن قيادة الجيش الإسرائيلي قد تحدثت بصراحة ضد هذه الهجمات. بالإضافة إلى ذلك، أدت الحرب على غزة إلى زيادة الإرهاق النفسي داخل القوات المسلحة، وتراجع الانضباط العملياتي، وارتفاع مستويات العداء تجاه الفلسطينيين.
وقد وقع أحد أخطر الحوادث بتاريخ 28 آذار/مارس في قرية جنبا - التي تقع في الركن الجنوبي الغربي من مسافر يطا في تلال جنوب الخليل، والتي تُعد من أكثر نقاط الاحتكاك بين "شباب التلال" والفلسطينيين في المنطقة (ج). فقد هاجم عشرات المستوطنين السكان الفلسطينيين وممتلكاتهم، مما أدى إلى إصابة ستة أشخاص على الأقل، أربعة منهم احتاجوا إلى دخول المستشفى. بالإضافة إلى ذلك، قام جنود الجيش الإسرائيلي الذين كانوا يعملون هناك "بتخريب وإتلاف معدات"، وفقاً لتحقيق أجراه الجيش الإسرائيلي في الحادث. وقد ردت القيادة العسكرية بإجراءات تأديبية صارمة، حيث اعتقلت العديد من صغار الضباط والجنود.
تشمل العوامل الإضافية التي تساهم في التصاعد الأخير في عنف المستوطنين ما يلي: انخفاض الدافع لدى سلطات إنفاذ القانون، وبخاصة الشرطة، لمعالجة ما يُعرف بالإرهاب اليهودي؛ الوضع الضعيف لجهاز الأمن العام (الشاباك)؛ والتصورات بأن إدارة ترامب، التي رفعت العقوبات التي فرضتها إدارة بايدن على ثلاثين فرداً ومنظمة مرتبطة بعنف المستوطنين، أكثر تعاطفاً مع نشاط الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية.
ورغم أن إسرائيل تعتبر الضفة الغربية إحدى الجبهات النشطة في الحرب المستمرة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، فقد ظلت هذه الجبهة حتى الآن ثانوية، على الأقل من حيث الخسائر البشرية الإسرائيلية. ومع ذلك، قد يتغير هذا الواقع إذا اشتد العنف الداخلي الذي تمارسه عناصر اليمين المتطرف. فالجبهة الغربية تنطوي على أكبر احتمال لإلحاق خسائر فادحة بإسرائيل، سواء على صعيد الأرواح أو التداعيات الدبلوماسية، أو من حيث استنزاف الموارد التي قد تُخصص لاحتوائها.
نعومي نيومان هي زميلة زائرة في معهد واشنطن، وعملت سابقاً كرئيسة لوحدة الأبحاث في "وكالة الأمن الإسرائيلية".
تتوجه نيومان بالشكر لنيخيل صموئيل على مساعدته في توفير الإحصاءات المستخدمة في هذا المرصد السياسي.