- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
الصفقة الإيرانية تترك الولايات المتحدة أمام أسئلة صعبة
أخيراً تم عقد الصفقة مع إيران! لكن نظراً إلى المخاطر التي تحملها، لا بد من التدقيق بهذا الاتفاق. لذا من المنطقي أن نؤجل الحكم إلى ما بعد ونرى كيف تفسر الإدارة الأمريكية جميع بنود الاتفاقية وكيف سيتم تنفيذها.
وبينما أتطلع إلى تفسير الإدارة الأمريكية الكامل للاتفاق وللملاحق المرفقة به، يبرز عدد من الملاحظات الممكنة في الوقت الراهن. أولاً، يبدو أن النتائج متسقة إلى حد كبير مع "اتفاق الإطار" الذي تم الإعلان عنه في 2 نيسان/إبريل. إذ تبقى أهم إنجازات "اتفاق الإطار" على ما هي عليه، أي: يجب أن يتم خفض عدد أجهزة الطرد المركزي العاملة من 9500 في الوقت الحالي إلى 5060، كما أنه يجب تقليص مخزون إيران من اليورانيوم منخفض التخصيب من 10 آلاف كيلوغرام إلى 300 كيلوغرام. بالنسبة إلى الشرط الأول، لا بد من تحقيقه على مدى 10 أعوام، أما بالنسبة إلى الثاني فعلى مدى 15 عاماً. إن عملية الرصد الواسعة لسلسلة التوريد بأكملها، من تعدين اليورانيوم وطحنه، وصولاً إلى تحويل الكعكة الصفراء وتخصيب سداسي فلوريد اليورانيوم، أو UF6، ستستمر لمدة 25 عاماً. كما يجب إزالة صلب مفاعل الماء الثقيل في آراك وإعادة تصميمه، ولن يُسمح لإيران بامتلاك أي قدرات على إعادة المعالجة. وسوف يكون الإيرانيون ملزمين بمراعاة "البروتوكول الإضافي" لـ "معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية" إلى الأبد.
وعملياً، إن هذه القيود وعمليات التحقق المرتبطة بها تجعل من المستبعد جداً أن يتمكن الإيرانيون من تحويل المواد اللازمة لبرنامج سري أو أن يكونوا في وضع يمكنهم من تجاوز العتبة النووية عبر صناعة مواد للأسلحة النووية في أقل من عام، أي من ثمانية أعوام ونصف إلى 10 أعوام التي تطبق فيها القيود على عدد أجهزة الطرد المركزي وأنواعها. فمن دون السماح بإعادة المعالجة، يتم حظر مسار تحويل البلوتونيوم إلى قنبلة بشكل أساسي.
إن هذا هو الخبر السار، أما الخبر السيئ فهو أن الضعف الذي تعاني منه الصفقة، وبعض من تداعياتها الأكثر مدعاة للقلق، لا تزال قائمة. أولاً، لأنه لا يتوجب على الإيرانيين تفكيك بنيتهم التحتية لتخصيب اليورانيوم، ويُسمح لهم على الأقل بمواصلة عمليات البحث والتطوير المحدودة لخمسة من نماذجهم المتقدمة من أجهزة الطرد المركزي، كما وسيتم السماح لهم ببناء برنامج نووي صناعي كبير بقدر ما يريدون بعد 15 عاماً، ففي تلك المرحلة، ستؤدي الصفقة إلى إضفاء الشرعية على الجمهورية الإسلامية كدولة على حافة العتبة النووية. فالفجوة ما بين كون الدولة على حافة العتبة النووية والقدرة على صناعة الأسلحة ستصبح صغيرة حتماً، ولن يصعب على الإيرانيين سدها.
ثانياً، ستخفف الصفقة من العقوبات بمجرد أن ينفذ الإيرانيون التزاماتهم النووية الرئيسية - أي الحد من أجهزة الطرد المركزي والمخزون، وتوقيف تشغيل الجزء الأساسي من مفاعل آراك، وفرض نظام للتحقق من سلسلة التوريد - الأمر الذي من المرجح أن يستغرق حوالي ستة أشهر. ويعني ذلك أن إيران، بغض النظر عن كونها قادرة على بيع نفطها، ستستعيد إمكانية بلوغ ما يصل إلى 150 مليار دولار في الحسابات المجمدة في العام المقبل. وحتى لو استخدمت 90 في المائة إلى 95 في المائة من هذا المبلغ لتلبية احتياجاتها المحلية، من غير المعقول ألا يحصل «الحرس الثوري الإسلامي» على دفعة يمكنه استخدامها لأغراض عدوانية مع الميليشيات الشيعية في جميع أنحاء المنطقة. أما إذا شكك أحد في ذلك، فلينظر في كلام الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصر الله، الذي سأل هذا العام في سياق خطابه: "إذا استعادت إيران هذا المال، فما الذي ستفعل به؟" ولم يترك هذا الأخير الإجابة للخيال إلى حد كبير إذ أكمل: "إيران، كدولة غنية وقوية... ستكون قادرة أكثر من أي وقت مضى على الوقوف إلى جانب حلفائها وأصدقائها وشعوب المنطقة، وخاصة المقاومة في فلسطين". لذا لا عجب في أن يشعر القادة العرب والإسرائيليون بقلق شديد من أن يؤدي الاتفاق النووي إلى زيادة التهديدات التي تتربص بهم.
ثالثاً، بما أن الاتفاق يقوم بشكل أساسي على التخفيف من العقوبات مقابل الشفافية، فإنه يعتمد بشكل كبير على سماح الإيرانيين [لممثلي «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، على سبييل المثال] بالوصول إلى المواقع المشبوهة. فهل سيُسمح للمفتشين بالوصول إلى هذه المواقع متى أرادوا أو فقط عندما يسمح لهم الإيرانيون بذلك؟ وهل سيقف الإيرانيون، الذين يتحدثون عن "وصول منظم"، في مواجهة السبب المبرر لتفتيش الجيش أو «الحرس الثوري» أو المرافق العلمية؟ وهل سيتم تحويل كل تحدٍ ينشأ إلى مفاوضات؟
وبينما يقيّم الكونغرس الصفقة، لا بد للإدارة الأمريكية من معالجة كل واحدة من هذه الثغرات. أولاً، على سبيل المثال، يجب أن تعترف بخطر إيران كدولة على حافة العتبة النووية وأن تشرح كيف ستفرض الردع عبر التوضيح للإيرانيين والمجتمع الدولي بأنها لن تسمح لإيران بأن تصبح دولة تمتلك أسلحة نووية. وفي هذا الإطار أرى أنه يجدر بالإيرانيين أن يدركوا أن أي خطوة من هذا القبيل من شأنها أن تؤدي إلى استخدام القوة. وإذا تم اللجوء إلى ما هو أقل من القوة ستدرك إيران، عندما تصبح دولة على حافة العتبة النووية، أنه أصبح بإمكانها في الواقع مواجهة العالم بالأسلحة النووية في الوقت الذي تختاره.
ثانياً، تحتاج الإدارة الأمريكية إلى توضيح خططها لمواجهة الإيرانيين إذا بدأوا بدفق الأموال إلى «حزب الله» والميليشيات الشيعية الأخرى. ينبغي على إدارة أوباما أن تناقش الردود مع الأوروبيين، بما فيها العقوبات الاقتصادية المستهدفة، وأن تبدأ الآن بوضع خيارات مضادة مع الأصدقاء الإقليميين للولايات المتحدة - العرب والإسرائيليين على حد سواء.
وأخيراً، على الإدارة الأمريكية أن تشرح السبب الذي سيحول دون تحويل آليات الاستجابة - التي تهدف إلى معالجة قضايا الوصول إلى المواقع أو الانتهاكات المحتملة - إلى مفاوضات جديدة يمكن أن تطول، مما يسمح للإيرانيين بتنظيف المواقع المشتبه بها أو الغش على الهوامش. إن توضيح النتائج التي لا يمكن العدول عنها حتى رداً على أصغر التجاوزات سيكون مهماً في هذا الصدد.
من الإنصاف القول إن العبء لا يقع فقط على عاتق الإدارة الأمريكية، بل أيضاً على عاتق أولئك الذين يدعون الكونغرس إلى عرقلة الصفقة وكأن هناك بديلاً سهلاً. يجب على المعارضين أن يشرحوا ما يحصل إذا تقبّل بقية العالم هذه الصفقة، وإذا قالت إيران إنها مستعدة لتنفيذه، وعمل الكونغرس بدوره على عرقلته. هل سيعزف الإتحاد الأوروبي، الذي يلتزم صراحة بالاتفاق لرفع العقوبات بمجرد أن تستوفي إيران مسؤولياتها الرئيسية النووية، عن دعم الاتفاق لمجرد معارضة الكونغرس له؟ وهل يمكن بالفعل الإبقاء على العقوبات في ظل هذه الظروف، وخاصة إذا لم يزد الإيرانيون من عملية التخصيب وقالوا إنهم سيلتزمون بالصفقة؟ هل يمكن أن ترى الولايات المتحدة نفسها في عالم ينهار فيه نظام العقوبات، وتحصل فيه إيران على ربحها المفاجئ وتكون على بعد شهرين فقط من تجاوز العتبة النووية، مع رؤية محدودة لبرنامجها على أرض الواقع؟ ربما يكون الجواب لا، ولكن المشككين يحتاجون إلى شرح ما يمكن لواشنطن القيام به للتأكد من عدم التوصل إلى نتيجة مماثلة.
وباختصار، فإن "خطة العمل المشتركة الشاملة" تضع الإدارة الأمريكية ونقادها أمام بعض الأسئلة الحرجة. لذا يمكن للكونغرس أن يلعب الآن دوره بالضغط للوصول إلى الإجابات وتقييمها على حد سواء.
دينيس روس هو مستشار وزميل "ويليام ديفيدسون" المتميز في معهد واشنطن. وكان قد شغل منصب مساعد خاص للرئيس أوباما في الفترة 2009-2011.
"واشنطن بوست"