- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2682
الشيعة غير الإيرانيين يدفعون الثمن في حلب
أصبحت مدينة حلب المحاصرة رمزاً لمعاناة السكان المدنيين السوريين العالقين بين قوات المتمردين المتنافسة من جهة وقوات النظام وحلفائه الشيعة من جهة أخرى. ومع ذلك فقد فرضت الحملة الطويلة عبئا ثقيلاً أيضاً على المحاصرين، ومن بينهم أفراد من «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني و «حزب الله» اللبناني والميليشيات الشيعية الأخرى.
وعند النظر إلى عدد الأفغان والإيرانيين والعراقيين واللبنانيين والباكستانيين الذين قتلوا في المعارك منذ كانون الثاني/يناير 2012، نلاحظ خسائر كبيرة في ضواحي حلب، ولا سيما منذ بدء التدخل الروسي في أيلول/سبتمبر 2015. ولكن بينما يتطابق بعض من تلك الوفيات مع التقارير الصحفية عن المعارك الأخيرة في حلب، لا نجد ما يعكس المعارك الأخرى في هذه المعطيات (البيانات). إن التحقيق عن كثب في هذه التناقضات، يوفر معلومات قيّمة عن التقسيم الذي تنتهجه قوات التحالف الشيعية في عملها، وكذلك عن الاعتبارات التكيتيكية الإيرانية خلال الحصار على حلب. ولذلك فإن تحليل هذه الخسائر وفقاً للجنسية يبيّن أن إيران توصلت تدريجياً إلى تفاهم مع الميليشيات الشيعية بشأن تقاسم الأعباء لتخفض بذلك عدد مواطنيها الذين يسقطون في حلب.
ما تدل عليه المعطيات
وفقاً لإشعارات الوفيات الرسمية والتقارير الصحفية عن مراسيم الجنازات التي جرت في إيران ولبنان، قُتل ما مجموعه 1987 مقاتلاً شيعياً (من بينهم أفراد من الجيش الإيراني) في المعارك التي دارت في سوريا بين 19 كانون الثاني/يناير 2012، و 29 آب/أغسطس 2016.
انقر على الرسم البياني لعرض نسخة عالية الدقة.
و لم يُعلن مكان الوفاة إلا لـ 408 من هؤلاء المقاتلين، مع الإشارة إلى وجود تباينات كبيرة بين الجنسيات. وبالرغم من الإفادة عن مكان وفاة أكثر من نصف القتلى الإيرانيين، وجماعات أخرى - فرقة «الفاطميون» الأفغانية والميليشيات العراقية و«حزب الله»، ولواء «الزينبيون» الباكستاني - لا تزال الجماعات الأخرى تبدي تكتماً شديداً حول أماكن وفاة مقاتليها (ولايزال كاتب المقالة يجمع معلومات عن المقاتلين العراقيين الذين سقطوا في المعارك، لذلك تبقى هذه المعطيات غير مكتملة هنا وفي الرسوم البيانية).
انقر على الرسم البياني لعرض نسخة عالية الدقة.
وقد يعزى هذا التكتّم جزئياً إلى اعتبارات عسكرية، إلا أن العوامل الدينية تلعب دورها أيضاً. ففي جميع الأحوال، لا يزال الدفاع عن مقام السيدة زينب في ضواحي دمشق العامل الرئيسي وراء إضفاء الشرعية على وجود القوات الشيعية الأجنبية على الأراضي السورية، ولذلك فإن أي عمليات تنفذها هذه القوات خارج تلك المنطقة قد تفتقر إلى الشرعية الدينية.
ومن بين القتلى البالغ عددهم 408 والذين أُعلن عن مكان وفاتهم، ذكرت بعض التقارير أن 229 منهم قُتلوا في ضواحي حلب. وربما أن العديد من الشيعة الذين لقوا حتفهم منذ تشرين الأول/أكتوبر 2015 قُتلوا في منطقة حلب أيضاً، حتى لو لم يتم تأكيد تلك المعلومات علناً. ويبدو هذا الاستنتاج مبرَراً لأن ضحايا حلب المُعلَن عنهم قد بلغوا ذروتهم بالتزامن مع مجمل الخسائر الشيعية في سوريا.
انقر على الرسم البياني لعرض نسخة عالية الدقة.
بالإضافة إلى ذلك، تفضي المقارنة بين عدد القتلى منذ تشرين الأول/أكتوبر والمعارك المذكورة في الصحف العالمية إلى نتائج مختلطة. ففي حين أن ذروة بعض الوفيات تتطابق مع تواريخ تلك الاشتباكات، يبدو أن المعارك الأخرى لم تشهد أي وفيات في صفوف الشيعة أو أن الإعلان عن الموتى جاء متأخراً للغاية.
والجدير بالذكر هو أن حادثة الوفاة الأولى التي تم تسجيلها في حلب في صفوف المقاتلين الشيعة كانت في 19 كانون الأول/ديسمبر 2013، وهي وفاة المقاتل في «حزب الله» علي موسى كوراني التي تزامنت مع عملية "نجم سهيل" التي نفذها الجيش السوري. وقد مُني «حزب الله» بما يصل إلى 86 قتيلاً في ذلك الشهر، ولكن لم يتم تحديد مكان وفاة معظمهم، وعندما تم ذكر ذلك، قيل إنه في ضواحي دمشق أو القلمون، وليس حلب.
وفي المقابل، جاءت نتائج الهجوم الذي شنّه النظام في شباط/فبراير 2016 للسيطرة على مدينتَي نبل والزهراء الشيعيتين في محافظة حلب في المعطيات التالية: سُجٍّل مقتل 32 إيرانياً و 9 لبنانيين و 3 باكستانيين في حلب في ذلك الشهر، وكذلك الأمر بالنسبة للكارثة التي وقعت في شهر أيار/مايو في خان طومان، بلدة أخرى في حلب، وأودت بحياة ما لا يقل عن 3 أفغان، و 22 إيرانياً، و 10 لبنانيين.
ولا يمكن المغالاة في وقع خسائر خان طومان على الرأي العام الإيراني. فغالبية الإيرانيين الذين قتلوا في تلك المعركة كانوا من أبناء محافظة مازندران في شمال إيران وكانوا ينتمون إلى "فرقة "كربلاء" الـ 25 في «الحرس الثوري الإسلامي». وقد أثارت تلك الخسائر موجة احتجاج في البلاد، مما دفع «الحرس الثوري» إلى اتخاذ خطوة لم يسبق له أن أقدم عليها خلال الحرب، وهي الإعلان رسمياً عن نقل كافة الأفراد الناجين في الفرقة إلى إيران، ومن بينهم 21 جريحاً. وفي غضون ذلك، ألقى أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله خطاباً رئيسياً في 24 حزيران/يونيو تعهّد فيه بنشر المزيد من المقاتلين في سوريا.
بيد أن عدد الخسائر في صفوف التحالف الشيعي بدأ بالتقلّب على ما يبدو بعد معركة خان طومان. فالهجوم المضاد الذي شنّه المتمردون في أواخر تموز/يوليو لفك الحصار عن حلب تسبب بمقتل 3 شيعة أفغان، وإيراني واحد، ولبناني واحد، و 9 عراقيين كما قُتل 13 مقاتلاً من «حزب الله» في المنطقة.
وفي حين قد تكون مثل هذه التقلبات ناشئة عن عدة عوامل، إلا أنه من المحتمل أن تكون طهران قد توقعت في البداية الانهيار الوشيك لمعاقل المتمردين في حلب فعملت على تسليم العديد من مواقعها الأمامية إلى قوات بشار الأسد لكي ينسب النظام الفضل في "تحرير" المنطقة إلى نفسه. ولكن حين لم يستسلم المتمردون كما كان متوقعاً، لم يكن أمام طهران أي خيار سوى تخصيص عدد أكبر من مقاتلي «حزب الله» للاستمرار في فرض الحصار. وفي 27 آب/أغسطس على سبيل المثال، بثّت "قناة العالم" لقطات تستعرض كما زُعم مقاتلين من "الحرس الجمهوري" السوري و"القوات المسلحة" السورية و«حزب الله» وهم ينفذون هجوماً كبيراً للسيطرة على "الكلية التقنية" في حلب. ولكن بالرغم من تزايد العمليات العسكرية، نجحت طهران في إبقاء معظم مقاتليها الإيرانيين بمنأى عن الخطر في الآونة الأخيرة.
الخاتمة
بغض النظر عن الاعتبارات التكتيكية التي تعمل بها طهران هذا الصيف، لم يحدث تغيير في استراتيجيتها الشاملة حول سوريا وعزمها على مساعدة نظام الأسد في الاستحواذ على حلب بأكملها. لكن هذه الأهداف بحاجة إلى سيلٍ ثابت من المقاتلين الشيعة غير الإيرانيين، كونه يقلّص معدل وفيات المواطنين الإيرانيين في ما أصبح حصاراً مكلفاً. أما إذا كان وكلاء طهران لا يزالون على استعداد لدفع ثمن تدخل الجمهورية الإسلامية في المنطقة - مثل «حزب الله» والميليشيات العراقية - فمن المرجح أن يستمر بعضهم في ذلك لأسباب دينية أو عقائدية أو سياسية. أما البعض الآخر، على غرار العدد المتزايد من المقاتلين الأفغان، فلا يزال مستعدّاً لذلك مقابل وعودٍ بتوفير فرص العمل والمواطنة؛ وبعبارة أخرى، أنّ وجود أفغان شيعة يائسين يعني وجود متطوعين أفغان في سوريا.
علي آلفونه هو مؤلف كتاب "إيران سافرة: كيف يقوم «الحرس الثوري» بتحويل الحكومة الدينية إلى دكتاتورية عسكرية" ("أي.إي.آي. برس"، 2013).