- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2825
الصراع السوري واللقاء الهامشي بين ترامب وبوتين
تُرجمت هذه المقالة بعد اجتماع دونالد ترامب مع فلاديمير بوتين
في السابع من تموز/يوليو اجتمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة مجموعة العشرين. وكان الصراع السوري من بين المواضيع التي نوقشت، علماً بأنه موضوع يستوجب من كلا الزعيمين مجهوداً من أجل إيجاد أرضية مشتركة.
الضربة على "قاعدة الشعيرات" وعواقبها
في ما يتعلق بسوريا، شكلت الضربة الجوية الأمريكية التي استهدفت "قاعدة الشعيرات" الجوية الخاضعة للنظام في نيسان/أبريل خطوةً مهمة كونها أظهرت لموسكو أن ترامب سيكون أكثر حسماً في استخدام القوة من سلفه باراك أوباما. كما أن الغارة الجوية أظهرت للرئيس السوري بشار الأسد أن الدعم الروسي لا يضمن له الحماية المطلقة إذا استمرت دمشق في الانخراط في التحركات التي ينظر إليها المجتمع الدولي على أنها غير مقبولة مثل استخدام الأسلحة الكيميائية سواء ضد المعارضة أم الشعب السوري.
غير أن ضربة "الشعيرات" لم تغير قواعد اللعبة، وذلك لأن لا النظام السوري ولا حلفاؤه الروس والإيرانيين قد غيّروا استراتيجيتهم في أعقابها. وقد حافظت روسيا على وجه الخصوص على استراتيجية متجذرة في فرض ضغوط عسكرية وسياسية على المعارضة بهدف إقناع القوات المناهضة للأسد والأطراف الأجنبية الراعية لها بتبني الرؤية الروسية لسوريا في مرحلة ما بعد الصراع. ووفقاً لهذه الرؤية، سيصمد نظام الأسد، الأمر الذي سيضمن الوجود الروسي النشط في الحياة السياسية والاقتصادية للبلاد بعد انتهاء القتال.
وكان السبب الرئيسي في حفاظ روسيا على الوضع الراهن هو انعدام المتابعة من قبل الولايات المتحدة. ففي الأيام التي أعقبت الضربة، كانت موسكو تستعد لتغييرات محتملة في المقاربة الأمريكية تجاه سوريا، من بينها زيادة الضغط العسكري الأمريكي على دمشق وإحباط أي أمل بالحوار بين الغرب وروسيا بشأن الأسد. ومع ذلك لم تحدث مثل هذه التغييرات. فوزير الخارجية الأمريكي ريكس تيليرسون وفى بخططه لزيارة موسكو، حتى مع الغاء نظيره البريطاني بوريس جونسون زيارته لها. ومن جهة موسكو، هدأت المخاوف الروسية مع استنتاج الكرملين بأنه بينما قد يكون ترامب مستعداً لاستخدام القوة إلّا أنّه - على غرار أوباما - يريد تجنب التوغل عميقاً في الوحل السوري. وبذلك تستطيع روسيا أن تواصل اعتبار نفسها اللاعب الرئيسي في البلاد.
وعلاوةً على ذلك، عندما هدد ترامب مؤخراً بتكرار العمل العسكري ضد الأسد حول احتمال استخدام الأسلحة الكيميائية، شعرت روسيا على الأرجح بالثقة في استمرار دورها المؤثر في الصراع. وتنبع هذه الثقة من الشعور بموقعها الأقوى بصورة عامة في الحرب بالمقارنة مع الغرب. وبالتالي، فبينما تسببت حادثة إسقاط قوات التحالف للطائرة السورية مؤخراً بوضع روسيا في حالة تأهب، لم يتأثر الكرملين عموماً بالأعمال الأمريكية المكثفة التي نفّذت في أيار/مايو وحزيران/يونيو. بالإضافة إلى ذلك، يعتقد المسؤولون الروس أن آلية اتخاذ القرارات بشأن سوريا لدى ترامب لا تزال مضطربة وأن الإدارة الأمريكية لم تستقر بعد على استراتيجية بعيدة المدى. وبالنظر إلى هذه الصورة الأكبر، من غير المحتمل أن يتأثر بوتين بالتصريحات الأمريكية العرَضية التي تهدد بالضربات الجوية في حال استخدام [سوريا] للأسلحة الكيميائية. وأحد التفسيرات المحتملة التي تطرحها موسكو للتهديد الأخير هو رغبة ترامب في استعراض عضلاته العسكرية، مقابل ضعف أوباما المتصوَّر، وذلك قبل لقائه مع بوتين خلال قمة مجموعة العشرين. ولذلك التزم الجانب الروسي الصمت بشأن هذه المسألة، مفضلاً الانتظار للاجتماع الفعلي قبل التلميح إلى الخطوة التالية في الحوار بين الولايات المتحدة وروسيا حول سوريا.
مناطق الحد من التصعيد
من الخطوات الرئيسية التي تقوم بها روسيا حالياً لتعزيز موقفها التفاوضي هي إقامة مناطق لتخفيف حدة التصعيد، وهي بادرة تكتيكية بحتة لكسب المزيد من الوقت للنظام السوري ومؤيديه. ومن وجهة النظر الروسية، تهدف هذه المناطق إلى تحقيق عدة أهداف محددة، وهي:
1. من خلال طرح هذه الفكرة، تُظهر روسيا أنها لا تزال تترأس المفاوضات بشأن التسوية السياسية في سوريا. ومن خلال إرغام الأطراف الدولية الأخرى على التركيز على هذه المبادرة وغيرها من المبادرات الروسية، يشتت الكرملين كذلك انتباه هذه الدول عن استراتيجياتها الخاصة.
2. كانت روسيا قلقة من الشائعات المتداولة حول تقديم إدارة ترامب طروحاتها الخاصة حول مناطق حظر الطيران، التي من شأنها أن تقسّم سوريا إلى أجزاء يُزعم أنها مواتية للمعارضة. ولذلك سارعت روسيا إلى طرح بديل من شأنه أن يوجِد معاقل سنية - بدلاً من تقسيم البلاد - ويُنشئ مناطق لتخفيف حدة التصعيد تكون خاضعة لسيطرة حلفاء دمشق.
3. من شأن مناطق تخفيف حدة التصعيد أن تضفي طابعاً إقليمياً على النزاع السوري وتعزل التجمعات العسكرية الأكثر عدائية ضمن مناطق تخفيف النزاع هذه. كما تتوقع روسيا من التجمعات الموالية لتركيا و«هيئة تحرير الشام» (التي كانت تُعرف سابقاً بـ «جبهة النصرة» و «جبهة فتح الشام») المحاصرة ضمن مناطق تخفيف حدة التصعيد أن تفشل في إيجاد قضية مشتركة وتبدأ في القتال فيما بينها. وأفادت بعض التقارير على هذه الجبهة أن دمشق أطلقت سراح المئات من مقاتلي «أحرار الشام» في نيسان/أبريل ونقلتهم إلى إدلب لتعزيز موقفهم ضد «هيئة تحرير الشام». وفي خطوة مرتبطة بالسياق نفسه، أغفلت روسيا مؤخراً عن ذكر «هيئة تحرير الشام» في خطاباتها المتعلقة بمكافحة الإرهاب وحوّلت تركيزها نحو تنظيم «الدولة الإسلامية». ويشير بعض الخبراء إلى أن هذا التحول كان متعمدٌاً وهدفه الاعتراف بشكل غير رسمي بـ «هيئة تحرير الشام» كالقوة المسيطرة على مناطق تخفيف حدة التصعيد، وبالتالي وضعها في موقع اشتباك محتّم مع التجمعات الأخرى.
4. بشكل عام، من شأن إقامة أربعة مناطق صالحة نسبياً أن تُبقي المعارضة السورية منشغلة بالصراع على القوة داخل هذه المناطق. وفي الوقت نفسه، ستتمكن موسكو من التركيز على الصراع ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». وإذا تم تنفيذ الاستراتيجية المتعلقة بمناطق تخفيف حدة التصعيد بنجاح، سوف تشن روسيا هجوماً واسع النطاق على دير الزور، وستصوّر سقوط هذه المدينة على أنه انتصار على تنظيم «داعش» وإنجاز رسمي للأهداف الروسية في سوريا. وستعمل الحملات الدعائية الروسية على إظهار موسكو بأنها الرابح الواضح، مقارنةً بـ "التقدم البطيء" الذي يسجله الغرب في حربه ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق. وقد تستخدم روسيا أيضاً هذا الانجاز كذريعة للانسحاب جزئياً من المستنقع السوري.
وأخيراً، ترى موسكو أن المناطق المقترحة لتخفيف حدة التصعيد هي ثمرة ناتجة عن تجربتها السابقة في إبرام اتفاقات محلية لوقف إطلاق النار بين دمشق والجماعات المقاتلة المحلية. وبالفعل، تتناقض هذه النجاحات بشكل صارخ مع فشل المحادثات السياسية العالمية في جنيف وأستانا، الأمر الذي يشجّع روسيا على المضي قدماً في مساعيها.
الاستنتاجات
نظراً للمقاربة الروسية الموضحة أعلاه، لا بد لإدارة ترامب أن تعمل فوراً على وضع استراتيجية جديدة بشأن سوريا تعبّر عن رؤية واضحة لمستقبل البلاد وتُظهر استعداد الولايات المتحدة لحمايتها. وعندئذ فقط ستصبح المناقشات الحقيقية والفعالة بين الولايات المتحدة وروسيا أمراً ممكناً. وعلى العكس من ذلك، فإن غياب مثل هذه الاستراتيجية الأمريكية سيُظهر لروسيا أن الولايات المتحدة غير مستعدة للاضطلاع بدور جدي في سوريا. وفى حالة ركود الحوار بين الولايات المتحدة وروسيا حول سوريا، من الممكن أن تجري موسكو تعديلات خطيرة على سياستها، فتبتعد أكثر عن الموقف الأمريكي.
إن الخلفية الموجزة لهذه الأحداث هي أنه في أعقاب فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، توقّع الكرملين بدء حوار مستدام حول احتمالات تسوية الصراع في سوريا، والنضال ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، ومستقبل البلاد بعد انتهاء الصراع. وعلى الرغم من عدم توهّم موسكو بشأن الطبيعة الحافلة بالتحديات لهذه المحادثات - كانت تخطط لإقناع واشنطن بخطورة رؤيتها الخاصة - إلا أن روسيا كانت ستعتبر إن مجرد بداية الحوار حول قضايا محددة هو بمثابة تقدم بحد ذاته. ولكن مثل هذه البداية تستوجب رؤية القيادة الروسية أجندة أمريكية جديدة في سوريا يتم تحديدها بوضوح من قبل البيت الأبيض. وهذا أمر لم يحدث بعد بنظر موسكو.
وفي ظل الغياب المستمر لسياسة أمريكية واضحة في سوريا، من المحتمل أن يتضاءل اهتمام موسكو بمزيد من الحوار مع واشنطن. ومن شأن مثل هذه النتيجة أن تؤدي إلى عدم احتفاظ السلطات الروسية إلا بالحد الأدنى من الاتصالات مع نظيرتها الأمريكية عوضاً عن محاولة تعزيزها. وفي الوقت نفسه، سوف يركز المسؤولون الروس اهتمامهم على الحوار مع الأطراف الإقليمية، وتحديداً تركيا وإيران، من أجل ضمان إقامة مناطق تخفيف حدة التصعيد الخاصة بهم. وبالتالي فإن قدرة الولايات المتحدة على التأثير على المقاربات الروسية في سوريا سوف تتضاءل إلى حدٍّ أكبر.
إن ازدياد التركيز الروسي على التعاون مع القوى الإقليمية على حساب تعميق الحوار مع الولايات المتحدة سوف يخدم بالمثل مصالح طهران ويجعل الكرملين أكثر اعتماداً على وكلاء إيران فيما يتعلق بإقامة مناطق تخفيف حدة التصعيد. وغني عن البيان أن إيران قد اكتسبت بالفعل الكثير من التدخل الروسي في سوريا من حيث تأثيرها في سوريا والمشرق. وعلى الرغم من أن الأهداف المتباينة على المدى الطويل لكل من روسيا وإيران في سوريا تثير قلق موسكو دون شك، إلا أن توقف المحادثات مع الغرب سيجبر الكرملين على الاعتماد على طهران وتوابعها من أجل تحقيق أهدافه.
نيكولاي كوزانوف هو زميل سابق في معهد واشنطن، ومشارك أكاديمي في "المعهد الملكي للشؤون الدولية" ["شاثام هاوس"].