التضليل الفني للميليشيات وهجوم الطائرات بدون طيار في 7 تشرين الثاني/نوفمبر
من أجل صرف النظر عن مسؤوليتها في محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في 7 تشرين الثاني/نوفمبر، جمعت "المقاومة" «ملفاً مخادعاً» خاصاً بها يضم معلومات مضللة تبدو مقنعة.
في 7 تشرين الثاني/نوفمبر، ألقت طائرتان بدون طيار على الأقل ذخائر متفجرة على منزل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي. وكانت الطائرات المسيرة عبارة عن طائرات رباعية المراوح مطابقة تماماً للمواصفات الفنية لتلك التي استُخدمت سابقاً من قبل الميليشيات المدعومة من إيران في الهجمات الإرهابية على مواقع القيادة العراقية والسفارة الأمريكية في بغداد. ولتجنب المساءلة عن محاولة الاغتيال في السابع من تشرين الثاني/نوفمبر، سعت الميليشيات إلى التشكيك في مصداقية الحادثة، مستخدمةً تحليلاً فنياً متقدّماً على ما يبدو لكي تظهر وكأنها تقدّم رفضاً لخبراء على الأدلة. وفي مقدمة هذه المدوّنة، نركز على ملف من 12 نقطة صدر عن منصة "تلغرام" تُدعى "أبابيل".
تأسس فريق "أبابيل" في 22 كانون الأول/ديسمبر 2020 ولكن لم يتمّ تفعيله إلى حين 24 آب/أغسطس 2021. وإذ يحمل اسم الطائرة الإيرانية المسيّرة نفسه، تم تسمية الفريق تيمناً بالطيور الوارد ذكرها في الدين الإسلامي في "سورة الفيل" في القرآن الكريم والتي حمت الكعبة في مكة من هجوم جيش الفيل الأكسومي التابع لأبرهة، من خلال إلقاء حجارة من سجيل عليهم عند اقترابهم (سورة 105:3 - وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ). وتصف هذه الجماعة نفسها على أنها وحدة "الاستخبارات الناعمة" - وحدة أبحاث مفتوحة المصدر بأسلوب بيلينكات حيث تهاجم مرة أو مرتين في الشهر هدفاً محدداً يكون على خلاف مع "المقاومة"، مثل رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحبلوسي، ومقتدى الصدر، وشخصيات من حزب "البعث"، والأكراد العراقيين، والولايات المتحدة، وإسرائيل، والإمارات، والسعودية.
ويتمثل الهدف من الملف ذي النقاط الإثنتي عشرة في نشر الانطباع بأن محاولة الاغتيال في السابع من تشرين الثاني/نوفمبر كانت نوعاً من عملية "الراية الكاذبة" المزيفة من قبل الحكومة. ويلقي التقرير بظلال من الشك على سبب عدم اعتراض منظومة "سي-رام" المضادة للصواريخ وأنظمة الأصول الجوية والتشويش الأمريكية للطائرات بدون طيار، وعدم تسبب الطائرات المسيّرة بوقوع المزيد من الأضرار والإصابات، وسبب وجود هذا الكم القليل من الأدلة الملموسة والمجموعة من مسرح الجريمة. إن التقرير هو نوع من مختارات ماهرة لوقائع معروفة وصور وتأكيدات غير مثبتة وكذلك تصوير مؤثر (بالنسبة للشخص غير المتخصص).
يُذكر أن جوهر التقرير هو تقييم فني يبدو (بالنسبة للشخص العادي) تحليلاً أجراه خبراء، على الرغم من أن العديد من التأكيدات غير صحيحة بشكل واضح عند عرضها على خبراء فعليين في مجال الطائرات المسيّرة.
على سبيل المثال، يدّعي التقرير الصادر عن "أبابيل" أن الطائرة المسيّرة التي أظهرها تقرير الحكومة العراقية هي "طائرة بدون طيار فرنسية" ويقدّم أدلة على أدائها من "قائمة مواصفات شركة التصنيع الرسمية"، غير أنه لم يتمّ تقديم أي دليل في أي مرحلة على نوع الطائرة المسيّرة، أو اسم الشركة المصنعة الفرنسية، أو المواصفات المذكورة أعلاه.
(في الواقع، إن الطائرات الرباعية المراوح التي دائماً ما تستخدمها "الميليشيات المدعومة من إيران" مع الذخيرة نفسها التي تمّ جمعها في 7 تشرين الثاني/نوفمبر من منزل الكاظمي، مجهزة بجهاز طيران تلقائي صيني، ونظام قياس عن بعد، و"وحدة تحكّم إلكترونية بالسرعة"، وجهاز إرسال فيديو، و"لوحة توزيع كهربائية"، ومحركات، وبطاريات (18650) ).
وقد تبدو التأكيدات التي تم إجراؤها حول مدى الطائرة المسيرة، وحمولتها، وسرعتها، والقدرة على برمجتها بواسطة نقاط بداية ونهاية مختلفة مقنعة للقارئ العادي، ولكن من السهل الاعتراض عليها جميعاً.
ويؤكّد التقرير أن الحد الأقصى لمدى الطائرة المسيرة يجب أن يكون 5 كيلومترات على الأكثر (ومع بعض التعديلات) وبارتفاع أقصى يبلغ 12 كيلومتراً، غير أن الهجمات السابقة بواسطة الطائرات الرباعية المراوح باستخدام نفس النوع تماماً من الذخيرة (الشكل 3) حملت طائرات مسيّرة صينية الصنع مع أنظمة قياس عن بعد مدنية جاهزة للاستخدام (بيكسي هوك مع RFD868X) وكانت مجهزة بحزمة البطارية نفسها وبـ "لوحة التوزيع الكهربائية" التي يبلغ مداها 40 كيلومتراً وقدرة على الاستمرارية تزيد عن 120 دقيقة.
وادّعى فريق "أبابيل" أن الطائرة المسيرة غير قادرة على نقل الحمولة المزعومة، لكن الحمولة كانت خفيفة (كيلوغرامان من المتفجرات بالإضافة إلى شظايا ذات كريات، في أسطوانة خفيفة الوزن)، والتي تندرج تماماً ضمن القدرة الاستيعابية لأي طائرة مسيّرة أساسية تم تعديلها قليلاً، وكان هذا النوع من الطائرات مجهزاً بأربعة محركات كهربائية قوية بقدرة 320 كيلوفولت ونظام إدارة بطاريات متطوّر بالإضافةً إلى علبة بطاريات أيونات الليثيوم كبيرة من طراز 18650.
فضلاً عن ذلك، إن هذه الطائرات المسيرة ليست بطيئة، كما يشير تقرير "أبابيل"، لكنها قادرة على أن تسير بسرعة 75 كيلومتراً في الساعة مع الحمولة التي أُلقيت على منزل الكاظمي. وزعم تقرير "أبابيل" أنه كان من "المستحيل" لهذه الطائرات المسيرة أن "تقلع من مكان وتعود إلى نقطة مختلفة"، في حين أن هذه قدرة معيارية لأي طائرة مسيرة مدنية أساسية وبرامج التخطيط لمهامتها.
وأخيراً، إن الخرائط التي تبدو واقعية لتواجد الطائرات المسيرة الأمريكية في الملحق غير قابلة للدحض. ويٌظهر الشكل 5 المسار المزعوم لطائرة استطلاع أمريكية فوق بغداد خلال تنفيذ الهجوم، ولكن إعادة مشاهدة تسجيلات "متعقب الرحلات" المتاحة تجارياً للفترة بين 6 و7 تشرين الثاني/نوفمبر تُظهر عدم وجود مثل هذا المسار. ويتوافق النمط اللولبي مع طائرة MC-12W، مما يؤكد المسعى المبذول للخروج بخدعة مقنعة.
ومن السهل إعادة صياغة التقرير، نقطة تلو الأخرى، لكن مع ذلك فإن المسعى المبذول بحدّ ذاته يحمل معلومات مضللة. ويُعتبر تقرير "أبابيل" مثالاً على معلومات مضللة واقعية المظهر تبدو "رسمية بما يكفي" لترددها وسائل الإعلام العراقية الرئيسية ووسائل التواصل الاجتماعي. ويصبّ هذا النهج في مصلحة الانفتاح المجتمعي لقبول نظريات المؤامرة من جهة والاستعداد في أوساط منافسي الكاظمي لرئاسة الوزراء لاستخدام وسائطهم الإعلامية من أجل تضخيم جهود التضليل من جهة أخرى. وما إن تتسرب إلى "مجرى" معلومات العامة والنخب، يمكن لمثل هذه المعلومات المضللة أن ترسّخ بسرعة نظريات المؤامرة التي يصعب إزالتها لاحقاً من الخيال الجماعي. ويكمن العلاج الوحيد في تقديم الحكومة العراقية نفسها لمعلومات استخباراتية فنية عالية الجودة وبسرعة، مدعومة من قبل شخصيات شعبية وإصلاحية ووسائل الإعلام.