- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3911
التهديد الحقيقي بالهجوم هو السبيل الوحيد لردع إيران عن تسلق سلم التصعيد
وسط موجة من الانتشار العسكري الأمريكي والمساعي الدبلوماسية للحلفاء، من غير المؤكد ما إذا كانت طهران المُحرَجة ستهاجم إسرائيل، ولكن الشيء الوحيد الواضح هو أن السماح لها بالهجوم مجدداً دون عواقب ملموسة من شأنه أن يشكل سابقة خطيرة.
شكّل مقتل زعيم "حماس" إسماعيل هنية في 31 تموز/يوليو في دار ضيافة تابعة "للحرس الثوري الإيراني" في طهران إهانة كبرى للنظام الإيراني وانتكاسة حادة لأجهزته الاستخباراتية والأمنية. وسرعان ما اتهم المسؤولون إسرائيل بالهجوم مدّعين أنه وقع بدعم من الولايات المتحدة وتوعّدوا بالانتقام بشدة من إسرائيل باستخدام القدرات المشتركة التي تملكها "جبهة المقاومة"، الأمر الذي يدفع الآن إلى التساؤل عن الشكل الذي قد يتخذه هذا الانتقام.
تعيش إيران وإسرائيل في حالة حرب منذ أكثر من أربعين عاماً تتخللها فترات من التصعيد ومستويات متفاوتة من تدخل الوكلاء. وقد وقعت دورة التصعيد الأخيرة بينهما في نيسان/أبريل الماضي في أعقاب غارة إسرائيلية أودت بحياة مسؤولين إيرانيين عسكريين رفيعي المستوى في دمشق. وكما هو الحال الآن، هددت طهران برد عسكري ولم تتراجع عن تنفيذه على الرغم من التصريحات الأمريكية القوية الداعمة لإسرائيل والانتشار العسكري الواضح جداً، حيث قامت في 13 نيسان/أبريل بإطلاق سرب من الطائرات المسيرة والصواريخ المجنحة والباليستية من أراضيها مباشرةً. ومع أن الهجوم لم يؤدّ إلى رد إسرائيلي كبير، إلا أن الدمج بين التدابير الدفاعية الإسرائيلية والأمريكية والحليفة القوية حال على الأرجح دون وقوع كارثة. أما اليوم فتقف المنطقة على حافة تكرار ممكن لأحداث غير معلومة الأبعاد، في حين تُبذل الجهود مجدداً لمنع إيران من القيام بهجومها، أو، إذا هاجمت، إبقاء ردها في أدنى درجات سلم التصعيد.
خيارات الرد الإيراني
تطول قائمة المخططات والنوايا وغيرها من المتغيرات المحتملة التي يمكن أن تشكل الرد الإيراني وتشمل:
- الغايات والأهداف: إذلال العدو وردعه من خلال تدمير مجموعة محددة من الأهداف العسكرية أو الاستخباراتية الرئيسية أو مبنى حكومي بارز أو بنية تحتية مدنية، مع إظهار تأثير أنظمة أسلحتها وعمق معلوماتها الاستخباراتية على تلك الأهداف.
- الأصول: استخدام أنواع ومجموعات محددة من الصواريخ الباليستية والصواريخ المجنحة والطائرات المسيّرة الانتحارية والشراك الخداعية والغارات الإرهابية والهجمات الإلكترونية التي تزيد من فرص النجاح مقارنة بهجوم 13 نيسان/أبريل.
- التوقيت والتسلسل: اختيار التوقيت الأنسب للضربة لزيادة عنصر المفاجأة والفعالية بينما يتابع العدو من كثب والتقليل من خطر حصول تصعيد خارج السيطرة. وقد ينطوي ذلك على جولة واحدة من الهجمات أو جولات متعددة.
- قواعد الاشتباك والأضرار الجانبية: السعي إلى التسبب في وقوع إصابات أو تجنبها وزيادة الأضرار المادية أو تقليلها وضرب أهداف مدنية أو تجنبها وفقاً للأهداف المحددة. وتتراوح هذه الأهداف بين إذلال العدو ورفع مستوى الردع إلى أقصى حد من أجل كسر دائرة التصعيد، سواء من خلال إظهار القوة الحاسمة أو حصر الرد بإجراءات "متناسبة" أو "مدروسة" لا ترقى إلى مستوى الانتقام.
- دفاعات العدو وردوده: الأخذ في الاعتبار مخاطر الضربة الاستباقية الإسرائيلية بأشكال مختلفة، ومواجهة دفاعات العدو باستخدام المفاجأة أو الهجمات الإشباعية أو الشراك الخداعية أو الهجمات المضللة أو الهجمات التي تستهدف الدفاعات الصاروخية على وجه التحديد.
- الشؤون اللوجستية: إما الاستعداد للضربة بشكل علني بهدف إرسال إشارات إلى الخصوم (وبالتالي فقدان عنصر المفاجأة)، أو الحفاظ على سرية العمليات واستخدام أصول مدفونة في الأعماق قادرة على الإطلاق بشكل سري والوصول إلى سرعات تفوق سرعة الصوت (من أجل خفض وقت الإنذار). ويمكن أن ينطوي أي من الخيارين على التنسيق مع أعضاء آخرين في "محور المقاومة" أو التصرف فردياً.
- التبعات والتصعيد: الأخذ في الاعتبار التداعيات الأوسع نطاقاً للضربة، من بينها النتائج السياسية والاجتماعية والاقتصادية والردود المحتملة من إسرائيل وخطر حدوث المزيد من التصعيد.
من شأن هذه التأثيرات التراكمية لهذه المتغيرات أن تحدد نجاح الضربة أو فشلها، وما إذا كانت ستحدث أساساً. ومن الواضح أن أفضل نتيجة بالنسبة للولايات المتحدة هي إن وجدت إيران أن مهاجمة إسرائيل تنطوي على مخاطر مرتفعة بشكل غير مقبول. وقد حمل هجوم 13 نيسان/أبريل في جعبته الكثير من النتائج المتنوعة لإيران، وبمجرد أن تتكرر هذه العملية فإنها تهدد بخطر مواجهة عدو مستعد وخسارة ما يبقى من عنصر المفاجأة. وفي الوقت نفسه، ما زال بإمكان أي عملية ليلية مبهرة أخرى أن تحقق مبتغى النظام بالانتقام لمقتل هنية ورفع معنويات "المحور"، بغض النظر عن عدد الصواريخ التي تصيب فعلياً أهدافها.
المخططات الإيرانية المحتملة في ضربة محدودة
قد تقرر إيران في هجومها القادم أن تكلّف وكلاءها في المنطقة بتولي جزء الطائرات المسيّرة والطائرات المجنحة بكامله بينما تركّز قواتها على استخدام بعض صواريخها الباليستية الأكثر قدرة. ويمكن أن تهدف إيران من خلال هذا النهج إلى إطلاق عدد أقل من المقذوفات (بما في ذلك الشراك الخداعية) وإثبات مفهوم العمليات القائم على التأثير الذي تفاخرت به بعد هجومها الصاروخي في كانون الثاني/يناير 2020 ضد القوات الأمريكية في "قاعدة عين الأسد الجوية" في العراق، أي تحقيق النتائج ذاتها أو نتائج أفضل بعدد أقل من الأصول.
تمتلك إيران عدداً كبيراً من القواعد الصاروخية تحت الأرض التي يشمل نطاقها إسرائيل، مما يتيح إخفاء تحضير أسلحتها. وإلى جانب ما يتمتع به النظام من قدرات مناورة تفوق سرعة الصوت في بعض صواريخه، فقد يسعى إلى تقليص فترة إنذار إسرائيل إلى بضع دقائق باستخدام هذه القواعد لـ "يوم القيامة". وفي عام 2022، أفادت إيران بأن صاروخها الجديد "فاتح" يمكن أن يصل إلى إسرائيل في أقل من سبع دقائق.
قد يفرض تقليص فترات الإنذار المزيد من الضغوط على الدفاعات الإسرائيلية والأمريكية من جهة، وقد تكشف إيران، من جهة أخرى - إذا ما استخدمت قواعدها وإجراءاتها الأكثر أمناً وأحدث صواريخها - عن مواقع وقدرات ربما لم تتمكن أجهزة الاستخبارات الأجنبية من اكتشافها.
أما بالنسبة إلى الاستعانة بمصادر خارجية لتنفيذ الضربة باستخدام الطائرات المسيرة والصواريخ المجنحة، فقد تزيد إيران من عنصر المفاجأة من خلال جعل "حزب الله" يطلق وابلاً من تلك الأسلحة نحو القواعد العسكرية والقواعد الجوية ومواقع الدفاع الجوي والصاروخي في شمال إسرائيل ووسطها. وقد يطلق "حزب الله" أيضاً بعض صواريخه الباليستية الموجهة بدقة المصنوعة في إيران على أهداف رئيسية في إسرائيل من أجل إرباك دفاعات البلاد وتشتيتها.
ومن الناحية النظرية، يمكن لإيران أن تفكر حتى في تفويض الرد العسكري بكامله لشركائها في المحور واللجوء إلى مخططات أخرى بمفردها (على سبيل المثال، الإرهاب والهجمات الإلكترونية)، إلا أن ذلك سيعرض مصداقيتها وردعها للخطر.
الرد الأمريكي
بهدف ردع إيران، نقلت الولايات المتحدة مجموعة من القدرات الإضافية إلى المنطقة:
- سرب من طائرات "إف-22"
- المجموعة الضاربة بقيادة حاملة الطائرات "يو إس إس ثيودور روزفلت" التي أعيد نقلها من الخليج العربي إلى بحر العرب
- المجموعة البرمائية الجاهزة "يو إس إس واسب" التي أعيد تمركزها في شرق البحر الأبيض المتوسط بالقرب من إسرائيل، إلى جانب مدمرات بحرية فعالة جداً قادرة على التصدي للصواريخ الباليستية
- المجموعة الضاربة بقيادة حاملة الطائرات "يو إس إس أبراهام لينكولن" بجناح جوي مختلط يضم طائرات من طراز "إف/إيه-18إي/إف"، و"إي إيه-18جي"، و"إف-35سي"، أعيد نقلها من المحيط الهادئ
- نشر محتمل لأنظمة برية إضافية للدفاع الجوي والصاروخي
ويمنح وجود بعض أحدث المدمرات من فئة "أرلي بيرك" في المسرح العملياتي للولايات المتحدة قيمة مضافة من حيث مرونة المهمة والتكامل مع أجهزة الاستشعار الخارجية، فضلاً عن القدرة على استخدام أحدث جيل من الصواريخ الاعتراضية المضادة للصواريخ. وهو الأمر فيما يتعلق بمقاتلات الجيل الخامس التي تمنح القادة المقاتلين القدرة على تنفيذ جميع المهام الرئيسية للقوة الجوية (التفوق الجوي والدعم الجوي القريب والهجوم الاستراتيجي والحرب الإلكترونية والاستطلاع وجمع المعلومات الاستخباراتية وتوزيعها وقمع الدفاعات الجوية للعدو وتدميرها) بينما تسهم بشكل هائل في فهم الصورة العامة للتهديدات.
وللحث على خفض التصعيد، سارت هذه التدابير جنباً إلى جنب مع مبادرات دبلوماسية غير مسبوقة وتحذيرات تم نقلها عبر قنوات موازية مثل سويسرا والأردن وقطر والمملكة العربية السعودية. وفي حين أن هذه الجهود مجتمعةً تظهر لإيران أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن حلفائها، إلّا أن التدابير الدفاعية البحتة لم تردع طهران عن شن هجوم كبير في نيسان/أبريل، ولذلك يتعين على الولايات المتحدة إعادة النظر في استراتيجية الردع الخاصة بها. وإذا وضعنا جانباً الضربة الصاروخية محددة الهدف التي شنتها إسرائيل في 19 نيسان/أبريل والتي دمرت راداراً رئيسياً تابعاً للدفاع الجوي الإيراني، فقد شكلت طهران سابقة بإطلاقها هجمات صاروخية مباشرة ضد أعدائها دون مواجهة عواقب وخيمة. ولذلك يجب توجيه تحذير قاطع وجاد إلى طهران بأن أي هجمات مباشرة على المصالح الأمريكية أو حلفائها ستؤدي إلى عواقب خطيرة - وربما وجودية - على النظام.
ولا شك في مدى أهمية القدرات الدفاعية ومساهمتها في ردع إيران، إلا أنها لا تكفي وحدها للقيام بالمهمة. ولذلك تحتاج واشنطن إلى قدرة هجومية متخصصة حقيقية في المنطقة ترافق مساعيها الدبلوماسية القوية.
ومن بين القدرات المتطورة التي يمكن للبنتاغون نشرها في منطقة عمليات "القيادة المركزية الأمريكية" هي نظام الأسلحة الجديدة بعيدة المدى الذي تفوق سرعته سرعة الصوت، "دارك إيغل"، وهو عبارة عن صاروخ استراتيجي أرض-أرض مزود بجسم انزلاقي أسرع من سرعة الصوت يمكنه التحرك على طول مسار منخفض لضرب أهداف على مسافة تصل إلى 3000 كيلومتر. وتم اختبار النظام بنجاح ويدخل الخدمة حالياً. ومن شأن نشره في المنطقة ودعوة المسؤولين الحلفاء لرؤيته أن يُظهر لطهران أن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام أحدث أنظمة "الهجوم السريع" الدقيقة لردع خصومها وفرض التكاليف عليهم إذا لزم الأمر. وعلى الرغم مما يدليه النظام الإيراني من تصريحات مليئة بالتحدي، إلّا أنه قلق جداً بشأن ضعف مراكز ثقله الرئيسية وقبضته على السلطة. لذلك، من المرجح أن يتراجع في مواجهة تهديد هجومي موثوق.
الدكتور فرزين نديمي هو زميل أقدم في معهد واشنطن ومحلل متخصص في الشؤون الأمنية والدفاعية المتعلقة بإيران ومنطقة الخليج العربي.