- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2619
التحول المفاجئ في ائتلاف نتنياهو: الانعكاسات الأولى
في ما اعتُبر تحولاً مذهلاً هذا الأسبوع، أنهى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ("بيبي") فجأة أشهراً من المحادثات السرية لضم "حزب العمل" إلى حكومته الائتلافية. وفي المقابل، قرر إعفاء وزير الدفاع موشيه يعلون من منصبه واستبداله بمنافسه السياسي منذ مدة طويلة أفيغدور ليبرمان، وبذلك حصد المقاعد الستّ للحزب اليميني "إسرائيل بيتنا" من خلال هذه العملية.
احتمال اتخاذ الشركاء الغريبين منحىً وسطياً
من المرجح أن تكون خطوة نتنياهو قد جاءت نتيجة عمل القوى في الجانبين اليميني واليساري من الطيف السياسي الإسرائيلي حول قضية مشتركة من دون قصد ضد الجهود الرامية إلى تعزيز الوسط. ففي 17 آذار/ مارس، بدت محادثات نتنياهو مع زعيم "حزب العمل" اسحق هرتسوغ على وشك أن توضع عليها اللمسات الأخيرة، ولكن، في اليوم التالي عكس نتنياهو هذا المسار. فكما يبدو، كان أعضاء الائتلاف الشباب الوزيران ياريف ليفين وزئيف الكين ووزيرة العدل أييليت شاكيد غير راضين عن بعض التعهدات السياسية التي قدمها رئيس الوزراء إلى هرتسوغ، مثل وضع قيود على النشاط الاستيطاني، وإعادة إحياء التحركات الدبلوماسية المتعلقة بالفلسطينيين، والضغط من أجل عقد مؤتمر للسلام في المنطقة. وفي الثامن عشر من أيار/مايو، عدد هرتسوغ التعهدات التي قُطعت له من قبل نتنياهو، قائلاً: "أنا طالبتُ أن تكون جميع الاتفاقات خطية، بيد أن رئيس الوزراء رفض ذلك". وحتى الآن، لم يؤكد نتنياهو أو ينفِ ما قاله هرتسوغ.
وفي غضون ذلك، كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد حث جميع الفصائل الإسرائيلية في وقت سابق من هذا الأسبوع على العمل مع بعضها البعض من أجل السلام. ووفقاً لتقارير مختلفة، تكلم بتشجيع من توني بلير المبعوث الخاص لـ "اللجنة الرباعية الدولية للشرق الأوسط" منذ فترة طويلة والذي كان يشكل قناة وساطة غير رسمية مع القدس. حتى إن القاهرة كانت على ما يبدو على استعداد لاستضافة مؤتمر السلام الإقليمي المقترح. وكما أشار هرتسوغ: "وصلتْ لي ولنتنياهو رسائل من كبار المسؤولين الإقليميين والدوليين يقولون فيها إن 'هناك فرصة إقليمية كبيرة لاستئناف عملية [السلام]، فلا تفوتوا هذه الفرصة'. وكانت تصريحات السيسي ذات أهمية كبيرة. ولم تكن هذه الأمور منسقة مسبقاً لكنّها لقيت آذاناً صاغية، فقد كان "بيبي" يُخبر المنطقة إنّه يريد المضي قدماً [بالعملية] لكنّه مقيّد سياسياً. وللمرة الأولى منذ سنوات كثيرة، يعبّر رئيس عربي عن الوضع بشكل واضح".
وفي الوقت نفسه، انتقد هرتسوغ بشدة رئيسة "حزب العمل" السابقة شيلي يحيموفيتش لقضائها على كل جهد ممكن لإيجاد أرضية مشتركة مع نتنياهو وتوسيع الحكومة، معتبراً إيّاها "اليسار المتطرف". وفي الواقع، كان العديد من نواب "حزب العمل" قد انتقدوا هرتسوغ بقوة في الآونة الأخيرة، واتهموه بـ"الزحف" إلى الحكومة من دون أن ينتظر حتى ليرى ما هي التعديلات السياسية التي يمكن أن يستحصل عليها من نتنياهو. وما حصل بعد ذلك أتى كتأثير الدومينو، إذ أوضح نصف أعضاء فصيل الداعمين لهرتسوغ أنهم لن يبقوا معه إذا انضم إلى الحكومة، مما جعل عرض الوحدة التي يعمل عليها أقل جاذبية للآخرين.
وتشير جميع هذه التطورات مجتمعة إلى أن رئيس الوزراء قد يكون الآن أكثر امتناناً لليبرمان، ولنفتالي بينيت الذي يرأس فصيلاً يمينياً رئيسياً آخر هو "البيت اليهودي". ويُذكر أنه من غير المرجح أن يثق أقصى اليمين بنتنياهو في الوقت الحالي نظراً إلى التنازلات التي كان مستعداً لتقديمها إلى هرتسوغ، فضلاً عن أنه قد أحرق الجسور التي تصله بزعيم "حزب العمل" في ضوء هذا التحول المفاجئ.
ويواجه نتنياهو أيضاً معركة شاقة أشد صعوبة بكثير فيما يتعلق بالتحديات الدبلوماسية القادمة، مثل محادثات السلام الفرنسية التي من المقرر أن تعقد مؤتمرين [دوليين]، وتقرير "اللجنة الرباعية الدولية" الجديد حول الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية، واحتمال أن يسعى مجلس الأمن الدولي إلى فرض حل للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني بحلول نهاية هذا العام. ويتبين هنا أن الاقتراح الفرنسي، إن كان ذلك وليد الصدفة أم لا، كان معلقاً بينما كانت تنجلي التطورات السياسية في إسرائيل، لكنّه تم الآن تحديد موعد لعقد مؤتمر باريس في 3 حزيران/يونيو. وقد تم الإعلان عن مشاركة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في التاسع عشر من أيار/مايو. وقد كان قد أحجم سابقاً عن الالتزام [بالمشاركة] في أي مؤتمر كهذا - وإذا كان هذا التكتم طريقته في إعطاء الفسحة اللازمة لحكومة نتنياهو-هرتسوغ لاتخاذ التدابير بنفسها، يبدو أن هذه الخطوة الأخيرة قد حثته على اتخاذ القرار. وليس هناك شك في أن فرنسا جعلت من مشاركة كيري أولوية بالنسبة لها. وعلى نطاق أوسع، فإن مفاد الرسالة التي تصل إلى الدبلوماسيين الذين يراقبون التطورات الإسرائيلية المنكشفة هذا الأسبوع هو أن نتنياهو غير قادر سياسياً على إجراء تعديلات في الائتلاف في منتصف المسار من شأنها استباق التحديات الدبلوماسية.
بُعد ليبرمان
يثير التحول الذي شهدته الأوضاع هذا الأسبوع الكثير من التساؤلات حول الطريقة التي سيعمل من خلالها ليبرمان مع نتنياهو بصفته وزيراً للدفاع والتأثير الذي قد يحدثه في السياسة الخارجية الإسرائيلية. وكان ليبرمان، وهو مهاجر من مولدافيا، قد بدأ مسيرته السياسية كمدير عام لمكتب رئيس الوزراء خلال ولاية نتنياهو الأولى عام 1996. وعلى الرغم من أنه كان مفيداً في البداية في جذب دعم المهاجرين الروس لنتنياهو، اختلف الإثنان وأسس ليبرمان حزبه الخاص بالمهاجرين. ومنذ ذلك الحين لم يُخفِ رغبته في قيادة اليمين الإسرائيلي، ليصبح من أشد منتقدي رئيس الوزراء. ففي العام الماضي، هزّ البلاد عندما قرر البقاء خارج الحكومة الحالية، زاعماً أن نتنياهو كان مقرباً جداً من الأطراف اليهودية المتشددة التي شككت في النسب اليهودي لبعض المهاجرين من الاتحاد السوفياتي السابق. واتهم أيضاً رئيس الوزراء بأنه يشع "ضعفاً" في ما يخص الإرهاب؛ وقبل أسبوعين فقط دعا نتنياهو إلى الاستقالة للسبب نفسه.
وفي الواقع، يشعر ليبرمان بالغبطة عند إصداره تصريحات استفزازية للغاية. فخلال حرب غزة عام 2014، كان الوزير الوحيد الذي دعا علناً إلى إعادة الاحتلال الإسرائيلي الكامل لتلك الأراضي. وفي أحيان أخرى، دعا إسرائيل إلى قصف سد أسوان، قائلاً: "فليذهب الرئيس المصري السابق حسني مبارك إلى الجحيم" إذا كان لا يريد زيارة إسرائيل. ولكن، بصفته وزير الخارجية ما بين العامين 2009 و2015، أظهر واقعية أكبر، حيث أشار علناً إلى أنه لا بد لإسرائيل من إطلاق أفكار السلام الخاصة بها وإلا فسيتخذ الآخرون المبادرات الخاصة بهم.
ومع ذلك، فنظراً إلى تصريحاته حول غزة، فإن تعيينه وزيراً للدفاع سيدفع بالبعض إلى التساؤل عما إذا كنا سنشهد حرباً أخرى مع حركة «حماس» في المستقبل القريب. وفي السابق كان نتنياهو قد عيّن جنرالات سابقين في منصب وزير الدفاع، على سبيل المثال: اسحق مردخاي عام 1996، ايهود باراك عام 2009، ويعلون عام 2013. وفي المقابل، لم يتولَ ليبرمان قطّ منصباً رفيعاً في "جيش الدفاع الإسرائيلي"، وليس من الواضح بتاتاً كيف سيتماشى مع كبار ضباط "الجيش الإسرائيلي". ومنذ انهيار محادثات السلام عام 2014، سعت القيادة العسكرية إلى لعب دور في استقرار الساحة الإسرائيلية الفلسطينية، لا سيما على مدى الأشهر القليلة الماضية، وهي مقاربة بُررت على ما يبدو بفعل الانخفاض الأخير في موجة هجمات الطعن (انظر: "قوات «جيش الدفاع الإسرائيلي» تملء الفراغ"). من جانبه، يُعرف ليبرمان بدعوته العلنية لشن حملة واسعة النطاق في الضفة الغربية. كما أنه زار قاعة المحكمة التي يحاكم فيها الجندي في "الجيش الإسرائيلي" إيلور عزاريا بتهمة القتل غير العمد بعد إطلاقه النار على منفذ عملية طعن فلسطيني في الخليل كان يرقد بلا حراك على الأرض. وقد دعا ليبرمان إلى إصدار أحكام إعدام إلزامية بحق الإرهابيين لكي لا يمكن الإفراج عنهم في أي عملية لتبادل الأسرى، الأمر الذي يرى بعض الإسرائيليين أنه سيؤدي إلى تعميق دوامة الانتقام. ومن غير الواضح بتاتاً ما إذا كانت "المحكمة العليا الإسرائيلية" ستوافق على الإجراء.
ومن الملفت أن ليبرمان قد يحاول استخدام منصبه الجديد للتواصل مع محمد دحلان، منافس رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الذي يعيش حالياً في أبوظبي، فقد أفادت بعض التقارير أنّ ليبرمان يحافظ على اتصالات كبيرة معه، فكلاهما من منتقدي عباس الشديدين، ودحلان يرى نفسه خليفة محتمل للزعيم البالغ من العمر واحد وثمانون عاماً.
وبغض النظر عن الشؤون السياسية، سيكون من المثير أن نرى ما إذا كان ليبرمان يسعى للانضمام مرة أخرى إلى "حزب الليكود" بزعامة نتنياهو. فقد يعتبر أن هذا الحزب يشكل نقطة انطلاق سياسي أفضل لصراع الخلافة من حزبه الخاص والذي يقوم على موجة الهجرة الروسية التي حدثت قبل خمسة وعشرين عاماً.
مستقبل يعلون
لم يشرح نتنياهو بعد لماذا أطاح بالجنرال يعلون، ولا شكّ أن الوضع برمته قد أزعج وزير الدفاع. [وأثناء كتابة هذه السطور أعلن يعلون استقالته من منصبه، وسط تقارير عن نية نتنياهو تعيين أفيغدور ليبرمان خلفاً له. وقال يعلون عبر موقع "تويتر" للتواصل الاجتماعي إنه فقد الثقة في رئيس الوزراء، وإنه يريد أن يأخذ إجازة من الحياة السياسية. وفي كلمة ألقاها أمام ملتقى للقادة الشباب في التاسع عشر من أيار/مايو، قال وزير الدفاع المستقيل إن إسرائيل "فقدت بوصلتها الأخلاقية"].
وعلى أرجح الإحتمالات، يمكن القول إن الخطوة كانت عبارة عن مناورة سياسية محضة لتوسيع الائتلاف. فلم يخفِ ليبرمان رغبته في أن يكون وزيراً للدفاع كجزء من خطته البعيدة الأمد لتولي رئاسة الوزراء في المستقبل. وفي الوقت نفسه، قدم يعلون الدعم الكامل لتصريحات "الجيش الإسرائيلي" حول أهمية الحفاظ على القيم العسكرية الغربية - وليس فقط فيما يتعلق بقضية الجندي عزاريا، بل أيضاً من حيث تعزيز الفرص الاقتصادية للفلسطينيين والمعارضة العلنية لأي إسرائيلي يؤيد التمييز، الأمر الذي يشير إلى أنه كان على خلاف متزايد مع بعض أعضاء الجيل الجديد في الائتلاف. ومن المرجح أن نتنياهو قد اعتقد أنه لا يمكنه أن يسمح بترسّخ مثل هذا الانطباع، وسوف ينظر إلى صمته المستمر كدليل على إقراره هذه القصة.
المحصلة
من الممكن أن نتنياهو كان يريد حقاً انضمام هرتسوغ إلى حكومته لكنّه لم يكن مستعداً للوقوف في وجه أولئك الذين عارضوا هذه الخطوة أو كان قادراً على القيام بذلك. وعلى أي حال، فقد أجرى الآن مقايضة صعبة: إذ على الرغم من أنه كسب ستة مقاعد لضمان بقائه السياسي، إلا أنه أحضر منافساً قوياً جداً كان قد أعرب جلياً عن عدم تقديره العالي لرئيس الوزراء ورغبته في خلافته. وخلال هذه العملية، خسر نتنياهو وزير دفاع مخلص ومتعاون ومن ذوي الخبرة. كما يبدو أن نتنياهو أغلق الباب أمام حدوث تحوّل في السياسة كان من الممكن أن يخفف من حدة سلسلة من المبادرات الدولية التي ليست كما يرغب حتماً. وبدلاً من ذلك، يواجه الآن تحدياً أكثر صعوبة في الداخل والخارج، ومن الصعب أن نرى كيف سيواجهه.
ديفيد ماكوفسكي هو زميل "زيغلر" المميز ومدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن.