- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2637
التكفيريون في طهران: الوجه الطائفي لمكافحة الإرهاب في إيران
في 14 حزيران/يونيو، قامت وزارة الاستخبارات الإيرانية بسلسلة عمليات أدت إلى اعتقال عشرة "إرهابيين تكفيريين وهابيين" في طهران وثلاث محافظات أخرى. وبعد الإعلان الأولي عن عملية القمع في 19 حزيران/يونيو، قدم وزير الاستخبارات الإيراني محمود علوي المزيد من التفاصيل حول المشتبه بهم المحتجزين بعد ذلك بيومين. ووفقاً للوزير، "كانت خطتهم تقضي بمهاجمة العديد من الأماكن المزدحمة باستخدام قنابل عن بُعد وسيارات مفخخة"، وكانوا قد أعدّوا قائمة تضم خمسين هدفاً بالإجمال. كما أفادت بعض التقارير أن عناصر الاستخبارات قد ضبطوا كيلوغراماً واحداً من المواد المتفجرة واستخدموا "طرقاً متطورة" لمنع تسليم طَنّيْن إضافيين منها إلى "الإرهابيين". وقد نُشرت أشرطة مصورة توثق على ما يبدو عملية التوقيف على الموقع الإلكتروني لـ "وكالة أنباء فارس"، وهي إحدى وسائل الإعلام التابعة لـ «فيلق الحرس الثوري الإسلامي».
وما زال نطاق هذا التهديد وحدّته الفعليَّيْن غير معروفَيْن في الوقت الراهن، ولكن الخطاب المحيط برد النظام يحمل تداعيات محلية واضحة. فبالإضافة إلى التعامل مع تسلل الإرهابيين ككرة قدم سياسية في السنوات الأخيرة، يستخدم عدة مسؤولين عبارات مفخخة على غرار "التكفير" لحشد الرأي العام وراء أجندة طهران الإقليمية الطائفية.
ما هو التكفير في السياق الإيراني؟
"تكفير" هو مصطلح ازدرائي يشير إلى عزل مسلمين لإخوانهم المسلمين عن دينهم الإسلامي. وعادة ما يرتبط هذا المصطلح بتنظيمي «القاعدة» و «الدولة الإسلامية» وغيرهما من الجماعات الإسلامية السنية العنيفة، التي غالباً ما تستخدم هذا المصطلح لوصف المسلمين الذين لا يشاركونها نظرتها للعالم وذلك كتبرير لإلحاق الأذى بهم أو قتلهم. وعلى الرغم من أن هذه الجماعات ليست متجانسة من الناحيتين النظرية أو العملية، إلا أنه عادة ما يتم تجاهل مثل هذه الفروق الدقيقة في وسائل الإعلام الإيرانية وفي تصريحات النظام، التي تلصق في أغلب الأحيان لقب "تكفيريين" على جميع المتطرفين السنة العنيفين من أجل تسليط الضوء على ممارساتهم بعزل مسلمين آخرين عن دينهم. وبالتالي، غالباً ما يصوّر الخطاب الإيراني الوهابية والسلفية وغيرهما من الحركات السنية المحافظة من الزاوية "التكفيرية" ذاتها.
وعلى مر التاريخ، كان تعريف مصطلح "التكفير" محدوداً أكثر بكثير وكان استخدامه نادراً. أما في الأزمنة الحديثة فقد استخدمته عدة جماعات سنية متطرفة لكي تستهدف بشكل عام أي مسلم، سواء أكان شيعياً أم سنياً، لا يؤمن بضرورة إقامة حكومة إسلامية تطبق الشريعة، ملقبةً إياه بالـ "كافر" حتى لو كان يمارس دينه بكل تقوى على كافة الأصعدة الأخرى. ولكن بما أن مكافحة التشيّع هي عنصر مشترك لدى السلفيين والمذاهب الأخرى المتفرعة من السنة، يُحدث استخدامهم لعبارة "تكفير" وقعاً مختلفاً على آذان الإيرانيين، إذ أنه يُعتبر طريقة لاستهداف الشيعة لمجرد كونهم شيعة، وليس بسبب أي فشل مفترض في اتباع العناصر الإيديولوجية الحديثة للسلفية الثورية.
ومن المفارقات أن الإسلام الثوري يشكل القاعدة الإيديولوجية للنظام الإيراني بحد ذاته، الذي يتشارك المعتقد التكفيري بحتمية إقامة حكم إسلامي صارم. إلا أن "تكفيري" هي عبارة مفخخة قادرة على حشد الجماهير الشيعية في وجه السلفيين والوهابيين عبر تسليط الضوء على العناصر الطائفية في هويتهم واستمالة المشاعر الدينية الأولية لدى الشيعة. كما أن هذه العبارة تسمح للنظام بمساواة أكثر الجماعات السلفية عنفاً مع الوهابية بصورة عامة، وبالتالي مع المملكة العربية السعودية، التي تُعتبر مهد هذا المذهب الإسلامي وأبرز مصدّر له. وفي الواقع، تصف طهران باستمرار الحكومة السعودية بأنها الداعم والممول الأساسي للجماعات الإسلامية العنيفة، خصوصاً تنظيم «الدولة الإسلامية». ومن خلال هذه المقاربة التكفيرية للدعاية المناهضة للسعودية، يستطيع النظام تصوير التوترات القائمة مع الرياض كصراع عميق مرتكز على اختلافات طائفية ثابتة أكثر من كونه منافسة سياسية/اقتصادية بين الدولتين.
ويهدف هذا الخطاب بشكل مباشر إلى حشد دعم عام لعمليات الانتشار العسكرية الكثيفة التي ينفذها النظام الإيراني في الخارج، خصوصاً في سوريا. ولطالما سعت طهران إلى إقناع شعبها بأن هذه التدخلات لا ترمي إلى منع دولة أجنبية من الانهيار، وإنما لمواجهة أعداء إيران والمجتمع الشيعي بشكل عام، ومن الأفضل خوض هذه المعركة خارج إيران. فبغض النظر عن أي تهديد فعلي قد يطرحه تنظيم «الدولة الإسلامية» أو لا يطرحه على الجمهورية الإسلامية، يحتاج النظام الإيراني إلى تصوير التنظيم على أنه خطير، فيما يُظهر نفسه بصورة الحامي الرئيسي للشيعة ضد التقدم السني القائم على الهيمنة في المنطقة. ويشكل ذلك من وجهة نظر طهران الطريقة الوحيدة لإقناع الإيرانيين بدعم جهودها السياسية والمالية والعسكرية الغير محدودة ضد التقدم "التكفيري" أينما حصل.
مكافحة الإرهاب كأداة سياسية
في السنوات الأخيرة، خرج عدة مسؤولين سياسيين ودينيين إلى العلن بتقارير غامضة أحياناً، وحتى متناقضة فيما يتعلق بتسلل التكفيريين إلى إيران وقيام النظام باعتراض المخططات الإرهابية المزعومة. ومن غير الواضح ما إذا كان هؤلاء المسؤولون أكثر قلقاً بشأن كبح النفوذ الإيديولوجي للتكفيريين على المستوى المحلي أو منع الهجمات الإرهابية المحتملة أو استخدام تلك القضية كأداة سياسية في الصراع الداخلي بين معسكر المتشددين التابع للمرشد الأعلى علي خامنئي ودائرة الرئيس حسن روحاني. على سبيل المثال، زعم وزير الاستخبارات محمود علوي أن عملية مكافحة الإرهاب الأخيرة بدأت في 14 حزيران/يونيو، ولكن بعد ذلك بيومين، أنكر قائد الشرطة الإيرانية العميد حسين اشتري أن تكون أي عناصر تكفيرية أو تابعة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» قد دخلت البلاد، قائلاً: "لم تبذل تلك العناصر سوى جهود قليلة على الحدود، وقامت القوات العسكرية الإيرانية بتفكيكها في الوقت المناسب".
وكان عدة مسؤولين آخرين قد حذروا في الماضي من مخاطر تسلل [التكفيريين]، ومن بين هؤلاء رئيس السلطة القضائية الإيرانية صادق لاريجاني والمرجع الديني في مدينة قم آية الله ناصر مكارم شيرازي المقرب من معسكر خامنئي. على سبيل المثال، حذر شيرازي في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2013 من خطة وهابية/تكفيرية تقضي بتغيير النسيج الديمغرافي الإيراني من خلال شراء أراضي تعود ملكيتها للشيعة، لا سيما في مشهد وشيراز وأروميه.
وكانت لعلوي مزاعم سابقة أيضاً عن تسلل التكفيريين ولكن بنكهة إرهابية أكثر وضوحاً. ففي خطاب ألقاه في 29 أيار/مايو 2015 قبل صلاة الجمعة في طهران، ادّعى أن السلطات قد منعت التكفيريين من تنفيذ سلسلة من الهجمات الإرهابية في العام الماضي بمناسبة تجمعات "يوم القدس" في شيراز وزاهدان. وأشار بشكل خاص إلى عدة جماعات معارضة مسلحة إيرانية مثل "أنصار الفرقان" و"جند الله". فالبرغم من أن قائدي هاتين الجماعتين (هشام عزيزي وعبد الملك ريغي، تباعاً) قد قُتلا على يد النظام منذ سنوات، أشارت طهران إلى أن كوادرهما ما زالت ناشطة. وادعى علوي أيضاً أن التكفيريين كانوا يخططون لتسميم الطعام في أحد المراكز الدينية في طهران وقصف حرم "فاطمة المعصومة" في مدينة قم. وقال علوي: "تم اكتشاف جميع الخلايا والفرق التابعة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» والقبض [على أعضائها] الواحد تلو الآخر".
ولكن عندما أطلق المسؤولون التابعون لروحاني ادعاءات مماثلة، سرعان ما هاجمهم المتشددون. ففي 20 كانون الأول/ديسمبر 2015، "كشف" الرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني أن ثلاثة تكفيريين قد عبروا حدود إيران الشرقية لتنفيذ مخططات تفجير ضد تجمع لصلاة الجمعة في طهران وحرم "الإمام الرضا" في مشهد وحرم "فاطمة المعصومة". ورداً على ذلك، اعتبر مساعد وزير الداخلية الإيراني للشؤون الأمنية حسين ذو الفقاري أن تلك الادعاءات غير دقيقة، فيما اتهم متشددون آخرون رفسنجاني بنشر تقارير كاذبة للنيل من سمعة وزارة الاستخبارات وإضعاف المرشد الأعلى. وقالوا أيضاً أن رفسنجاني كان يستخدم تلك التقارير لدوافع شخصية متعددة، أهمها صرف الانتباه عن علاقاته الوثيقة مع العائلة المالكة السعودية، وإظهار أن عملية صنع القرار في المجالين الأمني والعسكري متعثرة لأن تلك الحقائب قد انتُزعت منه، والانتقام لسجن ابنه بتهم فساد مالي.
وبصورة عامة، يعتبر المتشددون أن سر قوة إيران في المنطقة ينبع من أيديولوجيتها الثورية وقدرتها العسكرية على تطوير هذه الأيديولوجية من خلال توسيع عمقها الاستراتيجي على جبهتين: بالقرب من الحدود الإسرائيلية عبر التدخل في سوريا ولبنان، والتغلغل أكثر في الأراضي العراقية عن طريق الميليشيات الشيعية وأدوات أخرى. ويغذي ذلك التنافس القائم بين روحاني وخامنئي. فمن وجهة نظر المرشد الأعلى، يمكن للقوة العسكرية فقط أن تضمن مصالح إيران وتحميها من مضايقات القوى العظمى، لأن الدبلوماسية وحدها غير كافية لمواجهة سياسات الغرب العدائية، وخاصة الولايات المتحدة. وانسجاماً مع اعتباره واشنطن لاعباً غير موثوق به على الإطلاق، يعتقد خامنئي أن تلك العدائية لن تزول إذا ما غيّر سياساته.
وحققت هذه الحملة الدعائية القائمة منذ مدة طويلة نجاحاً باهراً في السنوات الأخيرة لدرجة أنه حتى قاسم سليماني، قائد «قوة القدس» التابعة لـ «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» وبالتالي الشخصية المجسِدة لنزعة التدخل الأجنبي، أصبح بطلاً وطنياً في نظر العديد من الإيرانيين، بمن فيهم أولئك الذين خلاف ذلك يعارضون سياسات النظام. وكما نقلت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية هذا الأسبوع، أدلى الجنرال بتصريحات تحريضية حول البحرين في 20 حزيران/يونيو، محذراً حكومة الجزيرة من أنها قد تخطت الحدود من خلال الإجراءات التي اتخذتها بحق رجل دين شيعي بارز. وفي معرض حديثه، أشار إلى أن معسكر خامنئي لن يعتمد على الدبلوماسية والتفاوض للتعامل مع الأزمات الإقليمية، بل أن «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» سيهمل حكومة روحاني عندما يتعلق الأمر بقضايا أساسية في الشرق الأوسط.
وفي الواقع، لطالما اعتبر المتشددون أن مسؤولية ردع العدو، حتى على طاولة المفاوضات، لا تقع على عاتق دبلوماسيي روحاني بل على مقاتلي «فيلق الحرس الثوري الإسلامي». وينسجم هذا الادعاء مع ميلهم إلى تضخيم خطر تنظيم «الدولة الإسلامية» وربطه بالسعوديين والسلفيين. وفي نهاية المطاف، إن هذا الخطاب يساعد النظام على إظهار الدور الأمني الوطني الذي تلعبه «قوة القدس» و«فيلق الحرس الثوري الإسلامي» كونه أهم بكثير مما قد يكون في الواقع.
مهدي خلجي هو زميل "ليبيتزكي فاميلي" في معهد واشنطن.