
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4025
تيسير الاتفاق الجديد مع "قوات سوريا الديمقراطية" هو مفتاح تحقيق الاستقرار في سوريا

توصلت الجماعةُ التي يقودها الأكراد إلى تفاهماتٍ مهمة مع القيادة الجديدة في دمشق، لكن استكمال هذه التفاهمات وتنفيذها، إلى جانب حل نقاط الخلاف، سيتطلب مزيداً من الدعم من قبل الولايات المتحدة وشركائها.
في العاشر من آذار/مارس، وقّع قائد "قوات سوريا الديمقراطية" مظلوم عبدي اتفاقاً مبدئياً مع الرئيس المؤقت أحمد الشرع لبدء العمل على دمج القوات الكردية في الجيش السوري الجديد، وذلك بعد أشهرٍ من المفاوضات التي حظيت بدعم أمريكي. ويعد الاتفاق، الذي رحبت به علناً واشنطن والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وجهات فاعلة أخرى، خطوة أساسية لتحقيق الاستقرار والانتعاش الاقتصادي في سوريا - إذ لا يمكن تحقيق أي منهما دون معالجة مستقبل الشمال الشرقي الذي تسيطر عليه "قوات سوريا الديمقراطية"، وهي منطقة تضم 95% من موارد النفط والغاز في البلاد.
عند توقيع الوثيقة، اتفق الطرفان على ثماني نقاط رئيسية تشمل الاعتراف بالأكراد كمكون أصلي، وضمان مواطنتهم والحقوق الدستورية المصاحبة لها، ودمج جميع المؤسسات المدنية والعسكرية في الشمال الشرقي (مثل المعابر الحدودية ومطار القامشلي وحقول النفط والغاز)، وضمان عودة النازحين داخلياً وحمايتهم، وفرض وقف شامل لإطلاق النار على مستوى البلاد. وستتولى لجان مشتركة تنفيذ الاتفاق، على أن يتم ذلك في موعد أقصاه نهاية العام الحالي. وقد استضاف التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" اجتماعاً تحضيرياً أولياً في قاعدة الشدادي في 19 آذار/مارس، ومن المقرر أن تبدأ هذه اللجان عملها في أوائل الشهر الجاري.
ومع ذلك، فإن العوائق التي تعترض تنفيذ الاتفاق لا تزال عديدة، إذ تختلف دمشق و"قوات سوريا الديمقراطية" بشأن طبيعة الحكم الوطني المستقبلي (أي اعتماد اللامركزية أو رفضها)، ودرجة الاندماج العسكري (إذ ترغب "قوات سوريا الديمقراطية" في الحفاظ على استقلاليتها)، فضلاً عن مستقبل سيطرتها على المناطق ذات الأغلبية العربية، وملف معتقلات عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" - وهو أحد أبرز الملفات الشائكة في النقاشات المتعلقة بمستقبل الوجود العسكري الأمريكي في سوريا. علاوة على ذلك، يستمر القتال بين "قوات سوريا الديمقراطية" والجماعات المدعومة من تركيا، في ظل معارضة أنقرة المستمرة للوجود الكردي المسلح على طول حدودها -وهو موقف قد يشهد تحولاً كبيراً تبعاً لنتائج الجهود التركية الجديدة الرامية للتوصل لتسوية سلمية دائمة مع "حزب العمال الكردستاني"، وهي جماعة مرتبطة بشكلٍ مثير للجدل بـ"قوات سوريا الديمقراطية". وفي الواقع، يمكن أن ينهار إطار الاتفاق السوري بأكمله خلال التفاوض على أي من هذه القضايا المعقدة، مما يجعل الاستمرار في الدعم والمشاركة الدولية أمراً ضرورياً لتيسير الطريق أمام العمل الشاق الذي ينتظر الجميع.
المركزية مقابل الفيدرالية
في حين أن الجماعات التي أطاحت بنظام بشار الأسد تتبنى رؤية لدولة مركزية، تأمل "قوات سوريا الديمقراطية" في إرساء نظام لا مركزي - وهو توتر ينعكس بوضوح في البيانات والوثائق العلنية الصادرة عن الطرفين. فقد ذكر الشرع في"خطاب النصر " الذي ألقاه في 29 كانون الثاني/يناير أن "سيادة سوريا ستفرض تحت سلطة واحدة"، في حين أن الدستور المؤقت الذي تم تبنّيه في 13 آذار/مارس شدد على الحفاظ على وحدة البلاد، وأدان أي فصائل تدعو إلى "التقسيم" أو تطلب الدعم الخارجي لقضيتها. كما أبقى الميثاق الجديد على الاسم الرسمي "الجمهورية العربية السورية"، دون أن يتطرق إلى الحقوق السياسية أو الثقافية للكرد.
وفي المقابل، أكد بيان صدر في آذار/مارس عن "مجلس سوريا الديمقراطية"، الجناح السياسي لـ"قوات سوريا الديمقراطية"، على أن الدولة يجب أن تُدار بنظام لا مركزي. وفي كانون الثاني/يناير، صرح مظلوم عبدي بأن دمشق ينبغي أن تمنح مزيداً من الحكم الذاتي لمختلف المناطق في سوريا، وليس فقط للشمال الشرقي.
تتفق غالبية الفصائل الكردية السورية - بما في ذلك "المجلس الوطني الكردي" و"حزب الاتحاد الديمقراطي" التابع لـ"قوات سوريا الديمقراطية"- على ضرورة إرساء شكل من أشكال اللامركزية وترفض الدستور المؤقت باعتباره إقصائياً. ومع ذلك، تتباين النماذج الفيدرالية التي تتبناها هذه الفصائل. فقد صرح عبدي أن أكراد سوريا لا يسعون إلى إقامة حكم ذاتي دائم على غرار كردستان العراق. فقبل سقوط الأسد بوقت طويل، أنشأ "حزب الاتحاد الديمقراطي" كياناً محلياً يُعرف الآن باسم الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا، وهو نظام متعدد الأعراق يستند إلى إيديولوجية زعيم "حزب العمال الكردستاني" المسجون عبد الله أوجلان .ويعتبر النظام المقترح من قبل "المجلس الوطني الكردي" أقرب من الناحية الأيديولوجية إلى "الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي".
الاندماج العسكري
وافقت "قوات سوريا الديمقراطية" على الانضمام الشكلي إلى الجيش الوطني، مع تمسكها بالإبقاء على القيادة والسيطرة المحلية على الوحدات الكردية. وفي كانون الثاني/يناير، رفض وزير الدفاع السوري المؤقت مرهف أبو كسرة اقتراح "قوات سوريا الديمقراطية" بالبقاء ككتلة عسكرية منفصلة. ولكن بعد المذابح الأخيرة التي استهدفت أقلية أخرى هي العلويين، ستواجه الحكومة صعوبة أكبر في إقناع الأكراد بالتخلي عن استقلالهم العسكرية (خاصة في ظل التساؤلات المستمرة حول القوات الحكومية المسؤولة عن عمليات القتل هذه، كما هو موضح أدناه) . تُطرح أيضاً معضلة أخرى، تتمثل في أن القوات الكردية تضم وحدة نسائية بالكامل، الأمر الذي يصعُب، وربما يستحيل، دمجها في ظل التوجه الإسلامي الذي يتبناه القادة الجدد في دمشق.
ويتمثل أحد الخيارات التوفيقية في إعادة تنظيم "قوات سوريا الديمقراطية" ضمن فرق عسكرية إقليمية في تلك المحافظات التي تخضع لسيطرة كردية جزئية (على سبيل المثال، الحسكة والرقة ودير الزور). ويمكن تعيين قادة "قوات سوريا الديمقراطية" على رأس كل فرقة، مع الإبقاء على السيطرة المحلية، والاستمرار في التنسيق مع دمشق في ما يتعلق بالعمليات ضد "تنظيم الدولة الإسلامية"، أو خلايا النظام السابق، أو العناصر التابعة لإيران.
كما تتعرض الحكومة الجديدة لضغوط من بعض الجهات التي تطالبها بإعادة بسط سيطرتها على المناطق ذات الأغلبية العربية، والتي لا تزال القوات الكردية تسيطر عليها حاليًا. وقد يُعد الإبقاء على إدارة يقودها الأكراد في محافظة الحسكة أمراً منطقياً بالنظر إلى تركيبتها السكانية المختلطة، إلا أن استمرار الحكم الكردي في المناطق ذات الغالبية العربية، كالرقة ودير الزور، قد يصبح أمراً مرفوضاً، خاصةً بعد تراجع المخاوف المحلية من عودة نظام الأسد. والجدير بالذكر أن الإدارتين المرتبطتين بـ"قوات سوريا الديمقراطية" في حيين من أحياء حلب ذات الغالبية الكردية، توصلتا الأسبوع الماضي إلى اتفاق مع دمشق يهدف إلى نزع فتيل التوترات المحلية، من خلال سحب جميع العناصر العسكرية، وتمكين الشرطة وقوات الأمن المحليتين من "تكريس مبدأ التعايش وتعزيز السلم الأهلي".
معتقلي "تنظيم الدولة الإسلامية"
إحدى النقاط الحاسمة التي لم يتم ذكرها في اتفاق "قوات سوريا الديمقراطية" الجديد هي ادعاء الحكومة بأن دمشق ستستعيد السيطرة على المخيمات والسجون الشمالية الشرقية التي تضم ما يقدر بنحو خمسين ألف مقاتل ومدني . وتشير المحادثات مع مصادر في "قوات سوريا الديمقراطية" إلى أنهم لا يستطيعون اتخاذ قرار بشأن التصرف المستقبلي في هذه المنشآت من تلقاء أنفسهم، لأنها جزء أساسي من مهمتهم الممتدة مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. لا ترغب دمشق وتركيا أن تستمر "قوات سوريا الديمقراطية" في السيطرة على المعسكرات والسجون، ولكن من المفترض أن يرفض التحالف إسناد مسؤولية تأمين هذه المنشآت إلى طرف ثالث دون خطة موثوقة وقابلة للتنفيذ.
في الوقت الحالي، صرح مسؤولو "قوات سوريا الديمقراطية" علناً أن إدارة هذه المرافق ستبقى دون تغيير. وبالتالي، فإن الخيار الأفضل على المدى القريب هو زيادة التنسيق في هذه المسألة وتسريع إعادة المحتجزين غير السوريين إلى بلدانهم الأصلية إلى أن يتم تنفيذ اتفاق دمشق - "قوات سوريا الديمقراطية". كما أن سقوط الأسد قد سهّل على النازحين السوريين في هذه المخيمات العودة إلى مجتمعاتهم المحلية
تركيا ووكلاؤها.
كما أشرنا سابقاً، واصلت مجموعة مدعومة من تركيا، هي "الجيش الوطني السوري" هجماتهاعلى" قوات سوريا الديمقراطية" في منطقة سد تشرين رغم موافقة الأخيرة على الاندماج مع وزارة الدفاع السورية بعد سقوط الأسد. كما تحدثت "قوات سوريا الديمقراطية" عن المزيد من الضربات عبر الحدود من قبل القوات العسكرية التركية.
وفي سياق متصل، فإن وجود "الجيش الوطني السوري" في عفرين ذات الأغلبية الكردية يجعل من الصعب على آلاف النازحين الأكراد العودة إلى هناك. وتفيد التقارير أن هذه الجماعة ارتكبت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ضد الأكراد الذين بقوا في المنطقة، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية، والتعذيب، والخطف، والاختفاء القسري.
كما قامت وحدات "الجيش الوطني السوري" باعتقال سكان عفرين الذين استضافوا مسؤولين من جهاز الأمن العام التابع للحكومة المؤقتة خلال زيارة قاموا بها في 6 شباط/فبراير. ويتضح أيضاً أن التنظيم لا يزال يعمل بشكل منفصل عن دمشق، حيث تشير الاتهامات إلى مسؤولية عناصر "الجيش الوطني السوري" عن المجازر الأخيرة ضد العلويين.
لذلك، يجب على اللجان المشتركة الجديدة بين دمشق و"قوات سوريا الديمقراطية" النظر في سحب وحدات "الجيش الوطني السوري" من المناطق ذات الأغلبية الكردية مثل عفرين، واستبدالها بمزيج من قوات "جهاز الأمن العام" والمجندين الأكراد المحليين. كما يمكن نشر القوات الحكومية في نقاط التماس بين "قوات سوريا الديمقراطية" و"الجيش الوطني السوري"، مثل عين عيسى، وسد تشرين، وتل تمر. ويمكن لواشنطن والجهات الفاعلة الأخرى الضغط على تركيا ودمشق لتسهيل هذا الترتيب، على غرار الطريقة التي انتشر بها الجيش السوري في بعض هذه المواقع بعد اتفاق بوساطة روسية في عام 2019. كما ينبغي حث أنقرة على التخلي عن دعمها الكامل لـ"الجيش الوطني السوري"، إذ لا يمكن للحكومة السورية أن تقود هذا الفصيل أو تفرض سيطرتها عليه ما دامت تركيا الراعي الرئيسي له. وقد تسهم الشائعات عن وقف إطلاق النار التركي الوشيك (سواء مع "قوات سوريا الديمقراطية" أو بين "الجيش الوطني السوري" و"قوات سوريا الديمقراطية" على جبهة تشرين) في تسهيل تحقيق جميع هذه الأهداف.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن تسهيل الاتفاق بين دمشق و"قوات سوريا الديمقراطية" من خلال إبرام عملية سلام ومصالحة ناجحة بين تركيا و"حزب العمال الكردستاني". وترى أنقرة أن "قوات سوريا الديمقراطية" هي مجرد وكيل لـ"حزب العمال الكردستاني"، وهو جماعة مصنفة إرهابية من قبل الولايات المتحدة. وتنفي "قوات سوريا الديمقراطية" ذلك وتزعم أن عملية نزع سلاح الحزب لا علاقة لها بمفاوضاتها مع الشرع. ومع ذلك، تُقر "قوات سوريا الديمقراطية" بأن التوصل إلى اتفاق مع حزب العمال الكردستاني قد يُسهم في وقف الهجمات التركية داخل سوريا، نظراً لأن أنقرة، من الناحية النظرية، ستكون أقل قلقاً بشأن وجود هذه القوات على امتداد الحدود.
الخاتمة
من أجل تحسين فرص تنفيذ اتفاق بين دمشق و"قوات سوريا الديمقراطية" بنجاح، ستكون الوساطة التي تقوم بها الجهات الفاعلة الخارجية مثل الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا حاسمة - لا سيما فيما يتعلق بقضايا اللجنة المشتركة المثيرة للجدل، وترتيبات تقاسم السلطة في المستقبل، والمسألة الشائكة المتمثلة في اللامركزية. ويمكن أن تحفز واشنطن على إحراز تقدم من خلال تخفيف العقوبات على دمشق. ويشير انعقاد الاجتماع الأول للجنة في قاعدة تابعة للائتلاف إلى أن الولايات المتحدة في وضع جيد للقيام بهذا الدور. كما يشير أيضاً إلى الفوائد العديدة للحفاظ على الوجود العسكري الأمريكي في الشمال الشرقي، على الأقل في المستقبل القريب. وبمجرد توصل دمشق و"قوات سوريا الديمقراطية" إلى اتفاق دستوري نهائي وطمأنة سلطات التحالف بأن لديهم خطة لمواصلة الضغط على تنظيم "الدولة الإسلامية" وتأمين مراكز الاحتجاز، ستكون إدارة ترامب في وضع أفضل للعمل على تحقيق هدفها المعلن المتمثل في سحب القوات الأمريكية.
فلاديمير فان ويلجنبرغ هو مراسل ومحلل من أربيل، يعمل حالياً كرئيسقسم الأخبار في صحيفة "كردستان كرونيكل". وتشمل منشوراته السابقة دراسة شارك في تأليفها عام 2021 بعنوان ”حلفاء بالصدفة: الولايات المتحدة - سوريا".