- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
التمهيد للمرحلة القادمة من التعاون النووي بين "الولايات المتحدة" و"الإمارات العربية المتحدة"
في ضوء جولة مبعوث الطاقة الأمريكي في منطقة الخليج، وتقدم التكنولوجيا النووية لكل من "الصين" و"روسيا" في الأسواق الناشئة، تبرز حاجة ملحّة لأن تدرس "إدارة ترامب" إمكانية تعميم النموذج الإماراتي المسؤول في مجال الطاقة النووية على بقية دول المنطقة.
استهل وزير الطاقة الأمريكي "كريس رايت" جولته الرسمية الأولى إلى "الشرق الأوسط" بزيارة إلى دولة "الإمارات العربية المتحدة" هذا الأسبوع، حيث التقى بعدد من أصحاب المصلحة الرئيسيين، ومن المتوقع أن يقوم بزيارة مهمة لمحطة "براكة" للطاقة النووية المدنية في منطقة "الظفرة". وتأتي هذه الزيارة في وقت يشهد فيه العالم اهتماماً متزايداً بالطاقة النووية، سواء لتحقيق أهداف خفض الانبعاثات الكربونية، أو لتلبية احتياجات مراكز البيانات والمبادرات المرتبطة بـ “الذكاء الاصطناعي"، والتي تتطلب كميات ضخمة من الطاقة غير المتقطعة. ومع ذلك، فإن لدى "رايت" فرصة لتسليط الضوء على أهمية تبنّي السياسات النووية الرصينة في منطقة غالباً ما تُقترن فيها هذه التكنولوجيا بمخاطر الانتشار النووي.
الاستراتيجية الإماراتية الآمنة والمتعاونة في استخدام الطاقة النووية
في عام 2008، اعتمدت الحكومة الإماراتية وثيقة سياسات بعنوان "تقييم وتطوير الطاقة النووية السلمية"، والتي كانت خطوة تاريخية نحو بناء برنامج للطاقة النووية المدنية بالتعاون الوثيق مع "الوكالة الدولية للطاقة الذرية." (IAEA) في ذلك الوقت، أكدت السلطات على الحاجة لتلبية التوقعات طويلة المدى لزيادة الطلب على الطاقة. وبحلول عام 2020، تم ربط أول مفاعل من أصل أربعة مفاعلات متقدمة ومصممة من قبل "كوريا الجنوبية" بشبكة الكهرباء. وفي سبتمبر 2024، دخل المفاعل الأخير الخدمة التجارية، ما أتاح لمحطة "براكة" تحقيق طاقتها الكاملة البالغة 5.6 غيغاواط. واليوم، تُعد "الإمارات" الدولة العربية الوحيدة التي تُشغّل محطة للطاقة النووية، حيث تساهم محطة "براكة" في تغطية نحو 25% من احتياجات الدولة من الكهرباء، كما تمثل الحصة الأكبر من الطاقة منخفضة الكربون في مزيج الطاقة الإماراتي.
وقد حددت وثيقة عام 2008 ستة معايير رئيسية لتنفيذ البرنامج النووي الإماراتي، وهي:
- الالتزام بالشفافية التشغيلية
- الالتزام بمعايير حظر الانتشار النووي
- تعزيز منظومة السلامة والأمن
- التعاون المباشر مع "الوكالة الدولية للطاقة الذرية"
- الشراكة مع حكومات الدول "المسؤولة" والجهات ذات الخبرة
- ضمان استمرارية واستدامة البرنامج النووي المدني على المدى الطويل
كما انضمت "الإمارات" إلى عدد من المعاهدات والآليات الدولية الخاصة بعدم الانتشار النووي، بما في ذلك “البروتوكول الإضافي" لاتفاق الضمانات مع "الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، والذي يمنح الوكالة "الحق والواجب في التأكد من تطبيق الضمانات على جميع المواد النووية لضمان عدم تحويلها إلى أغراض عسكرية." بالإضافة إلى ذلك، أبرمت "الإمارات" اتفاقيات أساسية مع "الولايات المتحدة"، من أبرزها "اتفاقية 123" للتعاون في مجال الطاقة النووية السلمية، والتي تخلّت بموجبها "أبوظبي" عن تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة الوقود النووي المستهلك. وقد كان هذا شرطاً أساسياً للحصول على المعدات والخدمات النووية الأمريكية، ويُعد نموذجاً ناجحاً يمكن تطبيقه في دول أخرى بالمنطقة تسعى للتعاون النووي مع "واشنطن"، وعلى رأسها "المملكة العربية السعودية"، التي تُعد المبادرات النووية المدنية جزءاً من جهودها الجارية للتوصل إلى اتفاق دفاعي ثنائي مع "الولايات المتحدة".
لماذا الطاقة النووية؟
بالإضافة إلى كونها مصدراً منخفض الانبعاثات الكربونية، توفّر محطات الطاقة النووية تدفقاً موثوقاً ومرناً للطاقة، يمكن التحكم فيه حسب الحاجة على شبكة الكهرباء أو لاستخدامات أخرى. وهذا يميزها عن مصادر الطاقة المتجددة، التي ما تزال حتى الآن تُنتج الكهرباء بشكل متقطع، رغم أن هناك تطورات جارية في مجال بطاريات التخزين على نطاق الشبكات قد تساهم مستقبلاً في تجاوز هذا القيد، وإن كانت تحمل تحدياتها الخاصة. وبالمقارنة مع مصادر الطاقة الأخرى مثل "الغاز الطبيعي"، "الفحم"، "الطاقة الشمسية"، و"الرياح"، تُعد الطاقة النووية الأعلى من حيث "عامل الاستطاعة"، وهو مقياسhttps://www.energy.gov/ne/articles/what-generation-capacityللإنتاج الفعلي لأي محطة طاقة مقارنة بالكمية القصوى التي يمكن انتاجها خلال فترة زمنية معينة وبشكل غير متقطع. كما أن محطات الطاقة النووية متعددة الاستخدامات؛ فعلى سبيل المثال، يمكن الاستفادة من الحرارة الزائدة الناتجة عنها في تطبيقات صناعية مثل صقل وتنقية المعادن.
شهد قطاع الطاقة النووية تراجعاً خلال العقد الماضي، وذلك جزئياً بسبب حادثة محطة "فوكوشيما" في "اليابان" عام 2011 التي تسبب فيها "تسونامي"، ودفع بعض الدول إلى الإعلان عن نيتها التخلص التدريجي من توليد الطاقة النووية. إلا أن هذا القطاع عاد مؤخراً إلى الواجهة؛ ففي عام 2023، خلال مؤتمر "الأمم المتحدة" للمناخ ("COP28") الذي عُقد في "أبوظبي"، أعلن المشاركون دعمهم لـ"إعلان مضاعفة الطاقة النووية ثلاث مرات" بحلول عام 2050. وقد بلغ عدد المفاعلات النووية العاملة آنذاك نحو 410 مفاعلات في أكثر من ثلاثين دولة، وكانت الطاقة النووية تسهم بنحو 9% من إجمالي إنتاج الكهرباء عالمياً.
التحديات والفرص
ومع ذلك، فإن توسيع قطاع الطاقة النووية المدنية لا يخلو من التحديات؛ إذ لطالما تطلب بناء محطات جديدة استثمارات ضخمة وفترات بناء طويلة، مما يعقّد مسألة التمويل. ورغم أن "الولايات المتحدة" ودولاً أخرى تعوّل على الجيل القادم من "المفاعلات النمطية الصغيرة " (SMRs)، إلا أن هذه التكنولوجيا ما تزال تواجه عقبات، خصوصاً فيما يتعلق بالكلفة وسلاسل توريد "اليورانيوم"، كما أن القطاع يحتاج إلى تحسين إجراءات السلامة. في المقابل، تتصدر "الصين" و"روسيا" حالياً مشهد توسع الطاقة النووية، فوفقاً لـ"الوكالة الدولية للطاقة"، فإن غالبية المفاعلات الـ52 التي بدأ إنشاؤها بين عامي 2017 و2024 كانت بتصميم صيني أو روسي، وتقع في اقتصادات "الأسواق الناشئة" و"الدول النامية".
معالجة هذه التحديات تتطلب تعاوناً دولياً واستثمارات مستدامة في البحث والتطوير. ومع التقدّم في التكنولوجيا النووية وتزايد اهتمام الدول باستخدامها، يجب أن تتطور السياسات والأنظمة التنظيمية المتعلقة بسلامة الطاقة النووية بشكل موازٍ. وهنا، تتوفر فرص أكبر للتعاون بين "الإمارات" و"الولايات المتحدة"، لا سيما في ظل سعي "أبوظبي" للتحول إلى مركز إقليمي لـ"الذكاء الاصطناعي"، واستعدادها للاستثمار في محطات طاقة نووية في الخارج، بما في ذلك "السوق الأميركية".
تمت ترجمة النص في 16 نيسان/ أبريل.