- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3112
التقدم بحذر في الصحراء الغربية
في 29 نيسان/أبريل، من المقرر أن يصوّت مجلس الأمن الدولي [على مشروع قرار] حول ما إذا كان سيتم تمديد مهمة قوات حفظ السلام المعروفة بـ"بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية" ("مينورسو") التي أُنشئت في عام 1991 بعد حربٍ دامت خمسة عشر عاماً للسيطرة على الأراضي المتنازع عليها بين المملكة المغربية و"الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب" ("البوليساريو") التي تدعمها الجزائر. ومن شبه المؤكد أن يجدد المجلس ولاية بعثة "مينورسو" إما لستة أشهر كما فعل منذ نيسان/أبريل 2018 أو لمدة عام كامل كما جرت العادة حتى ذلك الوقت.
وتأتي جلسة التصويت في أعقاب إحياء المحادثات بين الأطراف المعنية الرئيسية، فضلاً عن عدم الاستقرار المتزايد في الجزائر وجيرانها في دول الشرق. ولا يزال احتواء هذه الحالة من عدم الاستقرار من أبرز المصالح الأمريكية في منطقةٍ تواجه تهديدات مستمرة من التنظيمات الجهادية، وتدفقات غير منظمة من المهاجرين إلى أوروبا، وضغوط ناجمة عن حوكمة شائبة ونماذج اقتصادية غير مستدامة. ونظراً للاضطرابات السياسية التي تشهدها الجزائر والتدهور الحاد الذي تعيشه ليبيا، لا يمكن للمنطقة أن تتحمل أعمال عدائية قد تنشب في الصحراء الغربية، حيث اضطلعت "بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية" بدور جوهري في الحفاظ على هدوء نسبي.
حفظ السلام والسياسة
كما يشير اسمها، تم تأسيس بعثة "المينورسو" أساساً للحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار بينما تعمل الأطراف المتنازعة على تنظيم استفتاء يقرر فيه سكان الصحراء الأصليين - الذين تدّعي جبهة "البوليساريو" أنها تمثّلهم - ما بين نيل الاستقلال أو الاندماج في المغرب. وفي حين أن صياغة قرار مجلس الأمن رقم 690 تعني ضمناً الربط بين مهمة حفظ السلام التي تضطلع بها "بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية" والعملية السياسية التي أنشئت هذه القوة لتسهيلها، لم تشهد السنوات اللاحقة أي تقدم يُذكر نحو الاستفتاء، بل عمد كلٌّ من المغرب و"البوليساريو" إلى التمسك بمواقف متنافية، من خلال جولات عديدة غير ناجحة من المفاوضات.
وفي عام 1997، فصلت الأمم المتحدة رسمياً بعثة "المينورسو" عن العملية السياسية من خلال تعيين مبعوث شخصي للصحراء الغربية، مُعيّن مباشرةً من قبل الأمين العام للأمم المتحدة ومُكلف بالسعي إلى تحقيق تسوية سياسية. وصدرت منذ ذلك الحين قرارات متلاحقة جدّدت ولاية "المينورسو" وشجّعت أعمال المبعوث الشخصي.
ثم شهد الوضع تطوراً رئيسياً آخر في عام 2007 عندما اقترحت الرباط خطةً لمنح الصحراء الغربية حكماً ذاتياً في ظل السيادة المغربية - وهي فكرة اعتبرتها الولايات المتحدة "جادة وواقعية ومعقولة"، لكن تم رفضها من قبل "البوليساريو" والجزائر. وبعد ذلك، أجريت محادثات غير رسمية بصورة متقطعة إلى أن تلاشت نهائياً في عام 2012.
وفي العام الماضي، قام مجلس الأمن بتقصير ولاية بعثة "المينورسو" إلى ستة أشهر بعد أن جادلت واشنطن بضرورة اشتراط إحراز تقدم سياسي لتجديد ولاية البعثة. وبما أن إدارة ترامب تبدو مقتنعةً بأن بعثات حفظ السلام الطويلة الأمد تميل إلى إدامة النزاعات بدلاً من حلّها، فإن المسؤولين الأمريكيين قد برّروا هذا المنطق قائلين إن ربط دور "بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية" بجهود المبعوث سيرغم الأطراف على العودة إلى طاولة المفاوضات. وفي الواقع أن مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون شكّك مراراً بجدارة البعثة، أولاً حين كان سفيراً لدى الأمم المتحدة في منتصف العقد الأول من القرن الحالي، ومؤخراً حين كشف عن الاستراتيجية الجديدة للإدارة الأمريكية في أفريقيا في أواخر العام الماضي.
الزخم والفوضى
في كانون الأول/ديسمبر، استضاف المبعوث الشخصي هورست كولر ممثلين عن المغرب و"البوليساريو" والجزائر وموريتانيا في جنيف في الجولة الأولى من المحادثات المباشرة التي تجري منذ ست سنوات. إلّا أن تلك المحادثات لم تثمر إلا عن نتائج ملموسة قليلة. وبينما تعهّدت الأطراف المشاركة بالاجتماع مجدداً بعد فترة قصيرة، حرص كولر على خفض مستوى التوقعات حول إحراز تقدم كبير.
وفي 21 و 22 آذار/مارس عقد كولر جولة ثانية من المحادثات بعد أن مهّد الطريق لها من خلال عقده اجتماعات ثنائية مع كل طرف. ولكن بحلول موعد هذه المحادثات، كانت الجزائر غارقة في أزمة سياسية ناجمة عن حركة احتجاجية طالبت بتنازل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عن ترشّحه لولاية رئاسية خامسة. ولم يكن معروفاً حتى اللحظة الأخيرة ما إذا كانت الحكومة الجزائرية ستتمكّن من إرسال وفد لها إلى المحادثات، الأمر الذي سلّط الضوء على الاستقرار المتزعزع الذي تعاني منه أكبر دولة في أفريقيا وإلى ضرورة تأييد الجزائر لأي قرار يصدر بشأن الصحراء الغربية. وليس من المستغرب أن لا يثمر الاجتماع الذي عُقد في آذار/مارس إلّا على القليل من الالتزام فيما يتخطى مواصلة المناقشات في المستقبل.
وستجري مثل هذه المناقشات، في حالة حدوثها، وسط اضطرابات إقليمية على نطاق لم تشهده المنطقة منذ أوائل عام 2011. ففي الجزائر، استقال بوتفليقة في النهاية في 2 نيسان/أبريل، وتُناور أجهزة الأمن التابعة للدولة من أجل السيطرة على العملية الانتقالية بينما ما زال مئات آلاف المتظاهرين يطالبون باستبدال كامل الطاقم السياسي والاقتصادي والأمني الذي يحكم البلاد منذ ستينات القرن الماضي. ورغم أنه من المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية في 4 تموز/يوليو، إلا أن الاحتجاجات لم تُظهر أي إشارة إلى التوقف، وقد أشار خطاب ألقاه مؤخراً رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح إلى أن الجيش لن يسمح باستمرار الاحتجاجات إلى أجل غير مسمى.
وفي الوقت نفسه، تغرق ليبيا في موجة من العنف منذ 4 نيسان/أبريل، عندما شنّ القائد العسكري للمنطقة الشرقية خليفة حفتر هجوماً لاستعادة العاصمة من الحكومة المعترف بها دولياً. وقد دفعت هذه العملية القيادة الأمريكية في أفريقيا إلى إخراج جميع قواتها من البلاد، وتسبّب القتال بوقوع أكثر من 250 قتيلاً و1200 جريحاً، مما زاد من شبح اندلاع حرب أهلية شاملة في دولة تمتلك أكبر احتياطي للنفط في أفريقيا.
توصيات لواشنطن
إنّ الدافع الذي تبذله الإدارة الأمريكية لتبسيط مهام حفظ السلام وجعلها أكثر فعالية أمرٌ مفهوم، ولكن الرهن بتجديد بعثة "المينورسو" مقابل حدوث تقدم سياسي صعب المنال، قد يعجّل حدوث ذلك النوع من المواجهة العسكرية التي تم تأسيس هذه القوة لتفاديها. ومن شأن الحد من إمكانيات حفظ السلام لبعثة "المينورسو" أن يزيد الشعور بانعدام الأمن لدى المغرب أو "البوليساريو" أو كليهما، مما يزيد من احتمال لجوئهما إلى الأعمال العسكرية. ونظراً إلى حالة التقلب الراهنة في شمال أفريقيا، فإن أي تصعيد في الصحراء الغربية قادرٌ على إغراق المنطقة في المزيد من عدم الاستقرار.
ولتجنب هذه النتيجة والحفاظ على زخم المحادثات الأخيرة، يجب على واشنطن أن تؤيد تجديد ولاية "المينورسو" في جلسة التصويت المقبلة، وتتخذ خطوات أخرى لبناء الثقة. ففي أعقاب محادثات آذار/مارس، حثّ كولر الوفود على "السعي إلى بادرات حسن نية وإجراءات ملموسة تتعدى نطاق الطاولة المستديرة". يجب على المسؤولين الأمريكيين أن يأخذوا زمام المبادرة في وضع مثل هذه التدابير واقتراحها على حكومتَي الرباط والجزائر. كما يتعيّن على الإدارة الأمريكية استخدام لغةً ثابتة عند وصف الموقف الأمريكي من النزاع، وإزالة التناقضات بين موقف واشنطن المعلن سابقاً بشأن خطة المغرب للحكم الذاتي، وتصريحات بولتون في كانون الأول/ديسمبر، والتصريحات اللاحقة لوزارة الخارجية الأمريكية التي بدت متعارضةً مع موقف الولايات المتحدة والأمم المتحدة القائم منذ فترة طويلة والذي يشدد على التوصل إلى حلٍّ سياسي مقبول للطرفين. وقد أثارت هذه التناقضات الارتباك بين حلفاء الولايات المتحدة وقوّضت قدرة واشنطن على توجيه دفة التطورات في اتجاه مثمر. إن هشاشة الوضع المحلي والإقليمي تؤكد أيضاً على الحاجة إلى تعيين سفير أمريكي في المغرب حيث كان عدم الوضوح بشأن موقف واشنطن مضراً بشكل خاص.
سارة فوير هي زميلة أقدم في معهد واشنطن.