- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
التشكيك في الوقائع على الأرض في العراق
نشر مؤخّراً كاتب تحت اسم مستعار مقالتين في هذا الموقع - "وور أون ذي روكس" - حول الصراعات في الشرق الأوسط ضربتا على الوتر الحساس برسالتهما الجوهرية ومفادها أن "الخيارات السياسية السيئة" المتعلقة بسوريا والعراق تتدفّق من الأوصاف "الغربية" المبالغ فيها لاضطهاد أهل السنة وتجاوزات الميليشيات الشيعية.
لستُ مؤهلاً للتحدث عن سوريا (وقد ردّ أميل حُكيم على الجانب السوري من المعادلة في 24 آب/أغسطس 2016)، ولكنني وجدت أن وصف الكاتب للصراع في العراق لم يكن مقنعاً للغاية، لا سيّما عندما تناول موضوع «قوات الحشد الشعبي». لقد ادّعى الارتكاز على "الوقائع على الأرض" ولكن هذه "الوقائع" لم تتطابق مع ما رأيتُه في العراق، وخاصة فيما يتعلّق ببعض النقاط الهامة من التفاصيل وتلك التي تم التركيز عليها.
هذا لا يعني إنني لا أتفق مع أي من الأفكار الواردة في المقالة. على سبيل المثال، أعتقد أن الكاتب محق تماماً عندما يشكو من المبالغة الشديدة التي قد يستعملها "الغرب" في وصف «قوات الحشد الشعبي» العراقية. وكان الكاتب صائباً على وجه الخصوص في النقطة التالية: "يبدو أن الكثيرين من المحلّلين الغربيين يعتقدون أن قوّات الأمن لن تتمكن بطريقة أو بأخرى من ردع نفسها عن قتل السنة واضطهادهم بمجرّد كون غالبية عناصرها من الشيعة". بالضبط!
وأُعقّب: يبدو أن بعض المحلّلين الغربيين يظنون أيضاً أنه على غرار قصة المرشّح المنشوري (The Manchurian Candidate)، ثمة مفتاح يتحكم بعقل كل جندي شيعي، بأن باستطاعة آية الله في طهران أن يشغّله بلمسة إصبع. لهذه المغالطة استنتاج منطقي واحد: لا بدّ من تطهير «قوات الأمن العراقية» - التي تحافظ على أمن العراق ذات الأغلبية الشيعية - من الشيعة. حتى صدّام حسين لم يذهب إلى هذا الحدّ في شكوكه بشأن الشيعة.
ويكشف الكاتب أيضاً عن حقيقة مزعجة: ففي حين أن الميليشيات الشيعية المتخفّية في صفوف «قوات الحشد الشعبي» قد ارتكبت الفظائع من دون شك، غصّت الحروب في العراق منذ عام 2003 بالفظائع التي ارتكبتها قوات الأمن، ومن بينها تلك التي حصلت تحت سمع وبصر قوّات التحالف الحسنة النية بقيادة الولايات المتّحدة. قد يستخدم الكاتب هذه الملاحظة لتبرير حجج إضافية حول تقبّل «قوات الحشد الشعبي» بصورة دائمة، الأمر الذي لا أتفق معه بشكل قاطع، ولكن وجهة نظره غير متحيّزة وتلفت الانتباه إلى المعايير المزدوجة التي غالباً ما تُطَبّق على الميليشيات السنية (والتي نحن مُعجَبين بها حالياً) ضدّ الميليشيات الشيعية (الغير مُعجَبين بها).
ويثير الكاتب أيضاً نقاطاً سديدة بشأن الطائفية والقومية في العراق وكيف أنها أكثر تعقيداً من المفهوم السائد في الغرب، وأن مقتدى الصدر على وجه الخصوص هو مثال نموذجي لهذا التعقيد. فهو يعكس على نحو فعّال وجهة نظر الحكومة العراقية المبرّرة لضرورة تحرير الفلوجة، ويكشف عمّا يجول في خاطر القادة المحليّين الذين يخوضون الحرب.
وأخيراً، يثير "سايرس" نقطة حسّاسة بل تنمّ عن شجاعة في التحليل ومفادها أن اضطهاد أهل السنة لا يُتبع بصورة عامة بل يتوقّف على السياق. ومن خلال خبرتي، تتنوّع الأطراف المشاركة في الحوادث الطائفية التي يشهدها العراق في أي وقت. ففي المناطق المتعدّدة الطوائف العالقة في براثن الحرب الأهلية، مثل محافظة ديالى، يطغى على اضطهاد السنة طابع عام وعنيف. أما في بعض المناطق الأخرى مثل بغداد، فقد أدّت الظروف السائدة [إلى فرض] قيود متبادلة هشة يَحسب بموجبها السنّة بدقة ما هي السلوكيات التي يستطيعون المخاطرة بها وأين تحد السلطات الشيعية من استخدام الإكراه. ومع ذلك، ففي بعض المناطق الأخرى ذات الغالبية السنية (مثل محافظة الانبار الغربية) كثيراً ما يتمتّع أهل السنة بحرية التصرّف.
إن ما أخفق "سايرس" في ذكره هو التقدير الذي يكنّه المسؤولون الأمريكيون الذين يرسمون السياسات المتعلقة بالعراق، للحقائق المذكورة أعلاه. فكبار واضعي السياسات والجنود الأمريكيين الذين أعرفهم يفهمون جيداً التعقيدات المذكورة أعلاه. ولم ينجم غياب السياسة الأمريكية في بعض الحالات عن أوهام بشأن هذه النقاط، بل بسبب حواجز فكرية دفعت بإدارة الرئيس أوباما إلى عدم توفير الموارد اللازمة من أجل الاستقرار في العراق حتى منتصف عام 2015.
تقبّل السرد المؤيّد لـ «قوات الحشد الشعبي»
إلى جانب النقاط السديدة التي يثيرها الكاتب، ترد أيضاً في المقالتين أفكار كثيرة لا أتفق معها، والتي أستشعر أن كبار واضعي السياسات والقادة العسكريين الأمريكيين لا يتفقون معها أيضاً. ففي التحليل القطري، تضطلع التفاصيل بأهمية كبرى وعادة ما يتم التركيز على بعض التفاصيل بدلاً من غيرها. ويدّعي الكاتب وفقاً لمقربين له بأنه يعرف "الحقائق على الأرض"، تماماً كما يفعل الكثيرون منّا نحن المحلّلون (وأنا منهم!)، ولكنني أقول إن الكثير من حقائقه جدليّة في أحسن الأحوال. وبصفتي شخص عمل عن كثب ولسنوات عديدة مع قوّات الأمن والسياسيين العراقيين، من بينها حضوري في عمليات التخطيط للحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») منذ عام 2014، يسعني القول إن وصف الكاتب لـ «قوات الحشد الشعبي» غير متوازن وخاطئ.
وكانت بعض التفاصيل غير دقيقة. على سبيل المثال، لا تخضع ميليشيا «سرايا السلام» التابعة لمقتدى الصدر لتسلسل قيادة «قوات الحشد الشعبي» كما يستدل من المقالة. وأُعطِيت بعض التصريحات بثقة على أساس انعدام أي دليل، على سبيل المثال "لا تقوم «قوات الحشد الشعبي» بأي انتهاكات أكثر من تلك التي تقوم بها القوّات التي يدعمها التحالف بقيادة الولايات المتّحدة".
وعلى صعيد نقاط أخرى، تقبّل الكاتب من دون أي نقد وجهات النظر المرتبطة بمؤيّدي [بقاء] «قوات الحشد الشعبي» بشكل دائم. [فالسرد القائل] بأن جميع «قوات الحشد الشعبي» "هي جزء من الدولة العراقية وتُنسّق مع «قوات الأمن العراقية» وتخضع لسلطة رئيس الوزراء العراقي" هي ببساطة غير صحيحة. لقد تحدّثت مع جميع القادة الشيعة الرئيسيين في العراق تقريباً بشأن هذه المسألة بالذات خلال الأشهر الستة الماضية: هم لا يشاركون الكاتب ثقته في خضوع جميع عناصر «قوات الحشد الشعبي» لسلطة الدولة. فلماذا يخضع أي عنصر آخر؟
يدّعي الكاتب أن «قوات الحشد الشعبي» وُلدت نتيجة "تهديد مفاجئ وفوري". وفي حين أن هذا الكلام صحيح إلى حد ما (تم إضفاء الطابع الرسمي على «قوات الحشد الشعبي» بعد سقوط الموصل في حزيران/يونيو 2014)، إلا أن أكثر الوحدات العسكرية قوة والتي تتألّف منها حالياً «قوات الحشد الشعبي» تنشط منذ عقد تقريباً. فـ «كتائب حزب الله» و«عصائب أهل الحق» كانت منغمسة في قتل الأمريكيين، وأعضاء آخرين من التحالف (والعراقيين) منذ منتصف العقد الأوّل من القرن الحالي. وكانت هذه الجماعات تتوسّع وترسل قوّات للقتال في "الحرب الأهلية السورية" طوال عامي 2013 و2014.
ليس عليكم أن تكونوا من المهوسين بنظريات المؤامرة الذين يرون «الحرس الثوري» الإيراني في كل زاوية لتدركون أن بعض العناصر الهامة في «قوات الحشد الشعبي» هي جهات إرهابية خطيرة تخضع للسيطرة المباشرة للأجهزة الأمنية الإيرانية التي تعمل على تنفيذ السياسات الخارجية بمعزل عن الدولة العراقية. ويفهم كبار المسؤولين الأمنيين في الحكومة العراقية ذلك جيداً.
قراءة خاطئة لمعارك العراق
إن أفضل مثال على فشل الكاتب في فهم "الوقائع على الأرض" هو تبني المقالة دون تمحيص للدعاية المؤيدة لـ «قوات الحشد الشعبي» في ما يتعلّق بانتصارات العراق الرئيسية ضد الجماعة التي تطلق على نفسها اسم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»).
يشير "سايرس" إلى أن "الوحدات المدعومة من إيران" التابعة لـ «قوات الحشد الشعبي» حرّرت مدينة تكريت. ولكن في الواقع، شكّلت تكريت لحظة فاصلة فشلت خلالها هذه الوحدات في بسط السيطرة على مدينة تكريت وخلّفت وراءها خسائر فادحة في الأرواح، الأمر الذي اضطرّ الحكومة العراقية إلى التدخل لوقف سفك الدماء وتحويل ذلك المأزق إلى انتصار. واستدعى خط القيادة العراقية [قوات] التحالف بقيادة الولايات المتّحدة المدعومة من «قوات الأمن العراقية» من بينها بعض «وحدات الحشد الشعبي» المناصرة للتحالف، التي سيطرت بالتالي على المدينة في غضون أيام وبأقل الخسائر.
ويقول "سايرس"، إن معركة الرمادي كان من المحتمل أن تكون أسرع وأقلّ دماراً لو شاركت «قوات الحشد الشعبي» الشيعية في تعزيز «قوات الأمن العراقية» الضعيفة التي خاضت المعركة. بيد، تشير الخبرة في تكريت، وفي بيجي والمعارك الأخرى أيضاً، إلى أن «قوات الحشد الشعبي» ما كانت لتحقق نتائج أفضل في الرمادي من تلك التي حققتها «قوات الأمن العراقية»، وفي الواقع ربما كانت لتحقق نتائج أقل من ذلك بسبب تواجد الجهات الإرهابية التي تدعمها إيران في صفوف «قوات الحشد الشعبي»، والتي هي نفسها ترفض الدعم الجوي لقوات التحالف، حتى لو قُدّم لها.
أما فيما يتعلّق بمسألة تحرير الفلّوجة فيعرض الكاتب بعض النتائج المذهلة بشأن الحتمية الدائمة لـ «قوات الحشد الشعبي»، والتي ترتكز على أسس هشّة جداً. فلم تشكّل «قوات الحشد الشعبي» الجهات الفاعلة الأساسية في تلك المعركة كما يؤكد، بل أن عبء القتال العنيف وقع على عاتق "جهاز مكافحة الإرهاب" في مدينة الفلوجة. ولم تأتِ عناصر «قوات الحشد الشعبي» إلا في المرحلة الأخيرة من نهاية المعركة من أجل احتلال مناطق في شمال الفلوجة بعد انهيار دفاعات تنظيم «الدولة الإسلامية».
بالإضافة إلى ذلك، يقدّم الكاتب وصفاً مضللاً جداً لـ «قوات الحشد الشعبي» كونها قوّة تصفية تحرّر الأرض وتتابع طريقها. وفي الواقع، تشكّل «قوات الحشد الشعبي» في الغالب قوّة رادعة، في حين اتّخذ الجيش، والشرطة الفدرالية، و"جهاز مكافحة الإرهاب" زمام المبادرة في تحرير الأراضي منذ معركة تكريت في آذار/ مارس 2015. ولا تتطابق صورة العناصر الشيعية في «قوات الحشد الشعبي» التي تسلّم زمام الأمور بنبالة إلى القوات السنية المحلية، مع الواقع في العديد من المناطق المتعدّدة الطوائف مثل يثرب والسعدية وشمال بابل وريف طوز خورماتو. وبدلاً من ذلك، تبقى «قوات الحشد الشعبي» ذات الغالبية الشيعية من أجل الهيمنة على الساحة المحلية ومراقبة السكان السنة، في حين تعمل بنشاط على ردع قوات الأمن المحلية السنية من التجمع وتشكيل إئتلاف بينها.
التداعيات السياسية بعيداً عن الأهداف
بعد أن عبّر عن أسفه على "الخيارات السياسية السيئة" الناتجة عن القرارات الغربية، قدّم "سايرس" بعض الوصفات السياسية التي لا تتمتّع بموثوقية كبيرة.
وتقوم فكرته الأولى على إشراك «قوات الحشد الشعبي» الشيعية في عدد أكبر من المعارك في العراق لتحرير الأراضي التي يستولي عليها تنظيم «الدولة الإسلامية». وقد أصبح معظم هذه المعارك من الماضي بينما تدور تلك المتبقية في المناطق الأكثر عداء للشيعة في العراق. وعلى أي حال، إن «قوات الحشد الشعبي» هي أقل قدرة من «قوات الأمن العراقية» على المساهمة الفعّالة في المعارك المعقّدة في المدن مثل الموصل.
ومن أجل إرغام الحكومة العراقية على الضغط على «قوات الحشد الشعبي» للتقيّد بقوانين الصراع المسلّح، يقترح الكاتب بعد ذلك أنه يتعيّن على المجتمع الدولي وقف تمويل إعادة بناء الأماكن التي دمّرتها بعض عناصر «قوات الحشد الشعبي»، مما سيرغم العراق على تحمّل نسبة أكبر من التكاليف. وستضحك عناصر الميليشيا المتشدّدة أكثر مما قد تفعل لو داست على الوقود وشغّلت الجرّافة [لإعادة بناء الأماكن المدمرة].
إنها مسألة رأي ولكنني أعارض أيضاً "الخيارات السياسية السيئة" المفترضة التي يسلّط الكاتب عليها الضوء، ولا سيّما الدعم الانتقائي الذي قدّمته الولايات المتّحدة لعناصر «قوات الحشد الشعبي». أرى أن هذا الخيار السياسي كان في الواقع جيداً وأتى بثماره في تكريت وسينجح إلى حدّ كبير في شمالي العراق ومحافظة الانبار الغربية حيث سيُطمئن السكان السنة أن العناصر المتشددة من «قوات الحشد الشعبي» لن تتولى قيادة عمليات تحرير مدنهم. وتختلف عناصر «قوات الحشد الشعبي» "السيئة" مثل «كتائب حزب الله» عن المتمرّدين العراقيين السابقين الآخرين لأن هذه الجماعات المدعومة من إيران تشكّل تهديداً مستقبلياً واضحاً لاستقرار الدولة، والديمقراطية، والسيطرة السيادية العراقية على البلاد. ومن خلال رفض الولايات المتّحدة تقديم الدعم الجوي للجهات الفاعلة الإرهابية المدعومة من إيران في «قوات الحشد الشعبي» حيثما كان ذلك ممكناً، رفعت واشنطن من مكانة عناصر «قوات الحشد الشعبي» الموالية للحكومة ومن أدائها النسبي مثل ميليشيات «كتيبة العباس القتالية» ووحدات «قوات الحشد الشعبي» السنية التي تدافع عن المقامات.
ولم يبطئ التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة المعارك في الرمادي مثلاً، بل أنقذ عدة مئات من المتطوّعين الشيعة من حمّام الدم الذي قد كان لينتج عن هجمات ذات دوافع سياسية لا طائل منها أمر بتنفيذها سياسيون مدعومون من إيران من أمثال أبو مهدي المهندس وهادي العامري وقيس الخزعلي. وفي العام الماضي، جلستُ مع عناصر سابقة في «قوات الحشد الشعبي» كانت تشارك في البرنامج الذي أشرفت عليه قوات التحالف لتدريب الجيش العراقي في التاجي. وأوضحوا خلال اللقاء أنهم انضموا إلى الجيش لأنهم ضاقوا ذرعاً من التعرض للقتل والموت جوعاً من دون إمدادات.
ويذكر "سايرس" أيضاً مشاركة السنة في «قوات الحشد الشعبي» كعامل ينبغي أن يوفّر راحة البال، ولكنه يتغاضى عن واقع واضح جداً، وهو أن عملية إنشاء «وحدات الحشد الشعبي» السنية حصلت بتوجيه من الولايات المتحدة وأعضاء من التحالف. فقد صمّم الكونغرس الأمريكي "صندوق تدريب وتجهيز العراق" بقيمة قدرها 1.6 مليار دولار لكي يفرض تجنيد السنة في صفوف «قوات الأمن العراقية» ويخصّص على وجه التحديد أموالاً لقوات الأمن القبلية. ولم يألُ التحالف جهداً من أجل تحويل «قوات الحشد الشعبي» السنية إلى حقيقة.
وفي الواقع، اتخذت الولايات المتّحدة خيارات سياسية سيئة في العراق، ولكنها لم تنجم عن قراءة خاطئة للوقائع على الأرض بل نتجت عن حواجز عقائدية منعت الحكومة الأمريكية من التصرّف على نحو ملائم حيال تفاقم الأزمة الأمنية في العراق طوال معظم الفترة الممتدة من عام 2009 إلى 2015. وبعبارات صريحة، ما أن قرّر باراك الرئيس أوباما الالتزام فعلاً بأمن العراق (في خريف عام 2015!) بدأت السياسات السديدة بالتدفّق من هذا القرار الرئاسي الأساسي. وتغيّرت القيود العشوائية المفروضة ذاتياً على عدد القوات الأمريكية في العراق، مما سمح بزيادة التدريب والاستشارة؛ وتم تخفيف قواعد الاشتباك المتعلّقة بالضربات الجوية المقيّدة للغاية؛ وانتشرت وحدات المدفعية والقوات الخاصة الأمريكية على الأرض على مقربة من خطوط الجبهة من أجل استهداف تنظيم «الدولة الإسلامية» مباشرة.
إن انتقاد "سايرس" الشامل "للسرد الغربي" للطائفية كأساس "للخيارات السياسية السيئة" في العراق مضلّل جداً. فالمبالغة بحجم التهديد الذي تفرضه الميليشيات الشيعية وبمدى اضطهاد السنة لا تقنع، وفق خبرتي، واضعي السياسات الأمريكيين المؤثرين. وفيما يتعلّق بالعراق على الأقل، لا يؤثّر المعلقون والمفكّرون ونقاد التلفزيون المتطرفون، في السياسة ويتجاهلهم واضعو السياسات بتجعيد الأنف واستعمال اليد للتعبير عن الازدراء [أي يتجاهلوهم بكل بساطة].
والحقيقة هي أن المبالغة والتحوير - أي "الأوهام" التي يدّعي "سايرس" تبديدها - تطغى بين صفوف المتطرفين في جماعات الضغط الموالية للشيعة والموالية للسنة على حد سواء. وإذا أردتم أن تفهموا العراق (وربما بلدان أخرى أيضاً)، عليكم إذاً قراءة أعمال أحد المحلّلين البارعين والموضوعيين الرصينين، الذين تخصصوا في بلد معيّن لسنوات عديدة. لا تعيروا المشعوذين اهتماماً.
أتذكر بوضوح تبادلي الرسائل مع أحد مؤيدي السياسة العراقية المناصرة للسنة وطرحي تحليل محايد يجمع بين وجهات النظر الموالية للسنة والموالية لـ «قوات الحشد الشعبي» في العراق . فأجاب أن واضعي السياسات لا يريدون "مواقف ترتكز على فوارق دقيقة". لقد كان مخطأ، وكذلك "سايرس".
عندما يُستخدم الوهم لمحاربة وهم آخر، ينتهي الأمر بقيام الجهلة بمهاجمة الجهلة. وبعيداً عن هذه الحلبة الغريبة، يقوم المسؤولون الغربيون، الغافلون عن هذه المنافسة، باتخاذ خيارات سياسية راشدة وجيّدة نسبياً بشأن العراق في ظلّ هذه الظروف. هذا هو رأيي فقط، ولكن اسمي يرد على الأقل في المقالة ويمكنكم معرفة خلفيّتي ومن أين أنا قادم.
مايكل نايتس هو زميل "ليفر" في معهد واشنطن. و قد عمل في كل محافظة عراقية وفي معظم المناطق التي يبلغ عددها المائة، بما في ذلك فترات قضاها ملحقاً بـ «قوات الأمن العراقية» و"البيشمركة"، وكان آخرها مع "قوة المهام المشتركة" لـ عملية «العزم التام».
"وور أون ذي روكس"