- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
التصرف الآن يمكن أن يعكس مسار استيلاء إيران -تنظيم «الدولة الإسلامية» على السلطة في العراق
من وجهة نظرنا، واستناداً إلى خبرة كبيرة في شؤون العراق، يمكن القول إن البلاد لم تضِع ولكنها تمر بمأزق حرج. فقد بقي الكثير مما عملت واشنطن على تحقيقه هناك، ولكن قوتين متناقضتين، كلتاهما معاديتان للولايات المتحدة، هما تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» وإيران، تسعيان إلى السيطرة على العراق وزعزعة استقرار المنطقة. وفي هذا الإطار بإمكان الولايات المتحدة مساعدة أصدقائها العراقيين وزيادة الاستقرار، بدءاً من إطلاق حملة سريعة وأكثر فعالية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» وعبر تعزيز المساعدة لحكومتي بغداد وأربيل. ولكن إذا لا تقوم بذلك، ستكون الآثار المترتبة على النظام الإقليمي مخيفة.
لقد عملنا معاً في السفارة الأمريكية في بغداد ما بين عامي 2004 و2005 عندما كان العراق ينزلق نحو صراع داخلي وقتال مروّع. وقد تطوّع كل واحد منا للقيام بجولات إضافية مطولة من الخدمة في العراق، مما أضاف إلى وجهات نظرنا حول التطورات العراقية. فقد كنا قريبين من القتال، ورأينا عن كثب الجهد الكبير الذي بذله الجيش الأمريكي والموظفون المدنيون لمساعدة العراقيين على المحافظة على تماسك بلادهم. ونظراً إلى توقعات بعض المحللين بأن العراق دولة فاشلة أو قيد الفشل، قمنا للتو بزيارة للعراق لنرى الوضع عن قرب.
لقد دفع الأمريكيون ثمناً باهظاً في العراق، وبالتالي فإن لديهم معايير عالية حول الشكل الذي يجب أن تظهر به الدولة العراقية. ولم يلتزم العراق بالعديد من تلك المعايير، ولكن خيبة أملنا من عدم عمل الشيعة والعرب السنة والأكراد والمسيحيين والتركمان والعديد من المجموعات العرقية والدينية الأخرى جميعهم مع بعضهم البعض بسهولة لا تعني أن العراق دولة فاشلة أو أنه سيكون كذلك. وفي الواقع، بعد انتهاء القتال الضاري في بغداد قبل أقل من عقد من الزمن، تُعتبر العاصمة الآن هادئة نسبياً وتبدو أفضل بكثير من حيث المظهر. ويناقش البرلمان العراقي بشكل غير منتظم القضايا الكبرى ويختار رئيس الوزراء وحكومته بشكل سلمي ووفقاً للدستور. وبإمكان إثارة السؤال، ما هو عدد الدول الأخرى في المنطقة التي يمكنها أن تقول ذلك؟ إن جميع العرب السنة من المحافظات السنية العربية الرئيسية الثلاث الذين التقينا معهم قد حثوا على إنشاء حكومات محلية مخوّلة داخل الدولة العراقية الموحدة. وهذا الأمر بعيد كل البعد عن مطالبهم قبل عشر سنوات بأن يتمتع العراق، مثل جيرانه العرب، بحكومة مركزية تستحوذ على القوة، كما أن التفكير السني العربي الجديد هو أقرب بكثير من الرؤية الواردة في دستور عام 2005 الذي صاغه العراقيون من الشيعة والأكراد إلى حد كبير. أما العلاقات بين الحكومة المركزية في بغداد و«حكومة إقليم كردستان» في أربيل فهي صعبة. ومع ذلك، لم تعلن أربيل استقلالها، إذ يتمتع أكراد العراق بحكم ذاتي واسع النطاق داخل الدولة العراقية، كما أن السياسة الكردية العراقية بحد ذاتها آخذة في التطور. وتواصل بغداد وأربيل التفاوض حول كيفية التعامل مع عائدات تصدير النفط. بالإضافة إلى ذلك، أصبحت لهجة التعامل بين الحكومة المركزية في بغداد والمسؤولين في «إقليم كردستان» أفضل إلى حد كبير وأكثر واقعية مما كانت عليه قبل عقد من الزمن. ومن العوامل المساعدة هنا أن كلتا الحكومتين تدركان بأنهما تواجهان عدواً مشتركاً هو تنظيم «الدولة الإسلامية». وبالتالي، فإن النجاح في بناء دولة عراقية اتحادية غير مؤكد، ولكن الأمر ممكن إلى حد بعيد.
بيد، إن هذه المرحلة صعبة بشكل خاص. فبغداد وأربيل تواجهان أزمات سياسية ومالية مترابطة، وهذه الأخيرة هي أكثر خطورة بالنسبة إلى الأكراد، إلا أن الأزمات السياسية أخطر بالنسبة إلى بغداد. وتنشأ هذه الأزمات السياسية والمالية جزئياً وتتفاقم بالتأكيد بسبب تنظيم «الدولة الإسلامية». ويواجه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي تحديات كبيرة من المتشددين السياسيين وأولئك في صفوف الميليشيات المدعومين من إيران، الذين يرفضون الإصلاح وينظرون نظرة قاتمة إلى فكرة المصالحة الوطنية. فالعراقيون من جميع الأطياف يعتقدون أن إيران، كما هو الحال في سوريا، تتّبع منحى متطرفاً للوصول إلى السلطة في العراق واستغلال عدم النجاح ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». وقد يكون قد تعزز ذلك حالياً مع روسيا، نظراً إلى اتفاقية التنسيق الاستخباراتي (على الرغم من أن الحكومة العراقية تقول إنها لن تقوم بتنسيق العمليات مع موسكو). وإذا وقعت بغداد ومناطق جنوب العراق التي يهيمن عليها الشيعة تحت سيطرة طهران، فستنتهي المصالحة بين المجموعات الرئيسية الثلاث في البلاد، مما سيدفع بـ "دولة شيعية" أكثر طائفية لأن تكون حتى أقرب إلى الإيرانيين. وهذه هي المعادلة التي يعوّل عليها زعيم تنظيم « داعش»، حيث من شأن قيام دولة شيعية طائفية وسيئة أن يضمن عدداً كبيراً من المجندين لـ "خليفة" تنظيم «الدولة الإسلامية» لكي يعوّض عن خسائر معركته.
من الضروري أن لا ينحدر العراق نحو هذا الطريق. وإذا كان الأمر كذلك، فإن العراقيين والمنطقة سيلقون باللوم على الولايات المتحدة لعدم هزيمتها تنظيم « داعش» وسماحها بعد ذلك بسقوط شريك لها. ومن شأن انضمام العراق إلى إيران وسوريا أن يخلق "الهلال الشيعي" الذي حذر منه العاهل الأردني الملك عبد الله. بالإضافة إلى ذلك، فإن احتياطيات النفط في جنوب العراق التي تبلغ 140 مليار برميل إلى جانب احتياطيات إيران المماثلة، تفوق احتياطيات المملكة العربية السعودية التي تبلغ 268 مليار برميل. إن تحولاً في القوة من هذا البعد في منتصف المنطقة لصالح إيران (وأقل من ذلك، لصالح تنظيم «الدولة الإسلامية») قد يدفع بالمنطقة، وببعض من أقرب حلفاء واشنطن وشركائها، وفي النهاية بالولايات المتحدة نفسها، إلى نزاع إقليمي واسع النطاق بين السنة والشيعة. إن هذه الحرب الطويلة الأمد بين السنة والشيعة قد تفيد كل من روسيا والمتطرفين الذين يكرهون الغرب أيضاً، وخاصة الولايات المتحدة.
إن الحفاظ على عراق موحد وموالٍ للولايات المتحدة يصب في المصلحة الحيوية للولايات المتحدة. وفي صلب الحفاظ على هذه المصلحة تكمن حملة أكثر جرأة ضد تنظيم « داعش». وتفترض استراتيجية "الإسقاط والتدمير" التي تتبعها الولايات المتحدة أن الوقت يصب في صالحها ("3 إلى 5 سنوات"، وأحياناً تسمع واشنطن "عقد من الزمن"). بيد، إن الوضع ليس كذلك. فالفشل في التحرك في سوريا أدى إلى بروز تنظيم «الدولة الإسلامية»، ثم تدفق اللاجئين الذي يهدد الاستقرار السياسي للاتحاد الأوروبي، والآن الإعادة الخطيرة لروسيا إلى المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، فإن المفاجآت الإضافية غير السارة هي من بين عدد قليل من التنبؤات الموثوقة التي يمكن للولايات المتحدة القيام بها إذا لم تضع نفسها في طليعة الأحداث. إن كيفية جعل الحملة العسكرية الأمريكية ضد تنظيم « داعش» أكثر جرأة وأسرع تحركاً تشكل قضية عسكرية تتجاوز إطار إلمامنا، ولكن نظراً إلى القوة العسكرية الأمريكية الكبيرة يمكن للمرء أن يفترض أن القيود التي تحول دون ذلك هي سياسية بالدرجة الأولى، وبالتالي تشكل موضوعاً لا بأس به للنقاش العام. ومن خلال قيام بوتين باستخدام أداة عسكرية أضعف، فلم يدع للمخاوف السياسية واللوجستية أن تكبح تحركاته نحو المنطقة. كما أن عملية الإنقاذ الرائعة التي نفذتها "القوات الخاصة" الأمريكية في 22 تشرين الأول/ أكتوبر تشير إلى المزيد من الخطوات التي بإمكان الولايات المتحدة القيام بها. إن تأييد الرأي العام قائماً في هذا السياق، وذلك وفقاً لـ "استطلاع مجلس شيكاغو لعام 2015" صدر مؤخراً. وبصرف النظر عن أي عمل عسكري، ينبغي على الولايات المتحدة أن تركز على عدد قليل من الأهداف الهامة، لمساعدة بغداد والعرب السنة على التوصل إلى اتفاق متفق عليه بصورة متبادلة، والتخفيف من بعض الأعباء المالية التي ترهق الأكراد، وذلك يكون بشكل عملي أكثر من خلال المساعدة بدفع تكاليف اللاجئين والمشردين داخلياً وتوفير الأسلحة التي تحتاجها أربيل، وعدم تجاهل مشاكل الحكم الداخلية بل تحفيز بغداد وأربيل على معالجتها من أجل تعزيز الاستقرار على المدى الطويل.
روبرت فورد، هو دبلوماسي أمريكي سابق خدم لمدة أربع سنوات سفيراً للولايات المتحدة في سوريا. جيمس جيفري، هو السفير الأمريكي السابق في العراق وتركيا، وحالياً زميل متميز في زمالة "فيليب سولونز" في معهد واشنطن. وقد تم نشر هذه المقالة في الأصل من على موقع "منتدى فكرة".
"منتدى فكرة"