- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3331
التوجهات الكبرى في الشرق الأوسط ووباء "كوفيد -19" وما بعد ذلك: وجهات نظر من فرنسا
"في 5 حزيران/يونيو، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع تشارلز ثيبوت وجيل كيبيل. وكيبيل هو رئيس "دراسات الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط" في "جامعة Paris Sciences et Lettres" ومؤلف الكتاب الجديد، "بعيداً عن الفوضى: الشرق الأوسط والتحدي للغرب". وثيبوت هو دبلوماسي فرنسي، وزميل زائر مقيم في معهد واشنطن، ومؤلف كتاب "العالم العربي في أجزاء". وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهما".
جيل كيبيل
كان من شأن ارتفاع أسعار النفط في العالم بعد الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973، أن يمنح الشرق الأوسط - وخاصة الممالك المنتجة للنفط - دوراً حيوياً في النظام الاقتصادي العالمي. ومع ذلك، تضاءل تأثيره في جميع أنحاء العالم في السنوات الأخيرة مع تراجع الأسعار بشكل ثابت.
في آذار/مارس، تدنّت الأسعار إلى مستوىً قياسي حين زادت روسيا إنتاجها العالمي من النفط للاستحواذ على حصة أكبر من السوق. وأدّت هذه الزيادة في الإنتاج إلى حرب أسعار مطولة مع المملكة العربية السعودية عمد خلالها كلا البلدين إلى إغراق السوق بالنفط الرخيص. والملفت في هذا السياق هو تزامن هذه المواجهة مع انخفاض الطلب الدولي على النفط جرّاء تفشي الوباء الناجم عن فيروس كورونا.
وبسبب هذا الانهيار، لم تعد نماذج الاقتصاد الريعي التي وضعتها الدول المنتجة للنفط قادرةً على توفير نفس مستويات التنمية الاقتصادية والاستقرار السياسي في المنطقة. وسوف يؤدي هذا الواقع الجديد أيضاً إلى تفاقم التوترات الإقليمية على طول خطوط الصدع بين السُنة والشيعة، حيث لا تزال إيران ملتزمة بإقامة "هلال شيعي" يوسّع نطاق نفوذها من طهران إلى بيروت. ومن المرجح أن تظل التوترات عالية في العالم السُني أيضاً، بما أن قطر وتركيا مستمرّتان بالاصطفاف ضد السعودية والإمارات.
بالإضافة إلى ذلك، من المحتمل أن يؤدي تراجع مركزية النفط في الشرق الأوسط إلى تغيير الطريقة التي تستثمر بها الأنظمة الملكية لدول الخليج ثرواتها في المنطقة. فقد اعتادت هذه الأنظمة خلال تاريخها أن تستعين بالسلفية أو الإسلام السياسي على نطاق أوسع لتوسيع نفوذها والحفاظ على الاستقرار في الداخل والخارج. وفي المرحلة القادمة، من المرجح أن ينخفض استخدام الإسلام السياسي كأداةٍ لتحقيق الاستقرار. فالسعودية على سبيل المثال، تجاوزت هذا التكتيك محلياً، وبدلاً من ذلك تسعى إلى تطبيق رؤية وطنية جديدة تقوم على الانتقال إلى نظام اقتصادي ما بعد النفط، وتنويع [هذا] الاقتصاد، واستقبال المزيد من النساء في صفوف القوى العاملة. والواقع أن رد الفعل الإيراني إزاء هذا التحول السعودي جديرٌ بالمراقبة عن كثب، لأن النموذج الثوري لطهران يعمل منذ فترة طويلة رداً على طموحات الرياض الدينية.
وثمة مسألة أكثر غموضاً هي مستقبل الشرق الأوسط بعد فيروس كورونا. فبعض الدول، أمثال مصر والمغرب وتونس، أظهرت مرونةً اقتصادية على الرغم من خطورة الأوضاع الناجمة عن الوباء والأزمات الأخرى، في حين أن سوريا ولبنان لا يزالان ضعيفَين، إلّا أنهما قد يستعيدان حيويتهما إذا قررت أوروبا الاضطلاع بدور أكبر في تعافي المنطقة وفقاً لمصلحتها الاستراتيجية في تحقيق الاستقرار.
تشارلز ثيبوت
لا يُخفى أن "الربيع العربي" من عام 2011 أطلق مرحلةً جديدة في تاريخ الشرق الأوسط. وعلى الرغم من الاختلافات الكبيرة بين العوامل المسببة له في كل بلد، إلا أن إحدى السمات المشتركة بين المتظاهرين في ذلك الوقت كانت "سياسة الكرامة"، التي تتجلى في الشعور المشترك بالسخط من النظام السياسي. وعلى الرغم من عدم امتلاك المتظاهرين خطة سياسية موحدة، إلا أنهم تقاسموا طموح مشترك بالحرية والكرامة.
وظلت المسببات نفسها التي أدت إلى الاحتجاجات في عام 2011 جليةً في العام الماضي، حين عمّت التظاهرات شوارع الجزائر والعراق ولبنان. وكما كان من قبل، بقيت معظم هذه الحركات الاحتجاجية دون قيادة - وهي استراتيجية مقصودة تهدف إلى حماية هذه الحركات ومنع الحكومات من استغلالها وتقويضها. ولكن بسبب هذه العوامل وغيرها، كافحت تلك الحركات مجدداً لتقديم حلول بديلة ملموسة للمشاكل التي تحتج عليها. وبمرور الوقت، فقدَ بعضها القدرة على إحداث تغييرات في النظام السياسي، مما أدى إلى ازدياد استياؤها.
ثمة عدة عوامل بنيوية ستبقى جوهرية مع اقتراب الذكرى العاشرة لـ "الربيع العربي". فمعدلات النمو السكاني لا تزال مرتفعة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، حيث تتوقع "اليونيسف" وغيرها من المنظمات أن يتضاعف عدد السكان الإجمالي بحلول عام 2050. ولا يزال النمو الاقتصادي ضعيفاً للغاية من أن يتمكن سوق العمل من استيعاب الكثير من العاملين الشباب، مما يترك الخرّيجين الجدد أمام فرص عمل محدودة. كما أن معظم اقتصادات المنطقة غير مستقرة للغاية وتتأثر بالتقلبات المالية العالمية.
ومع استمرار هذه التحديات البنيوية، أدّت الصراعات التي أعقبت انتفاضات عام 2011 إلى تغيير الديناميات الجيوسياسية في المنطقة. وعلى نحو متزايد، أصبحت الديناميات المحلية والإقليمية هي التي تحرّك الأحداث، أكثر من سياسات القوى الخارجية. ويعتمد استقرار دول مثل ليبيا وسوريا واليمن حالياً على الصراعات الداخلية على السلطة، وهيكليات الدولة، والتنافسات الإقليمية على السلطة إلى حدٍّ أكبر بكثير. ويعني ذلك أن الولايات المتحدة وغيرها من القوى الفاعلة التقليدية الأخرى في الشرق الأوسط لم يعد لها تأثير حاسم على السياسة الداخلية للعديد من دول المنطقة.
وقد أدّت نية واشنطن للحد من وجودها العسكري في المنطقة إلى تعزيز هذا الاتجاه. ونظراً إلى [انتشار] التصوّر بالانسحاب الأمريكي، قامت الجهات الفاعلة الإقليمية بملء هذا الفراغ، وتم الضغط على أوروبا لاتخاذ موقف أكثر استقلاليةً في الشرق الأوسط. لذلك، تُناقش الأوساط المعنية بالسياسة الخارجية في أوروبا فكرة إنشاء قوة عسكرية أوروبية متمكّنة تستطيع جعل السياسات الأوروبية المقترحة في المنطقة أكثر مصداقية وقابلية للتنفيذ. ومن الأمثلة على ذلك هو البعثة الأوروبية للمراقبة البحرية المقترحة في مضيق هرمز أو البحر الأبيض المتوسط.
أعد هذا الموجز زياد بشلاغم. أمكن تنفيذ سلسلة برامج منتدى السياسات بفضل سخاء "عائلة فلورنس وروبرت كوفمان".