- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3178
التونسيون ينتخبون رئيساً جديداً
في 15 أيلول/سبتمبر، سيدلي التونسيون بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية الثانية في البلاد منذ عام 2011، عندما أطاحت الانتفاضة المحلية بالرئيس المستبد زين العابدين بن علي الذي حكم تونس فترة طويلة، مما أثار موجة من الثورات في جميع أنحاء المنطقة. وبعد مضي ثماني سنوات، تُعتبر تونس الدولة الوحيدة التي عمّتها ثورات "الربيع العربي" وبقيت سائرة على طريق الديمقراطية الكاملة، وهذا امتياز لا يزال يثير الثناء من المراقبين الخارجيين. ومع ذلك، ففي تونس نفسها تميزت السنوات الخمس الماضية بخيبة أمل بسبب عدم تحقيق التوقعات الاقتصادية وإحباط واسع النطاق لعدم القدرة المتصورة للحكومة على معالجتها. وتؤثر هذه المشاعر على الدورة الانتخابية الحالية، بتهميشها نقاشات الإسلاميين/العلمانيين المثيرة للجدل التي اتسمت بها انتخابات عام 2014.
الوقائع والجوانب العملية
جرى تقديم موعد الجولة الحالية من التصويت عقب وفاة الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي في 25 تموز/يوليو بعد أن كان من المقرر إجراؤها في تشرين الثاني/نوفمبر، لكي يتمكن خلفه من تولي مهام منصبه في غضون فترة التسعين يوماً التي ينصّ عليها الدستور. وفي ظل ظروف طبيعية، كان السبسي سيُكمل فترة ولايته التي أمدها خمس سنوات، وكان الناخبون سيختارون برلماناً جديداً قبل الشروع في الانتخابات الرئاسية. أما الآن، فسيختارون رئيساً للدولة - الذي يشغل أيضاً منصب القائد الأعلى ويحدد سياسة الدفاع والخارجية والأمن القومي للبلاد - قبل الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في السادس من تشرين الأول/أكتوبر. وإذا لم يحظ أي مرشح بأغلبية الأصوات في 15 أيلول/ سبتمبر، فسيتم إجراء جولة ثانية بين المرشحيّن الرئيسييْن.
ولا بدّ من الإشارة إلى أنه من بين سكان تونس البالغ عددهم 11.8 مليون نسمة، هناك 85 في المائة من المواطنين المؤهلين للتصويت مسجلين للاقتراع. (على سبيل المقارنة، هناك 75 في المائة فقط من الأمريكيين المؤهلين). وفي انتخابات عام 2014، بلغت نسبة المشاركة حوالي 63 في المائة لكل من الجولة الأولى والجولة الثانية التي تلتها بين السبسي والناشط في مجال حقوق الإنسان المنصف المرزوقي. غير أن الانتخابات المحلية في عام 2018 حصدت نسبة أقل بكثير بلغت 35 في المائة، مما أثار مخاوف بشأن تراجع اهتمام المواطنين وإيمانهم بالعملية الانتخابية. ومع ذلك، شهدت فترة التسجيل للدورة الحالية مشاركة 1.5 مليون مواطن، في حين أشار استطلاع أجراه "المعهد الجمهوري الدولي" في وقت سابق من هذا العام إلى أن نسبة المشاركة ستتجاوز 50 في المائة. ومهما كان الأمر، سيتم الإشراف على التصويت مجدداً من قبل المراقبين المحليين والدوليين، لذا من المفترض أن تكون العملية حرة ونزيهة.
المنافسون الجديرون بالملاحظة
يتنافس في هذه الانتخابات الرئاسية عدداً مفاجئاً من المرشحين يبلغ 26 مرشحاً، بينهم إمرأتان. ومن اللافت للنظر أن المجموعة الأولية ضمّت رجلاً يُجاهر بمثليته بالرغم من أن المثلية الجنسية لا تزال تُعتبر جريمة في تونس، ولكن تم رفض ترشيحه في النهاية لأسباب لا تزال غير واضحة. ونُظّمَت أيضاً ثلاث مناظرات تلفزيونية، وهذه سابقة في تونس وظاهرة جديدة في العالم العربي. ولم يظهر أي متصدّر واضح للسباق الرئاسي، ولكن يبدو أن أربعة مرشحين هم في المقدمة:
يوسف الشاهد. مهندس زراعي يبلغ من العمر 43 عاماً ويشغل منصب رئاسة الوزراء منذ عام 2016، وقد طُرد من حزب "نداء تونس" العلماني برئاسة السبسي العام الماضي. وكان الدافع وراء هذه الخطوة هو خلافاته الشديدة مع الرئيس بشأن تقاسمهما السلطة، واعتراضاته على مناورات حافظ، نجل السبسي للسيطرة على الحزب. ومؤخراً، شكّل الشاهد حزباً جديداً باسم "تحيا تونس"، الذي شددت حملته على احتياجات الشباب. ومع ذلك، فقد يواجه صعوبة في إقناع الجماهير الأوسع من الشعب بأنه من يجب أن يشغل قصر قرطاج الرئاسي. وفي حين تم الإشادة على نطاق واسع بسياساته لمكافحة الفساد، إلا أن التدابير التقشفية التي أشرف عليها بعد حصول تونس على قرض من "صندوق النقد الدولي" تبلغ قيمته 2.8 مليار دولار في عام 2016 لم تكسبه محبة الشعب الذي يكافح تباينات الدخل المترسّخة، ومعدل تضخم يبلغ ضعفيْ المستويات التي كانت سائدة قبل عام 2011، ومعدل البطالة الذي يناهز 15 في المائة على الصعيد الوطني و35 في المائة بين الشباب.
عبد الفتاح مورو. محام شارك في تأسيس حزب "النهضة"، الحركة الإسلامية الرئيسية في البلاد، ويشغل حالياً منصب نائب رئيس الحزب. وانتُخب نائباً في البرلمان في عام 2014، وأصبح لاحقاً نائب رئيس المجلس. ويمثل ترشح مورو البالغ من العمر 71 عاماً تطوراً ملحوظاً بالنسبة لحزب "النهضة" الذي امتنع في السابق عن تقديم أي مرشحين للرئاسة خوفاً من إثارة رد الفعل العنيف نفسه الذي قضى على الجماعة الأم الأساسية، أي «الإخوان المسلمين»، في مصر وبلدان أخرى. وفي المقابل، فضّل حزب "النهضة" أن يحكم في إطار تحالف مع أحزاب علمانية مثل "نداء تونس" وأن يحدّ من توجهه الإسلامي، مما عزّز بالتالي هيمنته في البرلمان. وفي عام 2016، أعلن الحزب أنه حتى سيحد من أنشطته الدينية ويكرّس نفسه بالكامل للسياسة، مستبدلاً شعار "الإسلام السياسي" بـ "الديمقراطية المسلمة".
وعندما أعلن حزب "النهضة" في فصل الصيف الراهن أنه سيقدّم مرشحاً للرئاسة وسيرشح زعيمه راشد الغنوشي لخوض الانتخابات البرلمانية، بدا واثقاً من أن استراتيجية التحفظ قد رسّخت بما يكفي مكانة الحزب في المشهد السياسي التونسي. ورغم أن هذه الحسابات قد لا تزال مجرد رهان، إلا أن استعداد مورو في الماضي لانتقاد الحزب، وعلاقاته الإيجابية المزعومة مع مختلف المشرعين في المشهد السياسي تجعل منه خياراً آمناً نسبياً.
نبيل القروي. مؤسس "قناة نسمة"، إحدى المحطات الرائدة في تونس، يقبع حالياً في السجن بتهم تبييض الأموال والتهرب الضريبي. وأصبح القروي البالغ من العمر 56 عاماً شخصية معروفة في السنوات الأخيرة بفضل ظهوره الإعلامي المتكرر وعمله الخيري. وكان عضواً سابقاً في فصيل السبسي، وأسس حزب "قلب تونس" وشنّ حملات تتعلق بمواضيع شعبية على نطاق واسع، مدافعاً عن حقوق الفقراء ومنتقداً نقص الخدمات الحكومية. وحصد خلال الاستطلاعات نسبة تخطت 20 في المائة عندما اعتقل في أواخر آب/أغسطس، مما أثار اتهامات بأن خصومه كانوا يسعون إلى التخلص منه (ظهرت الادعاءات ضده للمرة الأولى في عام 2017 بعد تحقيق أجرته منظمة غير حكومية محلية بارزة لمكافحة الفساد تُدعى "I Watch"). ويسمح القانون التونسي للأفراد المتهمين بارتكاب نشاط إجرامي بالترشح للانتخابات طالما لم تتم إدانتهم، لذا في حين لم يتمكن القروي من المشاركة في المناظرات، إلّا أن اسمه لا يزال مسجل في اللوائح الانتخابية.
عبد الكريم الزبيدي. طبيب يبلغ من العمر 64 عاماً ويُعتبر إلى حدّ كبير تكنوقراطياً لم يتأثر على ما يبدو بارتباطه الطويل الأمد بنظام بن علي. وشغل حتى وقت قريب منصب وزير الدفاع ثم استقال ليترشح للرئاسة، فحافظ على مكانته الدائمة كمستقل وسلّط الضوء في الوقت نفسه على خبرته في المجال الأمني. وشهدت تونس تحسينات ملحوظة في قدراتها على مكافحة الإرهاب منذ تعرّضها لسلسلة الاعتداءات التي أسفرت عن عدد كبير من الضحايا في عام 2015 ومحاولة تمرد نفذها تنظيم «الدولة الإسلامية» بعد عام. ومع ذلك، كانت سلسلة التفجيرات الانتحارية التي وقعت هذا الصيف بمثابة تذكير بأن البلاد لا تزال هشة، لذا فإن ارتباط الزبيدي بالقوات المسلحة التي تحظى بشعبية كبيرة قد يصبّ في مصلحته.
فيما يتخطى التصويت
يشير مجرى موسم الانتخابات في تونس إلى أن الديمقراطية في البلاد ربما تنتقل من فترة توافق نسبي إلى حالة من عدم اليقين. وأثارت وفاة السبسي موجة مديح بالمساومة الكبرى التي وفقاً لبعض التقارير أنه أبرمها مع الغنوشي في عام 2013، وهو ترتيب يرجع إليه الفضل، عن حق، في إنقاذ البلاد من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية التي تعصف بدول المنطقة. ومع ذلك، كانت القيود المفروضة على هذا التوافق العلماني/ الإسلامي واضحة قبل وقت طويل من وفاة السبسي، الأمر الذي أدى إلى نشوء شلل سياسي وتقويض الإصلاحات الاقتصادية الأكثر شمولاً.
وبالفعل، سلّطت الانتخابات الضوء على الثمن الذي دفعته تونس لقاء الاستقرار السياسي فيما بعد عام 2013: أي الاستياء المتزايد في أوساط الناخبين التواقين إلى رؤية ديمقراطية لا توفر الحريات الفردية فحسب، بل الأرباح الاقتصادية الأساسية أيضاً. صحيح أن من يفوز بالتصويت قد يشعر بأنه تحرر من سنوات توافق النخبة الثابت، ولكن الرئيس الجديد سيواجه أيضاً شعباً تزداد مخاوفه، وتحديات مالية كبيرة، ووضعاً أمنياً هشاً.
ويشدّد هذا المأزق على ضرورة استمرار المساعدات الأمريكية، خاصة في المجالين الاقتصادي ومكافحة الإرهاب. فما زالت البلاد بحاجة إلى المساعدة لتنأى بنفسها عن الحرب الأهلية الدائرة في ليبيا شرقاً والانفجار الداخلي السياسي في الجزائر غرباً ، واحتمال عودة آلاف المقاتلين التونسيين الأجانب الذين انضموا إلى تنظيم «الدولة الإسلامية». وقد نجحت الحكومة في إدارة هذه التهديدات المحلية على نحو مثير للإعجاب في وقت تجنبت فيه تعقيدات شائكة في أماكن أبعد من تونس، مثل طموحات الهيمنة الإيرانية والصدع السعودي-القطري. لدى واشنطن اهتمام شديد في ضمان بقاء تونس ليس كقصة نجاح ديمقراطية فحسب، بل كحليف استراتيجي في منطقة لا يمكن التنبؤ بها أيضاً.
سارة فوير هي زميلة مساعدة في معهد واشنطن.