- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
التوقعات الروسية من إيران في مرحلة ما بعد العقوبات
أبرزَ الدعم المشترك لنظام بشار الأسد عن ظهور تحالف سياسي جديد بين موسكو وطهران، لكن مستوى التعاون الاقتصادي بينهما متواضع للغاية. ففي عام 2014 لم يتخط حجم التبادل التجاري الإجمالي بينهما سقف 1.68 مليار دولار، أي 0.2% من حجم التجارة الخارجية لروسيا. واليوم، وبعد أن تحررت إيران من العقوبات التي كانت مفروضة عليها، بدأت موسكو تسعى لزيادة التعاون الاقتصادي معها.
ومن أهم الأسباب التي دفعت روسيا إلى زيادة التعاون الاقتصادي مع إيران هو افتقارها لشركاء يمكنها الاختيار فيما بينهم، حيث أدى التدخل العسكري لبوتين في أوكرانيا عام 2014 إلى فقدان روسيا الكثير من شركائها التجاريين الأساسيين بما فيهم الاتحاد الأوربي، والولايات المتحدة، واليابان، وكندا، والنرويج، وأستراليا، وهو ما تسبب في حدوث ركود اقتصادي وانخفاض حاد في أسعار النفط في روسيا. ومن المفارقة أن روسيا قطعت مؤخراً علاقاتها التجارية التاريخية مع كل من أوكرانيا وتركيا ثم شرعت في تقديم امتيازات تجارية خاصة لإيران.
وبعد لقائه مع نظيره الإيراني، أكد وزير الزراعة الروسي على المصالح الاقتصادية الجديدة بين البلدين، حيث أشار إلى أن "روسيا بحاجة إلى توفير خدمات لوجستية حديثة لنقل البضائع الإيرانية إلى بلاده، وإنشاء ' ممر آمن ' على الحدود الروسية لمرور تلك البضائع وتخفيف الإجراءات الجمركية وتسريعها". ومن جهة أخرى، بدأ رجال الأعمال الإيرانيين يحصلون على نفس الامتيازات والإعفاءات الجمركية التي يتمتع بها أعضاء "الاتحاد الجمركي الأوراسي" المدعوم من الكرملين.
وفي كانون الأول/ديسمبر 2015، وفي محاولة أخرى لتعزيز العلاقة الاقتصادية، نظمت روسيا أكبر معرض ومؤتمر للأعمال في تاريخ العلاقات الثنائية بين البلدين. وحضر المؤتمر الذي عُقد في إيران ممثلون من أكثر من ثمانين شركة روسية رائدة في مجالات الدفاع، والطاقة، والصناعات الأخرى. ووفقاً لـ "تلفزيون برس" الإيراني، حضر المؤتمر وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، الذي صرح أن طهران تمثل "الشريك الاقتصادي والتجاري الأكثر أهمية لموسكو"، كما أضاف أن البلدين قد وضعا حزمة تجارية جديدة تتراوح قيمتها من 35- 40 مليار دولار.
ووفقاً لما أوردته وسائل الإعلام، كان الاتفاق الذي أبرمته شركة روساتوم الروسية مع الجانب الإيراني لإنشاء محطة طاقة نووية فى بوشهر في إيران، أحد أبرز الصفقات التي تم إبرامها أثناء المؤتمر والتي بلغت قيمتها 11 مليار دولار. كما أن الحزمة الاقتصادية التي عرضتها موسكو تتضمن أيضاً معدات أقمار صناعية ومائة طائرة سوخوى للنقل المدني بقيمة 21 مليار دولار
ويتعلق جزء كبير من الاتفاقيات الاقتصادية الأخرى المبرمة بين البلدين بقطاع الدفاع. فقبل أشهر من التوقيع على الاتفاق النووي، استأنفت موسكو اتفاق عام 2007 لتسليم خمسة أنظمة من صواريخ "S-300" إلى إيران، بعد أن تراجعت في وقت سابق عن تسليم تلك الصواريخ في أعقاب اعتماد حظر توريد الأسلحة الذي فرضه مجلس الأمن الدولي ضد إيران في عام 2010. وتخطط إيران أيضاً شراء 30 مقاتلة من طائرات سوخوي الروسية، التي تشبه إلى حد كبير المقاتلة الأمريكية "F-15E".
ومع ذلك، فإن التعاون الاقتصادي بين إيران وروسيا يُكذّب أي ادعاء بوجود خلافات أو احتكاكات بين البلدين. فعندما تراجعت روسيا عن تسليم أنظمة صواريخ "S-300" لإيران، قامت الأخيرة برفع دعوى ضد روسيا، غير أن إيران أعلنت أنها ستسحب الدعوى إذا تسلمت أنظمة الصواريخ من موسكو. لكن إيران لم تعد ترغب في شراء الدبابات الروسية من طراز "T90" خاصة بعد إعلان قائد القوات البرية الإيرانية العميد أحمد رضا بوردستان "أن إيران كانت مهتمة بشراء الدبابات الروسية ، لكن بما أنه بإمكانها تصنيع نماذج محلية مماثله لها، وهو ما تخطط له إيران في المستقبل القريب، فقد ألغيت الاتفاقية حالياً".
وبشكل عام، لا ينظر المحافظون والقادة السياسيون في إيران إلى روسيا على أنها شريك يمكن الوثوق به. فلإيران سجل حافل بشن هجمات على سفارات أجنبية على أراضيها، ولم تسلم البعثة الدبلوماسية الروسية في طهران من ذلك حيث تم استهدافها مرات عديدة. وكان الاعتداء الأول بعد الحرب الروسية الفارسية بين عامي 1826 و 1828، التي أدت إلى توقيع اتفاقية "تركمنجاي" حين قام الغوغاء بعد عام من الاتفاقية بالاعتداء على السفارة الروسية في طهران، وقتلوا السفير الروسي الذي لعب دوراً رئيسياً في المفاوضات التي مهّدت لتلك الاتفاقية التي انتقلت بموجبها منطقة جنوب القوقاز من سيطرة بلاد فارس إلى الإمبراطورية الروسية. وإلى يومنا هذا ما زال الكثير من الإيرانيين يستخدم مصطلح "اتفاقية تركمنجاي" للتعبير عن أي تسوية غير عادلة.
أما الاعتداء الثاني فقد تمثل في شن الإيرانيين هجوم على السفارة السوفيتية في عام 1988، رداً على تزويد موسكو صواريخ للرئيس العراقي السابق صدام حسين خلال الحرب الإيرانية - العراقية. بالإضافة إلى ذلك لم يستطع الزعماء الدينيون في إيران تحقيق انسجام مع وجهات النظر الملحدة التي تبناها الشيوعيون في روسيا، لتعارضها مع الإسلام. وقد اتسعت الهوة بين روسيا وطهران عندما شعر الإيرانيون بنوع من الاستفزاز جرّاء التدخل السوفياتي في أفغانستان، والذي أدّى إلى هجرة نحو مليون لاجئ أفغاني إلى إيران.
بيد، على مدى السنوات القليلة الماضية، أدى العداء السياسي للغرب، والدعم المشترك للرئيس الأسد إلى زيادة التقارب بين روسيا وإيران. وقد توجت المفاوضات بينهما مؤخراً بدخول روسيا في تحالف عسكري مع إيران في أيلول/سبتمبر 2015 يهدف إلى مساعدة نظام الأسد لمنعه من الانهيار. وبالفعل فقد كان التدخل العسكري الروسي بدعم من «الحرس الثوري» الإيراني ناجحاً، بل جوهرياً للأسد الذي كاد أن يفقد سيطرته على ثلث الأراضي السورية لولا هذا الدعم الخارجي. وبالإضافة إلى ذلك، لعبت روسيا دوراً بناءً خلال المفاوضات النووية مع إيران. وقد شكّل البرنامج النووي موضوعاً مهماً لإيران إلا أنها لم تقم بأي محاولات لتقديم تنازلات خلال المفاوضات. ووفقاً للبنود الأساسية في «خطة العمل المشتركة الشاملة»، حملت السفينة الروسية "ميخايل دودين" في 28 كانون الأول/ديسمبر، 11000 كيلوغرام من اليورانيوم المخصّب ونقلته من إيران إلى روسيا عبر بحر قزوين، لتعذر تنضيبه في إيران. وفي أعقاب ذلك تم رفع العقوبات النووية عن إيران، مما أدى إلى حصول إيران على ستة وخمسين مليار دولار من الأصول الأجنبية غير المجمدة، الأمر الذي وضع البلاد على مسار جديد من الإنعاش الاقتصادي.
وتسعى روسيا حالياً إلى تحويل صداقتها السياسية مع طهران إلى فوائد اقتصادية حيث صرح أندريا باكليتسكلي الخبير في الشؤون الإيرانية والباحث في "مركزالدراسات السياسية في موسكو"، إلى أن "ثمة شعور في روسيا ' بأننا كنا أصدقاءكم طوال هذا الوقت، والآن عليكم بالمقابل أن تعطونا شيئاً ' ". لكن البعض يرى أيضاً أن روسيا قد فوتت الفرصة لإقامة شراكة اقتصادية متينة. كما يرى خبير روسي مخضرم في الشأن الإيراني، رجب سفاروف، بأنه "قبل رفع العقوبات، كان بإمكان روسيا أن تكون الملكة الفعلية في إيران، إذ لم يكن أمام الإيرانيين في ذلك الحين أي خيار سوى موسكو، وكان بإمكانها أن تفوز بالمشاريع بلا منازع". وقد عبّر العديد من الاقتصاديين الروس عن مخاوفهم بشأن عودة إيران إلى أسواق الطاقة الدولية وعواقب ذلك على روسيا. فهناك تنافس بين الدولتين على مستوى التجارة الخارجية،الذي شكل نوعاً من الصراع الاقتصادي بينهما. وتقوم روسيا حالياً بتصدير نحو 3.5 مليون برميل من النفط يومياً إلى أوروبا، و988 ألف برميل إلى الصين، بينما كانت إيران تصدّر 992 ألف برميل إلى الصين، ولم تصدّر أي كمية إلى أوروبا في ظل العقوبات التي كانت مفروضة عليها. ومن المتوقع أن ترتفع صادرات النفط الإيرانية بشكل كبير بعد رفع العقوبات عن طهران. ونظراً لأن سوق الطاقة لن يشهد تغيراً يذكر في أوروبا أو الصين، فإن عودة إيران إلى المنافسة ستؤدي إلى تقليص حصة روسيا في كلا السوقين.
وقد عرضت إيران تخفيضاً بقيمة 6.55 دولار على سعر النفط للعملاء الأوروبيين في محاولة منها لاستعادة حصتها في السوق. أما فيما يخص العميل الصيني فقد اتفقت معه طهران خلال زيارة رسمية للرئيس الصيني "شي جين بين" لإيران على زيادة التجارة الثنائية بين البلدين بما يساوي عشرة أضعاف [من حجمها الحالي]، أو ما يعادل 600 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة. كما قام الرئيس "روحاني" بجولة إلى أوروبا استغرقت أربعة أيام، تحدث خلالها عن "ربيع جديد" في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي. وعاد الرئيس روحاني إلى إيران محملاً بعشرات العقود ومذكرات التفاهم الجديدة التي ستساعد إيران في الدخول مجدداً إلى السوق الدولية.
وفى الفترة ما بين توقيع «خطة العمل المشتركة الشاملة» في تموز/يوليو 2015 ورفع العقوبات على إيران في كانون الثاني/يناير 2016، فُتحت أمام موسكو العديد من الفرص والمكاسب الاقتصادية التي يمكن أن تحققها من خلال صداقتها السياسية والعسكرية مع طهران، إلا أن روسيا تحتاج اليوم إلى الاستعداد جيداً للمنافسة التي لا مفرّ منها: فمن جهة، ترى أن إيران تقتحم من جديد أسواق الطاقة العالمية بكل قوة، ومن جهة ثانية ترغب الشركات الأوروبية والصينية والأمريكية في أن تعود للاستثمار في السوق الإيرانية، مما يوحي بأن المرحلة المقبلة لن تكون سهلة على روسيا، لا سيما وأنها تواجه تحديات اقتصادية كبيرة على الساحة المحلية، لكن الفائدة التي قد تعود جراء ذلك تستحق هذا العناء .
حسين باناهوف هو محلل سياسي مستقل وعضو في هيئة تحرير "معهد السياسة العامة في أذربيجان". وقد تم نشر هذه المقالة في الأصل من على موقع "منتدى فكرة".
"منتدى فكرة"