- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2816
التظاهرات المتصاعدة في المغرب تستدعي رد فعل حذر
في الأسابيع الأخيرة، هزت المغرب تظاهرات هي الأكبر منذ عام 2011، عندما خرج مئات الآلاف من المواطنين إلى الشوارع مطالبين بالوظائف وبوضع حد للفساد على خلفية الانتفاضات التي حدثت في العالم العربي. وشهدت المملكة موجات عرضية من الاحتجاج في السنوات التي تلت ذلك، إلا أن الحكومة تمكنت من احتوائها. أما التظاهرات الأخيرة التي بدأت في الأساس من منطقة الريف الشمالي المضطربة تقليدياً، فهي تختبر مرة أخرى الاستقرار النسبي للبلاد. وحيث يتم التخطيط لتظاهرات في جميع أنحاء المغرب في 20 تموز/يوليو، فقد تحدد الخطوة التالية التي تتخذها الرباط ما إذا كانت هذه الاحتجاجات ستتسع إلى ظاهرة تزعزع الاستقرار أم ستتبدد كما حدث لسابقاتها.
ما الذي حفز المحتجين؟
يعود تاريخ الاضطرابات الحالية إلى 28 تشرين الأول/ أكتوبر 2016، عندما اندلعت الاحتجاجات في مدينة الحسيمة الشمالية بعد وفاة بائع الأسماك المحلي محسن فكري، ثم انتشرت إلى تطوان والدار البيضاء ومراكش والرباط. وكانت السلطات قد صادرت أسماك من نوع أبو سيف المحمية بقيمة 11 ألف دولار أمريكي، التي كان فكري يبيعها بشكل غير مشروع وتخلصت منها. وعندما قفز فكري في شاحنة لجمع القمامة لاسترداد الأسماك سحقته ضاغطة الشاحنة. وسرعان ما انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صور مؤثرة عن وفاته، وزعمت بعض الروايات أن شرطياً أمر جامعي القمامة بتشغيل الضاغط وقتله عمداً. وجاء هذا الحادث رمزاً للاحتقار الذي يحمله عدد كبير من المغاربة للشرطة وغيرها من عناصر الدولة.
وفي غضون أيام على وفاة فكري، دعا الملك محمد السادس إلى إجراء تحقيق وتم في النهاية اتهام أحد عشر شخصاً بالقتل الخطأ والتزوير. وكنتيجة لاستجابة الحكومة السريعة، هدأت هذه الاحتجاجات. إلا أن وفاة فكري حفزت سكان الحسيمة [على القيام بخطوة ما لحماية مصالحهم]، وتمثل ذلك ببدء مجموعة تطلق على نفسها اسم "الحراك الشعبي" بتزعم تظاهرات مستمرة، وإن كانت على نطاق ضيق، تطالب باستثمار الحكومة في منطقة جبال الريف، ووضع حدٍ للفساد، وتأمين الوظائف المحلية. ويترأس الحركة ناصر الزفزافي، وهو ناشط يبلغ من العمر 39 عاماً وعاطل عن العمل. وقد عمل عمّه في حكومة عبد الكريم الخطابي، وهو الشخصية الريفية السياسية والعسكرية البارزة التي قادت الثورة ضد المستعمرين الفرنسيين والإسبان وأسس "جمهورية الريف" في عشرينيات القرن المنصرم، ولكن لم يكتب لها الاستمرار طويلاً. كما أن الزفزافي كان أحد الناشطين في "حركة 20 فبراير"، وهي الائتلاف الذي وقف وراء احتجاجات عام 2011.
وحتى الشهر المنصرم، كانت احتجاجات "الحراك الشعبي" تقتصر على الحسيمة، ونادراً ما ضمت أكثر من بضعة مئات من المشاركين. وركزت مطالبها على البطالة وعدم تطوير البنى التحتية، وغيرها من المظالم الاجتماعية الاقتصادية المحلية. إلا أن المتظاهرين بدأوا في طرح بعض المواضيع السياسية مثل وحشية الشرطة والفساد المنسوب إلى نخب الدولة (أو "المخزن" باللغة المغربية). ومن جهتها، اعتمدت الحكومة لهجةً تصالحية، حيث قام وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت بزيارة الحسيمة في نيسان/أبريل وأثنى على الطبيعة اللاعنفية لـ "الحراك الشعبي"، وطالب بإجراء حوار سلمي.
أيام أيار/مايو
في أعقاب تصريحات إعلامية لممثلي الائتلاف الحاكم في المغرب، التي صفوا فيها "الحراك" بأنها حركة انفصالية مموّلة من الخارج، تَحوّل الوضع في أوائل أيار/مايو. ورداً على ذلك، خرج نحو خمسة آلاف متظاهر إلى شوارع الحسيمة في 18 أيار/مايو وأعلنوا عن إضراب عام، وهتفوا بشعارات تصف الحكومة المنتخبة بالعصابة ولوّحوا بعلم البربر التقليدي. (الأغلبية الساحقة من الريفيين هم من البربر، أحفاد السكان الأصليين في المغرب الذين أصبحوا تحت سيطرة سياسية وثقافية عربية منذ قرون). وقد دفع حجم التظاهرات إلى قيام المتحدث باسم الحكومة وعضو «حزب العدالة والتنمية» الإسلامي مصطفى الخلفي بالرفض بشكلٍ رسمي اتهام الحركة بالانفصالية والإقرار بشرعية مطالب المتظاهرين. كما أدت إلى ذهاب لفتيت مرة أخرى إلى الحسيمة لإصدار ضمانات بأن السلطات ستتبع خطة التنمية الإقليمية الخمسية التي أصدرتها عام 2015 والتي تخصص 6.5 مليار درهم (حوالي 600 مليون دولار) لإنجاز مشاريع الطرق السريعة والبنية التحتية في قطاعي الصحة والتعليم.
وعلى الرغم من هذه الضمانات، أعقب الإضراب العام احتجاجات يومية في كافة أرجاء الريف إلى جانب تظاهرات تضامنية في المراكز الحضرية الرئيسية في المملكة. وسرعان ما كشفت صور نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي عن وجودٍ عسكري في الحسيمة، وبدأ المتظاهرون في جميع أنحاء البلاد بإضافة مطلب "تجريد المنطقة من السلاح" إلى قائمة مطالبهم. وفي الوقت نفسه، ألهمت الاحتجاجات مجموعة من المفكرين المغاربة البارزين ومنظمات المجتمع المدني والناشطين في مجال حقوق الإنسان لإصدار بيان في 25 أيار/مايو أكّدوا فيه على دعمهم للحراك ودعوا الحكومة إلى إظهار جديتها في معالجة مطالب الحركة.
ومع ذلك، ففي 29 أيار/مايو، اعتقلت الحكومة الزفزافي واتهمته بتهديد الأمن القومي وقبول التمويل الأجنبي - وهي جرائم يمكن أن تؤدي إلى عقوبة السجن لمدة طويلة أو حتى الإعدام. وبررت السلطات هذا الإجراء جزئياً بإشارتها إلى أن الزفزافي قاطع خطبة [لإمام] في اليوم السابق واتهم الإمام باستخدام منصبه لتشويه سمعة حركة الاحتجاج. وأثار الاعتقال موجةً من الدعم على مواقع التواصل الاجتماعي وتظاهرات متنامية في أنحاء البلاد. وأفادت التقارير عن اندلاع اشتباكات بين المتظاهرين والشرطة في شمال البلاد. وحدث إضراب عام آخر في 31 أيار/مايو، بينما تم احتجاز أربعين ناشطاً وصحفياً بارزاً اعتباراً من الأول من حزيران/يونيو، من بينهم 32 شخصاً يواجهون تهماً جنائية.
المخاطر
يدلّ الرد العنيف المتزايد الشدّة للحكومة والارتفاع الناجم عن التوترات على المخاطر الكبيرة التي يواجهها الوضع في أحد البلدان القليلة المستقرة في المنطقة. فمنذ اضطرابات عام 2011، تمكن المغرب من تجنب التطرف العنيف والاستبدادية الرجعية اللذين يجتاحان جزءاً كبيراً من العالم العربي، وذلك من خلال مجموعة من التحركات الاستباقية من قبل القصر بشكلٍ أساسي، والإصلاحات الدستورية التي وسعت نطاق السلطة التشريعية المنتخبة، والجهود الرامية إلى تفويض السلطة من الرباط إلى [السلطات] المحلية، ورغبة واسعة النطاق إلى تجنب الفوضى التي شهدتها بلدان أخرى. ولكن إذا كانت الصفقة المغربية الضمنية قد شملت مواطنين اختاروا الاستقرار مقابل تحسينات بطيئة ولكن قابلة للإثبات في الفرص الاقتصادية وتوفير الخدمات الأساسية، فإن الاضطرابات الأخيرة تشير إلى تزايد الاعتقاد بأن الحكومة لم تقم بدورها في تلك الصفقة. حتى أن رئيس «حزب الأصالة والحداثة» الصديق للقصر الياس العمري اعترف في الأول من حزيران/يونيو بأنه لم يتم إنفاق درهم واحد من الميزانية الوطنية على مدينة الأصلية في الحسيمة العام الماضي.
ولم يصدر القصر حتى الآن بياناً رسمياً حول التطورات الأخيرة، على الرغم من أن قرار الملك بعدم حضور الاجتماعات الدولية الأخيرة يشير إلى أنه يشعر بالقلق إزاء المزيد من التصعيد (لم يحضر القمة العربية والإسلامية في الرياض في 20 أيار/مايو؛ وبينما كان السبب الرسمي لتخطيه القمة التي عقدتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا في الفترة من 3 إلى 4 حزيران/ يونيو هو مقاطعة حضور إسرائيل، إلّا أنّ الاضطرابات الرئيسية في بلاده قد تكون الدافع الحقيقي لعدم مشاركته). وقد تحمل هذه الاضطرابات أهمية خاصة بالنسبة للملك نظراً للمنطقة التي خرجت منها. فعندما جلس على العرش في عام 1999، سعى لتمييز نفسه عن والده الراحل الذي لم يزر الريف منذ أن أخمد التمرد هناك في عام 1959، وأهمل المنطقة إلى حدٍ كبير في العقود التي تلت ذلك. ولم ينتقد المتظاهرون الحاليون النظام الملكي مباشرةً، إلّا أنّ مظالمهم تشير إلى أن جهود المصالحة السابقة التي قام بها الملك لم تحسّن الحياة اليومية في الريف بما فيه الكفاية. وفي نهاية الأسبوع، استدعى العاهل المغربي رؤساء الأحزاب السياسية الرئيسية إلى الرباط لعقد اجتماع مكرس لرسم طريق في المرحلة القادمة.
التداعيات على السياسة الأمريكية
إذا كان تاريخ المغرب المعاصر أي دليل، فقد يكون التدخل المباشر للملك كافياً لإعادة إرساء الهدوء وإيجاد آلية لمعالجة مطالب المتظاهرين. ومع ذلك، فإن خطر استمرار الصراع مازال قائماً. وبالنسبة للمسؤولين الأمريكيين، فإن احتمال تعرّض حليف عربي مستقر لضغط متزايد يشير إلى الحاجة إلى استمرار الدعم والاهتمام بالعلاقات الثنائية.
وفي هذا السياق، يتعين على إدارة ترامب أن تعيد النظر في الرسالة الرمزية السلبية لاقتراحها بخفض المساعدات الإنمائية بنسبة 33 في المائة (من 15 مليون دولار إلى 10 ملايين دولار) في وقت يتسم بالتوتر الشديد وضبابية الرؤية. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن تستفيد واشنطن من علاقاتها المحسنة مؤخراً مع دول «مجلس التعاون الخليجي»، وأن تشجعها على متابعة حزمة المساعدات البالغة 5 مليارات دولار أمريكي التي قدمتها للمغرب بين عامي 2012 و2017 مع التزام جديد سخي مماثل. وتؤكد دوامة الأسابيع القليلة الماضية على الضرورة الملحة لتعيين سفير امريكي جديد لدى المغرب (كان المنصب شاغراً منذ 20 كانون الثاني/يناير). وأخيراً، يتعين على المسؤولين في الولايات المتحدة أن يظهروا بوضوح، وبهدوء، أنهم مستعدون لمساعدة الرباط في تنفيذ الإصلاحات التي وعدت بها.
سارة فوير هي زميلة "سوريف" في معهد واشنطن.