- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2910
التظاهرات في إيران: أسبابها ووقعها وكيف يجب أن يكون الرد الأمريكي
"في الرابع من كانون الثاني/يناير، خاطب پاتريك كلاوسون، مايكل آيزنشتات، وحنين غدار منتدى سياسي في معهد واشنطن. وكلاوسون هو زميل أقدم في زمالة "مورنينغستار" ومدير الأبحاث في المعهد. وآيزنشتات هو زميل "كاهن" ومدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في المعهد. وغدار هي صحفية وباحثة لبنانية مخضرمة، وزميلة زائرة في زمالة "فريدمان" الافتتاحية في المعهد. وقد أدار المنتدى مايكل سينغ، زميل أقدم في زمالة "لين- سويغ" والمدير الإداري في المعهد. وفيما يلي موجز المقررة لملاحظاتهم".
ملاحظة: كان من المقرر أيضاً أن يشارك مهدي خلجي عن طريق التداول من بُعد ولكنه لم يتمكن من إكمال عرضه بسبب مشاكل تقنية غير متوقعة.
مايكل سينغ
تلُقي الأحداث الراهنة في إيران بظلالها على القرارت الرئيسية التي توشك الولايات المتحدة على اتخاذها فيما يخص سياستها تجاه إيران، من بينها الإعفاء من العقوبات، ونزع الثقة من الاتفاق النووي، والجهود التي يبذلها الكونغرس لتعديل "قانون مراجعة الاتفاق النووي" مع إيران. وقد أبدت إدارة الرئيس ترامب حتى الآن دعمها للمتظاهرين، إذا كان ذلك من خلال تغريدات الرئيس عبر "تويتر" أو من خلال تصريحات مسؤولين أمريكيين. وإذا فُرضت المزيد من العقوبات على إيران جراء انتهاكها لحقوق الإنسان، فستأتي هذه العقوبات حتماً في إطار قرارات وشيكة بشأن التشريعات المتعلقة بإيران التي هي قيد المراجعة.
وفي حين تود الولايات المتحدة رؤية المجتمع الدولي يعبّر عن بعض المشاعر المشتركة تجاه المتظاهرين ويحفّز على دعم أوسع لهم، إلّا أن الردود الأوروبية تبقى باهتة. ولعل السبب هو استثمار دول الاتحاد الأوروبي كمّاً هائلاً من رأس المال المادي والسياسي والدبلوماسي في الاتفاق النووي. وأعرب الأوروبيون عن اهتمام أكبر بكثير بالحوار مع الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف.
پاتريك كلاوسون
تشير مؤشرات الاقتصاد الكلي إلى أن الاقتصاد الإيراني بحالة لا بأس فيها، إذ أن "الناتج المحلي الإجمالي" في إيران سوف ينمو هذا العام بنسبة تفوق نسبته في الولايات المتحدة، بينما سيكون عجز الميزانية الإيرانية أصغر من العجز الأمريكي بالتناسب مع حجم الاقتصاد في كلا البلدين. كما تسجل إيران حالياً فائضاً سليماً في حسابها الجاري في تجارتها الدولية. ومع ذلك فإن الوضع بالنسبة لمعظم السكان الإيرانيين ردئ للغاية. وتُبين الدراسة الاستقصائية السنوية لمستويات المعيشة في البلاد أن المؤشرات ذات الصلة لا تزال أكثر من 10 في المائة أسوأ مما كانت عليه قبل عقد من الزمن. فالبطالة والتضخم آخذان في الازدياد، مع تركز الزيادات في الأسعار في السلع الأساسية مثل الخبز الذي شهد مؤخراً أول زيادة له خلال ثلاث سنوات، حيث ارتفع سعره 15 في المائة.
وفي المقابل، تبرز مسألتان مهمتان فيما يخص تأثير الوضع الاقتصادي على الاحتجاجات. والمسألة الأولى هي تكلفة الأعمال المخلة بالاستقرار التي تمارسها إيران في الخارج. وإذا أردنا الكلام بالأرقام المطلقة، يبدو إنفاق النظام الإيراني في هذا الصدد غير مكلف نسبياً، ولكنه كبير بالمقارنة مع حجم الاقتصاد. وقد ادّعى مسؤولون أمريكيون أن النظام ينفق حوالي 7 مليارات دولار سنوياً على تلك الأعمال، وهذا المبلغ يُصرف معظمه على دعم النظام السوري وتمويل مختلف الجماعات الإرهابية. كما يشير هؤلاء المسؤولون أيضاً إلى نفقات تصل إلى ملياري دولار في مجال الأنشطة الصاروخية والنووية. وحتى لو كان المبلغ الفعلي للنفقات الخارجية هو فقط نصف ما تدّعيه الولايات المتحدة ، فإن 4 مليارات دولار تشكل تقريباً 1 في المائة من "الناتج المحلي الإجمالي" لإيران. ومن خلال رؤية الموضوع من زاوية معينة، فإن 1 في المائة من "الناتج المحلي الإجمالي" في الولايات المتحدة هو 180 مليار دولار. وبعبارة أخرى، فإن 4 مليارات دولار هي أكثر من تخفيضات الإعانات الاجتماعية المزمعة في عام 2018، التي ستؤثر على 30 مليون إيراني. أما التكاليف غير المباشرة للمغامرة الإقليمية فهي أعلى من ذلك؛ وتخصص ميزانية إيران لعام 2018، 12 مليار دولار للنفقات العسكرية، التي لن تكون هناك حاجة إلى الكثير منها إذا كان النظام أقل عدوانية.
المسألة الثانية هي تداعي النظام المصرفي الإيراني. فوفقاً لخطاب الرئيس عن الميزانية في 10 كانون الأول/ديسمبر، فإن ستّ "مؤسسات احتيالية" تستحوذ حالياً على نحو 25 في المائة من سوق المال. وترتبط العديد من هذه المؤسسات الائتمانية (المُقرضة) بـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني أو برجال دين بارزين. وهي تدفع أسعار فائدة مرتفعة على الودائع وتفرض أسعار فائدة فاحشة على القروض، يصل بعضها إلى 35 في المائة. وقد مُنيت العديد من تلك المؤسسات بالخسارة خلال تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بينما تفتقر إيران إلى أي نظام تأمين على الودائع. واستناداً إلى التحذير الذي وجّهه روحاني في كانون الأول/ديسمبر، فإن حياة نحو أربعة مليون إيراني معرّضة "للدمار الكامل" جرّاء الأزمة المالية، علماً بأن وضع المصارف ليس أفضل بكثير من حال المؤسسات الائتمانية.
وعلى الرغم من الضرورة الملحّة، استمر التردد الإيراني إزاء هذه المسألة لمدة عامين. إلا أن السبب لا يكمن في استحالة معالجة الوضع بطريقة ما، إذ يستطيع أي خبير اقتصادي من "صندوق النقد الدولي" أن يقترح عدداً من الإصلاحات البديهية للحيلولة دون انهيار المصارف، علماً بأن عدة دول أخرى على غرار قبرص وآيسلندا قد نجت من أزمات مالية أسوأ بكثير. بيد أن الجمود الحزبي في إيران أسوأ منه في واشنطن، الأمر الذي منع القادة من اتخاذ القرارات اللازمة بشأن تلك المصارف.
ويمكن أن يكون للعوامل الديمغرافية أهميتها أيضاً. فحركات الاحتجاج مدفوعة عموماً من قبل الشباب؛ ويشير الباحثون إلى أن الثورات تحدث على الأرجح في الأماكن التي يتدنى فيها متوسط العمر عن السادسة والعشرين عاماً. ولكن سكان إيران يهرمون، بينما يبلغ متوسط العمر فيها 31 عاماً وهو أعلى من متوسط العمر في إسرائيل وأكبر بعشر سنوات منه في العراق.
وعلاوة على ذلك، يعتبر نظام الجمهورية الإسلامية نظاماً إيديولوجياً، وتُظهر الاحتجاجات أن قلوب الناس وعقولهم ربما تكون قد ابتعدت عن الإيديولوجية الثورية. ويشير الكثير من المعلقين الإيرانيين إلى أن البلاد اليوم تشبه الاتحاد السوفيتي أيام ليونيد بريجنيف - أي أن الناس يمارسون العادات الإيديولوجية دون قناعة. والأمر المعبّر هو أن النظام استغرق أسبوعاً كاملاً لحشد تظاهرات مضادة، وهي فترة طويلة بالمقارنة مع الأحداث السابقة، مما يوحي بأن القيادة لم تكن واثقة من قدرتها على استحثاث تظاهرات موالية للنظام.
مايكل آيزنشتات
أحسن النظام حتى الآن إغلاق القنوات الإعلامية الصادرة من إيران، مما جعل من الصعب تقييم ما يجري فعلياً. ومع ذلك، يُعتبر تاريخ الجمهورية الإسلامية إطاراً مفيداً لفهم الاحتجاجات.
ولعل الأهم من ذلك هو أن مؤسسي هذا النظام هم أشخاص ثوريون لا شي يخيفهم أكثر من مجرد ثورة مضادة. وقد استخلص قادة إيران الحاليون عدداً من الدروس من ثورتهم ضد الشاه ومن جهودهم السابقة لقمع التحركات الثورية المضادة.
والدرس الأول هو الحاجة إلى قيادات قوية وحازمة. فقد ساهم ضعف الشاه وتردده في نجاح الثورة، وهذا جزء من السبب الذي دفع الجمهورية الإسلامية إلى المسارعة بقمع الاحتجاجات السابقة.
والدرس الثاني هو ضرورة أن تكون القوى الأمنية مدربة ومجهزة وموظفة على النحو السليم وأن تتلقى توجيهاً واضحاً ودعماً سياسياً قوياً. وقد أنفق النظام الكثير من المال على قوات مكافحة الشغب، على الرغم من أنه من غير الواضح مدى انضباط هذه القوات وحسن تدريبها.
والدرس الثالث هو ضرورة الحفاظ على الروح المعنوية والتماسك في صفوف القوات الأمنية. ومع ذلك، فإن كلا العاملين يتأثران بالتركيبة الاجتماعية للوحدات الفردية، فضلاً عن الانقسامات الاجتماعية والطبقية الموجودة في المجتمع الإيراني. ويشكل هذا الأمر مشكلة حقيقية في ظل الاحتجاجات الراهنة لأن العديد من عناصر القوى الأمنية ينحدرون وفقاً لبعض التقارير من الطبقتين الدنيا والمتوسطة الدنيا في البلاد ومن المدن والبلدات الصغيرة - أي أنهم ينتمون إلى الفئة نفسها المكلفين بقمعها.
ويشار إلى أن الآلية التي انتهجها النظام في قمع الاحتجاجات السابقة قامت على أربع ركائز، وهي: تجنب استخدام القوة المميتة على نطاق واسع، والتشديد على الاشتباكات وجهاً لوجه لتخويف المعارضين من ذوي القلوب الضعيفة، واستهداف كبار زعماء المعارضة بالإقامة الجبرية والعزل لمدة غير محدودة، وكسر الروح المعنوية للمتظاهرين وحماستهم من خلال الاعترافات المتلفزة والتعذيب والإهانات الجنسية والإفراج السريع عن المحتجزين ليتمكّنوا من إخبار الآخرين عن المعاملة الوحشية التي تعرّضوا لها. ومع ذلك، إذا كانت السلطات قد بالغت أو أخطأت في حساباتها خلال الانتفاضة الراهنة، فمن الممكن أن تصعّد من العنف آنذاك.
أما من ناحية النشاطات التي يمارسها النظام الإيراني في الخارج، فلا يفترض أن تؤثر الأحداث الأخيرة على نشر القوات الإيرانية في الخارج على المدى القصير، لأن هذا الانتشار لا يشمل إلّا عدداً صغيراً من الوحدات المتخصصة مثل «فيلق القدس». ولكن على المدى البعيد، يمكن أن تؤثر الاحتجاجات على القرارات المرتبطة بهيكل القوة على مدى السنوات القادمة، مع تخصيص المزيد من الموارد للأمن الداخلي.
وفي المرحلة المقبلة، يتعين على المسؤولين الأمريكيين استخدام لغة متحفظة عند الحديث عن الانتفاضة. ويجب على واشنطن أن تعرب عن دعمها للمتظاهرين، ولكن أي تصريحات واضحة وصريحة قد تردع بعض الإيرانيين عن الانضمام إلى التظاهرات كما قد تُظهر الولايات المتحدة بصورة ضعيفة إذا تم قمع الانتفاضة. يتعيّن على المسؤولين الأمريكيين أيضاً أن يبقوا التركيز منصباً على النظام - فإذا أعادت واشنطن فرض عقوبات مرتبطة بالأسلحة النووية، فقد تتيح بذلك للقادة الإيرانيين تحويل الاستياء الشعبي من الوضع الاقتصادي نحو الولايات المتحدة.
حنين غدار
إن الاستياء الشعبي من الأنشطة الإقليمية للنظام الإيراني لا يقتصر على إيران. فالميليشيا اللبنانية «حزب الله»، التي تقود معظم تلك الأنشطة تواجه تحديات متنامية مع جمهورها نفسه. وفي الواقع أن علامات السخط في لبنان شبيهة جداً بعلامات الاستياء الملحوظة في إيران.
فقبل مدة طويلة من اندلاع الاحتجاجات في إيران، بدا أن غضب اللبنانيين الشيعة من «حزب الله» يتزايد بشكل كبير بسبب انخراط التنظيم في الحرب السورية التي أسفرت عن وقوع قتلى في صفوف المقاتلين اللبنانيين أكثر من عدد القتلى في جميع صراعاته السابقة.
كما أدت الحرب إلى تآكل الوضع الاقتصادي لمناصري «حزب الله» في الداخل، إذ تقتصر الرواتب التي يدفعها الحزب حالياً على الجنود وعائلاتهم؛ ونتيجة لذلك، فإن العديد من قواته يقاتلون أساساً من أجل المال بدلاً من العقيدة. وقد أدت المدفوعات التفضيلية أيضاً إلى إحداث انقسامات طبقية وثقافية تعزز التوتر الفعلي بين المقاتلين والشيعة المدنيين. وحتى مع استفادة عناصر الميليشيا من الحرب، قلّص التنظيم شبكات خدماته الاجتماعية إلى حدٍّ كبير من أجل تمويل النشاط العسكري المتزايد. واليوم يجب على الشاب الشيعي أن يخاطر بحياته ليتمكّن من الاستفادة من موارد «حزب الله».
وقد تم التعبير عن هذا الاستياء صراحة خلال الاحتجاجات التي وقعت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي في ضاحية بيروت الجنوبية، معقل «حزب الله»، حين كان المتظاهرون في أفقر أحياء الضاحية يرددون شعارات مناهضة لزعيم «حزب الله» حسن نصر الله. وقد تم احتواء المسيرات وأُرغم المتظاهرون على الاعتذار أمام عدسات الكاميرا، ولكن الاستياء الكامن وراء هذه التظاهرات لا يزال دون معالجة.
وقد ظهرت علامات استياء أخرى في الانتخابات البلدية الأخيرة التي صوّت فيها العديد من الشيعة ضد مرشّحي «حزب الله» وحركة "أمل". على سبيل المثال، أيّد 40 في المائة من الناخبين في بعلبك - معقل «حزب الله» في في وادي البقاع - مرشحين مناهضين لـ «حزب الله».
ويبدو أن الانكماش الاقتصادي الحالي في لبنان سيزداد سوءاً في العام المقبل، ولذلك لن يكون مستغرباً اندلاع المزيد من الاحتجاجات، خصوصاً إذا ما ترددت أصداء الانتفاضة الإيرانية في صفوف الشيعة اللبنانيين. فمن شأن أي دليل ضعف أن يدفع الناس إلى إعادة النظر في الدور المهيمن لإيران و «حزب الله» في المنطقة - مما قد يدفع بدوره القوى السياسية في لبنان إلى إعادة النظر في حلولها الوسطية مع «حزب الله».
أعدت هذا الموجز إيريكا نيجيلي.