
الوجه المزدوج لقيس الخزعلي: متطرف في الجوهر، وسياسي بحكم الضرورة

يُقدم قيس الخزعلي نفسه على أنه شخصية سياسية تنتمي للتيار الرئيسي، لكن خطابه الداخلي يكشف عن ولاء راسخ لـ "محور المقاومة" الإيراني وعن أيديولوجية متطرفة متجذرة في العمق تُناهض الغرب.
استغل قيس الخزعلي، زعيم ميليشيا "عصائب أهل الحق" العراقية، مناسبة شهر رمضان لتعزيز ارتباطه بقاعدته الشعبية، مجدداً التأكيد على الإطار الأيديولوجي الذي يوجه جماعته. ففي خطبته الرمضانية الأولى - بعنوان "الصراع بين الحق والباطل"، التي نُشرت في 6 آذار/مارس عبر منصات التواصل الاجتماعي التابعة لـ "العصائب"- قدّم الخزعلي لمحة "تاريخية دينية" عن هذا "الصراع"، متتبعاً مساره منذ خلق الإنسان الأول، النبي آدم، وفقاً للمعتقد الإسلامي (الشكل 1).
بعد ذلك، ربط الخزعلي "محور المقاومة" الإيراني وعداءه للغرب بالمعتقدات الشيعية الألفية وبالظهور المنتظر للإمام المهدي حيث قال: "لقد وصلنا... إلى الجولة الأخيرة... في الصراع بين الحق والباطل، الذي يتكشف في عصر الإمام المهدي... لقد تميزت غيبته المقدسة [وجوده الخفي] ... بصراعات مستمرة ونتائج متراكمة أدت إلى هذه اللحظة. إن المستوى الذي بلغه أهل الحق، المتمثلون في محور المقاومة، من القوة هو ثمرة جهد ومثابرة وتضحيات جسيمة امتدت منذ زمن النبي آدم عليه السلام... لا سيما خلال فترة الغيبة. أما الآن، فقد دخلنا مرحلة متقدمة... مواجهة مباشرة مع الروم، الذين تشير إليهم [تفسيرات] الروايات الإسلامية إلى أنهم يمثلون أمريكا وأوروبا في العصر الحديث".
واستناداً إلى هذا الخطاب، عقد الخزعلي مقارنات تاريخية بين المواجهات السابقة بين القوى الإسلامية والغربية قائلاً: "لقد دخلنا المرحلة الأصعب في الصراع بين الحق والباطل، وهي المواجهة مع الروم. لقد دخل رسول الله [النبي محمد]... بكل عظمته... في مواجهة عسكرية مع الروم، ولكنه لم يحقق النصر. ووفقاً لروايات [المسلمين الشيعة]، كان الخزعلي يُشير إلى معركةِ مؤتة، التي اندلعت عام 629م، وكانت أول مواجهة كبرى بين القوات الإسلامية والإمبراطورية البيزنطية وحلفائها الغساسنة. وقد تكبدت القوات الإسلامية في هذه المعركةِ هزيمة قاسية، وكانت المواجهةَ الوحيدةَ المهمة بين جيش إسلامي وقوات مسيحية خلال حياة الرسول محمد، الذي توفي بعدها بسنوات قليلة.
والجدير بالذكر أنه في مقابلة أجراها الخزعلي في الثاني من آذار/مارس على قناة العراقية قبل خطبته في شهر رمضان، بدت نبرته أكثر ليونة بشكل ملحوظ. فبدلاً من التأكيد على الصراع، بدا متحفظاً، وكأنه يسعى إلى تجنب استفزاز إدارة ترامب، حيث قال: "إذا كان هناك شيء يريده ترامب لا يتعارض مع مصالحنا، فلا توجد مشكلة. ولكن إذا كان هناك ما يتعارض مع مصالحنا، فنحن نقدم مصالحنا ومصالح شعبنا على ما يريده ترامب" (الشكل 2). وأضاف: "نحن لا نكن العداء لـ [الولايات المتحدة] ... نحن جالسون في بلدنا نلتزم الصمت ونتصرف بلُطف".
وخلال مقابلته مع قناة "العراقية"، أكد الخزعلي ولاءه التام للنظام الإيراني، مشدداً على إيمانه العميق بولاية الفقيه وارتباطه بقيادة آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى الإيراني. وفي محاولة للرد على الانتقادات الموجهة له بشأن ولائه لمرشد أجنبي، أشار إلى التزامه أيضاً باتباع تعليمات آية الله علي السيستاني في القضايا العامة
ويكشف الخطاب المتناقض للخزعلي عن ممارسته للتقية - وهي استراتيجية دينية راسخة في الفقه الشيعي تُستخدم للتعامل مع الواقع السياسي. ففي حين يصور الخزعلي بحماس الصراع بين "محور المقاومة" والغرب على أنه معركة أخروية ستُتوج بانتصار الإمام المهدي، فإنه يتبنى في خطابه العلني نبرة براغماتية، مقللاً من حدة العداء للولايات المتحدة لتجنب الاستفزاز. وهذا يشير إلى أنه، رغم محاولاته تقديم نفسه كطرف سياسي رئيسي في العراق خلال السنوات الأخيرة، فإنه لا يزال ملتزماً أيديولوجياً بمدرسة فكرية إيرانية معادية بشدة، ليس فقط للغرب، بل لكل من لا يشاركه هذا الإطار الفكري.