- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
الولايات المتحدة تقصف مواقع تنظيم «الدولة الإسلامية» في ليبيا
في الأول من آب/أغسطس، أكدت وزارة الدفاع الأمريكية أن الولايات المتحدة شنت غارات جوية ضد أهداف تابعة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» في معقل التنظيم في مدينة سرت في ليبيا. وهذا التطور، إلى جانب الإتفاق الذي طال انتظاره حول إنتاج النفط، يشكل انتصاراً لـ "حكومة الوفاق الوطني" ["الحكومة"] المؤقتة في ليبيا. ومع ذلك، ما زالت ليبيا تواجه حالة من عدم الاستقرار العميق.
الهجمات بناءً على طلب الحكومة الليبية
وفقاً للمتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية بيتر كوك، تم شن الضربات "الدقيقة" ضد أهداف تنظيم «الدولة الإسلامية» بناءً على طلب "حكومة الوفاق الوطني"، بما يتفق مع النهج الأمريكي الشامل لمواجهة هذه الجماعة الجهادية من خلال دعم "الشركاء المحليين المقتدرين وذوي الهمم". وفي أعقاب التقدم الكبير الذي أُحرزته الميليشيات الليبية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في سرت في أوائل حزيران/يونيو، واجهت هذه الميليشيات مقاومة شديدة وعانت خسائر كبيرة من [تحديات] القناصة والعبوات الناسفة عند محاولتها التقدم نحو الجزء الأوسط من مركز المدينة و«مركز المؤتمرات "واغادوغو"»، الذي استُخدم سابقاً من قبل الزعيم الليبي معمر القذافي لاستضافة كبار الشخصيات العربية والأفريقية. وتمثل الغارات الجوية خطوة إضافية من قبل الولايات المتحدة تتخطى ما معترف به سابقاً من توفير المعلومات الاستخبارية وتقديم المشورة التكتيكية للميليشيات المتحالفة مع "حكومة الوفاق الوطني" في المعركة على سرت. ووفقاً لـ "القيادة الأمريكية في أفريقيا"، قامت الطائرات المأهولة وغير المأهولة بشن ضرباتها، التي من المرجح أن تستمر في الأيام المقبلة. وقد غرّد مبعوث الولايات المتحدة الخاص إلى ليبيا، جوناثان وينر، على موقع "تويتر" بأن "القوات الأمريكية لن تشارك في العمليات البرية". كما قدم كوك مزيداً من الإيضاح بقوله، "نحن لا نتوقع أن تكون القوات الأمريكية جزءاً من هذه العملية المحددة."
وكان الطلب الليبي لتوفير المساعدة الأمريكية مهماً، لا سيما عند مقارنته مع رد الفعل العلني لـ "حكومة الوفاق الوطني"على حادث تحطم طائرة هليكوبتر في بنغازي، الذي أسفر عن مقتل ثلاثة من أعضاء "القوات الخاصة الفرنسية" في تموز/ يوليو. وفي أعقاب الحادث، أدانت "حكومة الوفاق الوطني" الوجود الفرنسي في المدينة ووصفته بأنه يشكل "تدخلاً أجنبياً"، ودائماً ما كان مسألة حساسة في ليبيا. إلا أن الواقع كان أكثر تعقيداً. فالفرنسيون يقدمون على الأرجح مساعدة غير علنية في المعركة التي يشنها الجنرال خليفة حفتر ضد القوى الإسلامية من غير تنظيم «الدولة الإسلامية» في البلاد. ومن جانبهم، لا يزال حفتر وقواته يعارضون بعناد "حكومة الوفاق الوطني"، ومن غير الواضح ما إذا كانت هذه "الحكومة" قد وافقت ضمنياً على الوجود الفرنسي في بنغازي أو إذا كانت الهيئة الحاكمة في ليبيا قد أُخذت حقاً على حين غرة. وأكد بيان صحفي من قبل رئيس وزراء "حكومة الوفاق الوطني" فايز السراج صدر في الأول من آب/أغسطس، أن الولايات المتحدة تنسق [خطواتها] بصورة وثيقة مع "حكومة الوفاق الوطني" وتسعى إلى تعزيز مركزها. بالإضافة إلى ذلك، أكد السراج أن الغارات الجوية جاءت بناء على طلب "حكومة الوفاق الوطني"، وسوف تتم في إطار زمني محدود، ولن تتجاوز منطقة سرت.
صفقة نفطية واعدة
على جبهة النفط، توسطت «بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا» ("أونسميل") في عقد اتفاق بين "حكومة الوفاق الوطني" و "حرس مرافق البترول"، والتي يمكن أن تعزز الصادرات الليبية بما يزيد عن المستويات الراهنة التي تقارب 300,000 برميل يومياً. وحتى الآن، منع "حرس مرافق البترول" فعلاً الصادرات من المحطات الرئيسية في الشرق - رأس لانوف وزويتينة والسدرة. وفي البداية، سيطر رئيس "حرس مرافق البترول" إبراهيم الجضران على المحطات في عام 2013-2014، وذلك كمناورة سياسية لتعزيز الفيدرالية في الشرق، أو [ضمان] قدر أكبر من الاستقلال السياسي للمنطقة الشرقية من ليبيا. ولكن مع مرور الأشهر وظهور تنظيم «الدولة الإسلامية» في سرت، وتهديده لنفوذ "حرس مرافق البترول" وأراضيه، من المرجح أن واقع تحالف قوات الجضران مع مقاتلي "حكومة الوفاق الوطني" من مصراتة، قد حسّن علاقات الجضران السياسية مع "حكومة الوفاق الوطني". وفي تموز/يوليو، قام رئيس «بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا» بزيارة الجضران - وتم الترويج لتلك الزيارة إلى حد كبير، الأمر الذي مهد الطريق للتوصل إلى اتفاق لرفع الحصار عن المرافق مقابل مدفوعات غير معروفة.
إن السرّية والمال الموضوعان على المحك قد هددا بإفشال الاتفاق. ففي رسالة شديدة اللهجة، اتهم رئيس "المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا"، بأن عمل «بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا» "يشكل سابقة فظيعة وسوف يشجع أي شخص يمكنه حشد ميليشيا تقوم بإغلاق خط أنابيب أو حقل للنفط أو ميناء، لكي يرى ما يمكنه ابتزازه". وعندما تم تعديل الاتفاق على ما يبدو للإشارة إلى أن "حرس مرافق البترول" سيحصلون على دفع متأخرات الرواتب المستحقة لهم فقط، أيدت "المؤسسة الوطنية للنفط" هذا الاتفاق، وتوقعت إمكانية زيادة الإنتاج إلى 900,000 برميل/ يومياً بحلول نهاية العام الحالي. وقد يكون هذا التقدير مفرطاً في التفاؤل نظراً للضرر الذي لحق بجميع مكونات الطاقة الإنتاجية في ليبيا واحتمال قيام مفسدين إضافيين، بمن فيهم [عناصر] من القوات المتحالفة مع حفتر، وليس الإرهابيين فقط. ومع ذلك، يدل الاتفاق مع "حرس مرافق البترول"، بالإضافة إلى فوائد زيادة الإنتاج، على أنه أول حالة من المفاوضات الناجحة التي تجريها "حكومة الوفاق الوطني" مع جمهور من أنصار ميليشيا رئيسية يتمتعون بنفوذ سياسي.
المحصلة
في الأيام القليلة الماضية، اتخذت "حكومة الوفاق الوطني" خطوات ملحوظة إلى الأمام، بتوليدها بعض الزخم نحو إرساء مصداقيتها. ورغم ذلك، أمامها شوطاً طويلاً عليها قطعه، وسوف تشهد كل يوم صراعات سياسية واقتصادية وأمنية كبيرة. وما يزال النقص في الإمدادات الطبية - فضلاً عن قلة الكهرباء والمواد الغذائية المختلفة - تشكل مجتمعة تحدياً مستمراً، كما يتضح من إغلاق قسم الطوارئ في مستشفى طرابلس مؤخراً. وكما أظهر حادث "القوات الخاصة الفرنسية"، سوف تثبت طمأنة شرائح من المجتمع الليبي حول الضربات الجوية الأمريكية بأنها تشكل تحدياً سياسياً. بيد، إذا كان بإمكان الضربات أن تضعف أبرز معاقل تنظيم «الدولة الإسلامية» لدرجة يمكن للقوات الليبية الاستيلاء عليها، فلن تؤدي مثل هذه النتيجة إالى تعزيز "حكومة الوفاق الوطني" فحسب، بل ستسهم أيضاً في تقوية مكانة الولايات المتحدة في ليبيا، ويحتمل أن تمهد الطريق لمزيد من الإسهامات من قبل الولايات المتحدة من أجل تحقيق الاستقرار في ليبيا.
بين فيشمان، هو مساعد باحث سابق في معهد واشنطن، ومحرر كتاب "شمال أفريقيا في مرحلة انتقالية: النضال من أجل الديمقراطية والمؤسسات" الذي صدر عام 2015. وقدعمل ايضاً ضمن طاقم "مجلس الأمن القومي" الأمريكي في الفترة 2009-2013، من بينها مديراً لشؤون شمال أفريقيا والأردن.