- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
الولايات المتحدة والبيشمركة والموصل
في 12 تموز/يوليو، وقّعت الولايات المتحدة مذكرة تفاهم مع «حكومة إقليم كردستان» بشأن التعاون العسكري بين الولايات المتحدة والأكراد في المرحلة المقبلة من الحرب ضد التنظيم الذي اتخذ لنفسه اسم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية».
وقد وقّع على الاتفاقية من الجانب الكردي القائم بأعمال وزير شؤون البيشمركة كريم سنجاري، في حين مثّلت الجانب الأمريكي القائمة بأعمال مساعد وزير الدفاع لشؤون الأمن الدولي إليسا سلوتكين. وفي أعقاب الاتفاق اجتمعت القيادة الكردية مع قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال جوزيف فوتل في 14 تموز/يوليو، وتلت ذلك قيام وزير الدفاع الأمريكي آش كاتر بزيارة إلى أربيل في 24 تموز/يوليو.
معركة في الأفق
تشكل هذه الاجتماعات إشارة إضافية إلى أن المعركة على الموصل تقترب بسرعة، وأنه من المتوقع أن يلعب أكراد العراق دوراً حاسماً في تطويق المدينة وتحريرها ثم إرساء الاستقرار فيها.
ومن الناحية الرمزية، أعرب المسؤولون الأمريكيون مؤخراً عن امتنانهم للتضحيات التي قدمتها قوات البيشمركة، التي خسرت 1,466 قتيلاً و8,610 جريحاً و 62 مفقوداً في حربها ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، وفقاً لبيان صحفي أصدرته «حكومة إقليم كردستان» في 14 تموز/يوليو. وتعود أهمية هذه الخطوة إلى أن الزعماء الأكراد غالباً ما اشتكوا من أن الولايات المتحدة تفضّل تسليح جيش الحكومة الاتحادية العراقي وتجهيزه بدلاً من البيشمركة.
ووفقاً لمسؤولين من كلا الجانبين تحدثتُ إليهم حول الاتفاقية، سيتم بموجب هذا الاتفاق تقديم مساعدات أمريكية جديدة إلى وزارة شؤون البيشمركة. وعلى الرغم من أن «حكومة إقليم كردستان» قد طلبت 197 مليون دولار شهرياً لتغطية نفقات الحرب المتزايدة، إلا أن البنتاغون عمد إلى ترشيد هذا المبلغ وتخفيضه إلى 60 مليون دولار. وتجدر الإشارة إلى أن مدة هذا الاتفاق محدودة، فهو يقتصر على تغطية التكاليف التشغيلية لقوات البيشمركة المنخرطة في عملية الموصل وذلك لفترة مشاركتها في العمليات العسكرية، والتي يبلغ مجموعها نحو 415 مليون دولار. وتستمر المعدات العسكرية بالتدفق إلى كردستان، بما فيها طائرات أمريكية وفرنسية وبريطانية وهنغارية محمّلة بالذخائر والأسلحة والإمدادات غير الفتاكة.
غير أن هذه الواردات لا تندرج في خانة "التسليح المباشر" للبيشمركة الذي طالب به المشرّعون الأمريكيون، ولكن منعته إدارة أوباما في حزيران/يونيو 2015. وعلى الرغم من أن المساعدات بدأت تتدفق حالياً مباشرة إلى «حكومة إقليم كردستان»، إلا أن وزارة الدفاع العراقية هي من تصادق على قائمة شحن الطائرات.
تدريب مكثف
إذا كان هناك أي شيء يتغيّر فهو حجم الجهود التي يبذلها التحالف ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» لتدريب البيشمركة وتجهيزها، وفعالية هذه الجهود. فمنذ كانون الثاني/يناير 2015، يتولى التحالف تنفيذ مهمة تدريب 300 شخص على يد القوات الألمانية والإيطالية والبريطانية والفنلندية والهولندية والنرويجية والمجرية والأمريكية، وذلك في "المركز الكردستاني لتنسيق التدريب". وبين كانون الثاني/يناير 2015 ونيسان/أبريل 2016، تدرّب في هذا المركز تسع مجموعات من قوات البيشمركة في خمسةٍ من قواعد «حكومة إقليم كردستان»، حيث تم تخريج نحو 500 جندي في كل دورة. ومع أن هذا التدريب كان مفيداً إلا أنه امتد على أربعة أسابيع فقط وتركز أساساً على تكتيكات المفارز والفصائل التي تضم أقل من 40 جندياً.
ولذلك تعتبر "الدورة التدريبية الحديثة للألوية" التي تجرى منذ نيسان/أبريل 2016 خطوة كبيرة نحو الأمام. فهذه الدورة تمتد على 10 أسابيع وتتيح للوحدات اكتساب قدرٍ أكبر من المهارات والتماسك، كما تفسح المجال أمام إعطاء تدريب متقدم في مجال الإنقاذ في ساحة المعركة، والعمليات المضادة للدبابات والتكتيكات الدفاعية ضد الأسلحة الكيميائية. فضلاً عن ذلك، تتيح هذه "الدورة التدريبية" للوحدات العسكرية الأكبر بحجم السرية - أي تلك المؤلفة من نحو 100 جندي - إجراء تمارين على تنفيذ عمليات منسقة في بيئات [مواقع] حقيقية لحرب المدن مشابهة للموصل. وفي كلتا "الدورتين التدريبيتين" المنتهيتين حتى الآن واللتان شملتا 600 عنصر، تم استخدام مجموعة معدات أمريكية مخصصة للألوية، بعد أن كانت مجموعات المتدربين السابقة تستخدم خليطاً من المعدات المتفرّقة.
وحالياً، تتلقى كردستان المعدات المخصصة لها في حصة «حكومة إقليم كردستان» البالغة 353،8 مليون دولار من "صندوق تدريب وتجهيز العراق" المقدَّر بـ 1،6 مليار دولار والذي وافق عليه الكونغرس الأمريكي في تشرين الثاني/نوفمبر 2014. وفي كل دورة من "دورات تدريب الألوية الحديثة"، يتلقي أفراد البيشمركة 36 قذيفة هاون ونحو 160 آلية تكتيتية وهندسية، وكذلك يتم تدريبهم على صيانة المعدات الجديدة.
وماذا بعد؟
على الرغم من أن هذه الخطوات مفيدة للأكراد، إلا أنه من الصعب التأكد مما إذا كانت مساعي التدريب والتجهيز ستستمر بعد عملية الموصل.
إن أحد السيناريوات المحتملة هو أن تحزم قوات التحالف أمتعتها وتعود إلى بلدانها، تاركةً البيشمركة مرة أخرى بمعزل عن الدعم العسكري الدولي. ولعل هذا السيناريو هو ما تفضّله بغداد والأطراف الإقليمية الأخرى كإيران. وفي الواقع، سارع المتحدث باسم البيشمركة جبار ياور إلى دحض فكرة وجود قواعد عسكرية أمريكية دائمة في «إقليم كردستان» حين تحدث إلى موقع "روداو" في 20 تموز/يوليو، ربما حرصاً منه على الحساسيات في طهران وبغداد. وفي سيناريو آخر - الذي قد يتأتي مثلاً عن انتخاب دونالد ترامب المناصر للأكراد رئيساً للولايات المتحدة - فيتمثل بتعاظم التعاون الأمني الأمريكي في كردستان ليصبح أكبر وأكثر دواماً.
إلا أن الخيار الوحيد المتوفر أمام الأكراد على المدى القريب هو تحقيق أقصى قدر من حسن النية بين الأطراف الدولية الفاعلة، عبر التعامل بتوازن بين شقين مختلفين، أي دعم معركة الموصل، وطمأنة الأطراف الإقليمية الفاعلة في طهران وبغداد في الوقت نفسه.
مايكل نايتس هو زميل "ليفر" في معهد واشنطن.
"الجزيرة"