- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
إليكم السبب في ضرورة استمرار المساعدات الأمريكية للفلسطينيين
هل تشكل المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة للفلسطينيين بادرة لطف بإمكان الولايات المتحدة الاستغناء عنها؟ وهل ينطوي إلغاؤها على جعل الإسرائيليين والفلسطينيين والمصالح الأمريكية أفضل حالاً؟ إننا على وشك معرفة ذلك ما لم يتحرك الكونغرس وإدارة الرئيس ترامب سريعاً.
منذ عام 1993، قدّمت الولايات المتحدة مساعدات للضفة الغربية وقطاع غزة فاقت قيمتها الخمسة مليارات دولار. وقد استمر هذا البرنامج السخي في ظل الإدارات الأمريكية المختلفة، الجمهورية والديمقراطية، وحظي طوال هذه الفترة بدعمٍ كلا الحزبين في الكونغرس الأمريكي، على الرغم من كل التقلبات التي شهدتها عملية السلام ومن موجات العنف التي كانت تشتد حيناً وتهمد حيناً آخر، ومن مشاعر الاستياء في واشنطن والقدس من [تصرّف] القادة الفلسطينيين. غير أن المشروع بأسره أصبح اليوم معرّضاً للانهيار.
أولاً، قامت إدارة ترامب بوقف كامل برنامج المساعدات الاقتصادية للعام المالي 2017 المخصص للضفة الغربية وقطاع غزة، ويبدو من المرجح أن تفعل الشيء نفسه في العام المالي 2018. وحالياً، تفتقر بعثة "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية" الأموال اللازمة للإنفاق، وهي على وشك الإغلاق، تاركةً المشاريع الجارية غير مكتملة.
وبعد ذلك، وفي الأول من شباط/فبراير، بدأ سريان "قانون مكافحة الإرهاب" الأمريكي أو "أتكا" (ATCA) الذي يعرّض السلطة الفلسطينية للملاحقة القانونية في المحاكم الأمريكية في حال قبولها أي مساعدات مالية أمريكية. وكان إقرار هذا القانون في العام الماضي قد دفع رئيس الوزراء الفلسطيني رامي حمدالله (الذي استقال من منصبه يوم الثلاثاء) إلى إبلاغ وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في رسالة بعثها في أواخر كانون الأول/ديسمبر بأن السلطة الفلسطينية لن تقبل بعد اليوم أي مساعدات أمريكية. وسيؤدي تنفيذ هذا القرار إلى إنهاء المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة لقوات الأمن الفلسطينية، وبالتالي للجهد الأمريكي في تطوير هذه القوات الذي يحقق نجاحاً كبيراً ولو أنه مخفي عمداً عن الأنظار، ويُسهّل التنسيق الأمني الفعال مع إسرائيل في الضفة الغربية. كما سيلغي أيضاً دور المنسّق الأمني الأمريكي الذي يشغله جنرالٌ برتبة ثلاث نجوم يشرف على تدريب قوات الأمن الفلسطينية ويعمل كحلقة وصل بين مسؤولي الأمن الإسرائيليين والفلسطينيين.
وحتى الآن لم يُجرى في واشنطن نقاشٌ يُذكر حول تداعيات هذه التطورات على الاستقرار في الضفة الغربية وقطاع غزة وحول ارتباطها الوثيق بأمن إسرائيل. كما لم يكن هناك إقرارٌ حكيم حول التداعيات الحقيقية للغاية على النفوذ الأمريكي.
من السهل النظر باستخفافٍ إلى هذه البرامج بسبب احتضار عملية السلام وافتقار الزعماء الفلسطينيين إلى الشرعية أمام غالبية الرأي العام الأمريكي، ناهيك عن موجات العنف التي تنشب بين الحين والآخر. ولكن أعضاء الكونغرس، ومن بينهم العديد من ألدّ مناصري إسرائيل من كلا الحزبين، يدركون منذ مدة طويلة قيمة هذه البرامج. ولطالما تدفّق التمويل إلى برامج المساعدات الفلسطينية بدعمٍ من كلا الحزبين، بالرغم من خضوعه لرقابة صارمة، لأنه كان يُعتبر تعزيزاً لأمن إسرائيل ووسيلة لتوطيد نفوذ الولايات المتحدة وسلطتها.
وما يؤكد هذه الفكرة هو دعم الحكومة الإسرائيلية لهذه البرامج. فقد أدركت السلطات الإسرائيلية أن انهيار الأمن، أو الانهيار الاقتصادي، أو الأزمة الإنسانية في الضفة الغربية من شأنها أن تضع عبئاً كبيراً على إسرائيل. وإذا حدثت أزمة في الضفة الغربية فقد يستدعي ذلك قيام "الجيش الإسرائيلي" بإعادة نشر جنوده من مناطق أخرى تنطوي على درجة عالية من الخطورة مثل الحدود اللبنانية أو مرتفعات الجولان.
بالإضافة إلى ذلك، ساهمت المساعدات الأمريكية في الحفاظ على التواصل مع المسؤولين الفلسطينيين. فخلال نوبات الغضب والأزمات، وضعتْ خطوط التواصل هذه الولايات المتحدة في موقف يسمح لها بتهدئة الوضع عندما كان التعاطي المباشر بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني صعباً للغاية. وفي بعض الأحيان، كان منسّق الأمن الأمريكي أمثال الجنرال إيريك فندت وأسلافه، المسؤولون الأمريكيون الوحيدون القادرون على سد الفجوة بين الجانبين في فترات التوتر الشديد.
ولكن أزمة التمويل الراهنة تتعارض مع النوايا التي أعلن عنها الكونغرس الأمريكي بوضوح. ففي العام الماضي، أقرت أغلبية كبيرة من كلا الحزبين "قانون تايلور فورس" الذي يهدف - من خلال حجب بعض المساعدات الأمريكية - إلى إرغام السلطة الفلسطينية، من بين أمور أخرى، على إنهاء ممارستها المتمثلة في دفع الأموال إلى أُسَر الإرهابيين الفلسطينيين المُدانين. ولكن الكونغرس صوّت بصورة لا لبس فيها على إبقاء المساعدات الرئيسية، بما فيها المعونات الإنسانية، والبرامج من الشعب وإلى الشعب، والخدمات الطبية وغيرها من البرامج التي ليس لها صلة مباشرة بالسلطة الفلسطينية.
ومن جانبها، كانت الحكومة الإسرائيلية واضحة في تأييدها لنية "قانون تايلور فورس" إنهاء المساعدات الأمريكية التي يمكن حتى أن تدعم بشكل غير مباشر تمويل دفعات السلطة الفلسطينية لعائلات الإرهابيين. ولكن لم يكن هناك أبداً دعم إسرائيلي لتقليص الحسابات المحمية من الكونغرس - أي البرامج المعروف عنها مساهمتها في الحفاظ على قدر من الاستقرار في الضفة الغربية ومنع حدوث أزمة إنسانية شاملة في الضفة الغربية أو قطاع غزة.
بعبارة أخرى، شدد إقرار "قانون تايلور فورس" على دعم الكونغرس بكلا حزبيه إلى "استمرار" تقديم المساعدات الأمريكية إلى الفلسطينيين. وقد أساء السؤولون في إدارة ترامب، الذين نسفوا البرنامج بأكمله مستندين إلى "قانون تايلور فورس"، تفسير معنى القانون.
ولا تزال مؤسسة الأمن القومي الإسرائيلي تدرك على نحو مؤلم أنها ستواجه العبء - المالي والأمني وغير ذلك - لمواجهة الانهيار الشامل في الضفة الغربية أو قطاع غزة، إذا ما ابتعدت الولايات المتحدة أو فقدت كامل نفوذها ومصداقيتها مع الفلسطينيين. وإذا ما خسرت قوات الأمن الإسرائيلية تعاون قوات الأمن الفلسطينية، ستجد نفسها في وضع أسوأ بكثير من الحاجة إلى التدخل المباشر لمواجهة التهديدات الأمنية في المناطق المأهولة بالفلسطينيين، بدلاً من التحرك من خلال النموذج المتعدد الجوانب التي تموّله الولايات المتحدة.
ولكن إذا بقيت كافة الأطراف عالقة في المسار الحالي، فسيكون أكبر الخاسرين مدنيين فلسطينيين أبرياء وإسرائيل. أما الرابحون فهم أولئك الذين يستفيدون من انعدام الاستقرار والفرصة للإشارة إلى الولايات المتحدة باعتبارها غير جديرة بالثقة وفي تراجع من الشرق الأوسط، أي حركة «حماس» وإيران وتشكيلة من التنظيمات الإرهابية الأخرى.
فيما يلي بضع خطوات يجدر بالإدارة والكونغرس الأمريكيين اتخاذها على وجه السرعة لعكس المسار الحالي:
إصلاح "قانون مكافحة الإرهاب" ("أتكا"): الخطوة الأسهل في هذه المسألة هي إجراء إصلاح تشريعي صريح ومباشر. فأعضاء الكونغرس والإدارة الأمريكيين يدركون أن إنهاء المساعدات الأمنية الأمريكية لقوات الأمن الفلسطينية لا يصب إلا في خدمة الخصوم ويؤدي إلى تمكين الأعداء. ومؤخراً أضافت إسرائيل صوتها بشكل متأخر موضحةً رغبتها في استمرار المساعدات الأمريكية إلى قوات الأمن الفلسطينية. وفي الواقع، يجدر بالكونغرس والإدارة الأمريكية أن يذهبا إلى أبعد من ذلك ويستغلّا الفرصة التي تنطوي عليها الأزمة من أجل صون المساعدات الأمنية الأمريكية لقوات الأمن الفلسطينية بصورة دائمة.
التخفيف من حدة الأضرار: إنّ ترك المشاريع الجارية التي تنفّذها "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية" في الضفة الغربية وقطاع غزة - الطرق غير المكتملة، ومشاريع المياه غير المكتملة، والبرامج الإنسانية والتعليمية المجزّأة - هو إهدار كامل لأموال دافعي الضرائب في الولايات المتحدة. كما أن مثل هذه التذكيرات الواضحة عن التخلي الأمريكي سوف تؤجج الرأي العام المحلي ضد الولايات المتحدة. ولذلك يجب على الكونغرس الأمريكي أن يأذن ويخصص الأموال اللازمة بشكل صريح لاستكمال هذه المشاريع بعد دراسة معمّقة لحالة البرامج الأمريكية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
طرح قوانين إيجابية بديلة: حتى لو بقيت برامج المساعدات المعهودة متوقفة، هناك اقتراحات تشريعية مبتكرة تحافظ على فسحة النفوذ الأمريكي وتتمتع بتأييد كلا الحزبين. إنّ "القانون المتعلق بصندوق الشراكة الفلسطينية" الذي تم طرحه في جلسة الكونغرس الأخيرة يعزز النمو الاقتصادي من خلال ربط روّاد الأعمال الفلسطينيين والشركات الفلسطينية بنظرائهم ونظيراتها في الولايات المتحدة وإسرائيل والشرق الأوسط. كما أن فكرة إنشاء "صندوق دولي للسلام بين إسرائيل وفلسطين" التي تنادي بها المنظمة غير الحزبية "التحالف من أجل السلام في الشرق الأوسط" منذ فترة طويلة لقيت تأييداً من كلا الحزبين في جلسات الكونغرس السابقة ومن شأنها تشجيع أنشطة بناء السلام القائمة على التفاعل بين الأشخاص من خلال تجميع الأموال من مصادر حكومية وخاصة على حدٍّ سواء. لقد حان الوقت لكي يصادق الكونغرس على تمويل هذا الصندوق.
حث إسرائيل على توضيح موقفها من المساعدات الأمريكية: من الطبيعي أن يلتمس أعضاء الكونغرس رأي إسرائيل في العواقب الأمنية والاقتصادية المترتبة عن إنهاء برامج المساعدات الأمريكية للفلسطينيين بشكل كامل. ولكن الإجابات غامضة خلال إدارة ترامب. لذا يجدر بالكونغرس أن يسارع، بعد الانتخابات الإسرائيلية المقررة في نيسان/أبريل، إلى تكوين صورة واضحة عن وجهات نظر الحكومة الجديدة، في الوقت الذي يواصل أعضائه التصويت على هذه المجموعة من القضايا المثيرة للجدل.
دانا سترول هي زميلة أقدم في "برنامج جيدلد للسياسة العربية" في معهد واشنطن، وهي موظفة أقدم سابقة في "لجنة العلاقات الخارجية" في مجلس الشيوخ الأمريكي. دانييل شابيرو هو زميل زائر في "معهد دراسات الأمن القومي" في تل أبيب والسفير الأمريكي السابق في إسرائيل. وتم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع " الإذاعة الوطنية العامة" (NPR).
"الإذاعة الوطنية العامة" (NPR)