- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
أعمال العنف تستهدف المصارف الفلسطينية في مرحلة حساسة
في الأسبوع الماضي، أغلق عدد من المصارف الفلسطينية حسابات شخصية مختارة خوفاً من التعرض لدعاوى مدنية وحجز/تجميد السلطات الإسرائيلية لأموال هذه الحسابات - وهو القرار الذي أثار ردود فعل عنيفة في مختلف مجتمعات الضفة الغربية. وتعود الحسابات المذكورة لسجناء فلسطينيين في السجون الإسرائيلية ولعائلاتهم، الذين يتلقون مدفوعات دعم منتظمة من "السلطة الفلسطينية".
واتّخذت المصارف خطوتها هذه قبل الموعد الظاهري المحدد في 9 أيار/مايو لتنفيذ الأمر العسكري الإسرائيلي الصادر في شباط/فبراير والذي يبدو أنه أجاز حجز هذه المدفوعات من قبل "السلطة الفلسطينية". وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي نفتالي بينيت إجراءً مماثلاً في أواخر كانون الأول/ديسمبر يسمح لإسرائيل بتجميد مدفوعات "السلطة الفلسطينية" إلى السجناء العرب الإسرائيليين.
وعلى الرغم من أن مسؤولي الدفاع الإسرائيليين قد طمأنوا "السلطة الفلسطينية" بأن موعد التنفيذ سيؤجَّل ستة أشهر بسبب التأثير الاقتصادي والمالي الشديد لوباء فيروس كورونا، إلا أن هناك مخاوف إضافية تأخذها المصارف في الاعتبار - وهي التعرّض من جديد لدعاوى مدنية بملايين الدولارات مرفوعة من ضحايا الإرهاب الأمريكيين والإسرائيليين. ففي كانون الأول/ديسمبر، رفع المدّعون في المحاكم الإسرائيلية دعوى قضائية ضد "البنك العربي"، وهو مؤسسة أردنية لها فروع في الضفة الغربية وقطاع غزة. ولا تزال الدعوى معلّقة، لكن البنك وجد أنه مسؤول في قضية مماثلة رفعها ضحايا أمريكيون في محاكم أمريكية قبل ست سنوات. وتم رفع قضية مدنية أمريكية أخرى ضد "بنك القاهرة عمان"، الذي يبدو أنه كان أول من أغلق حسابات السجناء الفلسطينيين في الأسبوع الماضي (تم رفض هذه القضية في نيسان/أبريل).
وردّاً على إغلاق الحسابات، اندلعت مظاهرات في بلدات فلسطينية مختلفة تنديداً بالمصارف التي امتثلت للأمر المذكور. وتحولت العديد من هذه الاحتجاجات إلى أعمال شغب، حيث قام مسلحون - بصفة رئيسية من حركة «فتح» - بإطلاق النار وإلقاء قنابل المولوتوف على مختلف فروع المصارف. وحتى الآن، لم يتحول العنف إلى اشتباكات مع قوات الأمن الإسرائيلية أو "السلطة الفلسطينية"، لكنه يدق أجراس الإنذار بشأن قضية مدفوعات السجناء والبيئة السياسية والأمنية الأوسع نطاقاً.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الكثير من الجمهور الفلسطيني على استعداد للتوصل إلى حل وسط مع إسرائيل من خلال وقف الدفعات الإضافية إلى الإرهابيين المدانين أو إعادة النظر في آليتها. ومع ذلك، يرفض مسؤولو "السلطة الفلسطينية" دون تردد أي تغييرات من هذا القبيل، وتشير الأحداث الأخيرة إلى أن شريحة كبيرة من السكان تتفق معهم. وكان العديد من أعضاء «فتح» وكبار المسؤولين أنفسهم سجناء أو لديهم زملاء مسجونون حالياً. وهؤلاء النشطاء أقوياء جداً داخل جهاز "السلطة الفلسطينية"/«فتح»، والبعض منهم مسلحون. إن دورهم في الاضطرابات مهم بشكل خاص لأن العديد من المتنافسين لرئاسة "السلطة الفلسطينية" يبحثون بالفعل عن دعمهم في التنافس على المنصب لتحديد من سيخلف محمود عباس. ويُظهر مسار الأحداث حتى الآن أنه فيما يتعلق بالقضايا المؤثرة والعاطفية الرمزية، فإن "السلطة الفلسطينية" هي أكثر استجابة للأقلية ذات الأهمية السياسية من الأغلبية الصامتة.
وبالفعل، جاءت الردود الفورية لـ "السلطة الفلسطينية" متوافقة مع المطالب الأساسية للمتظاهرين. وأدان رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية أمر الحجز الإسرائيلي، ثم أصدر بياناً على موقع "فيسبوك" في 8 أيار/مايو أشار فيه إلى أن البنوك الفلسطينية وافقت على تعليق إغلاق الحسابات وإيجاد حلول "تحفظ حقوق الأسرى" وتحمي البنوك من "بطش الاحتلال وأي إجراءات قضائية" (على الرغم من أن البنوك المعنية ترفض على ما يبدو تجهيز أي مدفوعات تتعلق بحسابات السجناء). ومن جانبها، توصّلت قوات الأمن التابعة لـ "السلطة الفلسطينية" إلى تفاهمات ضمنية مع المتظاهرين تقضي بعدم وقف العنف بل الحد من نطاقه فقط.
ويجسّد هذا الأمر الضعف الأساسي لـ "السلطة الفلسطينية" - فبينما حصلت السلطات على تقييمات تأييد أعلى بفضل طريقة تعاملها مع مرض "كوفيد-19"، إلّا أنه لا يزال عليها مواجهة نقصٍ أعمق ومتعدد الأوجه في شرعيتها. وتصوّر الأحداث الأخيرة "السلطة الفلسطينية" من جديد على أنها غير فعالة، مما يعزز الانطباعات عن عدم أهميتها في مواجهة الإجراءات الإسرائيلية - وهو تصور يتماشى مع استطلاعات الرأي التي تشير إلى أن حوالي نصف الفلسطينيين ينظرون إلى "السلطة الفلسطينية" على أنها تشكل عبئاً عليهم.
فضلاً عن ذلك، تجري هذه التطورات في مرحلة حساسة بشكل خاص، حيث يتهيّأ الفلسطينيون للرد على إعلان إسرائيل عن نيتها ضمّ أجزاء من الضفة الغربية إليها بأسرع وقت ممكن اعتباراً من تموز/يوليو، في حين يُتوقع أن تتفاقم التداعيات الاقتصادية للوباء العالمي. وتأتي الاضطرابات الراهنة لتزيد الوضع المتوتر سوءاً، وقد تحدّ من قدرة "السلطة الفلسطينية" على ضبط التطورات على الأرض. وفي الواقع، يمكن أن يشير ردّها الحيادي على الاحتجاجات ضد المصارف إلى ردّها المقبل على ضمّ الأراضي: سواء أكانت "السلطة الفلسطينية" راغبةً في الحفاظ على تعاونها الأمني مع إسرائيل في ظل هذه الخلافات أم لا، فإن قدرتها الفعلية على القيام بذلك في ظل الغضب العام ستكون محدودة للغاية بسبب ضعفها السياسي.
وفي الوقت الحالي، تنظر "السلطة الفلسطينية" في اقتراحات تخوّلها الاستمرار بتسديد الدفعات إلى الأسرى دون تعريض قطاعها المصرفي للخطر. ومع ذلك، فلديها القليل من الخيارات الجيدة للقيام بذلك. وبموجب أحد الاقتراحات، سيتم توجيه عائلات السجناء لاسترداد المدفوعات من فروع مكاتب البريد المحلية - وهي خطة محفوفة بالسخرية بالنظر إلى أن حركة «حماس» استخدمت الطريقة نفسها لمواصلة دفع الرواتب ومدفوعات الرعاية الاجتماعية في غزة بينما كانت معزولة عن النظام المصرفي الرسمي. وفي النهاية، يبقى التفاهم السياسي، بشكلٍ أو بآخر، بين "السلطة الفلسطينية" وإسرائيل السبيل الوحيد لمعالجة هذه المشكلة. ولن يؤدي عدم سلوك هذا المسار سوى إلى إضافة مشاكل للتوترات المحلية وإلى تفاقم الاضطرابات قبل قدوم فصل الصيف واحتمال مواجهة حالة من عدم الاستقرار.
غيث العمري هو زميل أقدم في معهد واشنطن ومؤلف مشارك في دراسته لعام 2018 بعنوان "دولة لا جيش، جيش بلا دولة: تطور قوات أمن السلطة الفلسطينية، 1994-2018". كاثرين باور هي زميلة "بلومنستين كاتس فاميلي" في معهد واشنطن ومسؤولة سابقة في وزارة الخزانة الأمريكية.