- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
أمريكا قد اكتشفت ربما وسيلة أساسية لمكافحة الإرهاب، وهي لا تتضمن طائرات بدون طيار
يحمل مشروع قانون الاعتمادات الشامل الذي تم تمريره مؤخرًا والمؤلف من 2009 صفحة، في طياته ما قد يشكل أهم مساهمة من جانب الرئيس الأمريكي باراك أوباما حتى الآن في مجال مكافحة الإرهاب، وهي لا تتضمن طائرت بدون طيار أو قوات عمليات خاصة أو أشكال أخرى من القوة العسكرية. فاستخدام قوات العمليات الخاصة لتدريب الشركاء المحليين وتجهيزهم وبناء قدراتهم العسكرية لمحاربة التهديدات الإرهابية، من خلال دعم الشركاء في الجبهة الأمامية وإبقاء الولايات المتحدة خارج إطار النزاعات المسلحة واسعة النطاق، قد شكل علامة فارقة في إدارة أوباما. ولكن بخلاف التوقعات ربما، شجع هذا النموذج مقاربة عسكرية مبالغًا فيها لمكافحة الإرهاب من قبل الشركاء الخاضعين للتدريب على يد الولايات المتحدة. بالطبع، يُعتبر بناء القدرات العسكرية جزءًا أساسيًا من استراتيجية الرئيس الرامية إلى القضاء على الإرهابيين الذين يهددون الولايات المتحدة ودعم القوات المحلية لكي تتصدى للتهديدات في فنائها الخلفي. إلا أن ذلك لم يترافق مع الاستثمار الضروري في بناء الإدارات والوكالات المدنية الخاصة بشركاء الولايات المتحدة والتي تبرز حاجة إليها أيضًا، مثل وزارة العدل ووزارة الداخلية والتأديب وغيرها، أقله حتى يومنا هذا.
متوجهًا إلى خريجي أكاديمية "ويست بوينت" العسكرية عام 2014، أعلن الرئيس أوباما عن إنشاء "صندوق شراكات مكافحة الإرهاب". ودعا الرئيس الكونغرس إلى دعم الصندوق الجديد، متوقعًا نمو الصندوق لتصل قيمته إلى 5 مليارات دولار، من أجل بناء "شبكة شراكات من جنوب آسيا وصولًا إلى الساحل الأفريقي" لمجابهة التنظيمات الإرهابية حيثما تسعى إلى فرض وجودها. إلا أن أعضاء الكونغرس يخشون احتمال أن يصبح الصندوق بمثابة حساب فاسد للأموال لا يخضع للرقابة اللازمة. وقد طلبت وزارة الخارجية الأمريكية 500 مليون دولار لبرامجها المدنية في إطار الصندوق للسنة المالية 2015 من دون أن يلقى طلبها هذا أي صدى. في غضون ذلك، تم تلبية طلب وزارة الدفاع بالحصول على 1.3 مليار دولار من أصل 4 مليارت دولار في إطار الصندوق، مما يشكل استمرارية للنهج القديم المتمثل بطغيان الطابع العسكري على جهود مكافحة الإرهاب.
إلا أن السنة المالية 2016 قد شهدت تغييرًا في هذا الصدد. ففي الشهر الماضي، وكجزء من قانون الاعتمادات الشامل، خصص الكونغرس 175 مليون دولار من أموال "صندوق شراكات مكافحة الإرهاب" لوزارة الخارجية. صحيح أن هذا المبلغ أقل من المطلوب، بيد أنه يشكل زيادة كبيرة في الموارد الاختيارية للوزارة لصالح برامج بناء القدرات المدنية لمحافحة الإرهاب. وسيسمح ذلك لوزارة الخارجية بتكثيف برامج ما وراء البحار مع وزارة الأمن القومي ووزارة العدل و"مكتب التحقيقات الفيدرالي" وغيرها من الوكالات التي تركز على استجابات إنفاذ القانون في وجه الإرهاب وتعزيز أطر العمل القانونية لمكافحة الإرهاب ومحاكمة الإرهابيين المشتبه بهم والتعامل مع السجناء الإرهابيين ومع مهام مدنية أخرى.
يشير قرار تمويل البرامج المدنية في إطار "صندوق شراكات مكافحة الإرهاب" إلى نقلة بيروقراطية ملحوظة في كيفية تعامل الإدارة والكونغرس مع مساعدات مكافحة الإهاب، من خلال توجيه رسالة واضحة حول الدور الأساسي الذي يضطلع به اللاعبون المدنيون. وقد أتت هذه النقلة في الوقت الملائم نظرًا للتهديدات المتنامية وذات الخطورة المتزايدة التي أظهرتها الهجمات الإرهابية الأخيرة في كافة أنحاء العالم.
سيراقب الكونغرس عن كثب كيفية إنفاق هذه الأموال ومقاييس الأداء المستخدمة لتقييم النجاح. ولكن هناك ما يدعو للتفاؤل في ما يتعلق بالتوصل إلى نتائج ملموسة، بما أن وزارة الخارجية قد حققت نتائج إيجابية في ثلاثة مجالات تركيز، حتى فيما كانت تعمل بميزانية محدودة.
أولًا، ركزت وزارة الخارجية على القضية الأساسية المتمثلة بتنقل المقاتلين الإرهابيين الأجانب. ففي سبتمبر/أيلول الماضي، مرر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار 2178، الذي يفرض على الدول الأعضاء اتخاذ تدابير ملموسة لتوقيف ومحاكمة المقاتلين الإرهابيين الذين ينتقلون إلى أو من جبهات القتال، مثل سوريا والعراق. غير أن دولًا كثيرة تفتقر للقدرات الضرورية للاستمرار في تلبية هذه المتطلبات، لذلك قامت وزارة الخارجية بإطلاق برامج تهدف إلى سد هذه الثغرات وبتمويلها.
ثانيًا، شاركت الولايات المتحدة في الجهود الرامية إلى منع الملاذات الإرهابية ومحاربتها في دول رئيسية حيث يمكن الاستفادة من استثمار مالي صغير لكسب أرباح كبرى. ففي أفريقيا، أظهرت وكالات إنفاذ القانون المدربة على يد الولايات المتحدة قدرات متزايدة للتعامل مع الجماعتين الإرهابيتين "بوكو حرام" و"الشباب". وقد ساعدها التعاون والتدريبات المشتركة مع شركاء في الخليج العربي على التصدي للتهديدات الإرهابية المتأتية من اليمن من قبل تنظيمي "الدولة الإسلامية في العراق والشام" ("داعش") و"القاعدة". وفي جنوب شرق أسيا ومواقع أخرى من حول العالم، مكنت البرامج الممولة من قبل الولايات المتحدة الدول من تبني إجراءات التعامل مع السجناء الإرهابيين ومحاربة عملية إلحاق السجناء بركب التطرف.
ثالثًا، أطلقت وزارة الخارجية الأمريكية مبادرة دولية، بالشراكة الوثيقة مع وزارة العدل، تهدف الى رفع الوعي حول الأنشطة الإرهابية والإجرامية الواسعة التي تمارسها إيران و"حزب الله" في كافة أنحاء العالم، وتعزيز التعاون والتنسيق من ناحية إنفاذ القانون ضمن مجموعة واسعة من الدول من أجل عرقلة هذه الأنشطة.
إن الاستثمار الصغير نسبيًا الذي قامت به وزارة الخاجية في هذه المجالات أتى بنتائج ملموسة العام الماضي، وقد طال انتظار برنامج يهدف إلى زيادة التمويل المخصص لمثل هذه المبادرات. ويتم نشر قوات العمليات الخاصة الأمريكية لمجابهة التهديدات الإرهابية بالتنسيق مع الشركاء المحليين، ليس فقط في أفغانستان بل أيضًا في دول على غرار سوريا والكاميرون. كما تستمر برامج تدريب قيادة العمليات الخاصة الأمريكية بالتوسع لمجابهة التهديدات الإرهابية في جميع أنحاء العالم. ولكن في غضون ذلك، لا بد من تدريب الشركاء المدنيين في مجال مكافحة الإرهاب حتى يتصدوا للتهديدات المقبلة. فعندما تلقي القوات العسكرية القبض على إرهابي، هل سيتوفر لدى المدعين القانون الضروري لإدانة المشتبه به وهل سيكونون مستعدين لرفع تلك القضية أمام المحكمة؟ يحتاج الشركاء إلى الأدوات المدنية للقيام بدوريات على الحدود ومحاربة التطرف ومكافحة تمويل الإرهاب ومحاكمة الجرائم الإرهابية.
تستوجب المقاربة الشاملة لمكافحة الإرهاب استخدام جميع عناصر القوة الوطنية، وليس فقط وضعية "إلقاء القبض والقتل" العسكرية. فالطائرات بدون طيار وجنود الكوماندو تستطيع القضاء على التهديدات الآنية المباشرة، ولكن للنجاح على المدى الطويل، لا بد من أن تشكل الجهود العسكرية والاستخباراتية جزءًا من مقاربة أوسع لمكافحة الإرهاب، تتضمن عناصر مدنية قوية وقادرة. وتأتي خطوة تمويل "صندوق شراكات مكافحة الإرهاب" في الوقت الملائم، فيما أصبح "حزب الله" جاهزًا لتلقي كمية من الأموال ستضخها إيران له، ويقوم تنظيم "الدولة الإسلامية" بشكل متناوب بتوجيه المخططات الإرهابية في كافة أنحاء العالم وتشكيل مصدر وحي لها، ويعيد تنظيم "القاعدة" بناء ذاته ويتوسع في أماكن مثل أفغانستان واليمن.
أقر أوباما في خطابه أمام أكاديمية "ويست بوينت" العسكرية أن الولايات المتحدة لا يمكنها ولا يجدر بها التصدي بمفردها للتهديدات الإرهابية في مختلف أرجاء العالم وأن شركاء الولايات المتحدة يجب أن يلعبوا دورًا أوسع وأهم. في حين يشكل ذلك نقطة انطلاق جيدة، كلما اتجهت الولايات المتحدة نحو مقاربة أكثر توازنًا لمكافحة الإرهاب، ليس فقط في الجهود التي تبذلها بل أيضًا في نوع الشركاء الذين تسعى إلى خلقهم، كلما أصبحت في وضع أكثر أمانًا.
ماثيو ليفيت هو زميل "فرومر- ويكسلر" ومدير برنامج ستاين للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن. وقد نُشرت هذه المقالة في الأصل من على مدونة "ثينك تانك" على موقع الـ "وول ستريت جورنال".
"واشنطن بوست"