- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
إمّا هذه الصفقة أو الحرب؟ مغامرات أمريكية فاشلة لردع مشروع إيران النووي
يستند دفاع الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن الاتفاق النووي مع إيران على فرضية بسيطة: إمّا هذه الصفقة أو الحرب. فوفقاً للإدارة الأمريكية، لا يقتصر الأمر على غياب أي صفقة أخرى أفضل من الصفقة الحالية، بل أن النتيجة الحتمية لرفض الاتفاق ستكون اندلاع صراع عسكري مع إيران في النهاية.
لقد أصبح قبول الحكومة الأمريكية بالاتفاق النووي نتيجة حتمية، ولكن الخيار القائم على مبدأ "هذه الصفقة أو الحرب" هو خيار خاطئ ثلاث مرات الواحدة تلو الأخرى. وبصرف النظر عمّا إذا كان الاتفاق النووي موضوع العرض هو الخيار الأفضل، تتوافر بوضوح عدة خيارات أخرى غير خيار الحرب. كما أن مسألة انخراط إدارة أوباما في صراع عسكري مع إيران، هي مجرّدة كلياً من المصداقية. وبالرغم من أن هذه الصفقة كادت ألا تتبلور فعلياً قبل الإعلان عنها في 14 تموز/يوليو، أو أنّها قد تواجه لاحقاً هزيمة من قبل السلطة التشريعية في الولايات المتحدة، فلم تظهر أي علامات تدل على احتمال نشوب صراع. وقد سارعت الإدارة الأمريكية في صرف النظر عن "الخيار العسكري" الذي يفتقر إلى الفاعلية، حتى في الوقت الذي حرصت فيه على إبقاء ذلك الخيار مطروحاً على الطاولة.
وبصورة متناقضة، حتى لو كان التهديد العسكري الأمريكي حقيقياً، لكانت صياغة "هذه الصفقة أو الحرب" ما تزال خاطئة؛ وفي الواقع، كان يمكن أن تكون منتفية. فالولايات المتحدة لم ولن ترغب في الدخول في صراع مع إيران، ومع ذلك، تراها تتمسك بقدرتها على شن تلك الحرب، إن كان ذلك ضرورياً. وفي المقابل، لا يمكن للنظام الإيراني التورط في صراع مسلّح ضد الولايات المتحدة. وإذا رأى القادة الإيرانيون أن الولايات المتحدة قد تَرد عسكرياً على بعض الخطوات التقدمية النووية (أو إجراءات أخرى)، فسوف يمتنعون على الأرجح عن اتخاذ تلك الإجراءات.
وخلال المرحلة الأخيرة من المفاوضات النووية، ضحّت الولايات المتحدة بنفوذها من خلال تخلّيها عن خيار الردع. وفي أي مفاوضات، يتعيّن على كل طرف مقارنة الصفقة المطروحة مع الخيارات البديلة المحتملة. ومن خلال تجاهل الخيارات البديلة للتفاوض حول الاتفاق أو تهميشه، سواء كانت عقوبات مشدّدة أو تدخل عسكري، فإن المفاوضين الغربيين قد أتاحوا لإيران الفرصة بانتظار صفقة أفضل شروطاً. وعلى الرغم من التصريحات الأمريكية التي أفادت بأنّ المسؤولين المعنيين كانوا على وشك ترك طاولة المفاوضات، إلأ أن خطابات الإدارة الأمريكية تشير، في الحقيقة، إلى عدم وجود أي خيار بديل أمام الولايات المتحدة.
وفي الواقع، لو لم يستمر خيار الردع في الاضطلاع بدور أساسي في تطبيق بنود الاتفاق النووي أو تعزيز شروطه في السنوات المقبلة، لكانت حالياً تلك الصفقة برمتها مجرد حدث تاريخي مثير للاهتمام. فالدول لا تتقيد ببنود المعاهدات التي توقعها من باب الشعور بالإنصاف أو الإذعان للسلطات القضائية، بل لأنها تقدّر تماماً مصالحها الوطنية. ويتم الاحتفاظ بهذه الالتزامات تحسّباً للعواقب التي قد تنجم عن الإجراءات المعتمدة الأخرى بدلاً من مجرد الوفاء بنصوص المعاهدات. ومن هذا المنطلق، لا تهدف المعاهدات إلى صياغة الحقيقة بل إلى تصنيفها في قوانين، وغالباً ما تعتمد الدول الإجراءات المنصوص عليها في المعاهدة ذات الصلة حتى في ظل غياب تلك المعاهدة. وفي مثل هذه الحالات، لا تشكل المعاهدات سوى وسيلة فاعلة لتبادل المعلومات بصورة أفضل. وهكذا، فبدلاً من أن يتكهن كل جانب ببساطة حول ما إذا كان الجانب الآخر سيتخذ إجراءاً معيناً أم لا، توفر المعاهدات آلية للحوار والتحقق لتوفير ضمانات أكثر متانة، مساهمةً بالتالي في تجنّب أي سوء تفاهم في هذا الصدد.
لذلك، يتعيّن على إيران مواصلة الإعتقاد بأنّه من مصلحتها الخاصة التقيّد بإلتزاماتها عندما يتم تنفيذ الاتفاق النووي. ولكي تكون هذه هي الحالة، يجب أن يكون لانتهاك الاتفاق عواقب وخيمة وملموسة تشمل فرض عقوبات جديدة يكون لها الأفضلية من دون شك، على الخيار العسكري إذا كان بالإمكان تنفيذها. ولكن، لا يمكن تطبيق تلك العقوبات إلا عند التعاون مع دول أخرى، لاسيما بعضها (مثل روسيا أو الصين) التي من غير المحتمل أن تتعاطف مع المخاوف الأمريكية بشأن السلوك الإيراني. وحتى مع الدعم الدولي الواسع النطاق، قد يكون الضغط الذي تمارسه تلك العقوبات غير كافٍ أو قد يتم تطبيقها ببطء شديد لردع إيران في إطار سيناريو تصرّ فيه طهران على تطوير أسلحة نووية.
ولهذا السبب، يتعيّن على الولايات المتحدة التمسك بالخيار العسكري الموثوق والتخطيط له في حال انتهاك إيران للاتفاق. ولا يساهم ذلك في ردع إيران فحسب، بل سيوفر حافزاً قوياً لدول أخرى لحث إيران على التقيّد بإلتزاماتها. وفي حال فشل إيران في الامتثال للاتفاق، فسيساهم اعتماد الخيار العسكري الأمريكي الجدير بالثقة في إقناع الدول الأخرى على التعاون مع الولايات المتحدة لإعادة فرض العقوبات، حتى لو كان ذلك فقط لتجنّب اتخاذ تدابير عسكرية أمريكية ضد إيران قد تضرّ بمصالح تلك الدول.
وعلى ضوء توقيع الاتفاق النووي، يصبح تطبيق الخيار العسكري الأمريكي أكثر صعوبة لأسباب حددها مقال مايكل آيزنشتات باللغة الانكليزية ("كيف يمكن للاتفاق النووي مع إيران أن يعقّد جهود الولايات المتحدة لمنع تجاوز العتبة النووية"). وبموجب الاتفاق، إن نشاطات إيران النووية سوف لا تكتسب طابعاً "شرعياً" فحسب، بل ستستفيد أيضاً من المساعدات الدولية. ووفقاً لذلك، سيتفرّق التحالف الدولي الذي شكلته الولايات المتحدة للضغط على إيران وسيتوجّب إعادة تشكيله في خضم قيام حلفاء أمريكا وغيرهم بتطبيع العلاقات التجارية والدبلوماسية مع إيران بزخم كبير. ومع ذلك، قد يكون مثل هذا التحالف حيوياً لضمان نجاح أي جهود عسكرية، إذا كان أي منها ضرورياً، ومن المرجح أن يتطلب تشكيل تحالف جديد وجود أدلة مقنعة تؤكد انتهاك إيران لالتزاماتها، وإلا سيتم النظر إلى الولايات المتحدة بأنها مجرد تتجاهل الالتزامات الأمريكية. ومن جانبها، من المتوقّع أن تعزز إيران منشآتها [النووية] وتقوّي قدراتها الدفاعية، لاسيما قدرات منع الولوج/المناطق المحرّمة، بدلاً من السعي إلى التطابق مع الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين بالشكل التقليدي، وهو مسعى عديم الجدوى.
ومع ذلك، لا يمكن أن يكون الخيار العسكري مجرّد مصطلح يتكرر، حفظاً عن غيب، على مسامع الكثيرين في التصريحات التي يدليها المسؤولون الأمريكيون. وعوضاً من ذلك، يجب التخطيط لاتخاذ إجراءات عسكرية أكثر مرونة واستجابة للتدابير المضادة التي قد تعتمدها إيران، ويتعيّن وضع خيارات جاهزة تستثني أي تدابير عسكرية تلوّح بحرب واسعة النطاق رداً على أي انتهاكات لإلتزامات إيران النووية أو أي إجراءات استفزازية أخرى. على سبيل المثال، يجب طرح خيارات أفضل لإضعاف الدعم الذي تزوّده إيران للجماعات التابعة لها ومقاومته، والرد على تهديدات إيران بإغلاق مضيق هرمز أمام سفن الشحن، كما شهدناها في الأشهر الأخيرة، بالإضافة إلى صد الخطر الذي تشكله قواعد الصواريخ الإيرانية. لذلك، يتعيّن على الحلفاء مضافرة الجهود في تفعيل تلك الخيارات، ليس لإعفاء الولايات المتحدة من تحمل المسؤولية الكاملة تجاه الملف الإيراني، بل لإعادة إحياء الشراكات الأمريكية مع الحلفاء الإقليميين، وتعزيز أمن الدول الحليفة، وصقل قدرات الولايات المتحدة.
وبفضل تفعيل تلك الخيارات، سيحظى الرئيس الأمريكي بأدوات مرنة لردع إيران وصدّها. والأهم من ذلك، سيشكل اعتماد تلك الأدوات دليلاً ملموساً على مدى جدية النوايا الأمريكية وسيدفع بإيران وغيرها من الدول إلى إعادة حساباتها وإلى تجنّب الظروف نفسها التي تم تصميم هذه الأدوات لمواجهتها.
مايكل سينغ هو المدير الإداري وزميل "لين- سوينغ" الأقدم في معهد واشنطن. وقد عمل على قضايا الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي بين عامي 2005 و 2008.
"وور أون ذي روكس"