- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3303
اندفاع إسرائيل إلى "تطبيق السيادة" في الضفة الغربية: التوقيت والتداعيات المحتملة
في 20 نيسان/أبريل، وفي أعقاب أطول أزمة انتخابية في تاريخ إسرائيل، وقّع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومنافسه زعيم حزب "أزرق أبيض" بيني غانتس، اتفاقاً لتشكيل حكومة وحدة وفق مبدأ رئاسة الوزراء الدورية. وسيحتفظ نتنياهو بالسلطة خلال الأشهر الثمانية عشر الأولى، حتى في ظل مواجهته ثلاث لوائح اتهام بالفساد؛ على أن يتولى غانتس الدورة الثانية.
وعلى الرغم من التزام المسؤوليْن بالمساواة بين الكتلة اليمينية والكتلة المركزية للحكومة الجديدة، إلّا أنه لا تزال هناك تساؤلات جادة حول ما إذا كا هذا المبدأ سيستمر بالنظر إلى التفاوت الكبير في مقاعدهما البرلمانية. وانقسم حزب غانتس بشأن قراره الانضمام إلى ائتلاف وحدة، مما حدّ مقاعد كتلته بتسعة عشر مقعداً في حين انتهى المطاف بحزب نتنياهو بما يصل إلى 59 مقعداً.
وستخضع الحكومة لاختبار مبكر في الشهرين المقبلين، حيث ستقرر إسرائيل ما إذا كانت "ستطبّق السيادة" على أجزاء من الضفة الغربية، وهو أمر يعتبره الكثير من المراقبين على أنه عملية ضمّ فعلي. ووفقاً لاتفاق 20 نيسان/أبريل، سيُسمح لنتنياهو بطرح هذه القضية للتصويت أمام مجلس الوزراء أو حتى الكنيست (البرلمان) اعتباراً من الأول من تموز/يوليو، شريطة استيفاء حكمين مسبقاً: الحصول على "موافقة تامة" من الولايات المتحدة وإجراء "استشارات" على الصعيد الدولي.
لماذا يريد نتنياهو السيادة، ولماذا الآن؟
تعود فكرة تطبيق السيادة إلى قرار مناحيم بيغن في كانون الأول/ديسمبر 1981 بتطبيق "القانون والاختصاص القضائي والإدارة" الإسرائيلية من جانب واحد على مرتفعات الجولان. وفي تصريحاته العلنية في ذلك الوقت، اختار بيغن - الذي كان دائماً متمسكاً بالفروق القانونية - هذه الصيغة بدلاً من استخدام كلمة "ضمّ" وتعهد بأنها لن تمنع إسرائيل من المشاركة في محادثات سلام مع سوريا. وبعبارة أخرى، فإن تطبيق السيادة هو عملية يمكن عكسها، في حين أن الضمّ لا رجعة فيه. غير أنه بالنسبة لمعظم المراقبين داخل إسرائيل وخارجها، يبدو وكأنه تمييز لا اختلاف فيه.
ومن المؤكد أن القرار بشأن الجولان لم يوقف إسرائيل عن التفاوض حول مستقبل هذه المنطقة بين عاميْ 1992 و2010 (بما في ذلك في ظل حكومات برئاسة نتنياهو). ومع ذلك، يبدو أن إسرائيل قد أغلقت القضية إلى أجل غير مسمى وسط حرب النظام السوري الضروس القائمة منذ عقد من الزمن، وتحصّن الجيش الإيراني بالقرب من الجولان، وإعلان الرئيس ترامب في آذار/مارس 2019 أن الولايات المتحدة ستعترف من الآن فصاعداً بإقدام إسرائيل على "ضمّ" تلك المنطقة.
وبعد إعلان ترامب بوقت قصير، أعلن نتنياهو أنه سيدعم أيضاً تطبيق السيادة الإسرائيلية على جميع مستوطنات الضفة الغربية، آملاً في أن يحظى هذا الاقتراح على نحو مماثل بالموافقة العامة من واشنطن. غير أن تعليق مدوّنة ليوئيل سينغر - المستشار القانوني السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية وكبير المفاوضين خلال "اتفاقيات أوسلو" - في أيار/مايو 2019، وصف هذه الخطوة بأنها "حبة سم" قد تجعل من الصعب للغاية التوصل إلى حل الدولتين. كما طرح بعض العقبات السياسية والقانونية التي يجب تذليلها من أجل تمرير مثل هذا الإجراء. ووفقاً لسينغر، يندرج الأمر ضمن اختصاص قانون الاستفتاء لعام 2014، مما يعني أنه سيتطلب موافقة أغلبية ساحقة في البرلمان (80 من أصل 120 عضواً) أو 50 في المائة من الناخبين الإسرائيليين في استفتاء ما.
ومع ذلك، فمن وجهة نظر نتنياهو، منحت خطة السلام التي اقترحتها إدارة ترامب في 28 كانون الثاني/يناير فرصة تاريخية لتحقيق الأهداف الموضوعة منذ فترة طويلة الخاصة بالأراضي. وقد التزم برغبات الإدارة الأمريكية في الانتظار إلى ما بعد تشكيل حكومة جديدة قبل محاولة ضم 30 في المائة من الضفة الغربية المخصصة لإسرائيل في خطة السلام. لكنه يعتبر الآن أن تطبيق السيادة مكوّن أساسي لإرثه السياسي.
إلا أن مجال ضمان هذا المكوّن قد يكون ضيّقاً للغاية. فقد فاقمت جائحة كورونا من حالة عدم اليقين بشأن ما إذا كان سيُعاد انتخاب الرئيس ترامب في تشرين الثاني/نوفمبر، لذا فإن نتنياهو مصمم على العمل على عملية ضمّ الأراضي قبل ذلك الحين. ويبدو أيضاً أنه يؤمن بأن ترامب على استعداد للتدخل مع دول عربية رئيسية طالما تتخذ إسرائيل هذه الخطوة قبل [بدء] القسم الأكثر حدة من الحملة الانتخابية الرئاسية (أي حوالي شهر أيلول/سبتمبر تقريباً إذا كان التاريخ أي مؤشر). ورغم أن دعم عملية الضم قد لا يمنح ترامب دفعة كبيرة بين الناخبين البروتستانت واليهود، إلّا أنه قد يعتبرها قضية مثيرة للخلاف ومفيدة لإحراج خصمه الديمقراطي (جو بايدن). ويبدو أن الجدول الزمني لنتنياهو قائم أيضاً على مخاوف من إمكانية إحراز بايدن تقدّماً كبيراً قبل تشرين الثاني/نوفمبر. وتساعد كافة هذه العوامل على تفسير سبب رفض نتنياهو عرض غانتس بتأجيل مناقشات الضمّ لمدة ستة أشهر، وإصراره على الموعد النهائي في تموز/يوليو.
خطط إسرائيل، شروط ترامب؟
إن أحد العوامل الرئيسية غير المعروفة هي الأراضي التي ستطالها تطبيق السيادة على وجه التحديد:
- جميع المستوطنات الإسرائيلية البالغ عددها 128 (مما يجعل حل الدولتين مستحيلاً)
- حدود غور الأردن (منطقة أمنية رئيسية ذات حساسيات كبيرة للإسرائيليين والفلسطينيين والأردنيين)
- المستوطنات الواحدة والخمسين الواقعة ضمن الحاجز الأمني للضفة الغربية، التي تأوي معظم المستوطنين والتي تشكّل حوالي 8 في المائة من الأراضي (وهي خطوة يمكن أن تكون متسقة مع حل الدولتين إذا تم ذلك عن طريق المفاوضات وتبادل الأراضي مع الفلسطينيين، على الرغم من أن مثل هذه المحادثات تبدو غير قابلة للتطبيق في الوقت الحاضر)
- عدد محدود من المستوطنات الأقل إثارة للجدل المتاخمة للمدن الإسرائيلية (على سبيل المثال، "غوش عتسيون"، الذي تم شمله كجزء من إسرائيل في الخرائط الفلسطينية المسرّبة المتعلقة بالمناقشات السابقة حول حل الدولتين)
ويعتقد البعض أن أبرز أولويات نتنياهو في الوقت الراهن هي غور الأردن. فالمستوطنات تكتسي قيمة أكبر خلال الدورات الانتخابية لكنها تضاءلت الآن بفعل القيمة الأمنية القصوى لغور الأردن.
أما بالنسبة لوجهة نظر الولايات المتحدة، فقد أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في 22 نيسان/أبريل أن "الإسرائيليين هم من يتخذون هذه القرارات في نهاية المطاف"، مما يشير إلى أن الإدارة الأمريكية ستكون بمثابة شريك وليست عقبة في هذا الصدد ولن تمنع تطبيق إسرائيل للسيادة. أما المسألة المتبقية فهي الشرطية. فإذا قررت إسرائيل تطبيق السيادة، فمن بين الأسئلة المطروحة هنا، هل ستطلب الإدارة الأمريكية من الكنيست الإسرائيلي الالتزام بالإجراء المنصوص عليه في خطة ترامب للسلام، وخاصةٍ التنازل عن القسم المتبقي في الضفة الغربية (حوالي 70 في المائة) للفلسطينيين؟ أم أنها ستوافق على قرار نتنياهو بدون شروط؟
التحديات الدولية
صرح رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز بأن ضمّ الضفة الغربية تحت أي مسمى سيجمّد معاهدة السلام بين إسرائيل والمملكة الهاشمية، رغم أن التكهنات توحي إلى أن التعاون الأمني الثنائي سيستمر. كما أن تقارير غير مؤكدة تشير إلى أن "السلطة الفلسطينية" قد تعلق التنسيق الأمني في أعقاب خطوة مماثلة، على الرغم من أن هذا الميل قد يقوّضه الانكماش الاقتصادي المستمر والاعتماد على إسرائيل خلال انتشار الجائحة. أما أوروبا فلديها اعتراضات جوهرية أيضاً - ففي شباط/فبراير، عارضت 21 دولة من "الاتحاد الأوروبي" خطة ترامب التي تشمل ضم [بعض الأراضي] (على الرغم من أن أي قرار لتطبيق العقوبات سيحتاج إلى إجماع بين جميع دول "الاتحاد الأوروبي" السبع والعشرين، وهو غير متواجد حالياً).
تجدر الإشارة إلى أن ردّ الفعل المحتمل في أوساط دول الخليج العربي غير واضح المعالم. فقد منحت إسرائيل الأولوية لبعض "العلاقات الهادئة" معها في ظل التقارب الاستراتيجي بشأن إيران والتركيز المشترك على التطور التكنولوجي. ولكن حتى لو سئِمت هذه الدول من القضية الفلسطينية، فهي لا ترغب بالتعرض للإحراج العلني، وتواصل اعتماد مبدأ العزوف عن المخاطر. وعلى هذا النحو، من غير المحتمل أن ترى الجانب الإيجابي من الاصطفاف العلني مع عمليات الضمّ الإسرائيلية الأحادية الجانب التي تمس أمن الأردن وحقوق الفلسطينيين - خاصة في سياق جائحة كورونا التي جعلت الحكومات في المنطقة أكثر عرضة للاضطرابات العامة.
وهناك تحد آخر يكمن في واشنطن، حيث قد يصوّر الديمقراطيون اندفاع نتنياهو نحو الضمّ على أنه ليس فقط ضربة قاضية لمساعي السلام، بل أيضاً حيلة لمساعدة ترامب على إعادة انتخابه. وكان الديمقراطيون البارزون الموالون لإسرائيل في الكونغرس الأمريكي قد رفضوا علناً مثل هذه الاقتراحات منذ عام على الأقل حتى الآن، كما أن قرار سابق صادر عن مجلس النواب الأمريكي قد أثبط كلاً من "ضمّ الأراضي الأحادي الجانب" من قبل إسرائيل والإعلانات الأحادية الجانب عن إقامة دولة من جانب الفلسطينيين. وقد لا تظهر على الفور تداعيات الضرر الدبلوماسي الكامل من أجل المضي قدماً في الضمّ، لكن مصادر الكونغرس الأمريكي تشير إلى أنها لن تُفاجأ إذا طالب المشرّعون بتقييد المساعدة العسكرية لإسرائيل في المستقبل.
اختبار لغانتس واشكنازي
خلال التناوب الأول للحكومة الجديدة، سيتولى غانتس منصب وزير الدفاع بينما سيتبوأ زميله في حزب "أزرق أبيض" غابي أشكنازي منصب وزير الخارجية. وسيكون من المثير للاهتمام رؤية كيف سيكون أداء الرجلين في القيادة حتى الموعد النهائي في الأول من تموز/يوليو. فهما متهمان أساساً محلياً بمنحهما الإذن للضمّ وعدم استخدام نفوذهما لإرجاء هذه المسألة في هذه اللحظة الرئيسية أو إعادة رسم معالمها. ورداً على ذلك، يوضحان في المجالس الخاصة بأن نتنياهو قد يحصل على الدعم الضروري لتطبيق السيادة من خلال استمالة عدد قليل من أعضاء الكنيست المنشقين (ربما حتى أفيغدور ليبرمان، الذي قال إن حزبه سيؤيد هذه الخطوة).
ولكن بالنظر إلى سجلهما العسكري كرئيسيْ أركان سابقين لـ "جيش الدفاع الإسرائيلي"، يدرك غانتس وأشكنازي جيداً مدى أهمية حفاظ إسرائيل على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة وأوروبا والحكومات العربية. على سبيل المثال، بالنظر إلى علاقة عمّان الباردة مع نتنياهو، فلن يكون من المستغرب رؤية المسؤولين الأردنيين يجتمعون مع الجنراليْن خلال الأسابيع المقبلة لشرح كيف يمكن أن يؤثر ضمّ الأراضي على الاستقرار الداخلي للمملكة. ومن المرجح أن يجتمع الرجلان مع مسؤولين أوروبيين وديمقراطيين أمريكيين أيضاً. وفي الحالة الأخيرة، يرى بعض المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين في حكومة الوحدة وسيلة لاستعادة صفة دعم الحزبيْن الأمريكييْن للعلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل بعد سنوات من الاستقطاب السياسي المتصاعد.
الخاتمة
من الناحية النظرية، ينبغي للحكومة الأوسع نطاقاً أن تمكّن إسرائيل من إحراز تقدّم إيجابي على عدة جبهات: تخليص نفسها من اعتمادها على الفصائل الموالية للمستوطنين، التي حافظت على توازن القوى السياسية منذ عام 2015؛ والوصول إلى مجموعات أوسع في دول أجنبية رئيسية؛ واستعادة التعاون مع واشنطن بتأييد الحزبين الأمريكييْن. غير أن المهلة النهائية الوشيكة المحددة للضم في الأول من تموز/يوليو تعرّض كل هذه المكاسب المحتملة للخطر في وقت مبكر جداً من فترة ولاية الحكومة الجديدة.
ديفيد ماكوفسكي هو زميل "زيغلر" المميز في معهد واشنطن، والمؤلف المشارك مع دينس روس للكتاب، "كن قوياً وذو شجاعة جيدة: كيف عمل قادة إسرائيل الأكثر أهمية على تحديد مصيرها".