- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
اندلاع أعمال شغب في تونس
منذ 15 كانون الثاني/يناير، تشهد تونس احتجاجات يومية ومظاهرات ليلية عنيفة في 15 مدينة على الأقل. ويوم السبت، اندلعت مواجهات بين المئات من المتظاهرين وقوات الأمن في العاصمة تونس، خلال مسيرة خرجت للمطالبة بالإفراج عن محتجين أوقفوا خلال الأيام الماضية. ويمكن أن يؤدي تزايد الاضطرابات في مهد "الربيع العربي" إلى عدم استقرار خطير للديمقراطية الفتية، مع تداعيات محتملة خارج حدودها.
منذ 15 كانون الثاني/يناير، تشهد تونس احتجاجات يومية ومظاهرات ليلية عنيفة في 15 مدينة على الأقل، من بينها عدة أحياء في العاصمة. وأفادت بعض التقارير أن الاضطرابات اندلعت بسبب مقطع فيديو انتشر عبر الإنترنت ويظهر فيه رجل شرطة وهو يسيء معاملة راعي غنم، لكن الإحباطات الأوسع نطاقاً من الوضع الاقتصادي المزري في البلاد تؤجج المتظاهرين، ومعظمهم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 25 عاماً.
ورداً على الاشتباكات مع الشرطة، اعتقلت السلطات 600 شخص على الأقل خلال الأسبوع الماضي، وانتشر الجيش في أربعة مواقع لحماية المباني الحكومية وتسيير دوريات إلى جانب سلطات إنفاذ القانون المحلية. وأصدر الرئيس قيس سعيد ورئيس الوزراء هشام المشيشي تصريحيْن علنييْن أعربا فيهما عن تفهمهما لمظالم المحتجين ودعيا في الوقت نفسه إلى ضبط النفس واستعادة القانون والنظام، لكن طلباتهما فشلت حتى الآن في كبح جماح المظاهرات المتضخمة.
وتأتي هذه الثورة الأخيرة في الوقت الذي تحتفل فيه تونس بالذكرى السنوية العاشرة للانتفاضة التي أطاحت بزين العابدين بن علي، الديكتاتور الذي حكم تونس لفترة طويلة، وأطلقت شرارة "الربيع العربي" على مستوى المنطقة. ومنذ ذلك الحين، أحرزت البلاد تقدماً ملحوظاً في الانتقال إلى نظام ديمقراطي متعدد الأحزاب مع حماية حرية التعبير والحريات الفردية. ومع ذلك، فإن هشاشة النظام - الذي تعاقبت عليه عشر حكومات خلال عشر سنوات - قوّضت قدرة تونس على وقف التدهور الاقتصادي الناتج عن النمو المحدود للوظائف، والإنفاق العام غير المستدام، وعدم المساواة المزمنة بين المناطق الساحلية والداخلية.
وتشكّل هذه الأزمات الاقتصادية المتفاقمة مصدر التهديد الرئيسي لقدرة البلاد على الاستمرار كديمقراطية مستقرة (وإن كانت فوضوية). لقد كان على الحكومة أن توازن بين إصلاحات الاقتصاد الكلي التي غالباً ما لا تحظى بشعبية والتي أوصى بها "صندوق النقد الدولي" ومجموعة من المصالح الاقتصادية الراسخة، بدءً من النقابات القوية وإلى النخب التي هيمنت على القطاع الخاص منذ عهد بن علي. وحتى الآن، انتصرت النفعية السياسية، وعجزت الحكومات المتعاقبة عن ممارسة الضغوط الكافية لتذليل العقبات التي تعيق الإصلاح. وفي النهاية، ستحتاج القيادة السياسية إلى تبني إصلاحات جريئة تهدف إلى إعادة هيكلة الاقتصاد بشكل أساسي.
وقد فاقمت جائحة فيروس كورونا ("كوفيد-19") الأمور سوءاً. ففي عام 2020، انكمش الاقتصاد بنسبة 8 في المائة، وانخفضت عائدات السياحة الهامة بنسبة 65 في المائة، واضطرت آلاف الشركات إلى الإغلاق. وفي غضون ذلك، استمرت البطالة بين الشباب في الارتفاع بعد أن تجاوزت الثلث، وانعكس الاتجاه السائد منذ عقد من الزمن المتمثل في تراجع الفقر. كما حفزت الآثار المشتركة لفيروس "كورونا" وإجراءات الاحتواء الحكومية المزيد من التونسيين على التوجه إلى أوروبا، حيث وصل ما يقرب من 13000 مهاجر إلى شواطئ إيطاليا في عام 2020 مقارنة بـ 2600 مهاجر في العام الذي سبق - وهو تذكير بأن عدم الاستقرار في شمال إفريقيا يحمل تداعيات بعيدة المدى على حلفاء أمريكا الأوروبيين.
وبالفعل، لدى الولايات المتحدة العديد من المصالح القوية المتمثلة في رؤية نجاح التجربة الديمقراطية في تونس. فبالإضافة إلى التكلفة الرمزية الكبيرة المترتبة على انهيار ديمقراطية عربية، فقد يؤدي عدم الاستقرار في تونس إلى امتداد النزاع الدائر في ليبيا المجاورة إلى تونس، وتفاقم التحدي المتزايد المتمثل في الهجرة غير المنضبطة إلى أوروبا، وتوفير فرصة للإرهابيين والجماعات المسلحة الأخرى التي تتجمع في أماكن أخرى مجاورة لتونس.
وبالتالي، على واشنطن أن توضح على المدى القريب أنها على استعداد لمساعدة تونس بقدر الإمكان. وحتى التدابير منخفضة التكلفة ستحقق عوائد قوية. على سبيل المثال، يمكن للإدارة الأمريكية الجديدة الاستفادة من نفوذ الولايات المتحدة في "البنك الدولي" و"صندوق النقد الدولي" والمنظمات الدولية الأخرى لتعزيز المساعدة الطارئة، وتسريع تطبيق اتفاقية "مؤسسة تحدي الألفية" التي طال السعي إلى تنفيذها في تونس، ودعوة البلاد لحضور "القمة العالمية من أجل الديمقراطية" التي تعهد الرئيس بايدن بعقدها خلال عامه الأول في المنصب. كما سيكون الانخراط بقوة أكبر مع الحلفاء الأوروبيين بشأن التحديات الاقتصادية وتحديات الهجرة أمراً أساسياً.
وعلى أي حال، يشير اندلاع الاضطرابات الاجتماعية في تونس إلى أن الوباء لم يعد يردع الناس عن النزول إلى الشوارع والتعبير عن مظالمهم بشأن افتقارهم إلى الآفاق الاقتصادية أو الخدمات الأساسية. وكما حدث في عام 2011، فقد تكون الاضطرابات نذيراً لأمور ستحصل في بلدان أخرى. فقد عانى العديد من الدول المجاورة لتونس من تداعيات مماثلة من الوباء، ومع خروجها من أزمة "كوفيد-19"، يمكن أن يكون الضرر الاقتصادي في العامين الماضيين مزعزعاً للغاية إذا بقي المواطنون غير مقتنعين بأن حكوماتهم ستقدم لهم الإغاثة الكافية. وبعد عشر سنوات على انتفاضة "الربيع العربي"، يشير الوضع الصعب الذي تعاني منه تونس إلى أن تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والسياسية في المنطقة قد يتأخر إلى أجل غير مسمى، لذا يجب على إدارة بايدن الاستعداد وفقاً لذلك. وبغض النظر عن مدى رغبة الرئيس الأمريكي الجديد في التركيز على أولوياته المعلنة، يُظهر اندلاع الاحتجاجات أن الأحداث المحلية يمكن أن تشق طريقها بسرعة إلى أجندة السياسة الخارجية الأمريكية.
سارة فوير هي زميلة "روزنبلوم فاميلي" في معهد واشنطن.