- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3504
إنجاح عملية برلين بشأن ليبيا
في 23 حزيران/يونيو، تستضيف ألمانيا اجتماعاً دولياً بشأن ليبيا، بهدف إنهاء الحرب الأهلية في البلاد. ولكسر الجمود السياسي، والبدء في انسحاب القوات الأجنبية المعرقلة، ونشر مراقبي وقف إطلاق النار في ليبيا. سيحتاج المسؤولون الأمريكيون إلى إجراء بعض المحادثات الصعبة مع مبعوث الأمم المتحدة وجميع الجهات الفاعلة الدولية والمحلية على الأرض.
في 23 حزيران/يونيو، ستستضيف ألمانيا اجتماعاً دولياً بشأن ليبيا، استكمالاً لمؤتمر برلين الذي عُقد في كانون الثاني/يناير 2020 بهدف إنهاء الحرب الأهلية في البلاد. وبعد ثمانية عشر شهراً، تنعم ليبيا اليوم بسلام حساس وأصبح لديها "حكومة وحدة وطنية" أدّت اليمين الدستورية في 15 آذار/مارس لتتولى مهامها إلى حين إجراء الانتخابات في نهاية هذا العام. لكن مع توقف الاستعدادات للانتخابات في كانون الأول/ديسمبر، توجّه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين برفقة وزراء خارجية آخرون إلى برلين بهدف التأكيد على النقاط الأساسية الواردة في قرار مجلس الأمن رقم 2570، وهي دعم "حكومة الوحدة الوطنية"، والحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار، وإجراء الانتخابات في الوقت المحدد، وضمان رحيل القوات العسكرية الأجنبية والمرتزقة قريباً.
ونظراً لأهمية معالجة مسألة الأساس الدستوري والقانوني للانتخابات، لا ينبغي أن يتردد وزراء الخارجية في الضغط على "بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا" للتوسط بفعالية أكبر بين الجهات المحلية المتخاصمة. ولكن يجب أن يكون التركيز الرئيسي لمؤتمر "برلين الثاني" دولياً - أي إعداد اتفاقية وجدول زمني لسحب الوحدات المقاتلة الأجنبية قبل كانون الأول/ديسمبر.
من مؤتمر "برلين الأول" إلى مؤتمر "برلين الثاني"
انبثق مؤتمر "برلين الأول" عن طلبٍ رفعه مبعوث الأمم المتحدة غسان سلامة في صيف 2019 إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بشأن التوصل إلى إجماع دولي على وقف الحرب التي جرّت إليها قوىً إقليمية وعالمية. ومنذ ذلك الحين، وصف سلامة هذه المبادرة بالنهج القائم "من الخارج إلى الداخل"، بخلاف عملية الحوار الوطني الفاشلة القائمة "من الداخل إلى الخارج" والتي قامت بها "بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا" والتي تم إحباطها عندما هاجم خليفة حفتر طرابلس في نيسان/أبريل 2019.
وقد أسفر مؤتمر كانون الثاني/يناير 2020 عن إصدار بيان من خمسة وخمسين نقطة حول جميع القضايا ذات الصلة، بما فيها إقرار وقف إطلاق النار وتجديد الدعوات إلى احترام حظر الأسلحة الذي تم تجاهله منذ فترة طويلة. كما انبثقت عنه مجموعات عمل لتوحيد المؤسسات السياسية والاقتصادية والأمنية المتناحرة - وهي مهمة تواصل هذه المجموعات العمل عليها حالياً. ومع ذلك، بينما أرسل العديد من الأطراف الخارجية المشاركة في الصراع رؤساء دولهم أو كبار وزرائهم إلى المؤتمر، إلّا أن المشاركين سرعان ما تجاهلوا الاستنتاجات التي تم التوصل إليها هناك. واستمرت الحرب نحو ستة أشهر أخرى، إلى أن أرغم التدخل العسكري التركي الداعم لحكومة طرابلس قوات حفتر المدعومة من روسيا والإمارات على التراجع إلى وسط ليبيا.
وفي حين هدأ الوضع العسكري إلى حدٍّ كبير منذ ذلك الحين، إلا أن مؤتمر "برلين الثاني" سيُعقد في ظل وصول النقاش المتعلق بالأساس الدستوري لإجراء الانتخابات في كانون الأول/ديسمبر إلى حائط مسدود. ولا تزال هناك عدة أسئلة مع اقتراب الموعد النهائي المحدد في 1 تموز/يوليو لحل هذا المأزق - وهو التاريخ الذي حددته "المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا" من أجل ضمان وقت تحضير كافي للاقتراع. ويدور أحد النقاشات الرئيسية حول ما إذا كان يجب إجراء استفتاء على مسودة الدستور قبل الانتخابات أو إقرار قانون مؤقت وتأجيل المسائل الدستورية الأوسع. ويركز نقاشٌ آخر على ما إذا كان يجب إجراء انتخابات رئاسية ونيابية مباشرة في الوقت نفسه أو السماح لمجلس النواب المنتخب باختيار رئيس للبلاد. ولا تزال التساؤلات قائمة أيضاً حول شروط الأهلية للمرشحين، (على سبيل المثال، ما إذا كان بإمكانهم حمل جنسيات متعددة).
وعلى الرغم من أهمية هذه القرارات، فإن السؤال الحقيقي هو: من هي الجهة التي تجيز شرعياً إجراءها؟ في تشرين الثاني/نوفمبر، أنشأت "بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا" "ملتقى الحوار السياسي الليبي"، وهو مجموعة متنوعة تضم خمسة وسبعين عضواً اجتمعوا لكسر الجمود السياسي. وبعد تقدمٍ كبير في وضع خارطة طريق انتقالية وتحديد موعدٍ للانتخابات، انتهت الجلسة الافتراضية الأخيرة التي عقدها "الملتقى" في أيار/مايو من دون إيجاد حل لأي من القضايا المذكورة أعلاه، حيث اكتفى المشاركون بإلقاء الكلمات بدلاً من السعي إلى التوافق. وبالتالي، أحال مبعوث الأمم المتحدة يان كوبيش المسألة إلى "مجلس النواب"، تلك الهيئة التي نادراً ما تنعقد والتي ساهمت انتخاباتها المتنازع عليها في إثارة الأعمال العدائية في عامَي 2014 و2015. ومن خلال إلقاء العبء على "مجلس النواب" ورئيسه عقيلة صالح - الذي عرقل لفترة طويلة الانتقال السياسي ولا يزال خاضعاً للعقوبات الأمريكية لقيامه بذلك - أضعف كوبيش فعلياً أي تقدم أحرزته "بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا" "وملتقى الحوار السياسي الليبي" في وقت سابق من هذا العام.
لذلك، إذا كان لمؤتمر "برلين الثاني" أن يحقق أي تأثير على إجراء الانتخابات كما هو مقرر، فسيحتاج الوزير بلينكين ونظرائه الأجانب إلى إجراء محادثة جدية مع كوبيش والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. وبالإضافة إلى إعادة تأكيد توقعاتهم بأن تضطلع "بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا" بدور أكثر فعالية في الوساطة، عليهم الضغط على كوبيش لإعادة تمكين "ملتقى الحوار السياسي الليبي" حين يعاود الانعقاد حضورياً في 28 حزيران/يونيو للتصويت على الأساس القانوني للانتخابات، بدلاً من انتظار صالح و"مجلس النواب" إلى أجل غير مسمّى.
مشكلة القوى الخارجية
على الرغم من أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الأمم المتحدة في تشرين الأول/ أكتوبر دعا إلى انسحاب كافة القوات غير الليبية في غضون تسعين يوماً، إلا أن ما يصل إلى 20,000 عنصر من القوات العسكرية الأجنبية والمرتزقة لم يبارحوا مكانهم، وينتشر العديد منهم على طول محور سرت/الجفرة الذي يفصل الشرق عن الغرب. ومنذ توقيع تركيا اتفاقيات دفاعية وبحرية مع "حكومة الوفاق الوطني" الليبية السابقة في أواخر عام 2019، أقرّت علناً بأنها أرسلت عناصر عسكرية ومرتزقة سوريين إلى ليبيا. واليوم يزور كبار مسؤولي الدفاع الأتراك طرابلس بانتظام، ويشارك عدة مئات من الضباط الأتراك في تدريب القوات المتحالفة مع طرابلس. وفي الأسبوع الماضي، أفادت بعض التقارير أن الرئيس رجب طيب أردوغان أبلغ نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه سيوافق على إخراج المرتزقة لكنه لم يلتزم بسحب القوات النظامية. وفي نهاية المطاف، قد تُظهر أنقرة مرونة أكبر في موقفها العسكري إذا تمكّنت من الحفاظ على اتفاقها البحري المثير للجدل وموقعها الاقتصادي المتميز، اللذين يلقيان تأييد رئيس وزراء "حكومة الوحدة الوطنية" عبد الحميد الدبيبة.
غير أن النشاط التركي يختلف عن نشاط رعاة حفتر في روسيا والإمارات، والذين يواصلون نفي أي دور عسكري لهم بالرغم من إرسالهم آلاف المرتزقة إلى هناك - بمن فيهم مواطنون سوريون وسودانيون، وفقاً لفريق الخبراء التابع للأمم المتحدة. وفي هذا السياق، أشار تقرير دفاعي أمريكي صادر عام 2020 إلى احتمال أن تكون الإمارات تمول الانتشار المحلي لـ"مجموعة فاغنر" التي تعدّ أكبر شركة عسكرية خاصة في روسيا. كما أن الجهات الداعمة لحفتر لم توقّع على أي اتفاقيات سياسية رسمية مع السلطات الليبية، مما يجعل من الصعب تحديد أعدادها ومواقعها واحتمالات انسحابها. وإحدى التفاصيل الواضحة، أن المرتزقة يسيطرون الآن على الجزء الأكبر من البنية التحتية النفطية في "حوض سرت" ذي الأهمية الكبيرة.
لذلك، فإن التحدي الأكبر لمؤتمر "برلين الثاني" هو توضيح تفاصيل الدعوة الدولية المتكررة لإخراج القوات الأجنبية. فإذا لم يتم احتساب عدد الجهات الفاعلة المتواجدة على الأرض بشكل دقيق (على الأقل على انفراد بين المشاركين في المؤتمر)، ستواجه الأطراف المعنية صعوبةً في تنظيم تتابع الانسحاب الفعلي. ومن الممكن تنفيذ انسحاب تدريجي، مع التركيز أولاً على إعادة جميع المواطنين السوريين والسودانيين المتبقين في غضون شهر. وفي الوقت نفسه، يجب على الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا التحدث مع تركيا بشأن تدويل برامج التدريب التي تقدمها كلٌّ منها للقوات العسكرية الليبية، بدءاً من وضع أعمال إزالة الألغام التي تقوم بها تحت مظلة الأمم المتحدة. ويمكنها أيضاً الاستفادة من التحسن الأخير في العلاقات التركية المصرية للإقتراح بأن تلعب أنقرة دوراً في محادثات التوحيد العسكري الليبي التي تتزعمها القاهرة.
ومهما كانت طريقة التنفيذ، يبقى الهدف المتمثل في سحب القوات الأجنبية من محور سرت/الجفرة جوهرياً للحفاظ على قابلية نجاح اتفاق وقف إطلاق النار على المدى الطويل. لكن عملية نشر عناصر غير مسلحين من "بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا" لمراقبة تنفيذ الاتفاق لا تزال في مراحل التخطيط، في ظل انتظار السلطات توجيهاتٍ من اللجنة العسكرية المشتركة المكونة من الفصائل الليبية المتخاصمة. ومن أجل سد هذه الفجوة، يمكن للمشاركين في مؤتمر "برلين الثاني" الموافقة على نشر مراقبين مؤقتين قبل أن تستكمل "بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا" إقامة بعثة دائمة لهذا الغرض، مع تقديم مساعدة أمريكية في مجال الاستخبارات والنقل دعماً لهذا المسعى المتعدد الأطراف. وفي البداية، يجب أن يكون المراقبون من الجنود العسكريين المجهزين للدفاع عن أنفسهم، ويجب على الليبيين الاعتراف بهذا الواقع.
ولا تزال روسيا الجهة الفاعلة التي تطرح التحديات الكبرى. فقد لعبت قوات "فاغنر" التابعة لها دوراً مدمراً في حرب طرابلس، وهي ترسي جذوراً لها في مناطق استراتيجية رئيسية، بما فيها "قاعدة الجفرة الجوية". وتشير البيانات الرسمية الصادرة عن اجتماع القمة الأخير الذي عقده الرئيس بايدن مع فلاديمير بوتين إلى أن اللقاء تطرّق باختصار إلى ليبيا باعتبارها نقطة محتملة للتعاون الاستراتيجي. وتحت هذا العنوان، يجب على الولايات المتحدة وشركائها اختبار رغبتهم في إقامة علاقات أكثر قابلية للتنبؤ مع روسيا في برلين، وعدم الاكتفاء بمطالبة موسكو بإعادة الالتزام بالقرار 2570، ولكن أيضاً بإعادة نشر بعض القوات على الأقل في بنغازي، تماماً كما أعادت نشرها في وسط ليبيا حين انسحب حفتر من طرابلس. وفي الوقت نفسه، يجب على واشنطن أن تكشف وتمنع جميع أعمال التمويل لعمليات "فاغنر" في ليبيا، الأمر الذي سيتطلب على الأرجح محادثة صريحة مع دولة الإمارات.
الخاتمة
يوفّر مؤتمر "برلين الثاني" فرصة تمس الحاجة إليها للمضي قدماً في اثنين من أكثر المسائل إلحاحاً في ليبيا، وهما: كيفية المضي قدماً في الانتخابات، وكيفية الحد من وجود القوات الأجنبية. وسوف تتطلب كلتا المسألتين حواراً هادئاً ودبلوماسية صارمة بشأن الخطوات العملية المذكورة آنفاً - نهجاً قد يكون له تأثير أكبر بكثير من بيان رؤية آخر مكوّن من خمسين نقطة يتم تجاهله بسرعة. وكلما بدأ الوزير بلينكين هذه المحادثات الصعبة مع الأمم المتحدة ونظرائه الثنائيين في وقت مبكر، كلما ستشهد ليبيا اقتراباً من رؤية انسحابات مُجدية، ووصول مراقبي وقف إطلاق النار، وإجراء الانتخابات في الوقت المناسب.
بين فيشمان هو زميل أقدم في معهد واشنطن ومدير سابق لشؤون شمال إفريقيا في "مجلس الأمن القومي" الأمريكي. أنس القماطي هو مؤسس ومدير "معهد صادق"، أول معهد فكري للسياسة العامة في طرابلس.