- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3751
إنقاذ خزان "صافر": خطة الأمم المتحدة لتجنب كارثة بيئية في اليمن
بذلت واشنطن جهوداً حثيثة للدعوة إلى عملية الإنقاذ الحاسمة وتمويلها، لكن عليها الآن الحرص على ألا يحوّل المقاتلون السفينة البديلة إلى أداة سياسية أخرى.
في 12 حزيران/يونيو، أعلن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عن حصوله على تغطية التأمين اللازمة لتنفيذ عملية معقدة تنطوي على نقل أكثر من مليون برميل من النفط الخام من خزان متحلل قبالة الساحل اليمني إلى ناقلة جديدة صالحة للملاحة. وسيسمح نقل النفط من خزان "صافر"، وهو خزان عائم لتخزين وتفريغ النفط، إلى ناقلة النفط الخام العملاقة، "نوتيكا" (Nautica)، بتجنب تسرب كارثي في البحر الأحمر بالقرب من ممر أساسي لنقل الطاقة، وهذه الخطوة مهمة للتخلص من خطر يهدد المنطقة منذ زمن. ولكن غياب أي خطة لإخراج سفينة "نوتيكا" من المياه اليمنية وتفريغ حمولتها يثير المخاوف من أن تحل السفينة ببساطة محل خزان "صافر" كورقة مساومة في الصراع.
مخاطر الكوارث وسياسة الإنقاذ
يرسو خزان "صافر" القديم العهد قبالة ميناء رأس عيسى اليمني على البحر الأحمر، وهي منطقة خاضعة حالياً لسيطرة قوات الحوثي المدعومة من إيران. وفي ثمانينيات القرن الماضي، تم تحويله من ناقلة أحادية الهيكل إلى خزان عائم لتخزين وتفريغ النفط تديره شركة صافر لعمليات الاستكشاف والإنتاج (SEPOC)، ثم أوقف العمل به وتُرك في بيئة معادية من دون صيانة كافية على مدى السنوات السبع الماضية بفعل الصراع اليمني.
سيترتب على أي تسرب كبير من خزان "صافر" تداعيات كارثية على ملايين الأشخاص في المنطقة، ناهيك عن الحياة البحرية. وبالإضافة إلى التكاليف البيئية والإنسانية والاقتصادية الباهظة، قد يعطل حادث مماثل بشكل كبير حركة الملاحة من مضيق باب المندب إلى قناة السويس، وهما ممران حيويان لنقل النفط والغاز والسلع الأخرى. وسيفاقم هذا التعطيل بدوره الاضطرابات في الأسواق العالمية المتضررة أصلاً من الحرب في أوكرانيا.
وما كانت عملية الإنقاذ التي أطلقتها الأمم المتحدة لتحصل من دون موافقة جميع أطراف النزاع، ومن بينها الحوثيين، والحكومة المعترف بها دولياً في عدن، والتحالف العسكري بقيادة السعودية الذي قاتل إلى جانبها. لقد جاء الاتفاق بعدما دفعت سنوات الحرب والدبلوماسية المكثفة بخزان "صافر" المهجور إلى قلب الصراع، وحثت الأطراف أخيراً على معالجة قضية "طارئة جداً وبديهية"، كما وصفها دوغ وير من مرصد الصراع والبيئة، وهي من المنظمات التي لطالما حذرت من المخاطر الناجمة عن خزان "صافر". في الواقع، أثار الكثيرون من علماء البيئة، والخبراء البحريين، والمسؤولين الأمريكيين مراراً وتكراراً مخاوف بشأن حالة الخزان. ولكن الأعمال العدائية المسلحة في المنطقة، والعقبات السياسية، والحصار الاقتصادي الذي فرضه التحالف، والتقاعس الملحوظ، منعت الأمم المتحدة من الوصول إلى الخزان لمعاينته في الماضي.
في آب/أغسطس 2019 مثلاً، كان من المقرر أن ترسل الأمم المتحدة فريقاً من الخبراء لتقييم حالة الخزان، لكن المهمة ألغيت بعد أن سحبت السلطات الحوثية موافقتها. وفي حزيران/يونيو 2020، منع الحوثيون مرة أخرى مفتشي الأمم المتحدة من الوصول إلى الخزان، حتى بعد ورود تقارير عن وصول مياه البحر إلى حجرة المحرك وإتلافها الأنابيب.
ووفقاً لإيان رالبي، الرئيس التنفيذي لشركة الاستشارات الأمنية والقانون البحري "آي. آر. كونسيليوم" (I.R. Consilium)، وهي من أهم الداعين إلى نقل النفط إلى ناقلة صالحة للملاحة، تأخر الحل جزئياً بسبب "عدم استيعاب" القضايا البحرية و"عدم الاهتمام بها" على نطاق واسع. وكذلك، قوبل علماء البيئة باللامبالاة عندما لفتوا إلى عواقب التقاعس المحتملة، وأشار مساعد عقلان من مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية إلى أن البيئة تتحول إلى قضية ثانوية في النزاعات ولا تؤخذ على محمل الجد.
خطة الإنقاذ
انطلقت عملية الإنقاذ التي طال انتظارها في إطار محادثات بوساطة عُمانية بين المملكة العربية السعودية والحوثيين خلال الأسابيع القليلة الماضية. وما كانت الخطة لتُنفَذ من دون نجاح الأمم المتحدة في جمع الأموال المطلوبة للمرحلة الأولى التي تبلغ ميزانيتها المعلن عنها 129 مليون دولار. وفي العام الماضي، أطلقت الولايات المتحدة والأمم المتحدة وهولندا حملة توعية بشأن خزان "صافر"، وأشار المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، تيم ليندركينغ، في أيلول/سبتمبر إلى تعهد أمريكي مبدئي بقيمة 10 ملايين دولار لعمليات الإنقاذ. بصورة إجمالية، تعهدت واشنطن وحكومات أخرى ومنظمات وأفراد بتقديم أكثر من 100 مليون دولار.
وفي نيسان/أبريل 2023، توصلت شركة "بوسكاليس" (Boskalis) الهولندية وشركة "أس أم آي تي سالفادج" (SMIT Salvage) التابعة لها إلى اتفاق مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لإخراج النفط الخام من خزان "صافر". ففي وقت سابق من هذا الشهر، رست سفينة الشركة المتعددة الأغراض "إنديفور" (Ndeavor) إلى جانب خزان "صافر" وبدأت بعمليات المعاينة. وعند إنجاز هذه المهمة، سيعمد فريق "أس أم آي تي" إلى نقل النفط إلى سفينة أخرى وإعداد الخزان لاقتياده إلى التلف، وفق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
تطلّب شراء السفينة البديلة، "نوتيكا"، من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي جمع المزيد من الأموال بسبب ارتفاع تكاليف الشحن في العام الماضي في ظل الحرب الأوكرانية. ووفقاً لبيانات موقع "مارين ترافيك" (MarineTraffic)، لا تزال الناقلة راسية قبالة جيبوتي في انتظار الأوامر. وتشير الأمم المتحدة إلى أنه بعد نقل النفط، سيتم تركيب عوامة مرساة (كالم) لربطها بسفينة "نوتيكا". ولكن الخطوات اللاحقة لا تزال غير واضحة.
الهيدروكربونات ستبقى مستهدفة
ربما أن بيع حمولة خام مأرب الخفيف شكل نقطة الخلاف الرئيسية في موضوع خزان "صافر" في السنوات الماضية. ولكن جودة هذه الحمولة غير مضمونة. فقد تراجعت جودة النفط وقيمته على الأرجح منذ أن تم ضخه للمرة الأولى في الخزان، ويعزى السبب جزئياً إلى التدهور الناجم عن الحرارة والميكروبات.
عندما كان خزان "صافر" مستخدماً، عمل خط أنابيب على ضخ النفط الخام إليه من حقول في محافظة مأرب الغنية بالنفط. ولكن خلال الحرب، استُخدم الخزان وغيره من البنى التحتية للطاقة بانتظام لتصفية الحسابات. ففي تشرين الأول/أكتوبر 2022 مثلاً، استهدفت طائرات بدون طيار تابعة للحوثيين موانئ لتحميل النفط في خليج عدن، ما أدى إلى تعليق صادرات النفط الخام التي تُعد مصدر إيرادات حيوي للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً. وقد تتكرر هذه العمليات في المستقبل، بما أن الحوثيين يريدون حصة من مبيعات النفط الوطنية وفق التقارير.
ووفقاً لبيانات الشحن من شركة "كبلر" (Kpler)، قام ميناءا الشحر وبير علي اليمنيان بتصدير حوالى 38000 برميل من النفط الخام يومياً في المتوسط، إلى الصين في المقام الأول، وذلك في الأشهر التسعة التي سبقت هجمات تشرين الأول/أكتوبر. وتعود شحنة النفط الخام الأخيرة التي صدرتها البلاد إلى أيلول/سبتمبر، ولم تظهر أي بوادر على استعداد قطاع الطاقة لاستئناف الاستثمارات الكبيرة بعد سنوات من الصراع. وتشير البيانات الواردة من إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إلى أن متوسط إنتاج اليمن من النفط والسوائل الأخرى انخفض من نحو 125000 برميل يومياً في عام 2014 إلى 18000 في عام 2016 (على الرغم من أنه ارتفع تدريجياً من هذا المستوى المنخفض في السنوات اللاحقة). ولا تزال منشأة تصدير الغاز الطبيعي المسال في بلحاف على خليج عدن مغلقة.
الخلاصة
من دون تسوية سياسية للنزاع، ستظل البنية التحتية للطاقة في اليمن هدفاً رئيسياً للمقاتلين، ولن يضع اتفاق خزان "صافر" حداً للتهديدات في البحر الأحمر. لقد بذلت الولايات المتحدة جهوداً حثيثة لتشجيع دعم عملية الإنقاذ والتوصل إلى هدنة بوساطة من الأمم المتحدة في اليمن. أما الآن، فعليها الحرص على عدم تحويل ناقلة "نوتيكا" إلى أداة سياسية أخرى.
نعوم ريدان انضمت مؤخراً إلى معهد واشنطن كزميلة أولى وعملت سابقاً كباحثة ومستشارة مستقلة في شؤون الطاقة في بغداد وبيروت.