- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
إنقذوهم من أنفسهم
حان الوقت للتدخل. ينبغي على أصدقاء العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل أن لا يسمحوا لزعيمي بلديهما أن يقودا دفة الحكم وهما في حالة ثمل مبنية على الثقة. وإذا فعلوا ذلك، فإنهم قد يحوّلون - من دون قصد - مسار التحالف الثمين [القائم بين البلدين] مباشرة قبالة الهاوية. إلا إن كلاً من باراك أوباما وبنيامين نتنياهو مخولاً حالياً بنوع مختلف من الثقة.
فبالنسبة للرئيس الأمريكي، وُلدت هذه الثقة من الواقع بأنه كافح (وفاز) في حملته الانتخابية الأخيرة، وأنه لن يواجه الناخبين مرة أخرى (كما لن يواجه تلك "الجهات المانحة" - التي اتهم السناتور روبرت مينينديز بالخنوع إليها)، وأن لديه مطلق الحرية في الـ 20 شهراً الأخيرة من فترة رئاسته لأن يترك بصمة دائمة على السياسة الخارجية الأمريكية.
وبالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، ففي أعقاب انتصاره الكبير عندما كان العديد يتوقع هزيمته بفارق قليل في الانتخابات الأخيرة، تأتي ثقته من مصدر مختلف وهو، [حنكة] سياسية لا تقهر على ما يبدو في بلاده، مما يجعله متأكداً تقريباً بأنه سيكون ضيفاً مرحباً به في البيت الأبيض، وذلك لفترة طويلة بعد أن يقوم شاغل المنصب الحالي بحزم حقائبه والرحيل إلى شيكاغو.
سوف يترك أوباما منصبه [في عام 2017]، بينما سيستمر نتنياهو في منصبه [في ذلك الحين]. وبصرف النظر عن اختلاف الحقائق، فلكلاهما مطلق الحرية [في اتباع السياسة التي يرغبانها]. ومع الحرية يأتي احتمال الوهم والتضليل.
يمكن أن يختلف الأشخاص العقال حول مصدر الخلل بين الزعيمين. وبالمعنى السياسي، إن وجهة نظري هي أن "الخطيئة الأصلية" كانت قرار أوباما في أيامه الأولى في منصبه اتخاذ الخطوة نفسها التي كان السناتور الجمهوري توم كوتون قد حذر منها الإيرانيين بصورة استفزازية من أن الرئيس الأمريكي القادم قد يتخذ قراراً يتعلق باتفاق نووي مع إيران لم يكن قد حصل على موافقة الكونغرس - وهو تمزيق اتفاق "غير ملزم" اتخذه رئيس الولايات المتحدة. وفي هذه الحالة، كان أوباما قد ألغى اتفاقاً تم التوصل إليه بين الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش ورئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك أريئيل شارون حول بناء مستوطنات في الضفة الغربية. وبدلاً من ذلك، طالب أوباما بتفعيل تجميد كامل للاستيطان الإسرائيلي، وحتى أن ذلك قد توسع ليشمل الأحياء المتنازع عليها من عاصمة إسرائيل، وهي فكرة رفضها الإسرائيليون من مختلف الأطياف السياسية. لقد كان ذلك مطلباً غير مقبولاً لم تتعافى منه الدبلوماسية - الإسرائيلية الفلسطينية بصورة تامة.
ومن جانبهم، أعاد نتنياهو وزملاءه في الوزارة دفع ثمن ذلك وغيره من البدع بالكامل من خلال سلسلة من الاستفزازات البائسة التي لم يكن داعي لحدوثها، والهز بالأصابع والانجرار وراء التهجمات الشخصية، وقد بلغ ذلك ذروته في المشهد المؤسف لزعيم أجنبي ينتقد من على منبر الكونغرس الأمريكي الاستراتيجية التفاوضية لرئيس أمريكي في الحكم.
وبالمعنى السياسي، إن الحقد بين الزعيمين متفشّي عميقاً. وبطبيعة الحال، إن تهكّم المرشح نتنياهو من نفوذ "المال الأجنبي" في الحملة الانتخابية التي اختتمت لتوها في إسرائيل كان أكثر من مشاكسة وقحة، في الوقت الذي هو صديق حميم للمانح الكبير للحزب الجمهوري في الولايات المتحدة شيلدون أديلسون، الذي هو أيضاً صاحب الصحيفة الأكثر تأييداً لنتنياهو في إسرائيل.
ولكن لا ينبغي أن ننسى أن أوباما عندما كان مرشحاً للانتخابات قد تدخل أيضاً في السياسة الداخلية الإسرائيلية عندما قال لجمهور في ولاية كليفلاند في عام 2008 أن كون [الشخص] "مؤيداً لإسرائيل" لا يعني أنه "مؤيداً لحزب الليكود" - وهو مصطلح لم يستخدمه بنفس محض طيبة. وقد انتبه نتنياهو لذلك، وهو الذي كان آنذاك رئيس وزراء مُنتظَر من حزب الليكود.
ويأتي كل ذلك في سياق الوضع الحالي، الذي هو في الواقع مرتفع المخاطر بصورة لا يمكن تصورها. فحول إيران، تأخذ عقارب الساعة في الدوران وصولاً الى الموعد الأخير للتوصل لإطار لاتفاق نووي في 31 آذار/مارس.
قد يكون نتنياهو فد كسر الكثير من الخزف الدبلوماسي في شراكته غير اللائقة مع الخصوم السياسيين الداخليين للرئيس الأمريكي في خطابه أمام الكونغرس، ولكن استدلاله الأساسي كان صحيحاً. والأسئلة التي تطرح نفسها هنا هي: لماذا تحولت الغاية المتمثلة بمنع إيران من تحقيق طموحاتها النووية إلى هدف محدود يتمثل بإدارة البرنامج النووي الإيراني؟ هل أن شروط الاتفاق الناشئ تشكل حقاً أفضل صفقة ممكنة، فقط لأن المفاوضين يقولون ذلك؟ وهل لا يجب أن يكون للسياق - المتمثل بسعي إيران للهيمنة الإقليمية من خلال الإرهاب والذعر وميلها الفطري لتحقيق ذلك - تأثيراً على المفاوضات؟
ولم تقع هذه الأسئلة فقط على آذان صماء في البيت الأبيض؛ فخلال الأسبوعين الأخيرين بالذات، أرسلت الإدارة الأمريكية سلسلة من "باقات العروض" للإيرانيين يبدو أن هدفها فقط هو استمالة موافقتهم على ما يتم بحثه في المحادثات النووية. وتشمل هذه العروض حذف كل ما يشير إلى الإرهاب الإيراني و«حزب الله» من تقييم التهديد العالمي السنوي الذي يصدره "مدير الاستخبارات الوطنية" الأمريكية؛ والتقليل من دور الميليشيات الشيعية التي تقودها إيران في القتال ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في تكريت؛ وزيادة احتمال إجراء محادثات مباشرة حول مستقبل سوريا مع حليف إيران المحلي، دكتاتور الإبادة الجماعية بشار الأسد.
وبصورة فردية، يمكن رفض جميع هذه الخطوات كأمثلة على الأخطاء وعدم الكفاءة المألوفة في أوساط الحكومة. ولكن عند أخذ جميع هذه الأمور في الحسبان، يبدو انها أشبه بأجزاء من خطة منسقة لكسب تأييد "المرشد الأعلى" في إيران آية الله علي خامنئي. إن أي رئيس وزراء إسرائيلي سيكون مغتاظاً من [الأسلوب المتبع] الذي يبدو أنه حرص واشنطن على التوصل إلى اتفاق نووي.
وهنا سيكون التدخل مفيداً. فإذا تم التوصل الى اتفاق إطار في نهاية الشهر الحالي، فإنه سيمنح الجانبين 90 يوماً للتوصل إلى اتفاق نهائي. وخلال ذلك الوقت، سيواجه أوباما خياراً حول كيفية استخدام ذلك الوقت.
هل سيستخدم هذه الأشهر للتواصل شخصياً مع الحلفاء - إسرائيل وكذلك الدول العربية التي تشعر بالقلق - لمناقشة مخاوفهم ونقاط ضعفهم الفعلية، والتوصل إلى تفاهمات ملزمة ومفصلة حول ما ستفعله الولايات المتحدة رداً على كل نوع ممكن من المخالفة الإيرانية والانتهاك الإيراني؟ أو أنه سيرفض أفكار التواصل مع الحلفاء التقليديين كونه شيئاً قد يخيف الإيرانيين ويقوّض احتمالات التوصل إلى اتفاق، وعوضاً عن ذلك يركز جهوده فقط على إغراء طهران عبر خط النهاية؟
إذا اختار الرئيس الأمريكي الخيار الخاطئ، ستستخلص كلاً من إسرائيل والدول العربية الاستنتاجات الخاصة بها - إن لم تكن قد قامت بذلك بالفعل. وسوف تمضي الدول العربية في طريقها الخاص، وربما تقوم بتطوير البنية التحتية النووية الخاصة بها كرادع ضد إيران، وبالتالي تؤدي إلى تأجيج ذلك الانتشار النووي بالذات الذي من المفترض أن يمنعه الاتفاق النووي مع إيران. وسوف ترى إسرائيل نفسها أيضاً غير مقيدة في ذلك، وستزداد باطراد الفرص التي قد تقرر فيها، وفي الوقت الذي تختاره، العمل بشكل مستقل ضد ما ستنظر إليه بأنه يمثل الخطر غير المقيد لطموحات إيران النووية.
وإذا حدث ذلك - أي إذا اتخذت إسرائيل يوماً ما إجراءات مباشرة ضد إيران تؤدي إلى تمزيق اتفاق تم التفاوض حوله من قبل رئيس أمريكي - فإن الغموض سيشوب فعلاً العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. وهذا هو السبب وراء الأهمية الكبيرة الملقاة على عاتق الأصدقاء تتمثل بالعمل على مساعدة الرئيس الأمريكي على تبني الخيار الصحيح.
وفي حين أن الخلافات بشأن كيفية منع إيران من تطوير قنبلة نووية هي المادة الأكثر إلحاحاً المدرجة على أجندة الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن الخلافات بشأن كيفية حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني هي الأكثر محرّكة للمشاعر. ففي غضون ساعات من فوز نتنياهو في الانتخابات، أثارت القضية بالفعل أزمة ثنائية، حتى قبل أن تُمنح لنتنياهو الفرصة لتشكيل حكومة جديدة.
ويقيناً، لم تكن الصور الدائمة لحملة إعادة انتخاب نتنياهو لائقة. فقد كانت له لحظة دنيئة تشبه بما قام به ويلي هورتون [مجرم أمريكي أُدين بقتل فتى أثناء عملية سطو وطعنه 19 مرة] حين دعى أنصاره للخروج لمواجهة [الناخبين] العرب الذي قال عنهم بأنهم يصوّتون بأعداد كبيرة، وأدلى بتصريحات يائسة في اللحظة الأخيرة بدت وكأنها ترفض فكرة التفاوض على حل الدولتين حول الصراع مع الفلسطينيين. سيتوجب على نتنياهو تفسير تصريحاته، أولاً وقبل كل شيء أمام الرأي العام الإسرائيلي.
ولكن حتى قبل أن يتصل الرئيس أوباما بنتنياهو لتهنئته على فوزه في الانتخابات، انفجر البيت الأبيض في غضب على تصريحات نتنياهو حول عملية السلام. فقد قام كبار المسؤولين بإطلاع الصحفيين بأن الإدارة الأمريكية "تعيد تقييم" نهجها للدبلوماسية، وهي الكلمتان التي استحضرتا ذكريات حقبة السبعينات حول "إعادة تقييم" العلاقات التي كان هدفها الضغط على إسرائيل لإعطاء تنازلات فيما يتعلق بالسلام. وبتوجيههم اتهامات نحو إسرائيل، أخبر مساعدو أوباما الصحفيين أن السياسة الأمريكية الجديدة قد تشمل المصادقة على قرار يصدره مجلس الأمن الدولي والذي من شأنه أن يحدد شروط التسوية النهائية، وذلك ضد رغبات الحكومة الإسرائيلية المنتخبة ديمقراطياً. وبالنسبة لأوباما، قد تترك خطوة كهذه إرثاً خطيراً وهو إنهائه 40 عاماً من جهود أمريكية لتشجيع قيام مفاوضات مباشرة بين الجانبين.
إن كل ذلك قد استند، على ما يبدو، فقط على سماع نتنياهو يدلي بتصريح استفزازي في خضم ما كان يُعتقد على نطاق واسع بأنها حملة انتخابية قد تُسفر عن نتائج قريبة [بين الحزبين الرائدين في الانتخابات]. ويبدو أن أحداً في الإدارة الأمريكية لم يتصل برئيس الوزراء للإستفسار عما قصده في تصريحاته - أي هل كان يتخلّى إلى الأبد عن إمكانية التوصل إلى تسوية إقليمية أم كان يقول إن تقديم المزيد من التنازلات حالياً، في الوقت الذي يواصل فيه الفلسطينيون جهودهم لتشويه سمعة إسرائيل "في المحكمة الجنائية الدولية"، أمراً غير وارد؟
إذا كان المسؤولون قد اتصلوا هاتفياً بالقدس، لكانوا قد سمعوا ما قاله نتنياهو لأندريا ميتشل في مقابلة تلفزيونية أجراها معها على شبكة "MSNBC" في اليوم التالي، فقد قال: "أنا لا أريد حل الدولة الواحدة لشعبين، بل أريد حلاً دائماً حيث دولتين لشعبين، ولكن من أجل أن يحدث ذلك فإن الشروط والظروف يجب أن تتغير". ونظراً إلى الحرب الأخيرة ضد «حماس» في غزة، وتعليق التعاون الأمني من قبل السلطة الفلسطينية وظهور تهديدات جهادية على عدة حدود، فإن ذلك لا يشكل موقفاً غير معقول.
لكن الإدارة الأمريكية لم تتريث - فدون أن تنتظر لكي يشرح رئيس الوزراء كلماته، أسرعت [في ردّها]. والأسوأ من ذلك، أن الإدارة رفضت قبول توضيحات نتنياهو بعد أن صرّح بها [في المقابلة التلفزيونية]؛ فما زال المتحدث باسم الرئيس الأمريكي يصر - رغم التصريحات المباشرة على العكس من ذلك - أنه "من الواضح تماماً أن إسرائيل لم تعد ملتزمة" بحل الدولتين. إذا كان هذا هو ميل البيت الأبيض في اليوم ذاته الذي أُعيد فيهأعأ انتخاب نتنياهو، فإن الإحتمالات في الـ 20 شهرا المقبلة أكثر من أن تكون قاتمة.
من المهم أن نلاحظ أن التدخل هو طريق ذو اتجاهين. أتأمل أن الأصدقاء الإسرائيليين للعلاقة القائمة بين الولايات المتحدة وإسرائيل [قد بدأوا] يتحدثون بالفعل مع نتنياهو حول مدى أهمية تلك العلاقة لقوة إسرائيل الرادعة، ومدى الحاجة الملحة لايجاد وسيلة للعمل بشكل بناء مع إدارة أوباما، على الرغم من العداء الحالي.
وبصرف النظر عن أرقام استطلاعات الرأي التي تظهر مستويات غير مسبوقة من التعاطف مع إسرائيل في صفوف الرأي العام الأمريكي، هناك أيضاً بعض الاتجاهات المثيرة للقلق بصورة كبيرة. ومن بينها، التفاوتات المتزايدة من الدعم لإسرائيل بين الجمهوريين والديمقراطيين، والتي ينبغي أن تثير القلق لأي زعيم إسرائيلي يهتم بصحة العلاقة بين البلدين على المدى الطويل.
وأياً كانت المياه التي تدفقت بالفعل تحت ذلك الجسر، ينبغي أن يكون المبدأ الذي يحكم [التصرف] في المرحلة القادمة هو أن: "لا تلحق المزيد من الضرر". كلا، أمريكا وإسرائيل ليستا شريكتان متساويتان. ويرى البعض في عالمنا الدارويني، أن الأمة الأصغر تحتاج إلى الإذعان إلى الأمة الأكبر. ويرى آخرون أن ما هو على المحك هو أكثر أهمية للدولة الأصغر لذا يجب على الدولة الأكبر أن تمنح المجال لذلك. وكلاهما صحيح. وفي ظل هذا التناقض يكمن الأمل بأن الثقة التي تُحفز كلا الزعيمين - الرئيس أوباما ورئيس الوزراء نتنياهو - سوف تُسفر عن قيام زعامة حقيقية.
روبرت ساتلوف هو المدير التنفيذي لمعهد واشنطن.
"نيويورك ديلي نيوز"