- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3772
انقلاب النيجر يهدد استراتيجية الولايات المتحدة بشأن مكافحة الإرهاب وروسيا
قد يعرّض مجلس عسكري ذات جذور راسخة، الشريك الرئيسي للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب في غرب أفريقيا للخطر، ويخلق آثاراً مضاعفة للأمن خارج منطقة الساحل، ويتيح لـ "مجموعة فاغنر" الروسية فرصة جديدة في القارة الأفريقية.
في 26 تموز/يوليو، اعتُقل رئيس النيجر محمد بازوم على يد أفراد من حرسه الخاص ووُضع قيد الإقامة الجبرية، حيث لا يزال حتى اليوم في ظروف قاسية. ومنذ ذلك الحين، أعلن الجنرال عبد الرحمن تشياني نفسه رئيساً لما يسمى "المجلس الوطني لحماية الوطن" وعين حكومة مؤلفة من 21 شخصاً في 8 آب/أغسطس. ويأتي الانقلاب في أعقاب موجة استيلاءات عسكرية اجتاحت كل من غينيا وبوركينا فاسو ومالي، وتشاد والسودان خلال السنوات الثلاث الماضية، مما يدل على اتجاهات إقليمية مناهضة للديمقراطية في ظل عدم الاستقرار العابر للأقاليم.
وحتى الآن، باءت الجهود الدبلوماسية المبذولة لتهدئة الأزمة بالفشل. وقد وجه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن نداءات متكررة إلى بازوم، الأمر الذي يعكس التزامه بتأمين إطلاق سراح الرئيس السابق والعودة إلى "النظام الدستوري". وكان بازوم شريكاً أمنياً مقرباً من الولايات المتحدة قبل اعتقاله، ومُنح دوراً بارزاً خلال قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا التي عُقدت في واشنطن في كانون الأول/ديسمبر الماضي. كما تَواصَل بلينكن مع الرئيس السابق محمدو يوسفو، الذي يتمتع بعلاقات شخصية أفضل مع المجلس العسكري، حيث كان في فترة معينة حليفاً لبازوم، لكنه لم يتبنَ مؤخراً مبادرات خليفته لمكافحة الفساد. وجاءت هذه المكالمة في أعقاب الزيارة الفاشلة التي قامت بها نائبة وزير الخارجية الأمريكي بالوكالة فيكتوريا نولاند في 8 آب/أغسطس إلى نيامي، حيث مُنعت من لقاء بازوم أو تشياني. وبدلاً من ذلك، تحدثت مع الجنرال موسى سالو بارمو، الشريك الأمني للولايات المتحدة منذ فترة طويلة والذي يشغل منصب الرئيس الجديد لأركان الجيش، لكنه لم يُقدم أي معلومات مطمئنة عن سلامة بازوم، ناهيك عن إطلاق سراحه أو إعادته إلى منصبه.
وفي ظل رفض المجلس العسكري جميع المبادرات الدبلوماسية الأمريكية والإقليمية، هددت "المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا" ("إيكواس") بالتدخل العسكري. وفي 10 آب/أغسطس، التقى قادة التحالف واتفقوا على نشر قوة احتياطية، على الرغم من أن سرعة تجميعها لا تزال غير واضحة.
وفي الجزائر المجاورة، ندد الرئيس عبد المجيد تبون بشدة بالمجلس العسكري لكنه قال إن أي تدخل عسكري في النيجر سيمثل "تهديداً مباشراً" لبلاده، معلناً: "لن يكون هناك حل بدوننا. فنحن أول المتضررين". وفي ليبيا - جارة أخرى تتمسك بشدة باستقرار النيجر نظراً لعمليات التهريب المستمرة - أدانت "حكومة الوحدة الوطنية" المجلس العسكري، بينما أدان خليفة حفتر، أمير الحرب الذي يتخذ من شرق البلاد مقراً له، تهديدات "المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا". أما بالنسبة إلى البلدان الأخرى، فقد التزمت مصر الصمت إلى حد كبير بشأن الأزمة، في حين شجبت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بسرعة الانقلاب ودعتا إلى إعادة بازوم إلى منصبه (يعود ذلك جزئياً لأنه أول رئيس عربي للنيجر). كما أرسلت الإمارات بعض المركبات العسكرية إلى تشاد المجاورة، الأمر الذي يوفر المزيد من الأمن على الحدود ويشير إلى علاقتهما الثنائية المتنامية.
شريك مختار في مكافحة الإرهاب
يتمثل أحد الجوانب الأساسية الأخرى للانقلاب في تأثيره المحتمل على النشاط الجهادي في النيجر، والذي كان في الغالب عرضاً جانبياً لحركات التمرد الرئيسية المجاورة في مالي ونيجيريا وبوركينا فاسو. وظهرت أولى علامات الامتداد الجهادي في النيجر عندما اختطف تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" دبلوماسيَيْن كنديَيْن في كانون الأول/ديسمبر 2008. وواصل التنظيم هذا التكتيك في السنوات اللاحقة، بما في ذلك محاولة خطف فاشلة لأفراد من السفارة الأمريكية في تشرين الثاني/نوفمبر 2009.
وقام التنظيم، الذي أعيدت تسميته بـ "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" في عام 2017، بشن هجمات متفرقة منذ ذلك الحين ضد جيش النيجر، حيث شهد هذا العام ثلاثة حوادث من هذا القبيل. ومع أن أعضاءه استخدموا النيجر أساساً كمركز للوجيستيكا والتيسير، تحولت البلاد نوعاً ما إلى منطقة هجوم منذ عام 2015، عندما بدأ تنظيم "الدولة الإسلامية" ("داعش") بالقيام بعمليات عسكرية في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل. والأهم من ذلك أنه في تشرين الأول/أكتوبر 2017، نصبت "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" كميناً أسفر عن مقتل أربعة جنود من "القوات الخاصة الأمريكية" وأربعة عناصر من جيش النيجر بالقرب من الحدود مع مالي، مما دفع الولايات المتحدة إلى إجراء مراجعة شاملة لإجراءاتها وعمليات انتشارها بالإضافة إلى تقديم تمويل إضافي بمئات ملايين الدولارات لجيش النيجر.
وفي الجزء الجنوبي الشرقي من النيجر، شن جهاديون يمثلون ما يسمى بـ "ولاية غرب أفريقيا" التابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" ما لا يقل عن خمسين هجوماً عبر الحدود انطلاقاً من نيجيريا. وفي الجنوب الغربي من البلاد، نشأت الهجمات الجهادية بشكل أساسي من حركات التمرد في مالي وبوركينا فاسو بقيادة "ولاية الساحل" التابعة للتنظيم، والتي تبنت ما يصل إلى عشر هجمات في النيجر هذا العام - أكثر من تلك التي تبنتها في عام 2022 (أحد عشر هجوماً) ولكن أقل بكثير مما تبنته في عام 2021 (ثلاثة وأربعون هجوماً أسفرت عن مقتل 225 شخصاً).
ومع ذلك، فإن الوضع الجديد في النيجر يمكن أن يحوّلها من مسرح جهادي محدود إلى ما يشبه حركات التمرد الثلاث في الدول المجاورة. على سبيل المثال، وقع أحدث هجوم شنته "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" في تلك البلاد في 9 آب/أغسطس. وقد يتفاقم هذا الخطر إذا غادرت القوات الأمريكية الساحة وحلت محلها وحدات من "مجموعة فاغنر" الروسية (انظر أدناه)، لا سيما بالنظر إلى ميل المجموعة إلى تصعيد حركات التمرد وارتكاب مجازر بحق المدنيين. ويمكن أن تصبح النيجر أيضاً ساحة أخرى للتنافس العنيف بين تنظيم"داعش" و"جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، مما يتسبب بالمزيد من المعاناة والإصابات في صفوف المدنيين.
ولوقف هذه الاتجاهات الإقليمية، اعتمدت الولايات المتحدة على النيجر للتعاون الأساسي في إقامة القواعد ومكافحة الإرهاب من غرب أفريقيا إلى ليبيا. فالبلاد تستضيف أكثر من 1000 جندي أمريكي يشاركون في التدريبات والعمليات الأمنية الإقليمية وحماية القاعدتين الجويتين اللتين يوجد فيهما عناصر الخدمة الأمريكيين. كما تم نشر ما يقرب من 1500 جندي من فرنسا في النيجر في إطار عملية إعادة تنظيمهم في المنطقة بعد مغادرتهم مالي.
وتضطلع "القاعدة الجوية 201" في الشمال النائي من النيجر بأهمية خاصة. فهي المنشأة الوحيدة في هذا الجزء من القارة المخصصة لتشغيل الطائرات بدون طيار التي توفر قدرات استخباراتية واستطلاعية ورقابية وهجومية بالغة الأهمية، والتي تشمل العمليات البارزة التي شُنت ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في ليبيا في أيلول/سبتمبر 2019 وضد تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"/"جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" بعد شهرين من ذلك التاريخ. وبدون هذه الأصول العسكرية، ستكون الولايات المتحدة غير قادرة إلى حد كبير على تمييز مجموعة من التهديدات الجهادية من قبل تنظيم "الدولة الإسلامية" و"جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" والجماعات الأخرى في جميع أنحاء المنطقة، من بينها المؤامرات المحتملة لتنظيم "داعش" ضد الأمريكيين والوطن الأمريكي. وسيكون السيناريو الأسوأ ارتباط ما يسمى بـ "ولايتي" تنظيم "الدولة الإسلامية" على الحدود الجنوبية الغربية والجنوبية الشرقية للنيجر بطريقة ما وفرضهما سيطرة إقليمية جديدة للتنظيم، مما يترك خيارات استجابة محدودة للولايات المتحدة إذا فقدت إمكانية الوصول إلى القواعد العسكرية.
فرصة لـ "مجموعة فاغنر"
لدى قوات "فاغنر" وجود راسخ أساساً في مالي وبوركينا فاسو الواقعتين غرب النيجر وجمهورية أفريقيا الوسطى والسودان الواقعتين في شرقها. كما تستخدم المجموعة ليبيا كمركز عبور لعملياتها في أفريقيا، حيث توفر خدمات الحماية للحكومات المحلية مقابل (منحها) الحق في استخراج الموارد من الدول الفقيرة. وسيكون الوصول إلى النيجر مناسباً لهذا النمط بالنظر إلى رواسب اليورانيوم الغنية التي تملكها، والتي تشكل 5 في المائة من الإمدادات العالمية وتجعل من النيجر مزوداً رئيسياً لأوروبا.
كما أن الانتقال إلى النيجر سيعزز تواجد "مجموعة فاغنر" في أفريقيا في الوقت الذي يبحث فيه زعيم المجموعة يفغيني بريغوجين عن فرص جديدة بعد انتفاضته الفاشلة ضد موسكو. وفي الواقع، أشاد بريغوجين بانقلاب النيجر باعتباره انتفاضة الشعب ضد "مستعمريه" وأعرب عن "فرحه" بفشل جهود نولاند الدبلوماسية.
ومن جهته انتقد الكرملين علناً كلاً من الانقلاب واحتمال التدخل العسكري. ومع ذلك، فمن الواضح أن روسيا ستستفيد من تراجع النفوذ الأمريكي في النيجر. ووفقاً لواشنطن، ليس هناك دليل على أن موسكو أو "مجموعة فاغنر" قد دعمتا الانقلاب بشكل مباشر، لكن أذرعهما الدعائية نشرت على الأرجح معلومات مضللة تستهدف بازوم. وبعد أن استولى المجلس العسكري على السلطة، صرح أحد عناصر الدعاية الروس البارزين ما يلي: "استناداً إلى نتائج ما بدأناه [روسيا] في أوكرانيا، تنظر إلينا الشعوب في جميع أنحاء العالم حقاً على أننا قادة ثورة مناهضة للاستعمار، وعلى أننا من خاطروا ونجحوا".
وحتى الآن، لم يصدر إلا القليل من التقارير عن احتمال انتشار "مجموعة فاغنر" في النيجر. وربما التقى ممثلو المجلس العسكري بالمجموعة في مالي لطلب الدعم ضد تدخل محتمل من قبل "المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا"، بينما تشير تقارير أخرى غير مؤكدة إلى أن ممثلي "مجموعة فاغنر" قد ذهبوا أساساً إلى نيامي. ومع ذلك، لا تتوافق مصالح بريغوجين في النيجر بالضرورة مع مصالح فلاديمير بوتين، الذي أظهر رغبته في الحفاظ على علاقات إيجابية في القارة الأفريقية عندما استضاف القمة الروسية الأفريقية في سان بطرسبورغ الشهر الماضي.
توصيات في مجال السياسة العامة
لدى الولايات المتحدة مصلحة واضحة في هزيمة الانقلاب، من خلال التوصل إلى حل دبلوماسي من الناحية المثالية. كما أن لديها مصلحة في منع الكرملين من استغلال نزاع آخر لصالحه. وقد أوقفت واشنطن أساساً وبصورة مؤقتة مساعداتها غير الإنسانية، الأمر الذي سيكون له آثار جانبية تتمثل في منع التعاون في مكافحة الإرهاب وأنشطة الأصول الفريدة المتمركزة في النيجر. وإذا أعلنت إدارة بايدن رسمياً أن عملية الإطاحة ببازوم تشكل انقلاباً، فإن التوقف المؤقت عن تقديم المساعدات سيصبح دائمياً، الأمر الذي يوجه ضربة قاسية إلى المقاربة الأمريكية في مكافحة الإرهاب في أجزاء مختلفة من أفريقيا.
وفي هذا السياق، سلط الانقلاب الضوء مجدداً على ضرورة مراجعة النهج الأمريكي تجاه منطقة الساحل. على سبيل المثال، لا يزال برنامج "شراكة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء" - وهو صندوق تأسس عام 2005 لدعم جهود مكافحة الإرهاب في جميع أنحاء المنطقة، من بينها "منطقة الساحل" - يتلقى 35 مليون دولار فقط سنوياً، وهو مبلغ صغير نسبياً نظراً لنطاق المهمة. وبدلاً من تعزيز التعاون الإقليمي الذي تم تصوره أساساً، تضاءلت اليوم فرص التعاون مع الحكومات المحلية بالمقارنة مع ما كانت عليه عندما تم إنشاء الصندوق.
ويلوح في الأفق التهديد بتوسع "فاغنر" بشكل أوضح اليوم أيضاً. لذلك، على الولايات المتحدة أن تدرس إمكانية ممارسة المزيد من الضغوط على المجموعة في ليبيا، لأن ذلك الميدان يمكّنها من تنفيذ عملياتها الأفريقية الأوسع نطاقاً. وحتى الآن حثت واشنطن حفتر على قطع علاقاته مع "مجموعة فاغنر" وشجعت الانتخابات الوطنية على أمل أن تطلب حكومة جديدة من المجموعة مغادرة البلاد. ولكن أياً من النهجين لم ينجح، لذلك على المسؤولين التفكير في مقاربة أكثر حزماً، من خلال العمل مع شركاء الولايات المتحدة لمنع "مجموعة فاغنر" من الوصول إلى المطارات التي تديرها حالياً.
وفي النيجر، قد تتمثل المقاربة الأفضل في الوقت الحالي بالضغط بشكل مكثف باتجاه التوصل إلى حل دبلوماسي مع استخدام التهديد بالعزلة التامة للتشجيع على بعض التعاون من قبل المجلس العسكري. وقد يكون شريك غير تقليدي مثل الجزائر مفيداً نظراً لمعارضة البلاد للانقلاب والتدخل العسكري، ناهيك عن مصالحها في منع صعود الجهاديين.
بين فيشمان هو زميل أقدم في معهد واشنطن ومدير سابق لـ "شؤون شمال إفريقيا" في "مجلس الأمن القومي" الأمريكي. آنا بورشيفسكايا هي زميلة أقدم في "برنامج مؤسسة دايين وغيلفورد غليزر" حول "منافسة القوى العظمى والشرق الأوسط" التابع للمعهد. هارون ي. زيلين هو "زميل ريتشارد بورو" في المعهد ومؤسس موقع "Jihadology.net".