- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2370
إرهابيو «القاعدة» القدامى في السعودية يشكلون تهديداً جديداً
في الأسبوع الماضي صدرت علناً شهادة مثيرة للجدل لأحد العناصر السابقين في تنظيم «القاعدة» قال فيها إنّ أعضاءً رفيعي المستوى في العائلة المالكة السعودية كانوا من كبار المانحين لـ تنظيم «القاعدة» في أواخر تسعينات القرن الماضي. وقد أدّت التقارير المتداولة حول هذه الاتهامات إلى حثّ البعض على إعادة طرح أسئلة قديمة عن دعم الحكومة السعودية لاعتداءات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، ولكن أي افتراض ناتج عن هذه المزاعم غير المثبتة هو بمثابة خطوة متسرعة للغاية في هذا الإطار. فالأمر الذي لا يزال واضحاً اليوم هو أن المملكة تكافح حربها الخاصة ضد الإرهاب على أراضيها.
وتشكّل حادثة إطلاق النار على مواطنَين أمريكيين في السعودية في 30 كانون الثاني/يناير أحدث تذكير بما تواجهه حكومة الرياض في تحديها للإرهاب وبالتهديد المباشر الذي يحدق بمواطني الولايات المتحدة ومصالحها. ووفقاَ لصحيفةٌ تملكها السعودية، فرّ المسلح الذي أطلق النار من البلاد منذ ذلك الحين وانضم إلى تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» في العراق. وهذه هي المرة الرابعة التي يستهدف فيها مواطنون سعوديين أشخاصاً غربيين داخل المملكة في غضون الأشهر الأخيرة. وأعقبت الحادثة المذكورة وقوع اعتداء على الحدود شنّه مسلحون سعوديون قدموا من العراق في أوائل كانون الثاني/يناير، واعتداءً آخر وقع في تشرين الثاني/نوفمبر ضد مجموعة مصلّين سعوديين من الطائفة الشيعية في محافظة الأحساء شرق البلاد. وقد ربطت الرياض هاتين الحادثتين بتنظيم «داعش» أيضاً.
ويمثّل الأفراد الذين كانوا موقوفين سابقاً بتهمة الإرهاب نسبة ملحوظة من أولئك الذين اعتقلوا بسبب تورطهم في نشاط إرهابي خلال العام الماضي. ومن هذا المنطلق، يجدر بواشنطن أن تدعم الرياض في مراقبة مثل هؤلاء الأشخاص عن كثب بهدف حماية المصالح الأمريكية والسعودية سواء في المملكة أم في الخارج.
التهديدات القديمة والجديدة
بين العامين 2003 و2007، نفّذ تنظيم «القاعدة» عمليات تفجير وإطلاق نار وخطف في المملكة العربية السعودية في محاولةٍ منه للإخلال بالنظام الملكي المتحالف مع الولايات المتحدة. وكان الكثيرون من منفّذي تلك العمليات قد حاربوا في أفغانستان وباكستان والعراق. أما في السعودية، فغالباً ما استهدف الإرهاب الأمريكيين وغيرهم من الأجانب. فالمواطنان الأمريكيان اللذان أُطلق عليهما النار منذ أسبوعين كانا يعملان لدى الشركة الأمريكية نفسها، "فينيل"، التي فجّر تنظيم «القاعدة» المجمع السكني لموظفيها في عام 2003.
وقد استجابت السلطات السعودية لطفرة الاعتداءات بعمليات مسح أمني مكثفة. وبحلول عام 2008 - وفقاً للإحصاءات السعودية في ذلك الحين - كانت السلطات قد اعتقلت حوالي 9000 شخص بتهمة الاشتباه بضلوعهم في أعمال إرهابية. وبحلول عام 2011، وصل هذا العدد إلى 11500 شخص تقريباً. ومنذ ذلك الحين، تم الإفراج عن بعض المعتقلين بينما خضع بعضهم الآخر للمحاكمة والإدانة في "المحكمة الجزائية المتخصصة" التي أنشئت في عام 2008 لهذا الغرض. وقد شارك عدة آلاف في برامج إعادة تأهيل المقاتلين داخل السجون بينما أمضى آلاف غيرهم فترات محددة في مركز إعادة تأهيل الإرهابيين في المملكة.
إرهابيون قدامى في مؤامرات جديدة
تنامى خطر تنظيم «الدولة الإسلامية» على المملكة العربية السعودية خلال العام الماضي بسبب الانتصارات التي أحرزها التنظيم في سوريا والعراق، فضلاً عن اتخاذ حكومة الرياض القرار بالانضمام إلى التحالف الدولي ضد «داعش» خلال الصيف الماضي. وبالإضافة إلى ذلك، تواجه المملكة أيضاً تهديدات مستمرة من تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» - وهي جماعة تشكلت في اليمن في عام 2009 وتضم فارّين سعوديين وعناصر يمنيين من تنظيم «القاعدة». وفي هذا السياق وصف المتحدث باسم وزارة الداخلية السعودية الخطر الإرهابي الراهن بـ "موجة أقبح من سابقتها". وفي الأشهر الأخيرة أوقفت الوزارة مئات المشتبه بهم لضلوعهم في مختلف المؤامرات والهجمات.
وفي أيار/مايو 2014، أعلنت الرياض عن أول عملية كشف كبيرة لشبكة إرهابية مرتبطة بـ تنظيم «الدولة الإسلامية» داخل المملكة. وفي ذلك الوقت اتُّهم بعض المشتبه بهم بالتواطؤ مع عناصر سعوديين من «داعش» في التخطيط للقيام بعمليات اغتيال وهجمات أخرى في البلاد، فيما اعُتبر آخرون متورطين في دعم تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» من حيث حشد الأموال وتوفير المسائل اللوجستية. وقد تم توقيف 62 شخصاً، من بينهم 59 سعودياً. ووفقاً لمسؤولين سعوديين، فإنّ 35 شخصاً من المشتبه بهم (أي 56 في المائة منهم) سبق أن أدينوا بتهمٍ متعلقة بالإرهاب، وبعضهم تخرّج من برامج إعادة تأهيل المقاتلين التي تجريها المملكة. ووفقاً لصحيفة تملكها السعودية فقد سبق محاكمة أحد المشتبه بهم، وهو سعودي الجنسية وزعيم خلية في تنظيم «الدولة الإسلامية»، بتهم مرتبطة بـ تنظيم «القاعدة».
وفي تموز/يوليو 2014، نفّذ تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» أول توغل له في السعودية منذ محاولة اغتيال وليّ وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن نايف في عام 2009 عندما كان مساعد وزير الداخلية في ذلك الحين. وقد نفّذ ستةٌ من أفراد التنظيم اعتداءً على حاجز حدودي في الجنوب من جهة اليمن، مما أدى إلى مقتل عدد من ضباط الأمن السعوديين وضابط يمني آخر. وكان جميع المعتدين سعوديين، مع الإشارة إلى أن أربعة منهم كانوا قد سُجنوا سابقاً.
وفي أيلول/سبتمبر، اعتقلت [السلطات] السعودية 88 شخصاً من ضمنهم 84 سعودياً بتهمة تجنيد إرهابيين والتخطيط للقيام بهجمات داخل المملكة وفي الخارج. وقد أفاد مسؤولون سعوديون أن المشتبه بهم كانوا ينتمون إلى تنظيمات إرهابية مقرها خارج البلاد. كما أن 59 منهم (أي 67 في المائة) اعتُقلوا في السابق بتهمٍ مرتبطة بالتنظيم "المنحرف" - صفة نموذجية تستخدم عند الإشارة إلى تنظيم «القاعدة» والمنظمات التي تدور في فلكه.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر، اعتدى أربعة أشخاص على مصلّين سعوديين من الطائفة الشيعية في منطقة الأحساء الغنية بالنفط وتسببوا بمقتل ثمانية منهم. ووفقاً لمسؤولين سعوديين، كان ثلاثة من هؤلاء الأربعة قد سُجنوا سابقاً لارتباطهم بـ تنظيم «القاعدة». وفي غضون أسابيع، تم إلقاء القبض على 77 شخصاً على صلة بالاعتداء، 32 منهم سبق أن دخلوا السجن بتهمة الإرهاب، في حين أن 15 آخرين كانوا يواجهون المحاكمة بتهم إرهاب موجهة إليهم سابقاً. وبالإجمال، فإن 61 في المائة من الموقوفين سبق أن دخلوا السجن أو ينتظرون محاكمتهم.
وبالمثل، ووفقاً للسلطات السعودية فإن أحد المسلحين السعوديين الأربعة الذين نفذوا الهجوم على حدود السعودية من جهة العراق في كانون الثاني/يناير كان قد اعتقل سابقاً بسبب ارتباطه بـ تنظيم «القاعدة» ثم أطلق سراحه بكفالة في النهاية.
ولم تقدّم الرياض أي معلومات عن العَود إلى الجريمة بخصوص المشتبه بهم الذين أوقفوا في جولتي الاعتقال المعلنتين في كانون الأول/ديسمبر. وقد ضمّت الجولة الأولى 135 مشتبهاً أوقفوا لضلوعهم في نشاط إرهابي، وضمّت الثانية ثلاثة مشتبهين أوقفوا لارتباطهم بعملية إطلاق النار على مواطن دنماركي، وقعت في الرياض في تشرين الثاني/نوفمبر وكانت مرتبطة بتنظيم «داعش».
معدلات الإدانة والعود إلى الجريمة
لا بد من الإشارة إلى أن بعض الأشخاص الموقوفين للاشتباه بضلوعهم في نشاط إرهابي خلال الأشهر الأخيرة قد لا تتم محاكمتهم وإدانتهم في "المحكمة الجزائية المتخصصة" في المملكة العربية السعودية. ولكن ما حصل في الماضي هو أن العديد من الذين اعتقلتهم السلطات السعودية في البداية للاشتباه بهم كإرهابيين تمت إدانتهم في النهاية لتورطهم في أعمال إرهابية.
أما بالنسبة إلى معدلات العود إلى الجرائم الإرهابية في المملكة، فإنه من الصعب إجراء تقييم مستقل لها لصعوبة الحصول على معلومات موثوقة حول عدد الأشخاص الموقوفين والمحاكَمين والمدانين والخاضعين لإعادة التأهيل في مختلف البرامج على مر السنين. لكن أقل ما يقال هو أن الطفرة في عدد المقاتلين القدامى الذين يتم القبض عليهم لتورطهم في أعمال إرهابية جديدة تدل على أن نسبة العود آخذة في الارتفاع. ووفقاً لتقرير سعودي صدر مؤخراً، بلغ معدل العود لدى الأفراد الذين شاركوا في برامج إعادة تأهيل الإرهابيين التي تجريها الحكومة 12 في المائة. ولكن حتى هذا المعدل قد يعني أنه من المعروف أن مئات من المشتبه بهم الذين سبقت إدانتهم قد عاودوا النشاط الإرهابي.
التداعيات على السياسة الأمريكية
تواصل الوكالات الحكومية في جميع أنحاء العالم التصارع مع التحدي الذي يمثله تعقب جميع الأشخاص الذين يملكون صلات سابقة بالجماعات المتشددة؛ والهجوم المأساوي على صحيفة "شارلي إبدو" الذي وقع في فرنسا الشهر الماضي يلقي الضوء على هذه المشكلة. فأحد المعتدين كان قد أدين بتهمة تجنيد إرهابيين في عام 2008، في حين أن الآخر كان قد سافر إلى اليمن للتدرب لدى تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» في عام 2011.
ويتعاظم هذا التحدي بشكل خاص في المملكة العربية السعودية لأنه ثبت ضلوع آلاف الأشخاص بهجمات قام بها تنظيم «القاعدة» منذ عقد من الزمن، وتم الافراج عنهم منذ ذلك الحين. لذلك فإن مساعدة الرياض على ممارسة رقابة أفضل على الإرهابيين الذين سبق اعتقالهم أصبحت مسألة حاسمة. كما أن مقاربة إعادة تأهيل الإرهابيين التي تنتهجها المملكة قد تتطلب مراجعة شاملة. ويقوم السعوديون بتحسين برامجهم لإعادة التأهيل منذ بداية تأسيسها قبل أكثر من عقد من الزمن، إلا أنه لا يجوز الاستخفاف بالأجواء السياسية الحافلة بالتحدي التي تحيط بأي عملية ضخمة لإعادة تقييم فعالية هذه البرامج. وقد أشادت حكومتا الرياض وواشنطن بأساليب إعادة التأهيل المتبعة في المملكة باعتبارها تجربة ناجحة وأثّرتا على العديد من برامج اجتثاث التطرف في مختلف أنحاء العالم.
بيد أن مصلحة الرياض الحيوية في إحباط المؤامرات الإرهابية قد تتغلب على أي تحديات سياسية تنشأ نتيجة إعادة تقييم هذه البرامج وإصلاحها. فترقية الأمير محمد بن نايف مؤخراً تشير إلى الأهمية التي يوليها العاهل السعودي الجديد وحكومته للحرب على الإرهابيين، حيث أن الأمير نايف هو الرجل الذي يقف وراء الحرب المحلية الناجحة إلى حد كبير التي شنتها السعودية ضد تنظيم «القاعدة» في العقد الماضي. وفي الوقت نفسه، لا يجدر بالتعاون الوثيق في مجال مكافحة الإرهاب أن يضعف الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة من أجل التعامل وراء الكواليس مع الممارسات المروعة التي تتبعها حكومة الرياض حيال المدافعين السلميين عن حقوق الإنسان.
لوري بلوتكين بوغارت هي زميلة في برنامج سياسة الخليج في معهد واشنطن.