- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2928
إسرائيل تشير إلى أنّ "ترسيخ" إيران في سوريا باهظ الثمن
يبدو أن إسرائيل عازمة على إجبار الجهات الفاعلة الرئيسية على الاعتراف بأن مصلحتها تكمن في الحد من الوجود العسكري الإيراني في سوريا، وذلك من خلال ضرب القوات والمنشآت السورية المضادة للطائرات التي يتمركز فيها الأفراد الإيرانيون كما فعلت في نهاية الأسبوع الماضي. وإذا تجاهل القادة الإيرانيون هذه المصلحة، فإنهم يهددون بجر [المنطقة] إلى تصعيد عسكري سريع.
وفي إسرائيل، صرّح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والعديد من القادة العسكريين مراراً وتكراراً أن مصدر قلقهم الرئيسي هو منع "ترسيخ" الجيش الإيراني على حدودهم الشمالية الشرقية. وخلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر الماضي، حذّر نتنياهو من أن إسرائيل لن تقبل قيام طهران بتطوير قدراتها الإنتاجية للصواريخ المتقدمة في سوريا ولبنان، وأنها "ستعمل على منع إيران من إنشاء قواعد عسكرية دائمة في سوريا، لقواتها الجوية والبحرية والبرية". وفي الوقت الذي يوجّه فيه «حزب الله»، الوكيل الرئيسي للجمهورية الإسلامية، أكثر من 100 ألف صاروخ باتجاه إسرائيل، تتزايد المخاوف من قيام جبهة مشتركة بين لبنان وسوريا.
لقد جذبت الاشتباكات التي وقعت في نهاية الأسبوع الماضي اهتماماً دولياً، وذلك لأسباب متنوعة. فقد شكّلت أول سابقة يتم فيها إسقاط طائرة مقاتلة إسرائيلية فوق الأراضي السورية منذ مطلع الثمانينيات. وعلاوة على ذلك، كانت تشكّل الطائرة المعنية جزءاً من عملية استهدفت مركزاً للقيادة الإيرانية داخل قاعدة سورية - وهي خطوة غير مسبوقة نظراً لأن الغارات الإسرائيلية في سوريا تركّز عادة على القوات المتميزة لـ «حزب الله». وقد جاءت تعليمات القصف الجوي من مركز القيادة في أعقاب تسلل طائرة استطلاع إيرانية داخل إسرائيل، وبالتالي، فإن تبادل الهجمات قد يؤدي إلى مزيد من التصعيد.
وأياً كان الحال، يبدو أن إسرائيل حريصة على بعث رسائل إلى عدّة جهات فاعلة:
نظام الأسد. على الرغم من أن انتصار الأسد في سوريا، بدعم من إيران، لا يصب في مصلحة إسرائيل الاستراتيجية أو المعنوية، إلّا أنّه يبدو أنّ القدس تدرك أنها لا يمكن أن تؤثر بشكل حاسم على حصيلة الحرب. لذلك، فقد زادت التركيز على تغيير دور إيران هناك. وتحقيقاً لهذه الغاية، تريد من دمشق أن تدرك ثمن السماح لإيران بإيواء أفرادها العسكريين في القواعد السورية. وفي هذا الصدد، استهدفت عدد من الغارات الإسرائيلية في نهاية الأسبوع الماضي، قواعد بعيدة عن الموقع الذي أُطلقت منه الطائرة بدون طيار. لذلك، من المرجح أن يكون الردع جزءاً من المخطط بقدر ما هو رد انتقامي.
ويقيناً، أن بشار الأسد يدين بالفضل للإيرانيين لمساعدتهم على إنقاذ حكمه. لذلك، وبكل بساطة، لا يمكنه إملاء الأوامر عليهم. ولكن، إذا استمرت إسرائيل بالتسبب في وقوع خسائر عالية التكاليف بسبب انخراط إيران، فقد يضطر الأسد أن يطلب - سواء بشكل مباشر أو عن طريق روسيا - أن تتراجع إيران عن وجودها. وفي هذا السياق، أظهر النظام السوري بالفعل علامات تدل على محاولته إقناع طهران بهذا الخصوص؛ ووفقاً لما ذكره مسؤولون إسرائيليون، فخلال الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الأركان الإيراني لدمشق، ظلّ منتظراً لأن الأسد تأخّر في توقيع أي التزامات عسكرية طويلة الأجل.
وعند الإشارة إلى دمشق، يبدو أن قوات "جيش الدفاع الإسرائيلي" تميز بين الأنشطة العسكرية المحلية لنظام الأسد ودور إيران في دعمها. وقد بعث كبار المسؤولين العسكريين الإسرائيليين رسائل إلى الأسد عبر أطراف ثالثة تشير إلى أنهم لا يعارضون تمديد نطاق سيادته في سوريا بمفرده، ولكنهم سيعتبرون الوضع مختلفاً جداً إذا فعل ذلك مع إيران و «حزب الله» والميليشيات الشيعية الأخرى.
إيران. كان المقصود من هذه الضربات أيضاً أن تكون بمثابة تحذير بأن "جيش الدفاع الإسرائيلي" لن يقبل بالأنشطة العسكرية الإيرانية أو المنشآت التي تهدد إسرائيل. وخلافاً لما ورد في بعض التقارير، لا تشكل هذه الضربات رداً على عقود الفوسفات الإيرانية الأخيرة أو غيرها من التحركات الاقتصادية في سوريا. وبالأحرى، يهدف المسؤولون الإسرائيليون إلى عرقلة تطوير الهياكل الأساسية العسكرية الكبرى مثل الموانئ، والمطارات، والقواعد التابعة لوحدات «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني، أو مرافق إنتاج الصواريخ الدقيقة التوجيه التابعة لـ «حزب الله».
وقد شنت إسرائيل غارات أخرى في الأشهر الأخيرة لتثبت أنها لا تقبل ببعض حالات الترسيخ المحددة ولتؤكد على [عدم تجاوز] خطوطها الحمراء. وفي أيلول/سبتمبر، أفادت التقارير أن إسرائيل أصابت منشأة بالقرب من بلدة مصياف في شمال غرب سوريا، حيث أفاد مسؤولو "جيش الدفاع الإسرائيلي" بأنها تُستخدم بهدف تطوير الصواريخ القديمة بشكل كبير. وفي كانون الأول/ديسمبر، قصفت إسرائيل ثكنة تابعة للميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في مدينة الكسوة التي تبعد 50 كيلومتراً عن حدود الجولان. وقد اتخذت مراراً إجراءات انتقامية ضدّ «حزب الله» لانتهاكه منطقة تخفيف التصعيد في جنوب سوريا.
الولايات المتحدة. في أعقاب الغارات الأخيرة، أصدرت إدارة ترامب بيانات تدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، لكنها لم تقدم أي مساعدة عسكرية (على الأقل علناً) للعمليات ضد القوات الإيرانية في سوريا. وفي هذا الصدد، أعلنت واشنطن أنها تعتزم إبقاء نحو ألفي جندي شرقي نهر الفرات في شمال وشرق سوريا. ولا تزال مهمتهم غير واضحة المعالم، باستثناء هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية». وركزت الإدارة الأمريكية أيضاً على إدارة التوترات التركية -الكردية، من خلال زيارة كل من وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون ومستشار الأمن القومي هربرت رايموند ماكماستر إلى أنقرة مؤخراً. وفي المقابل، هناك بعض المؤشرات الملموسة على الأرض بأن واشنطن تحاول جاهدة الحدّ من النشاط الإيراني في سوريا، فضلاً عن التصريحات العامة التي أدلى بها تيلرسون ومفادها أن استمرار الوجود العسكري الأمريكي يهدف جزئياً إلى كبح نفوذ طهران المحلي.
وقد أعرب بعض مسؤولي "جيش الدفاع الإسرائيلي" عن أملهم في أن الانتقادات المتكررة للرئيس ترامب تجاه طموحات طهران في المنطقة قد تنذر بإمكانية القيام بجهد عسكري أمريكي أوسع نطاقاً ضد النشاط الإيراني في سوريا، ولكن البعض الآخر لا يزال متشككاً. وعلى أقل تقدير، قد يساعد الوجود الأمريكي على طول الحدود السورية -العراقية على منع إيران من نقل الأسلحة إلى «حزب الله» وغيره من الجهات الفاعلة عن طريق البر. بيد أنه بسبب مجموعة من الحساسيات السياسية، من المرجح أن تكون إسرائيل حريصة على عدم استدراج واشنطن إلى القيام بعمل عسكري مباشر ضد المواقع الإيرانية.
وفي الوقت الراهن، من غير الواضح ما إذا كانت المخاطر التي تشكلها الغارات، التي شُنّت في نهاية الأسبوع الماضي، سوف تحفّز واشنطن على تغيير سياستها بأي طريقة تراها مناسبة. على سبيل المثال، هل سيؤدي خطر اتساع رقعة النزاع بين إسرائيل وإيران إلى جعل الإدارة الأمريكية أكثر حذراً إزاء التصعيد، وأكثر نشاطاً في متابعة محادثات السلام في جنيف بشأن ترتيب سياسي جديد في سوريا، وأكثر استعداداً لتنسيق التدابير الأمريكية في المنطقة مع تركيا وإسرائيل؟
روسيا. تشير اللقاءات الأخيرة التي أجراها كاتب هذه السطور مع المسؤولين السياسيين والأمنيين في إسرائيل إلى أن القدس تعتبر روسيا أملها الأكبر في الحد من أنشطة إيران في البلد المجاور، على الأقل في المدى القريب. وليس من قبيل المصادفة أنّ نتنياهو زار الرئيس فلاديمير بوتين سبع مرات خلال العامين ونصف العام، منذ أن بدأت موسكو تدخلها في سوريا. ونظراً للمنافسة بين روسيا وإيران بشأن سوريا ومخاوف موسكو من توسيع الحرب، يأمل المسؤولون الإسرائيليون بأن تنظر موسكو إلى ضربات "جيش الدفاع الإسرائيلي" بمثابة تحقُّقْ مرحب به بشأن نفوذ إيران. ويعتقدون أيضاً أن دمشق تحتاج إلى روسيا أكثر من حاجتها إلى إيران، خاصة بعد تحقق هدف الحفاظ على حكم الأسد.
وفي هذا الصدد، أظهرت روسيا استعدادها للتسامح مع الغارات الإسرائيلية، التي توفر وسيلة أسهل بكثير للحدّ من وجود إيران في سوريا بدلاً من أن تقوم موسكو بذلك. كما أن كبار مسؤولي "جيش الدفاع الإسرائيلي" مسرورون جداً لأن روسيا لم تسمح لإيران ببناء بنية تحتية عسكرية جديدة بالقرب من المنشآت الروسية في ميناء طرطوس في سوريا أو "قاعدة حميميم الجوية"، وهو أمر لطالما رغبت طهران بالقيام به بهدف ردع الهجمات الإسرائيلية أو أي جهات فاعلة أخرى. وبالإضافة إلى ذلك، امتنعت روسيا عن استخدام أنظمتها المتقدمة المضادة للطائرات من طراز "S-400" للتصدي للضربات الإسرائيلية.
ولا تسلط القدس الضوء على هذه الخطوات المواتية علناً، وذلك لتفادي إحراج موسكو أمام شركائها الإيرانيين و «حزب الله». وفي الوقت نفسه، تدرك إسرائيل تماماً حدود النفوذ الروسي. وعلى الرغم من أن بوتين يبدو مستعداً لتقييد عمليات طهران في سوريا ورفض طلبات [إقامة] قاعدة لها هناك، إلا أنه لم يتخذ أي إجراءات عسكرية ضد المنشآت الإيرانية هناك. وفي الوقت الراهن، لا يزال التحالف مع طهران يخدم المصالح الإقليمية لروسيا، كما أنّ أهداف الكرملين هي أكثر تماشياً مع إيران من اتساقها مع إسرائيل. وتُعتبَر الجمهورية الإسلامية مشترياً كبيراً للأسلحة الروسية، وقد تضافر كلا البلدين مع «حزب الله» ليحولوا دون إسقاط الأسد.
الاستنتاج
على الرغم من أن إسرائيل لا تسعى إلى التصعيد العسكري في سوريا، إلّا أنها عازمة على عدم السماح لإيران بتطوير قدرتها العسكرية التي من شأنها تغيير المعادلة على حدودها الشمالية. ولا شك في أن المسؤولين الإسرائيليين سيحافظون على هذا الموقف حتى لو اضطروا إلى مواصلة التصرف بمفردهم، وإن كان ذلك بمساعدة غير مباشرة من موسكو وواشنطن. وهذا يعني أن الجهود الإيرانية المستمرة لتعزيز وجودها العسكري في سوريا قد تترافق على الأرجح مع ضربات إسرائيلية متزايدة. وفي مرحلة ما، قد تؤدي الجهود الإيرانية المتواصلة إلى إقناع إسرائيل بأن عملية الردع قد فشلت. إن التنبؤ بهذه المرحلة أمر صعب، ولكن إذا حصل ذلك، ستصبح احتمالات التصعيد في سوريا، وربما حتى الصراع الإسرائيلي - الإيراني المباشر، أكثر ترجيحاً.
ديفيد ماكوفسكي هو زميل "زيغلر" المميز ومدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن.