- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3664
إسرائيل تتجه إلى صناديق الاقتراع: حالة السباق الانتخابي
لم يجد منظمو استطلاعات الرأي في إسرائيل تحركاً كبيراً بين المعسكرين الرئيسيين، على الرغم من القلق الذي يثيره الصعود الهائل لحزب جديد من اليمين المتشدد في صفوف المراقبين.
"في 27 تشرين الأول/أكتوبر، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع "زميل زيغلر المميز" ديفيد ماكوفسكي، و تمار هيرمان من "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية". التحليل التالي يستند إلى ملاحظات السيد ماكوفسكي خلال المنتدى؛ بإمكان رؤية ملاحظات الدكتورة هيرمان على صفحة الفيديو باللغة الانكليزية".
الرهانات الأكبر لهذه الانتخابات
عندما يتجه الإسرائيليون إلى صناديق الاقتراع في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر، قد يرى البعض أن هذه الجولة من الانتخابات المبكرة لا تختلف قط عن الجولات الأربع السابقة التي أُجريت منذ عام 2019. ولكن الوضع ليس كذلك. وعلى الرغم من أن الحملات الأخرى تناولت نقاشات رئيسية في بعض الأحيان (على سبيل المثال، ضم الضفة الغربية؛ تجنيد الشباب المتدينين في الجيش)، إلّا أن الجولة الحالية تميزت باتجاهين يمسّان صميم الأعراف الديمقراطية الإسرائيلية والتعايش العرقي.
أولاً، شكك كبار البرلمانيين في تحالف زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو حول استقلالية القضاء، وأفادوا علناً إلى خضوعه لنزوات الأغلبية التي سيمثّلها الحزب الحاكم المقبل. وتكمن في خلفية تقديم مثل هذه المقترحات الجهود المستمرة التي يبذلها نتنياهو لإسقاط تُهَم الفساد الثلاث الموجَهة ضده.
ثانياً، تزايد الدعم الذي يحظى به "الحزب الصهيوني الديني" اليميني المتشدد تزايداً كبيراً، وهو فصيل حديث العهد انتزع اسم حركة أكثر اعتدالاً وثباتاً. وتُعزى شعبية هذا الحزب إلى إيتمار بن غفير الاستفزازي، الذي يَعِدُ بقمع الإرهاب في وقتٍ يشهد فيه شمال الضفة الغربية توترات شديدة، وبينما لا تزال أعمال الشغب التي اندلعت عام 2021 في الداخل ماثلة في أذهان الناس. وقد اجتُذِب الشباب من مختلف أنحاء إسرائيل إلى قضيته، دون تقديمه أي مخطط لما سيفعله إذا فاز بمنصب رئيسي في الحكومة المقبلة. وعلى الرغم من أنه يدّعي أنه نأى بنفسه عن فكرة التطهير العرقي، إلا أنه يدعو صراحةً إلى تسهيل طرد المواطنين العرب الذين يُفترض أنهم أظهروا عدم ولائهم للدولة.
وإذا فازت كتلة نتنياهو بـ 61 مقعداً في الكنيست المكوّن من 120 عضواً، كما توقعت بعض استطلاعات الرأي الأخيرة، فسيكون "الحزب الصهيوني الديني" ثالث أكبر حزب في تحالفه. ولم يؤيد نتنياهو آراء بن غفير، ولكنه أكّد في مقابلة أُجريت معه في 27 تشرين الأول/أكتوبر أن زعيم "الحزب الصهيوني الديني" سيكون جزءاً من حكومته. وعلى وجه التحديد، طالب بن غفير بتعيينه وزيرا للأمن العام، وتشمل حقيبته الإشراف على قوة الشرطة الوطنية. وكل واحد من هذه التطورات من شأنه أن يعمل بشكل فعال على تعميم أحزاب اليمين المتشدد في إسرائيل.
وبالنظر إلى القضايا الأساسية على المحك، من الصعب تجنب الانطباع بأن نتيجة هذا التصويت ستؤثّر على المعايير الديمقراطية لإسرائيل في اتجاهٍ أو آخر. وإذا كانت هذه الانتخابات بمثابة استفتاء على القضايا السياسية العادية، فبإمكان اليمين نظرياً قيادة تحالف يضم 78 مقعداً، مقارنة بـ 42 في صفوف أحزاب الوسط واليسار. ومع ذلك، نظراً لأن نتنياهو أصبح لديه أعداء كثيرون من اليمين - بسبب المخاوف بشأن سيادة القانون، من بين أمور أخرى - فإن عدد مقاعد كتلته ما زال يتأرجح حول 60 مقعداً فقط في معظم استطلاعات الرأي، مقارنة بـ 56 مقعداً للكتلة المعارضة و 4 مقاعد لا تنضم إلى أي منهما.
ويُطرح سؤال رئيسي آخر حول كيفية تأثير حكومة تضم "الحزب الصهيوني الديني" على العلاقات الخارجية. لقد امتنع شركاء إسرائيل في الخارج عن الإدلاء بتصريحات علنية حول هذا الاحتمال، ويعود ذلك جزئياً إلى تجنُّب دعم مزاعم بن غفير الذي يَعتبر أنه مستضعَف وأن قوى قوية تصطف ضده. ومع ذلك، هناك مؤشرات قوية على أن إدارة بايدن قد أثارت هذه القضية بشكل خاص على مستويات عليا. وخلال زيارة قام بها وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة عبد الله بن زايد لإسرائيل في أيلول/سبتمبر، نقل لنتنياهو على ما يبدو أن تشكيل مثل هذه الحكومة سيؤثر على العلاقات مع بلاده.
حالة السباق
يمكن لثلاثة عوامل على الأقل أن تقلب نتيجة هذا السباق المحتدم. العامل الأول هو العنف، حيث أدت الهجمات الإرهابية الفلسطينية وتجنيد المقاتلين في جنين ونابلس على مدى الأشهر القليلة الماضية إلى إعطاء بن غفير دفعة كبيرة داخل الكتلة اليمينية. كما تراجع "حزب الليكود" بزعامة نتنياهو في استطلاعات الرأي إلى حوالي 30 مقعداً، في حين ضاعف "الحزب الصهيوني الديني" تقريباً الدعم الذي يتمتع به ليصل إلى 14 مقعداً.
ثانياً، دفعت المخاوف من تشكيل حكومة تجمع بين نتنياهو وبن غفير العديد من مؤيدي الأحزاب الصغيرة من يسار الوسط إلى الانجذاب نحو حزب "يش عتيد" ("هناك مستقبل") الأكبر حجماً الذي يتزعمه رئيس الوزراء الحالي يائير لبيد. وقد أظهر استطلاع للرأي أجرته "القناة 13" في الأسبوع الرابع من تشرين الأول/أكتوبر أن لبيد حصل على 27 مقعداً - وهي أعلى حصيلة له في سبع انتخابات. ومع ذلك، يؤكد مرشحو الأحزاب الصغيرة أن هجرة الناخبين هذه قد تدفعهم إلى ما دون الوصول إلى العتبة الانتخابية ذات الأربعة مقاعد المطلوبة للدخول إلى الكنيست. وفي الواقع، هناك أربعة أحزاب من يسار الوسط (من بينها فصيلان عربيان) تتأرجح حالياً على هذه العتبة، وإذا فشل أي منها في تجاوزها، فستذهب أصواتها سداً - وهو عامل تَبَعيّ محتمل بالنظر إلى أن أياً من الأحزاب في معسكر نتنياهو غير معرض لخطر عدم الوصول إلى العتبة الانتخابية.
والعامل الحاسم الثالث هو نسبة المشاركة في الاقتراع، التي هي كبيرة باستمرار في إسرائيل على الرغم من التنبؤات عن إرهاق الناخبين. وتبلغ نسبة المشاركة المتوقعة حالياً 67 في المائة، وستكون أعلى على الأرجح عند احتساب أصوات الإسرائيليين في الخارج. ويأمل كل من نتنياهو ولبيد في زيادة نسبة إقبال قاعدتيهما على المشاركة في الانتخابات. وفي عام 2021، امتنع حوالي 280 ألف ناخب من مؤيدي نتنياهو عن التصويت له، إما لأنهم بقوا في منازلهم أو أدلوا بأصواتهم للأحزاب الهامشية الأصغر حجماً، إذ توقعوا أنه سيكون المنتصر عموماً من دون مساعدتهم. والآن بعد أن خاض الانتخابات من المعارضة، فإنه يأمل على ما يبدو في أن ذلك سيحفّز المؤيدين له للتصويت لصالحه.
أما لبيد، فيود أن يرى الناخبين العرب الإسرائيليين يتجوهون إلى صناديق الاقتراع بأعدادٍ أكبر كما فعلوا في عام 2020، عندما وصلت نسبة إقبالهم إلى 60 في المائة (على عكس العام الماضي حيث بلغت نسبة مشاركتهم 45 في المائة). وبناءً على ذلك، شددت حملته الانتخابية على المكاسب التي حققها المواطنون العرب عندما كان أحد أحزابهم يشارك بفاعلية في التحالف المنتهية ولايته. وفي غضون ذلك، تجنب نتنياهو نهجه القتالي االذي كان يتبعه سابقاً إزاء هذا المجتمع، إذ من المفترض أنه تذكّرَ أن تكتيكاته العدائية ولّدت ردة فعل عنيفة أدت إلى زيادة نسبة الإقبال العربي في عام 2020، بينما انخفض الإقبال عندما خفف من حدة هذا الخطاب في عام 2021.
سيناريوهات الإئتلاف
إذا حصلت الأحزاب الموالية لنتنياهو على إجمالي 61 مقعداً، فمن المرجح أن يحافظ على أغلبيته من خلال منح "الحزب الصهيوني الديني" التعيينات الوزارية المطلوبة، وعندئذ فقط سيدعو الأحزاب الأخرى للانضمام إلى الائتلاف بشروطه. ومع ذلك، فمن غير المحتمل أن يتجاوب معه الكثيرون، حتى لو همس لهم أن الانضمام إلى ائتلافه سيُضعف قوة "الحزب الصهيوني الديني".
وهناك أيضاً فرصة ألا يحصل أي من الجانبين على 61 مقعد. وفي هذا السيناريو، هناك احتمال واحد هو إجراء انتخابات سادسة، مع بقاء لبيد في منصب القائم بأعمال رئيس الوزراء في الوقت نفسه - على الرغم من أن انعدام التباين الجوهري في أنماط التصويت في الجولات السابقة لا يعطي سبباً كبيراً للاعتقاد بأن جولة جديدة ستكون مختلفة. وبدلاً من ذلك، يمكن أن يحاول لبيد تشكيل حكومة أقلية، يوفر فيها حزب عربي شبكة أمان برلمانية خارج الائتلاف لتجنب التصويت بحجب الثقة لحكومته. ومع ذلك، لم تثبت مثل هذه الترتيبات ديمومتها في الماضي.
وفي ظل هذه السيناريوهات، قد يواجه نتنياهو ضغوطاً للتنحي إذا فشل في الفوز بأغلبية في هذه الجولة، حيث يأمل زعماء اليمين على الأرجح أن يؤدي رحيله إلى إعادة التوحيد بين "الليكود" والفصيل الضال بقيادة جدعون ساعر، الذي تعهد بعدم الانضمام إلى حكومة يتزعمها رئيس الوزراء السابق. ومع ذلك، لم يُظهر نتنياهو أي بوادر على رغبته في التقاعد، ويبدو أنه ينظر إلى المنصب الرفيع على أنه وسيلته الوحيدة لتجنب العواقب القانونية من محاكمته بالفساد. علاوة على ذلك، من غير المرجح أن يحدث تحول مفاجئ في صفوف أنصاره المتحمسين من الأحزاب الدينية المتشددة، بحيث ينضموا إلى ائتلاف يقوده مرشح ثالث مثل وزير الدفاع بيني غانتس (الذي يُنظر إليه على أنه أكثر دعماً للمطالب الدينية من لبيد). وقد يكون ترددهم في تغيير ولاءاتهم قوياً على الرغم من فقدانهم الدعم في الميزانية خلال العام الماضي كجزءٍ من كونهم في المعارضة السياسية.
وفي حال عدم إمكانية جمع 61 مقعداً، وظهور مأزق طويل الأمد في الأسابيع التي تلي الانتخابات، فقد يضطر قادة الأحزاب حتى إلى التفكير في سيناريو لا يمكن تصوره على ما يبدو. وبالتحديد، إذا استمر نمو خوف يسار الوسط من بن غفير، وإذا بدت آمال اليمين في تحقيق نتيجة مختلفة في الانتخابات السادسة غير مثمرة، فقد يواجه لبيد ونتنياهو ضغوطاً عامة تدفعهما إلى تنحية خلافاتهما المريرة جانباً، والاتحاد مجدداً من أجل إرساء الاستقرار في النظام السياسي الإسرائيلي الضعيف بشكل متزايد.