- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3970
إسرائيل وسقوط الأسد: احتفاء، صد، وتواصل
تعمل الإجراءات العسكرية السريعة على مساعدة إسرائيل في مواجهة المخاطر الأمنية الفورية الناجمة عن الاضطرابات المفاجئة في سوريا، ولكن من الضروري بذل جهود إضافية لاغتنام الفرص الأوسع نطاقاً التي يوفرها هذا العصر الجديد.
بقدر ما يتعلق الأمر بإسرائيل، يُعد سقوط نظام الأسد ضربة قاسية لإيران ومحور "المقاومة" التابع لها في المنطقة، مع العديد من الفوائد المحتملة للمصالح الإسرائيلية. فبالإضافة إلى قطع حلقة حيوية في القوس الاستراتيجي طهران - بغداد - دمشق - بيروت (أو "الهلال الشيعي")، يمكن أن يؤدي ذلك إلى قطع الطريق اللوجستي إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط، مما يشكل نكسة كبيرة لطموحات إعادة تسليح "حزب الله" ويفصل العمق الاستراتيجي الصناعي لإيران عن مختلف جبهات القتال على حدود إسرائيل. وفي غضون ذلك، تسعى روسيا للحفاظ على قواعدها في سوريا مع تقليص وجودها العسكري هناك، مما قد يوسّع حرية إسرائيل في التحرك في المنطقة.
ومع ذلك، تأتي هذه الحالة الجديدة مع مجموعة من التهديدات الناشئة. فبإمكان الإرهابيين الجهاديين - سواء كانوا بقايا تنظيم "الدولة الإسلامية"، أو عناصر متطرفة من الجماعات المتمردة التي أطاحت بالأسد، أو جهات فاعلة أخرى - أن يتقدموا بالقرب من المجتمعات الإسرائيلية في منطقة مرتفعات الجولان. وقد يتم تحويل ترسانة النظام، التي تشمل العديد من الأسلحة المتقدمة، ضد إسرائيل. كما يمكن للعناصر السنية العربية المتطرفة - وبعضها مدعوم من تركيا - أن تشكل تهديدات للاستقرار في الأردن المجاور، وهو ركيزة أساسية في بنية الأمن القومي الإسرائيلي. ومن جهتها، قد تسعى إيران للحفاظ على نفوذها الإقليمي أو حتى توسيعه للتعويض عن خسائرها. وعلى الرغم من فرار القوات الإيرانية ووكلاء إيران من سوريا، إلا أن طهران على اتصال ببعض الفصائل المتمردة المنتصرة وتبحث عن طرق جديدة للنفوذ.
وفي المقابل، فإن الأهداف الرئيسية لإسرائيل في سوريا واضحة، وهي: حماية سكان إسرائيل وسيادتها؛ وصد العناصر المعادية عن حدودها؛ ومنع وقوع أسلحة استراتيجية في أيدي المتطرفين؛ وتعزيز استقرار الأردن؛ ومنع إعادة تأسيس خطوط الإمداد الإيرانية وتلك التابعة لوكلائها إلى "حزب الله" وعناصر أخرى؛ ومواجهة أي عودة محلية لتنظيم "الدولة الإسلامية" أو غيره من التنظيمات الإرهابية الجهادية السنية؛ وأخيراً وليس آخراً، ضمان احتفاظ إسرائيل بقدر كافٍ من حرية العمل للدفاع عن نفسها وإزالة أي تهديدات في المنطقة، من بلاد الشام إلى إيران - من جانب واحد إذا لزم الأمر، ولكن من الأفضل بالتعاون مع الآخرين.
لقد اتخذت إسرائيل بالفعل إجراءات لتحقيق هذه الأهداف. أولاً، بدأت بتعزيز دفاعاتها في مرتفعات الجولان فور سقوط الأسد. ثم أطلقت قوات الجيش الإسرائيلي عملية "سهم بَشان"، والتي تضمنت جزءاً منها مئات الغارات التي دمرت معظم ترسانة سوريا، مع التركيز على القواعد العسكرية، والدفاعات الجوية، والصواريخ الباليستية، ومستودعات الأسلحة، والطائرات العسكرية، والأصول البحرية، ومنشآت الإنتاج والتطوير المختلفة، بما في ذلك الأسلحة الكيميائية. وعلى الرغم من أن هذه الحملة لنزع السلاح كانت غير دموية في الغالب، إلّا أن الحكومة السورية الناشئة ستعتبرها على الأرجح عملاً عدائياً.
أما بالنسبة للقسم البري من العملية، فقد سيطرت القوات الإسرائيلية على "منطقة الفصل" في سوريا، في انتهاك لاتفاقية فك الاشتباك للأمم المتحدة لعام 1974 والتي أنهت رسمياً الحرب بين العرب وإسرائيل في العام الذي سبق. كما استولت على موقع جبل الشيخ السوري، الذي يطل على مواقع إسرائيلية استراتيجية على الجبل. وبعد تحذير قوات المتمردين من الاقتراب من هذه المنطقة العازلة، رتبت القوات الإسرائيلية بعد ذلك لنزع سلاح المجتمعات السورية المحلية، وهو ما فعلته بهدوء.
وقد أوضحت التصريحات الرسمية الإسرائيلية بشأن هذه الخطوات أنها جهد مؤقت لتحسين المواقع الدفاعية للبلاد وحماية مجتمعاتها الحدودية، وليس إرساء وضع جديد على هذه الجبهة. ومع ذلك، أثارت بعض تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول هذه النقطة الأخيرة قلقاً. ففي ظهور له في 8 كانون الأول/ديسمبر، أشار إلى أنه وجه تعليماته للجيش الإسرائيلي للاستيلاء على "منطقة الفصل" لمنع أي قوة معادية من التمركز على حدود إسرائيل بعد انهيار اتفاقية فك الارتباط لعام 1974، موضحاً لاحقاً أن ذلك إجراء مؤقت فقط إلى أن يتم إنشاء كيان بديل فعال لتنفيذ الاتفاقية. ومع ذلك، يُقال إنه أعلن أيضاً أن مرتفعات الجولان ستبقى جزءاً من إسرائيل "إلى الأبد"، وقد وافقت حكومته الآن على خطة لمضاعفة عدد السكان الإسرائيليين هناك. ومن الجدير بالذكر أنه عندما استولى المتمردون على الجولان السوري من الأسد في عام 2013، ظلت اتفاقية فك الارتباط سارية المفعول بدعم من كل من القدس ودمشق.
وفي الوقت الحالي، أدانت الأمم المتحدة وغيرها من الجهات الفاعلة انتهاك إسرائيل لسيادة سوريا. وصرح أبو محمد الجولاني (المعروف أيضاً باسم أحمد الشرع)، زعيم جماعة المتمردين الرائدة "هيئة تحرير الشام" - أن سوريا ستلتزم باتفاقية فك الارتباط لعام 1974 ودعا المجتمع الدولي إلى ضمان التزام إسرائيل بها أيضاً. كما دعا إسرائيل إلى وقف ضرباتها في سوريا وسحب قواتها من الأراضي التي احتلتها منذ سقوط الأسد. ومن الجدير بالذكر أنه أشار إلى أن الظروف الحالية للأمة التي مزقتها الحرب لا تسمح بمواجهات جديدة.
وبالإضافة إلى الأهداف الدفاعية المباشرة لإسرائيل، ربما يكون وجودها على الأراضي السورية مدفوعاً برغبة في السعي لتحقيق مزايا عملياتية ضد التهديدات الجديدة المحتملة في المستقبل والحصول على نفوذ يمكن أن يساعدها في التفاوض على تحسين الترتيبات الأمنية في الجولان. ومع ذلك، كلما طال أمد هذا الوجود، كلما زاد النظر إليه على أنه استيلاء غير قانوني على الأراضي، وكلما ارتفع خطر إثارة ردود فعل ضد إسرائيل - سواء في شكل قوات محلية تحاول تحرير الأراضي السورية، أو جهات فاعلة دولية تمارس المزيد من الضغوط السياسية، أو كليهما.
الخطوات التالية
لتبديد هذه المخاوف مع الاستمرار في تلبية الضرورات الأمنية الموصوفة أعلاه، من الضروري أن تركز إسرائيل والولايات المتحدة وغيرهما من الشركاء على جهود متعددة في الأمدين القريب والمتوسط:
- التوضيح بأن اتفاقية فك الارتباط لعام 1974 لا تزال سارية المفعول كأساس للأمن المشترك في الجولان، رغم تضررها بشكل كبير على مدار العقد الماضي. ويعني ذلك التأكيد على أن وجود القوات الإسرائيلية في سوريا هو مجرد وضع مؤقت إلى أن يتم الاتفاق على ترتيبات أمنية مُرضية وتنفيذها. ومع مراعاة اتفاق وقف إطلاق النار الأخير في لبنان، ينبغي على الأطراف استكشاف تعديلات وتكييفات لاتفاقية 1974، ومن بينها تحسين آليات التنفيذ.
- إنشاء خطوط اتصال بين إسرائيل والحكومة السورية الناشئة، مع التأكيد على مزايا أمن الحدود لكلا الطرفين.
- الحفاظ على منطقة عازلة قوية بين المجتمعات الحدودية الإسرائيلية والتهديدات المحتملة في سوريا. ويتم ذلك مبدئياً من خلال نشر قوات إسرائيلية في الخطوط الأمامية، مدعومة بتفاهمات مع السوريين المحليين، وإذا أمكن، مع الحكومة في دمشق. وكما هو الحال في لبنان، يمكن أن تُسهل جهود حفظ السلام برعاية الأمم المتحدة التواصل في هذا الصدد، على الرغم من ضرورة الحفاظ على التنفيذ الإسرائيلي الأحادي الجانب باعتباره الإجراء الاحتياطي النهائي ضد أي تهديدات.
- ضمان حرية إسرائيل في التحرك في سوريا (في المقام الأول في المجال الجوي للبلاد) من أجل منع عودة إيران، وإعادة تسليح "حزب الله"، وعودة ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية"، أو أي تهديدات أخرى. وينبغي الحفاظ على هذه الحرية على الرغم من الاحتجاجات المتوقعة من السلطات الجديدة في دمشق بشأن سيادة سوريا.
- الحفاظ على الوجود الأمريكي الحالي على حدود سوريا مع الأردن والعراق، وهو وجود صغير (حوالي 900 جندي إجمالاً) ولكنه فعال للغاية. وهذا من شأنه أن يُمكّن استمرار التعاون بين الولايات المتحدة وإسرائيل ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" وإيران وأعداء مشتركين آخرين.
- دعم الجهود الأمريكية الرامية إلى الاستيلاء على الأسلحة الكيميائية المتبقية في سوريا والقضاء عليها. ومن الضروري القيام بحملة مماثلة في لبنان في أعقاب التقارير التي تفيد بوجود مثل هذه الأسلحة في أيدي "حزب الله".
- المضي قدماً في الجهود الرامية إلى معالجة أي بقايا (على سبيل المثال، المواد أو التصاميم أو الخطط) مرتبطة بالمفاعل النووي السوري الذي دمرته إسرائيل في عام 2007.
- ضمان رؤية استخباراتية إسرائيلية شاملة لجميع الجهات الفاعلة ذات الصلة في سوريا ما بعد الأسد وتعزيز العلاقات مع الجهات المعتدلة، بالتنسيق مع الحكومات العربية الشريكة في دول الخليج ومناطق أخرى. ويمكن أن يشمل هذا التواصل الفصائل الكردية، والدرزية، والعربية السنية في مختلف أنحاء البلاد.
- تنشيط العلاقات مع المجتمعات المحلية عبر حدود الجولان. ويمكن تصميم هذا الجهد على غرار "عملية حسن الجوار" الإسرائيلية، وهي المبادرة التي بدأت بشكل واعد في عام 2012 ولكنها انتهت عندما أعاد نظام الأسد السيطرة المحلية في منتصف عام 2018.
- العمل مع الولايات المتحدة والأردن لتعزيز استقرار المملكة وأمن حدودها. وسيساعد ذلك في معالجة التهديدات المتعددة، بما في ذلك التآمر الإرهابي الإسلامي ضد عَمّان، وتدفقات اللاجئين المتجددة، وتهريب الأسلحة إلى الضفة الغربية.
- ربط الاعتراف الدولي بسوريا، وشطب جماعات من قوائم الإرهاب الدولية، وتمويل إعادة إعمار سوريا، وغير ذلك من المساعدات للحكومة السورية الجديدة بمتطلبات أمنية أساسية. وعلى وجه التحديد، ينبغي أن نتوقع من دمشق أن تزيل أي أسلحة استراتيجية تشكل تهديداً للدول المجاورة، وتمنع أي جهات فاعلة من استخدام أراضيها لتهديد هذه الدول المجاورة، وتزيل أي عناصر إرهابية من الفصائل التي تشكل الحكومة المقبلة، وتُنفّذ ترتيبات أمنية مع إسرائيل والأردن ولبنان.
- الاستفادة من الوضع الجديد في سوريا لتعزيز الترتيبات الأمنية في لبنان، وخاصة فيما يتصل بتأمين حدودهما المشتركة ومنع نقل الأسلحة إلى "حزب الله".
- القضاء على صناعات سوريا ولبنان في تصنيع وتهريب الكبتاجون وغيره من المخدرات غير المشروعة - وهو مصدر مهم لتمويل "حزب الله" ونظام الأسد الراحل، وربما خلفاء الأسد.
إصلاح العلاقات الإسرائيلية التركية، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن أنقرة على استعداد لأن تصبح جهة فاعلة رئيسية في تحديد مستقبل سوريا.
العميد (احتياط) أساف أوريون هو زميل ريؤفين الدولي" في المعهد والرئيس السابق لـ "قسم التخطيط الاستراتيجي في جيش الدفاع الإسرائيلي".