"في 27 أيار/مايو، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع مايكل كونيل، وفرزين نديمي، وجون ميللر. وكونيل يدير "برنامج الدراسات الإيرانية" في "مركز التحليلات البحرية" وعمل سابقاً كممثل ميداني للمنظمة في مقر "القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية" في البحرين. ونديمي هو زميل مشارك في معهد واشنطن ومؤلف الدراسة التي تم تحديثها مؤخراً عن "نهج إيران المتطور للحرب البحرية غير المتكافئة: الاستراتيجية والقدرات في الخليج العربي". وميللر، هو نائب أميرال متقاعد في البحرية الأمريكية، وشغل منصب قائد "الأسطول الخامس" في البحرين ورئيس "القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية". وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهم".
مايكل كونيل
سلّطت الأحداث الأخيرة، التي تشمل مضايقة السفن الحربية الأمريكية من قبل الزوارق الإيرانية المسلّحة في نيسان/أبريل، الضوء على احتمال التصعيد في الخليج العربي. وأعقب الحادثة التي وقعت في نيسان/أبريل إصدار البحرية الأمريكية تحذيراً من أن أي سفينة مسلحة تقترب من مسافة 100 متر من السفن الأمريكية ستكون عرضة لإجراءات دفاعية مشروعة. وعلى الرغم من حدوث تفاعلات عدائية بين البلدين في الخليج منذ سنوات، إلا أن هذه التفاعلات تحصل الآن على خلفية حملة "الضغط الأقصى" التي تمارسها واشنطن والتوترات الناتجة عنها. وقد ذكر الطرفان أنهما لا يسعيان إلى الصراع. ومع ذلك، خلقت البيئة الحالية فرصة أكبر للتصعيد وسوء التقدير.
تتمثّل استراتيجية إيران البحرية في "تدبّر الأمور بأقل قدر من الموارد". وقد استثمرت القوات البحرية الإيرانية في القدرات التي تستغل نقاط قوتها وتستهدف نقاط ضعف خصومها. وتشمل هذه التقنيات الألغام الملتصقة، والصواريخ الجوّالة للدفاع الساحلي، والغواصات الصغيرة والمتوسطة الحجم.
كما يوفّر الموقع الجغرافي لإيران ميزة تكتيكيةً في الخليج. وتصبّ هذه البيئة الضيّقة في صالح الهجوم بدلاً من الدفاع، ولا تعطي الوقت الكافي للرد، كما تُوفر حركة المرور البحرية الكثيفة فرصة لإخفاء العمليات. ويتم نشر الصواريخ الجوّالة للدفاع على الخط الساحلي الطويل لإيران على جزر أبو موسى وطنب والفارسي. علاوة على ذلك، فإن التضاريس على الجانب الشمالي من الخليج صخرية، حيث تعمل العديد من المداخل لصالح إيران من خلال [توفيرها القدرة على] القيام بتكتيكات شبيهة بحرب العصابات في البحر عن طريق نصب الكمائن للوحدات الصغيرة وعمليات الكر والفر.
إن الحد من الوجود البحري الأمريكي في الخليج ليس حلاً قابلاً للتطبيق لمنع التصعيد لأن إيران أظهرت رغبتها في توسيع نفوذها خارج المنطقة. وقد وسّعت نطاق صواريخها الباليستية ومركباتها الجوية غير المأهولة وحسنت دقة [ضرباتها]، واستخدمت هذه القدرات لمهاجمة البنية التحتية السعودية.
وتشكّل القيادة والسيطرة البحريتيْن اللامركزيتيْن لإيران عامل إشكالي آخر. ففي عام 2008، حوّلت إيران استراتيجيتها إلى استراتيجية دفاع فسيفسائية من خلال تفويض المزيد من السلطة إلى قادة بحريين من المراتب الأدنى. ويزيد ذلك من فرصة التصعيد وسوء التقدير في الخليج لأنّ "بحرية «الحرس الثوري الإسلامي»" الإيراني ["القوة البحرية لحرس الثورة الإسلامية"] تكافئ القادة العدوانيين والمندفعين الذين يتحمّلون المخاطر.
فرزين نديمي
تنقسم قدرات إيران البحرية بين "القوة البحرية لجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية" و"القوة البحرية لحرس الثورة الإسلامية". ومنذ الحرب الإيرانية-العراقية، وسّع كلٌّ من القوّتيْن قدراته. وفي عام 2007، فصَلَ المرشد الأعلى علي خامنئي مناطق العمليات الخاصة بهاتيْن القوّتيْن البحريتيْن: فأُوكلت إلى "القوة البحرية لجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية" مسؤولية المياه خارج الخليج العربي، في حين جُعِلت "القوة البحرية لحرس الثورة الإسلامية" مسؤولةً عن الخليج و"مضيق هرمز".
في عام 2009، أضاف خامنئي صفة "استراتيجية" إلى تسمية "القوة البحرية لجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية" وأوكل إليها مهمة الحفاظ على الوجود في المياه فيما يتجاوز خط عرض 10° شمالاً (خط يمتد من القرن الأفريقي إلى الطرف الجنوبي من الهند). ودفعت هذه المهمة الموسَّعة القوة البحرية إلى البدء بسلسلة من المشاريع لبناء سفن حربية محلياً في محاولة لتنمية الأسطول. ومع ذلك، تفتقر "القوة البحرية لجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية" إلى الميزانية اللازمة للتوسّع السريع وتواجه مشاكل في مجال القيادة والسيطرة. وبينما تحتفظ هذه القوة بقدرات جيّدة لشنّ الضربات، دون القدرة على نشر الصواريخ المضادة للسفن والألغام البحرية، فإن "القوة البحرية لجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية" قادرة في أفضل الأحوال على حماية خطوط المواصلات الإيرانية إلى داخل "بحر العرب" و"خليج عدن".
ومنذ الحرب الإيرانية-العراقية، بلغت "القوة البحرية لجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية" عدداً من المراحل الهامة من حيث توسيع قدراتها. وشملت هذه المراحل تسليم الغواصة الأولى من فئة "كيلو" في عام 1991، التي وفّرت قدرة حربية جديدة تحت سطح المياه؛ وتجهيز سفينتها الحربية الأولى المنتَجة محلياً، وهي مركبة هجوم سريع من فئة "سينا"، في عام 2003؛ وتجهيز الفرقاطة الأولى من فئة "موج"، وهي "جامران"، في عام 2010. غير أنها ما زالت لا تملك الميزانية اللازمة لتحقيق تطلعات طهران نحو بلوغ قوة بحرية تتمتّع بقدرات فعلية في عرض البحر. وفي الآونة الأخيرة، طوّرت "القوة البحرية لجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية" سفن حربية بسعة 4000 و 7000 طن وغواصات بسعة 600 و 1200 طن. لكن ليس لديها الميزانية اللازمة لتحقيق تطلعات طهران لبحرية مائية زرقاء قادرة حقاً.
وتم إنشاء "القوة البحرية لحرس الثورة الإسلامية" بدافع الضرورة في عام 1985 خلال الحرب الإيرانية-العراقية. ومنذ ذلك الحين، تطوّرت من مجموعة من البحّارة غير المدرّبين إلى قوة بحرية قادرة تتمتع بقدرات ملحوظة في تنفيذ عمليات خاصة كبيرة، وقد أثبتت ذلك في صيف 2019 عبر استخدام الألغام الملتصقة لتعطيل السفن في المنطقة. وتتمكّن "القوة البحرية لحرس الثورة الإسلامية" من تأمين تغطية فعّالة لكامل منطقة الخليج بفضل الصواريخ والقوارب السريعة المنتَجة محلياً التي بحوزتها.
ووصلت "القوة البحرية لحرس الثورة الإسلامية" إلى العديد من المعالم الخاصة بها. وتشمل هذه عرض صاروخ "C-802" مضاد للسفن في أوائل التسعينات؛ وإضافة زوارق صواريخ "هودونغ" الكورية الشمالية عام 1997؛ واختبار طوربيد "شكفال" (العاصفة) بالدفع الصاروخي في عام 2004 ؛ واكتساب المسؤولية عن "الخليج العربي" و"مضيق هرمز" في عام 2007؛ ونقل مقرها من طهران إلى بندر عباس عام 2010 ؛ وإدخال الصاروخ الباليستي الموجه المضاد للسفن في "خليج فارس" في عام 2014.
وفي السنوات الأخيرة، وسّعت "القوة البحرية لحرس الثورة الإسلامية" قدراتها الخاصة بالقوارب المتفجّرة غير المأهولة وزادت عدد المركبات الجوّيّة غير المأهولة التي يمكن استخدامها في مهام المراقبة وشن الضربات. وتملك قوارب متفجّرة متموضعة في جميع أنحاء الخليج، لكن غالبيتها متواجدة بالقرب من "مضيق هرمز" في الأنفاق التي توفر الغطاء والإخفاء والقدرة على الانطلاق مباشرة داخل الممر المائي. ومع استمرار حملة الضغط الأقصى، قد تتخذ طهران موقفاً عدوانيّاً أكثر فأكثر إزاء التواجد الأمريكي في الخليج، مما يزيد من خطر التصعيد وسوء التقدير.
جون ميلر
على الرغم من العقوبات القاسية، تمكّنت البحرية الإيرانية من بناء قدرات تقليدية وغير متماثلة لمتابعة استراتيجيتها البحرية. وبالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية للمنطقة، فإن النشاط البحري الإيراني له تأثير كبير على الشرق الأوسط والاقتصاد العالمي.
وهناك العديد من الممرات الضيّقة البحريّة في جميع أنحاء العالم التي تؤدّي دوراً ملحوظاً في حركة التجارة؛ إلا أنّ ممرّيْ "باب المندب" و"مضيق هرمز" فريدان من نوعهما لأنهما الوحيدان المعرّضان للخطر. ففي "مضيق هرمز"، تواجه السفن باستمرار خطر الحجز أو المضايقة أو الاستيلاء. وتخضع عمليات الشحن في هذيْن المضيقيْن للمعاهدات والاتفاقيات الدولية، وتحديداً "اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار". وعلى الرغم من المزاعم الإيرانية بملكية "مضيق هرمز"، إلّا أنه ممر مائي دولي.
وطوّرت إيران قدرات فريدة لإحراز التقدّم في تحقيق هدفها الاستراتيجي المتمثّل في ممارسة الضغط في "مضيق هرمز"، وتشمل هذه القدرات الصواريخ البالسيتية والصواريخ المضادة للسفن البرية / البحرية والألغام والغواصات والطائرات التكتيكية وأنظمة الدفاع الجوي (على سبيل المثال، "S-300")، والقوارب ذات الهجمات السريعة والقريبة من الشاطئ، والطائرات بدون طيّار. ويُعد البرنامج الأصلي الخاص بالطائرات بدون طيّار في البلاد مثيراً للإعجاب بشكلٍ ملحوظ لأنه يحتوي على قدرات محسّنة للقيادة والتحكم، والاستهداف فوق الأفق، ويوفّر عمليات تقييم لأضرار المعارك. وكان صاروخ أرض-جو من طراز "أس-300"، الذي حصلت عليه إيران حديثاً، مثيراً للقلق بشكلٍ خاص للولايات المتحدة لأنه قد يسهّل استخدام الصواريخ المتطورة المضادة للسفن لضرب أهداف ذات قيمة عالية في الخليج وخارجه.
لقد كانت هناك العديد من الاحتكاكات القريبة بين الولايات المتحدة وإيران في السنوات الأخيرة. فالبنية اللامركزية للقوات البحرية الإيرانية تجعل من الصعب تقييم المستوى القيادي الذي خوّل القيام بتلك العمليات والهجمات. ونظراً إلى نطاق عملية مضايقة السفن البحرية الأمريكية في نيسان/أبريل وحجمها، فمن المرجح أن تمت الموافقة على العمليات الإيرانية على مستوى عالٍ داخل الحكومة الإيرانية. وقد يتبع ذلك نمطاً ثابتاً: عندما تواجه إيران ضغطاً محلياً، فسترد باستخدام قواتها البحرية لمضايقة السفن في محاولة لإثارة التوترات، وخلق وحدة وطنية، وصرف الانتباه عن المشاكل الأخرى. وتواجه إيران حالياً العديد من التحديات، بما فيها البطالة المرتفعة، والتضخم المرتفع، والعقوبات الساحقة، ووباء "كوفيد-19". وستستمر الحوادث غير المحترفة وغير الآمنة إلى أن تخف حملة الضغط الأقصى.
إن التحذير اللاحق الصادر عن "البحرية الأمريكية" في أيّار/مايو، والذي طلب من البحّارة الحفاظ على مسافة 100 متر من السفن الأمريكية، لن يكون له تأثير يذكر على إيران، التي تنتهك بالفعل قوانين البحار التقليدية من خلال سلوكها غير الآمن. ولا يرفع هذا الإشعار أيضاً المسؤولية عن كاهل القادة الأفراد، وفي بعض الحالات عن البحّارة الأفراد، الملزمين بتمييز أي نوع من السلوك الذي يُعتبر بمثابة انتهاك لهذا التحذير. وفي كثير من الحالات، لا تقل المسافة أهمية عن التموضع الإجمالي للسفن الأجنبية. وإذا ما أظهرت إحدى السفن سلوكاً عدوانيّاً، تتعدد الخيارات أمام الولايات المتحدة قبل اللجوء إلى النيران الفتّاكة، بما في ذلك عمليات الاتصال بين مقصورات قيادة السفن والشعلات المضيئة، والطلقات التحذيرية. ومع ذلك، ستبرز فرص سوء التقدير في كل مرة تقرر فيها القوات البحرية الإيرانية الانخراط في مثل هذا السلوك الخطر.
أعدت هذا الملخص حانا كوب. أمكن تنفيذ سلسلة برامج منتدى السياسات بفضل سخاء "عائلة فلورنس وروبرت كوفمان".