- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
استرجاع ذكرى أزمة الرهائن التي جعلت إيران دولة عدائية إلى الأبد مع الولايات المتحدة
هذا الأسبوع قبل أربعين عاماً، تم الاستيلاء على السفارة الأمريكية في طهران من قبل ثوار كانوا مستائين على ما يبدو من الاتصالات الدبلوماسية التي جرت بين المسؤولين الأمريكيين والنظام الإسلامي لفترة دامت تسعة أشهر بعد سقوط الشاه. ووفقاً لتقدير معظمنا، فإن ذلك الدافع - الذي سعى إلى تحويل إيران الجديدة إلى دولة معادية للولايات المتحدة بشدة وبشكل دائم - قد نجح إلى حدٍّ كبير. لكن السؤال المحير هو ما إذا كان الشعب الإيراني يشارك وجهة نظر حكومته بحيث يمكن عن طريق تغيير قيادته إقامة علاقة جديدة [مع الولايات المتحدة].
من الناحية الإيجابية، ثمة اعتقادٌ سائد بأن الإيرانيين يحبون فعلياً الأمريكيين كأفراد، ولكن ليس الإدارات الأمريكية المتعاقبة. وتقوم هذه الفكرة إلى حد كبير على أخبارٍ متناقلة بين الناس، ولذا فهي ضعيفة بالدرجة نفسها. لقد كان كاتب هذه السطور مراسلاً لصحيفة "فايننشال تايمز" في طهران لمدة ستة أشهر بعد الاستيلاء على السفارة الأمريكية في طهران، وفي 23 تشرين الثاني/نوفمبر 1979 كتبتُ مقالةً جاء فيها: "حين يجوب الغربي في الشوارع، يسمع إساءات من نوع 'ارحل يا أمريكي' بمقدار أقل مما كان يسمعه أيام الثورة"، التي كنتُ قد غطّيتها أيضاً في وقت سابق من ذلك العام. ومن الناحية السلبية، هناك خطر من أن تؤدي العقوبات إلى إلحاق الضرر بمثل هؤلاء الإيرانيين أكثر من إلحاقها الضرر بالنظام، وبذلك تضر السياسة الأمريكية نفسها بنفسها عن غير قصد.
ولكن هناك أحداث قد تُعطي سبباً للتفاؤل. ففي نهاية الأسبوع الماضي، هاجم محتجون شيعة عراقيون في مدينة كربلاء المقدسة القنصلية الإيرانية المحلية - وهذا عمل شائن! هل المباني الدبلوماسية ليست مقدسة؟ أشك فيما إذا كان المرشد الأعلى علي خامنئي يقدّر السخرية، لكن الكثير من بيننا يقدّرونها. ويبدو أن الاحتجاجات في كربلاء، وفي المدينتين العراقيتين الكبيرتين بغداد والبصرة أيضاً، هي جزء من "الربيع العربي 2.0"، وهي المظاهرات التي تجتاح بعض دول الشرق الأوسط، للاحتجاج على فساد الحكومات وعدم كفاءتها. وفي العراق، يبدو أن هناك زاوية معادية لإيران لهذه [التظاهرات]، والتي قد تبدو غريبة لأن كلا البلدين ذو أغلبية مسلمة شيعية، وأن العراق كان أول أحجار الدومينو التي سقطت لصالح إيران بعد الغزو الأمريكي الكارثي الذي أطاح بصدام حسين.
حين أنظر إلى مجموعة قصاصاتي الصحفية، يساورني شعور قوي بأنني سبق وأن شاهدتُ ما يحدث. فقد كان إحدى العناوين الرئيسية في ذلك الحين: "كارتر يحذر إيران من عواقب وخيمة". وفي مقالة أخرى، كتبتُ أن "الطلاب" الذين استولوا على السفارة "يتمتعون بثقة نابعة من قناعة دينية وإيمانٍ بأنهم يتحكمون بمعظم زمام الأمور... وفي بعض الأحيان، يبدون مزيجاً من مقاتلي العصابات المدربين تدريباً سيئاً وبالكاد يستطيعون تنظيم مؤتمر صحفي، ومن البعض الآخر الذي يفكر بطريقة أكثر تعقيداً للغاية". وفي مقالة أخرى ذكرتُ أن وزير الخارجية آنذاك كان "رجلاً ذو أوجه متعددة إلى حد كبير".
لقد أظهرتْ تلك الأشهر الأولى من الثورة هشاشة النظام الإسلامي. ففي كانون الأول/ديسمبر 1979، وقع خلاف علني بين الأذربيجانيين الناطقين باللغة التركية في مدينة تبريز شمال غرب إيران الذين دعموا رجل دين منافس لزعيم الثورة، آية الله روح الله الخميني. وتم حينئذ الاستيلاء على محطة إذاعية ووقعت اشتباكات أسفرت عن مقتل وجرح بعض الأشخاص. وفي طهران، قُتل رجل دين أقدم مساعد للخميني برصاص مسلحين مجهولين. وكانت الفوضى في بعض الأحيان سخيفة: فقد تم طرد اثنين من مراسلي مجلة "التايم"، كضحيتين للفوضى البيروقراطية، بعد أن نحجا في الحصول على مقابلة مع الخميني نفسه، الذي كان سيصبح "رجل العام".
وعلى الصعيد المهني، كانت وظيفتي حافلة بالتحديات، حيث كتبتُ: "إن معرفة مقدار الأهمية التي يجب إيلاؤها لتصريحات المسؤولين الإيرانيين... يمثل مشكلة للدبلوماسيين بقدر ما يمثل مشكلة للصحفيين".
عند التأمل في الماضي، يتبين أن أزمة الرهائن أرست ركائز النظام الإيراني. فقد مُنحت للمتشددين الصلاحيات لتأكيد سلطتهم واستغلوا الفرصة. كما أن إثارة المشاكل مع الولايات المتحدة جعلها عدواً، مما عزز من الفخر القومي الإيراني. ورسّخت عناصر مماثلة الوقع المترتب عن الحرب التي دامت ثماني سنوات مع العراق، بعد غزو صدام لإيران في عام 1980. أما إسرائيل، التي لا يمكن الاعتراف بها دبلوماسياً، فهي الآن "عدو العصر".
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل تجد واشنطن سبيلاً لتغيير هذا الواقع؟ لقد حاول ذلك الرئيس أوباما لكنه فشل. فإيران برئاسة آية الله خامنئي لم ترغب في أن تكون صديقة للولايات المتحدة، ولديها حتى سبب أقل لمحاولة القيام بذلك مع الرئيس ترامب. لقد كانت الولايات المتحدة تضبط ضغوطها في محاولة لتفادي التضييق على طهران وبالتالي دفْعها إلى الرد. ولكن بعد ذلك في أيلول/سبتمبر أطلقت إيران موجة من صواريخ جوالة على بقيق، أكبر تركيز للبنية التحتية لمعالجة النفط في السعودية. وفوجئ حلفاء الولايات المتحدة بغياب أي رد منها. ولعلها محاولة يائسة، ولكن هل من الممكن أن يؤدي غياب الرد القوي إلى تغيير الطريقة التي تُعرّف بها طهران كراهيتها لأمريكا؟
سايمون هندرسون هو زميل "بيكر" ومدير "برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة" في معهد واشنطن.