استيلاء «أصحاب الكهف» على استراتيجية القوافل
يتراجع عدد هجمات القوافل منذ أواخر الصيف، بالتوازي مع إصدار قائد «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني إسماعيل قاآني بياناً تحذيرياً في 29 تموز/يوليو موجّهاً لمختلف قادة الميليشيات العراقية يقضي بخفض التصعيد. ويبدو اليوم أن جماعة «أصحاب الكهف» انتقلت إلى الواجهة الأمامية، مما قد يعني وجود تغييرٍ في تقسيم الأدوار ضمن الفصائل التي تنتحل صفة المقاومة وظهور دورٍ أكبر لـ «عصائب أهل الحق» في هذا الصدد.
استخدمت الفصائل التي تنتحل صفة المقاومة "استراتيجية القوافل"، التي تتمثل بشن هجمات على الشاحنات العراقية أو التي يقودها عراقيون والتي توصف بأنها تحمل إمدادات من قوى التحالف، كوسيلةٍ لإظهار نوعٍ من النشاط. وغالباً ما يتم اللجوء إلى هذه الاستراتيجية في الأوقات التي تشهد فيها الميليشيات تراجعاً في ممارسة الأنواع الأخرى من الهجمات الأكثر خطورة مثل الضربات الصاروخية على القواعد الأمريكية. واستمرّت هذه الهجمات على القوافل خلال فترة وقف إطلاق النار المشروط الذي أعلنته "كتائب حزب الله" من تشرين الأول/أكتوبر 2020 إلى آذار/مارس 2021. وربما يعود ذلك إلى أن الفصائل كانت تعتبر أنه من غير المرجح إلى حد كبير أن يلقى هذا النوع من الهجمات رداً من إدارة ترامب التي كانت في نهاية ولايتها. لذا لطالما كانت استراتيجية القوافل من أكثر أنشطة المقاومة تزييفاً، إلا بالنسبة للعراقيين الفقراء الذين يقودون الشاحنات. حتى أن الميليشيات تبدو أقل فخراً بهذه الأنواع من الهجمات وتعمل جاهدةً لإظهار أنها تسعى إلى تقليل عدد الضحايا بين العراقيين.
ويتراجع عدد هذه الهجمات منذ أواخر الصيف، بالتوازي مع إصدار قائد «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني إسماعيل قاآني بياناً تحذيرياً في 29 تموز/يوليو موجّهاً لمختلف قادة الميليشيات العراقية يقضي بخفض التصعيد. ويشهد عدد الهجمات المنفّذة على القوافل تقلّباً، كما يشير الشكل 1، إلا أنه لم ينخفض أبداً إلى الحد الذي وصل إليه خلال فترة التوقف من أيلول/سبتمبر إلى تشرين الثاني/نوفمبر 2021. وإذا أعادت الميليشيات التصعيد في أنشطتها المعادية للتحالف في أوائل عام 2022، فمن المرجح للغاية أن يرتفع عدد الهجمات على القوافل - وإن كان لذلك تأثير ضئيل على التحالف وتأثير مباشر على السائقين العراقيين فقط.
وإلى جانب الانخفاض الأخير في عدد الهجمات على القوافل، كان هناك غياب متزامن لمزاعم جماعة "قاصم الجبّارين" المرتبطة بـ «كتائب حزب الله» لهذه الهجمات، والتي تعتبر تاريخياً أكثر المتبنّين لهجمات القوافل، في حين باتت جماعة "أصحاب الكهف" التابعة لـ"عصائب أهل الحق" والمعروفة أيضاً بتبني الكثير من الهجمات، تعلن مسؤوليتها عن عددٍ أكبر منها. ففي تموز/يوليو 2021، تبنت جماعة «قاصم الجبّارين» 47٪من إجمالي هجمات القوافل المزعومة، في حين تبنّت جماعة «أصحاب الكهف» 29٪ منها فقط، وهو تقسيم نموذجي إلى حد ما. أما في آب/أغسطس، فانقلبت هذه النسب لتتبنى «قاصم الجبّارين» 40٪ من الهجمات مقابل 55٪ لجماعة «أصحاب الكهف». وفي الفترة بين أيلول/سبتمبر وتشرين الثاني/نوفمبر، تبنت جماعة «أصحاب الكهف» 77٪ في المتوسط من ادعاءات هجمات القوافل، في حين لم تصدر أي ادعاءات من قبل «قاصم الجبّارين» عن تبنيها أي هجوم.
ولطالما كانت نسبة من هجمات القوافل ذات دوافع تجارية، حيث تعرضت شركات النقل بالشاحنات للتخويف والابتزاز من قِبل العصابات الإجرامية التابعة للميليشيات. وما لم تتوقف كل هذه الأنشطة، أو وقف رصدها من قِبل وسائل الإعلام المحلية (وهو أمر غير مرجّح)، قد يعني ذلك أن جماعة «أصحاب الكهف» قد تتبنى الآن جميع الهجمات على القوافل، بغض النظر عن الهدف منها أو الخلية الفعلية التي تنفّذها. ففي 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، نشرت «أصحاب الكهف» رسالةً عبر تطبيق "تلغرام" (الشكل 4) تبنّت فيها بأثر رجعي هجمات القوافل في تشرين الأول/أكتوبر، مع العلم أن تنظيم "لواء ثأر المهندس" كان قد تبنى أساساً هجومين في 28 تشرين الأول/أكتوبر 2021. وهذا يشير تقريباً إلى "استيلاء" جماعة «أصحاب الكهف» على العلامة التجارية الخاصة باستراتيجية الهجمات على القوافل، مع العلم أن الجماعة هي المجموعة الناشطة الأقدم وربما الأكثر شهَرة بالنسبة للعراقيين. وبما أن الرسالة المنشورة في 19 تشرين الثاني/نوفمبر لم تلقَ أي ردٍ معاكس، بما في ذلك من تنظيم "لواء ثأر المهندس"، فإن ذلك يشير إلى وجود تنسيقٍ للجهود بين مختلف الفصائل. وتزامناً مع هذه الفترة، بدأت جماعة «أصحاب الكهف» بتسمية العمليات التي تشنّها للإشارة إلى مجمّعات تنفيذ الهجمات على القوافل (على سبيل المثال "عمليات كف العباس" التي تم الإعلان عنها في 15 آب/أغسطس و"عمليات كربلاء" في 29 أيلول/سبتمبر).
وفي الماضي، كان يُنظر إلى استراتيجية القوافل على أنها عملية تقودها «كتائب حزب الله»، حتى أن «عصائب أهل الحق» سخرت من هذه الاستراتيجية باعتبارها نوعاً من المقاومة الزائفة في قصة "التونة والإندومي" التي ظهرت في أواخر عام 2020. وكانت جماعة «قاصم الجبّارين» المرتبطة بـ «كتائب حزب الله» تتبنّى العدد الأكبر من الهجمات في أحزمة بغداد الغربية والجنوبية (69٪ من الهجمات المزعومة) ومحافظة بابل (54٪) - وكلا المنطقتين متاخمتين لخلية صناعة وتوزيع المتفجرات التابعة لـ «كتائب حزب الله» في جرف الصخر. لكن كما يوضح الشكل 2، ارتبطت جماعة «أصحاب الكهف» مراراً بهذه الجهود، إذ تبنّت معظم الهجمات في جنوب محافظة صلاح الدين (حيث تم ابتزاز قوافل الإمداد إلى قاعدة بلد من قبل «عصائب أهل الحق»)، و40٪ من الهجمات المتبنّاة في محافظة بابل، و33٪ من الهجمات المتبناة في محافظة القادسية. ويبدو اليوم أن جماعة «أصحاب الكهف» انتقلت إلى الواجهة الأمامية، مما قد يعني وجود تغييرٍ في تقسيم الأدوار ضمن الفصائل التي تنتحل صفة المقاومة وظهور دورٍ أكبر لـ «عصائب أهل الحق» في هذا الصدد.