- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2557
أسوأ ما في أزمة اللاجئين السوريين قادم إلى أوروبا
تدفع الهجمات الأخيرة التي تشنها قوات النظام السوري وقوات التحالف حول حلب بعشرات الآلاف من اللاجئين السوريين الجدد إلى التوجه إلى تركيا. فقد فر بعضهم من منازلهم للمرة الأولى، في حين غادر آخرون المخيمات غير الرسمية الواقعة على مقربة من الحدود الشمالية قبل أن يطالهم القتال. وبالنسبة إلى معظم هؤلاء اللاجئين، لا تشكل تركيا سوى بلد عبور إلى أوروبا. فقد فقدوا الأمل بالوصول إلى نهاية سريعة للصراع، كما أن أولئك الذين دعموا الثورة يدركون أنه سيكون من الصعب عليهم للغاية العودة [إلى سوريا]. وبالتالي يمكن للاتحاد الأوروبي أن يتوقع وصول تدفقات جديدة هائلة من السوريين في الأشهر المقبلة، على الرغم من وعود أنقرة بإبقائهم في تركيا.
زيادة كبيرة في تركيا
اعتباراً من هذا الشهر، سجلت "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" 4.6 مليون سوري في البلدان المجاورة، مقابل 3.3 مليون في كانون الثاني/ يناير 2015. وحتى هذا العدد الكبير لا يبرز حجم المشكلة لأن نسبة من السوريين، وليس جميعهم، تتقدم بطلب رسمي للحصول على حق اللجوء. ففي الأردن على سبيل المثال، سجلت "دائرة الاحصاءات العامة" 1,250,000 سوري في التعداد الأخير، أي ما يقارب ضعف العدد المسجل رسمياً في المفوضية والذي يبلغ 623,000 (انظر "أزمة اللاجئين في الأردن تبلغ حدّها الأعمق").
والأهم من ذلك، تشير أرقام "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" إلى أن تركيا تحملت الجزء الأكبر من التدفق الآخذ في الازدياد منذ عام 2015. فعدد اللاجئين المسجلين انخفض في الواقع في لبنان (1,070,000 الشهر الماضي، في حين كان 1,146,000 في كانون الثاني/ يناير 2015)، وفي الأردن (انخفض من 633,000 إلى 623,000) ومصر (انخفض من 138,000 إلى 123,500)، في حين شهد العراق زيادة طفيفة (من 234,000 إلى (245,000. ومع ذلك، لم يعد هؤلاء إلى سوريا، ولكنهم سافروا إلى أوروبا عبر تركيا عن طريق البر أو البحر أو الجو. ونتيجة لذلك، ارتفع عدد اللاجئين المزعوم في أنقرة من 1.5 مليون في كانون الثاني/ يناير 2015 إلى 2.5 مليون الشهر الماضي.
ويقيناً، أن تركيا تبالغ على الأرجح في هذا العدد إلى حد ما من أجل الحصول على المزيد من المساعدة من الاتحاد الأوروبي. إلا أن إحصاءات رسمية أخرى تقلل من نسبة هذه الزيادة، لأن العديد من اللاجئين الذين سجلوا أنفسهم في دول الشرق الأوسط قد انتقلوا إلى أوروبا بسرعة كبيرة بحيث أن الحكومات المضيفة الأولية لم تتمكن بعد من إزالتهم من قوائمها.
ويعود السبب الرئيسي لهذا التدفق المتسارع إلى التدخل الروسي. ففي ربيع عام 2015، كان بعض اللاجئين السوريين قد بدؤوا بالفعل بالعودة إلى إدلب بعد أن دفعت هجمات الثوار بقوات النظام على الانسحاب. بيد أن نفس هؤلاء اللاجئين يهربون الآن من البلاد مرة أخرى، إذ دفعت عمليات القصف المكثفة بما لا يقل عن 300 ألف إلى مغادرة منازلهم في الأشهر الأربعة الماضية فقط.
أما اليوم، فإن معظم اللاجئين في تركيا لا يريدون البقاء فيها. فعلى مدى أربع سنوات، بقوا بصبر في المحافظات الجنوبية بالقرب من الحدود على أمل العودة إلى ديارهم بسرعة عندما تسمح الظروف بذلك، ولكن الهجوم المدعوم من روسيا قد دفع بالكثيرين إلى التخلي عن هذا الأمل والتوجه إلى بلدان أكثر ملاءمة في أوروبا (انظر المرصد السياسي 2515، "تدفق اللاجئين السوريين إلى أوروبا: لماذا الآن بالتحديد؟"). وقد ترك غيرهم من السوريين المناطق الآمنة نسبياً التي يسيطر عليها النظام في البلاد لأسباب اقتصادية، واتجهوا مباشرة إلى أوروبا.
وفي 1 كانون الثاني/ يناير، عكست تركيا سياسة الدخول إلى البلاد من دون تأشيرة خاصة بالسوريين، وقطعت فعلياً عدة سبل قانونية للاجئين لعبور الحدود (على سبيل المثال، القدوم عن طريق الطائرة من بيروت أو عبر خطوط النقل البحري بين طرابلس ومرسين). ومع ذلك، لا يزال العبور غير القانوني يشكل خياراً متاحاً بسهولة، سواء عن طريق البر أو على متن سفن الشحن. فالعديد من هذه القوارب ستحاول بلا شك نقل اللاجئين مباشرة إلى السواحل الأوروبية.
تدفق كلّي آخر إلى أوروبا هذا الربيع
في العام الماضي، وصل 1.5 مليون مهاجر غير شرعي إلى الاتحاد الأوروبي عبر مختلف الطرق. إذ عبر أكثر من 850 ألف البحر بين تركيا واليونان، و150 ألف آخرين إلى إيطاليا من الساحل الليبي. ويشكل السوريون ثلث هؤلاء المهاجرين، فاعتباراً من كانون الأول/ ديسمبر، كان إجمالي عدد طالبي اللجوء السوريين في الاتحاد الأوروبي 897 ألف بعد أن ارتفع هذا العدد من235 ألف في غضون عام واحد فقط. وقد بدأت نسبة كبيرة من هذه الزيادة في الربيع الماضي، وبلغت ذروتها في تشرين الأول/ أكتوبر حين وصل العدد إلى 156 ألف.
اضغط على الصورة لمشاهدة عرض أكبر.
وعلى الرغم من أن التدخل الروسي هو الذي تسبب بهذا الارتفاع الأخير الهائل، بيد أن الأرقام تظهر أيضاً نمطاً موسمياً. فمن حزيران/ يونيو إلى تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، تم تقديم أكثر من 10 آلاف طلب لجوء شهرياً. وتراجع هذا المعدل إلى النصف في أشهر الشتاء، ليعود ويرتفع في ربيع 2015، حين أدى تحسن الأحوال الجوية وهدوء البحار إلى تسهيل عميلة العبور. بعد ذلك انخفض العدد بمقدار النصف مرة أخرى في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي بسبب الظروف الجوية وتدابير الرقابة الأكثر صرامة التي اعتمدتها السلطات التركية. ولكن عند حلول فصل الربيع، يجب أن تعود هذه النسبة لترتفع، على الأرجح بسبب هجوم النظام الواسع شمال غرب سوريا.
وفي حين يرتبط تدفق الهجرة إلى أوروبا بتدهور أوضاع اللاجئين في دول الشرق الأوسط، فإن تطور الأزمة داخل سوريا أصبح عاملاً يحث على الهجرة أكبر من أي وقت مضى. فاستمرار القتال يلحق المزيد من الضرر بالوضع الاقتصادي حتى في المناطق التي تنعم بالسلام في البلاد، مما يدفع بالمزيد من السوريين إلى المغادرة، لا سيما أولئك العاملين في القطاع الخاص، الذين ليس لديهم رواتب مضمونة مثل موظفي الدولة. ولكن المجموعة الأكبر من اللاجئين ستتألف من أولئك الذين يفرون من هجمات جديدة، لا سيما في المناطق التي ترزح تحت قصف جوي مكثف. لهذا السبب دمرت بعض الضربات الجوية الروسية عمداً المستشفيات وغيرها من البنى التحتية كوسيلة لحث المدنيين على الفرار، وبالتالي عزل الثوار. ولا يمكن للجيش السوري أن يحاول استعادة السيطرة على منطقة فيها عدد كبير من غير المقاتلين. إذ إن مثل هذه العمليات تسبب خسائر كبيرة في صفوف المدنيين من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم الإدانة الدولية وإلى زيادة نفور السكان. لذلك، فإن تطبيق سياسة فعّالة لمكافحة التمرد تتطلب تطويق هذه المناطق والانتظار لمغادرة المدنيين (انظر المرصد السياسي 2554، "معركة حلب: مركز رقعة الشطرنج السورية").
مليون لاجئ إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2016؟
خلال العام المقبل، قد ينزح أكثر من مليوني شخص بسبب القتال في شمال غرب سوريا، وعلى وجه التحديد من الأجزاء التي يسيطر عليها الثوار في محافظة إدلب وغرب محافظة حلب، والأراضي التي يسيطر عليها تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») شرقي محافظة حلب. إذ إن الزيادة الكبيرة في أعداد اللاجئين في تركيا منذ أيلول/ سبتمبر تشكل مؤشراً رئيسياً حول المكان الذي سيتوجه إليه العديد من هؤلاء اللاجئين. لذلك، ما لم يؤدي تحول جيوسياسي رئيسي إلى تغيير الحالة السائدة داخل سوريا، سيتوجب على أوروبا أن تُعد نفسها لاستقبال ما يصل إلى مليون لاجئ جديد في عام 2016. ويمكن استنباط هذه التقديرات من عدة عوامل وهي: موقع السكان الأكثر تعرضاً للتهديد من هجمات النظام الجديدة، والطرق الأكثر احتمالاً لهروبهم، وأنماط الهجرة الماضية التي لوحظت في ظل ظروف مماثلة، والاتجاه الأخير لمغادرة اللاجئين لتركيا وتوجههم إلى الاتحاد الأوروبي.
اضغط على الصورة لمشاهدة عرض أكبر.
ويشكل اللاجئون الذين قدموا بالفعل إلى أوروبا جزءاً من هذه الزيادة، حيث يميلون لأن يكونوا بمثابة الجسور للآخرين الذين لا يزالون في سوريا أو الدول المجاورة، ويوفروا المعلومات والمال لأفراد الأسرة والأصدقاء الذين يسعون للانضمام اليهم. كما أن العديد منهم قادرين على ممارسة حق لم شمل الأسرة الذي يمكن أن يوفر تأشيرات دخول لمئات الآلاف من الناس.
في ظل غياب عملية معالجة جذور المشكلة في سوريا، فإن الاتحاد الأوروبي عاجز إلى حد كبير عن وقف هذه الهجرة الجماعية فور انطلاقها. إذ تأخذ بعض الدول الأوروبية إجراءات أحادية الجانب، مثل صربيا والمجر وسلوفينيا التي أقامت الحواجز على حدودها. بيد أن هذه التدابير غير فعّالة في الوقت الراهن (على سبيل المثال، يمكن للاجئين تجاوز العقبات من خلال الدخول عبر جمهورية التشيك وبولندا)، الأمر الذي قد يحمل خطر تحطيم "منطقة الشنغن".
كما لن تؤدي الزيادة الكبيرة جداً في التمويل المتعلق باللاجئين إلى جيران سوريا إلى توقف تدفقهم إلى أوروبا أيضاً. فنظام الرعاية الاجتماعية في الاتحاد الأوروبي يشكل نقطة جذب قوية جداً للمهاجرين الفقراء، وهو الأمر بالوعد بالأمان وربما بجواز سفر.
سياسة أوروبا المتناقضة
من المثير للاهتمام أن الدول الأوروبية سمحت بطلبات هجرة سورية قليلة جداً من القنصليات الأجنبية، ومع ذلك، فقد أعطت الشرعية لجميع اللاجئين تقريباً الذين تمكنوا من الوصول إلى سواحلها من خلال وسائل أخرى. وعبر قيامها بذلك، تشجع أوروبا في الواقع الهجرة غير الشرعية. فإذا لا يحظى اللاجؤون الذين يصلون من خلال هذه الوسائل بأي فرصة للحصول على الشرعية، فإن نسبة محاولتهم خوض هذه الرحلة لن تكون مرتفعة. لذلك ينبغي على الاتحاد الأوروبي النظر في تخصيص تصاريح الإقامة لأولئك الذين يتقدمون بطلب من الدول المجاورة.
أما بشكل غير رسمي، فإن الإعانات التي يمنحها الاتحاد الأوروبي للدول غير الأعضاء المجاورة في إطار "سياسة الجوار الأوروبية" مشروطة بالمراقبة الفعّالة للحدود والالتزام باستعادة المهاجرين غير الشرعيين. وقد يفسر ذلك سبب انخفاض نسبة تدفق اللاجئين السوريين عبر مضيق جبل طارق (حوالي 5000 في عام 2015)، فعلى عكس تركيا التي أثار موضوع انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي الجدل لسنوات، فإن المغرب هو أكثر اعتماداً على التجارة الأوروبية، وبالتالي يأخذ الالتزامات القانونية المختلفة تجاه الاتحاد على محمل الجد.
وفي النهاية، تكمن أفضل طريقة لمنع تدفقات اللاجئين الضخمة إلى أوروبا في معالجة جذور المشكلة في سوريا، على افتراض أن الوقت لم يفت بعد. فتركيا ترفض اللاجئين الجدد حتى إذا كانوا في حالة فظيعة على الجانب الآخر من الحدود، وذلك جزئياً لتجنب مساعدة الاستراتيجية الروسية لمكافحة التمرد. وبالتالي، يمكن للدول الغربية أن تعتمد سياسة مماثلة، وذلك فقط إذا كانت على استعداد للتخفيف من حدة الأزمة الإنسانية الناجمة عن ذلك. ومثل هذه الاعتبارات تعيد إلى الواجهة من جديد فكرة إقامة ملاذ آمن لحماية المدنيين في شمال وجنوب سوريا.
فابريس بالونش، هو أستاذ مشارك ومدير الأبحاث في "جامعة ليون 2"، وزميل زائر في معهد واشنطن.