إذا تم التوصل إلى اتفاقية سلام، سيحافظ المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران على سيطرتهم، ولكن سيُتاح للسعوديين الخروج من حرب مكلّفة ومستعصية، مما قد يفسح المجال أمام المزيد من الاحتمالات الدبلوماسية.
شهد الأسبوع الماضي بوادر جديدة على التوصل إلى حل وسط في اليمن. ففي 26 شباط/فبراير، استقبل ميناء الحديدة على البحر الأحمر الخاضع لسيطرة الحوثيين، سفينة الشحن العام الأولى منذ عام 2016، وذلك بعد حصول الميناء على تصريح من الأمم المتحدة. وقبل ذلك بيومين، أشاد رشاد العليمي - رئيس "مجلس القيادة الرئاسي" الذي يحكم اليمن اسمياً من السعودية - بالمحادثات الأخيرة بين الرياض والحوثيين في صحيفة بارزة تملكها السعودية.
وقد تم تسهيل المحادثات المباشرة التي كان يشير إليها من قبل سلطنة عمان بالتوازي مع الجهود التي تقودها الأمم المتحدة منذ فترة طويلة لاستبدال الاتفاق الحالي وغير الرسمي لوقف إطلاق النار (الذي استمر منذ نيسان/أبريل 2022) بهدنة رسمية. وإذا تبيّن أن المسار العماني مثمر، فقد تتبعه مفاوضات سياسية شاملة في النهاية، على الرغم من تردد المسؤولين المشاركين في المحادثات في مناقشتها خوفاً من تعريض مجالات الاتفاق الناشئة للخطر.
ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة "الإيكونوميست" في 25 شباط/فبراير "يتفاوض السعوديون على اتفاق قد يسمح لهم بالانسحاب"، ومن الممكن أن يتم التوقيع على هذا الاتفاق خلال "الأشهر المقبلة" - ربما في مدينة مكة المكرمة خلال عطلة شهر رمضان"، التي تبدأ في أواخر آذار/مارس. ومع ذلك، من الملاحظ أن الاتفاق "لن يُخرج الحوثيين من السلطة، ولن يُنهي الحرب الأهلية الداخلية الفوضوية في اليمن". وما تبحث عنه الرياض على ما يبدو هو "ضمانات بتوقف الحوثيين عن إطلاق الطائرات المسيّرة والصواريخ عبر الحدود".
وفي الواقع، سيكون أي اتفاق وشيك بمثابة اعتراف بهزيمة السعودية، التي تدخلت عسكرياً في عام 2015 بعد أن وسّع رجال قبائل الحوثي من شمال غرب اليمن سيطرتهم على مناطق تمتد من العاصمة صنعاء إلى عدن. وفي ذلك الوقت، اتخذ وزير الدفاع السعودي الذي كان قد عُيّن حديثاً آنذاك محمد بن سلمان - والذي أصبح منذ ذلك الحين ولي العهد والزعيم الفعلي للمملكة - القرار بالتدخل ضمن حملة تحالف "عاصفة الحزم". ولكن سرعان ما ثبت أن الحملة ليست حازمة، وقلّص الأمير زياراته رفيعة المستوى إلى قواعد القاذفات الأمامية وسط تقارير عن تسبّب الطيارين السعوديين بسقوط ضحايا من المدنيين وفقدان المملكة السيطرة على مسافة طويلة من الحدود الجنوبية. وفي ذروة المعارك، كلف القتال الرياض ما يقدر بمليار دولار في الأسبوع.
وفي عام 2019، قلصت الإمارات العربية المتحدة، وهي عضو رئيسي في التحالف، عملياتها العسكرية الكبرى في اليمن بعد أن كانت قواتها قد تقدمت حتى الحديدة لكنها لم تنجح في انتزاع السيطرة على الميناء من قوات الحوثيين. وفي حين بقيت الإمارات ملتزمة بمحاربة العناصر المحلية لتنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، يمكن القول إنها عقّدت أيضاً الجهود الدولية للتوصل إلى سلام من خلال دعمها لـ "المجلس الانتقالي الجنوبي"، وهي حركة انفصالية مقرها عدن. وفي الواقع، من المحتمل أن يكون موقف أبوظبي الحالي من الاتفاق المحتمل بين السعودية والحوثيين مماثلاً لموقف "المجلس الانتقالي الجنوبي"، الذي دحض إشادة العليمي الأخيرة بالعملية قائلاً إنه "يفتقر إلى الجدية".
ومن وجهة نظر الحكومة الأمريكية، سيكون هذا الاتفاق خطوة إيجابية نحو التخفيف من حدة الأزمة الإنسانية المستمرة في اليمن، والتي تؤثر على ما يقدر بثلثي سكان البلاد البالغ عددهم 28 مليون نسمة. كما أنه سيساعد في تحسين علاقات واشنطن مع الرياض، التي تلقت حملة القصف التي شنتها دعماً لوجستياً أمريكياً في البداية لكنها سرعان ما واجهت معارضة كبيرة في الكونغرس الأمريكي.
ومن المؤكد أن ترك اليمن في أيدي الحوثيين - الذين يظهر شعارهم الرسمي بشكل بارز عبارات "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود" - قد يكون نتيجة مؤلمة من نواح استراتيجية أخرى. والأهم من ذلك هو أنه يتعين على واشنطن تقييم كيف قد يؤثر مثل هذا الاتفاق على جهودها للحد من نفوذ إيران العدائي، خاصة وأن الصواريخ التي تزودها طهران للحوثيين قد تمتلك قريباً المدى اللازم لضرب جنوب إسرائيل. وفي البداية، كانت وجهة نظر القادة الإيرانيين بأن هجوم الحوثيين هو مجرد قضية جانبية أخرى تستحق الدعم، إلّا أن الحركة أصبحت منذ ذلك الحين أداة أكثر فاعلية لتهديد دول الخليج العربي وإسرائيل والمضيق الحيوي باب المندب الذي يفصل بين البحر الأحمر وخليج عدن، من بين أهداف أخرى. ومع ذلك، حتى الاتفاق غير الكامل في اليمن قد يكون مفيداً في المسار الدبلوماسي التدريجي نحو السلام، ويمكن أن يتضمن تقليص روابط الحوثيين مع إيران بعض الشيء.
سايمون هندرسون هو "زميل بيكر" ومدير "برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة" في معهد واشنطن.