- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3983
اتفاق وقف إطلاق النار في غزة: التداعيات على إسرائيل و" حماس" والسياسة الأمريكية
يناقش مسؤولون إسرائيليون وأمريكيون سابقون تفاصيل الاتفاق وأحكامه وآفاقه على المدى القريب، مع استعراض البدائل السياسية أمام إدارة ترامب لتعزيز السلام في غزة وما يتخطاها.
في السابع عشر من كانون الثاني/يناير، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع دينيس روس، وماثيو ليفيت، ونعومي نيومان. وروس هو زميل "ديفيدسون" المميز في المعهد والمبعوث الأمريكي الخاص السابق إلى الشرق الأوسط، حيث خدم في أربع إدارات أمريكية. أما ليفيت فهو زميل أقدم في زمالة "فرومر- ويكسلر" في المعهد، ومدير برنامج راينهارد لمكافحة الإرهاب والاستخبارات، ونائب مساعد وزير الخزانة الأمريكي السابق لشؤون الاستخبارات والتحليل في وزارة الخزانة الأمريكية. أما نيومان، فهي زميلة زائر في المعهد، ورئيسة سابقة لوحدة الأبحاث في جهاز الأمن العام الإسرائيلي، ومؤلفة مشاركة (مع غيث العمري) في التقرير الصادر عام 2024 بعنوان "إصلاح السلطة الفلسطينية: خارطة طريق للتغيير“. وفيما يلي ملخص لما ورد في ملاحظاتهم.
دينيس روس
تتشابه شروط اتفاق وقف إطلاق النار الجديد في غزة إلى حد كبير مع تلك التي قدمتها إسرائيل إلى الرئيس بايدن في أواخر أيار/مايو، ويبدو أن "تأثير ترامب" كان عاملاً حاسماً للاتفاق. وفى هذا الصدد، يؤكد التنسيق اللافت بين الإدارتين الحالية والمقبلة مع مصر وقطر وإسرائيل أن إبرام الاتفاق يشكل أولوية لواشنطن، وذلك رغم تغيير الإدارة. علاوة على ذلك، تُظهر مشاركة المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، في المراحل الأخيرة من المفاوضات أن إدارة بايدن عازمة على مواصلة الانخراط في المراحل اللاحقة من الاتفاق.
من جانبها، تبدو "حماس" في وضع حرج، وتسعى جاهدة للحصول على هدنة، وليس لديها دافع للمخاطرة بانتهاك وقف إطلاق النار. وهذا يزيد من صعوبة الأمر على رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو إذا ما قرر خرق الاتفاق، خاصة إذا مارست واشنطن ضغوطًا على إسرائيل للالتزام به. كما يُعدّ التطبيع بين السعودية وإسرائيل أولوية إقليمية قصوى لترامب، لكنه يظل مستبعدًا ما دامت العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة مستمرة.
مع استمرار وقف إطلاق النار، تبرز عدة تحديات رئيسية ينبغي معالجاتها:
- منع تهريب الأسلحة وغيرها من العتاد إلى "حماس"، وخاصة عبر الحدود بين مصر وغزة.
- تجفيف منابع التمويل الخارجي للحركة.
- تعزيز المراقبة الدقيقة لكيفية استخدام المواد المخصصة لإعادة الإعمار.
- تأسيس إدارة مؤقتة يمكنها توفير الاستقرار المدني في غزة وضمان عدم استعادة "حماس" لنفوذها.
ومن الجدير بالذكر أن شروط الاتفاق تحقق مكاسب فورية للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء بما في ذلك عودة الرهائن ووقف القصف الذي تسبب تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة. ومع ذلك، لا يتطرق الاتفاق إلى القضايا المحورية التي سيكون لها دور حاسم في تشكيل مستقبل الصراع على المدى الطويل. وإذا استخدمت إدارة ترامب الاتفاق كنقطة انطلاق لانخراط دبلوماسي مكثف في هذه القضية، فسيكون هناك إمكانية كبيرة لتحقيق تقدم ملموس. وبصرف النظر عن استعداد الإدارة الأمريكية للانخراط، لا يزال هناك مجال لتحقيق تقدم ملموس، رغم أن التنفيذ سيظل محفوفًا بالتحديات.
ماثيو ليفيت
يؤكد العديد من المحللين أن الأضرار الجسيمة التي تعرض لها "محور المقاومة" الإيراني، ولا سيما التراجع في القدرات العسكرية لـ “حماس"، تعدّ دليلًا واضحًا على الفشل الاستراتيجي للحركة. في الواقع، كانت الحركة على استعداد لتحمل الخسائر، طالما أن تنفيذ عملية نوعية ضد إسرائيل سيضمن بقاءها كفاعل رئيسي في المشهد السياسي في غزة بعد انتهاء المواجهات. يبدو أن الاستراتيجية الحقيقية لـ “حماس" الآن تتمثل في التخلي عن دورها في حكم غزة، وإعادة توجيه اهتمامها ومواردها نحو مهمتها العقائدية المتمثلة في الجهاد ضد إسرائيل. ورغم الخسائر الجسيمة التي مُنيت بها "حماس" في الأفراد والمعدات والبنية التحتية والقيادة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، إلا أن قدرتها على البقاء في المشهد تمنحها الفرصة لرفع أعلامها وادعاء تحقيق النصر. بالإضافة الى ذلك، شكلت الخسائر في صفوف المدنيين ثمنًا آخر قبلت "حماس" دفعه، إذ أكد قادتها مرارًا أن هدفهم كان كسب المعركة على صعيد الرأي العام الدولي عبر دفع إسرائيل إلى إلحاق دمار واسع أسفر عن سقوط ضحايا مدنيين.
وبالطبع، فإن خروج بضع مئات من المقاتلين للاحتفال بوقف إطلاق النار واحتشاد سيارات الصليب الأحمر التي تنقل الرهائن إلى إسرائيل لا يعني أن حماس قادرة على إدارة غزة - ولا تسعى لذلك فعليًا. ومرة أخرى، تسعى "حماس" إلى التخلص من أعباء الحكم لصالح نموذج مشابه لـ "حزب الله"، حيث تحتفظ بنفوذها على السياسة المحلية دون أن تُثقلها الأعباء البيروقراطية. لذلك، تصبح الحاجة إلى إيجاد إطار بديل للحكم في غزة مسألة ملحّة، ففي ظل غياب كيان آخر يتولى إدارة الشؤون المدنية، ستواصل "حماس" فرض سلطتها على وظائف حكومية مختارة تخدم مصالحها بأفضل طريقة ممكنة، مما يعزز استراتيجيتها في استغلال مؤسسات الدولة في غزة دون تحمل موارد كبيرة.
أما من حيث الأفراد، يزعم بعض المراقبين أن الحركة جنّدت عدداً من المقاتلين يعادل تقريبًا عدد الذين خسرتهم في الأشهر الخمسة عشر الماضية، لكن هذا يبدو مستبعداً. وحتى لو كان ذلك صحيحاً من الناحية العددية، فإنه لا يفسر الفارق في نوعية المقاتلين الذين فقدتهم الحركة مقارنة بالمجندين الجدد. أدت الهجمات الإسرائيلية إلى فقدان "حماس" أعدادًا كبيرة من مقاتليها الذين يتمتعون بالخبرة العسكرية، مما أجبرها على تجنيد عناصر جديدة، معظمهم شباب صغار يفتقرون الى المهارات القتالية، ويتم تجنيدهم غالبًا مقابل مكافآت مالية زهيدة.
وفيما يتعلق بوقف إطلاق النار، من المهم إدراك أنه بالنسبة لإسرائيل، فإن الاتفاق يمثل فقط وقفاً مؤقتاً للأعمال العدائية. ومن المرجح أن تنتقل القوات الإسرائيلية من الحرب الشاملة في غزة إلى الغارات الليلية وعمليات مكافحة الإرهاب المستهدفة، مما يجعل مسألة تحديد الجهة القادرة على تولي الحكم أكثر تعقيدًا. ومن ثم، يتعين على إدارة ترامب التأكد من أن وقف إطلاق النار لا يؤدي إلى خلق بيئة تُمكّن "حماس" من تعزيز نفوذها أو تقويض الجهود الرامية إلى تحقيق سلام مستدام من خلال الاتفاق.
نعومي نيومان
يثير توقيع اتفاق وقف إطلاق النار سؤالين رئيسيين: لماذا تحقق الآن رغم أنه كان مطروحًا منذ أيار/مايو؟ وما هي تداعياته على كلا الجانبين؟
بالنسبة لحماس، فإن أي وسيلة تضمن بقاءها تعد إنجازًا في هذه المرحلة. وبالتالي، كان توقيت الصفقة مرتبطًا بتصور مفاده أن "ورقة الرهائن" بدأت تفقد قيمتها مع مرور الوقت، خاصة مع تزايد عدد الوفيات بين الأسرى. وفى غضون ذلك، تفاقمت الأوضاع المعيشية لسكان غزة في الأشهر التي تلت فصل الشتاء، مما قد يدفع حتى أنصار حماس إلى الضغط على الحركة لإنهاء الحرب، وتخفيف حدة الخسائر والدمار، والحد من انتشار الأمراض.
على الجانب الإسرائيلي، اقتنع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على التوقيع على الاتفاق تحت ضغط إدارة ترامب القادمة. والآن، بعد حصوله على هدنة مؤقتة من الضغوط الأمريكية والداخلية، من المرجح أن يتمتع نتنياهو بهامش مناورة أوسع لمواجهة التحديات الإقليمية الأخرى، وعلى رأسها إيران، إلى جانب التهديدات المحتملة من سوريا وتركيا.
لكن من غير الواضح ما إذا كان اتفاق وقف إطلاق النار سيصل إلى مرحلته الثالثة والأخيرة، والتي من المفترض أن تشمل خطوات رئيسية مثل تنفيذ خطة إعادة الإعمار لمدة خمس سنوات، وتكريس نزع سلاح حماس العسكري، ورفع الحصار الإسرائيلي عن غزة. وسيعتمد هذا التقدم بشكل أساسي على مدى التزام إدارة ترامب بالمضي قدمًا في الصفقة واستعدادها لإيقاف القتال في غزة بشكل كامل. وإذا لم توفر واشنطن وشركاؤها بديلاً فعالًا لحكم "حماس"، فستتمكن الحركة في نهاية المطاف من استعادة قوتها، وإعادة ترسيخ سيطرتها على غزة، وتعزيز نفوذها في الضفة الغربية، مما يؤدي فعليًا إلى العودة إلى الوضع الذي كان قائمًا قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر.
ولمنع حدوث هذا السيناريو، فإن الخيار الأكثر واقعية هو أن يتم السماح للسلطة الفلسطينية بالعودة إلى غزة وتولي زمام الأمور فيها. ورغم أن هذا الخيار ليس مثالياً، فإنه يظل الأقل سوءًا مقارنة بالبدائل الأخرى، والتي تشمل استمرار حكم حماس، أو الفوضى، أو تصاعد الجهاد العالمي.
أعد هذا الملخص كليري والدو. أصبحت سلسلة منتدى السياسات ممكنة بفضل سخاء عائلة فلورنس وروبرت كوفمان.