- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3924
"اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والمغرب" بعد عشرين عاماً
لم تؤدِ الاتفاقية إلى تحقيق المستويات المتوقعة من النمو الاقتصادي، ولكن لا يزال بإمكان واشنطن استخدامها لتعزيز العلاقات الثنائية، وتشجيع الإصلاحات، وفتح أسواق أخرى في إفريقيا.
في آب/أغسطس 2004، وقّع الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش تشريع تنفيذ "اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والمغرب" وهي اتفاقية شاملة تهدف إلى تحسين العلاقات التجارية الثنائية من خلال تقليل وإزالة الحواجز التجارية. واليوم، لا يزال المغرب واحداً من عدد قليل جداً من البلدان التي لديها مثل هذه الاتفاقية، والوحيد في إفريقيا. فما هي النتائج التي حققها الشريكان بعد عقدين من هذا الترتيب المتميز؟Top of FormBottom of Form
الاختلال المستمر للميزان التجاري
في أعقاب أحداث 11 أيلول/سبتمبر، تم تصور "اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والمغرب" بأنها كانت مدفوعة بمصالح استراتيجية واقتصادية على حد سواء. فبالإضافة إلى مكافأة المغرب على تعاونه في مكافحة الإرهاب وجهوده في تعزيز التسامح، كانت إدارة بوش تهدف إلى تعزيز رؤية الولايات المتحدة لـ "منطقة تجارة حرة أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط"، بينما كانت الرباط تسعى إلى تعميق العلاقة الثنائية، بما في ذلك جانبها الأمني. وعند توقيع الاتفاقية، أعلنت واشنطن أيضاً عن تعزيز المساعدات الثنائية بشكل كبير ومنحت المملكة مكانة "حليفة رئيسية غير عضو في حلف شمال الأطلسي".
وعلى الجانب الاقتصادي، وعلى الرغم من أن السلع والخدمات المغربية شكلت جزءاً صغيراً نسبياً من الواردات الأمريكية، إلّا أن المنتجين الأمريكيين رحّبوا بإمكانية الوصول الأوسع نطاقاً إلى الأسواق المغربية - لا سيما في قطاعات مثل الزراعة، حيث من شأن خفض التعريفات الجمركية أن يمنحهم ميزة على المنافسين الأجانب. وبالمثل، رحب المغرب بفرصة تنويع شركائه التجاريين، والاندماج في الأسواق العالمية، وتقليل اعتماده على أوروبا.
إن الفوائد الناتجة عن هذه الاتفاقية يمكن قياسها بسهولة - فمنذ تنفيذ "اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والمغرب"، زاد إجمالي التجارة الثنائية بأكثر من أربعة أضعاف، من حوالي 1.3 مليار دولار في عام 2006 إلى 5.5 مليار دولار في عام 2023. ومن بين أبرز الصادرات المغربية إلى الولايات المتحدة اليوم الأسمدة، وأجهزة أشباه الموصلات، والمركبات الآلية، بينما تشمل أهم الواردات الأمريكية إلى المملكة الوقود، وقطع غيار الطائرات، والتوربينات الغازية.
ومع ذلك، فإن العجز التجاري المستمر - بل والمتزايد - يشير إلى أن الإمكانات الاقتصادية الكاملة لـ "اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والمغرب" لم تتحقق بالكامل. ففي عام 2006، كان العجز التجاري للمغرب مع الولايات المتحدة أقل من مليار دولار؛ وبحلول عام 2023، ارتفع إلى حوالي 1.8 مليار دولار).
ويقيناً أن المملكة شهدت نمواً اقتصادياً كبيراً خلال العقدين الماضيين، حيث ارتفع "الناتج المحلي الإجمالي" الحقيقي من حوالي 63 مليار دولار في عام 2005 إلى ما يقرب من 131 مليار دولار في عام 2022. ومع ذلك، يبدو أن هذه الإنجازات تعود في الغالب إلى عوامل لا علاقة لها بـ "اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والمغرب". على سبيل المثال، وصل نمو "الناتج المحلي الإجمالي" الحقيقي للمغرب إلى 5.15٪ في عام 2010 على الرغم من الأزمة المالية العالمية في ذلك الوقت، ويرجع ذلك على الأرجح إلى هطول الأمطار الغزيرة التي غذت قطاعها الزراعي. لكن بحلول عام 2022، انخفض النمو إلى 3.68٪، ويرجع ذلك جزئياً إلى الجفاف الطويل. علاوة على ذلك، خلال أزمة "كوفيد-19"، فإن العديد من المستثمرين الدوليين الذين كانوا يبحثون عن طرق لتقصير سلاسل التوريد العالمية استغلوا قُرْبْ المغرب من أوروبا وإفريقيا. كما لعبت السياسات الداخلية للمملكة - بما في ذلك ميثاق الاستثمار المحدث والمشاريع الأساسية للبنية التحتية مثل خط السكك الحديدية عالي السرعة والميناء الضخم على البحر الأبيض المتوسط - دوراً أكبر في تعزيز مكانتها كوجهة "جوار الساحل".
Top of Form
Bottom of Form
ولم تحقق "اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والمغرب" النمو المتوقع في الصادرات المغربية التقليدية أيضاً، بما في ذلك المنسوجات. فعندما انتهى "اتفاق الألياف المتعددة" - الذي فكك تدريجياً نظام الحصص السابق لـ "منظمة التجارة العالمية" الذي يحكم المنسوجات - في عام 2005، ألغى الحماية التي كانت تتمتع بها صناعة المنسوجات المغربية في الوقت نفسه الذي كانت فيه "اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والمغرب" جاهزة للتنفيذ. وتحسباً لهذا التغيير، أعاد المنتجون المغاربة توجيه جهودهم نحو الأسواق الأوروبية من خلال تفضيل إنتاج المنتجات النهائية في فترة زمنية قصيرة. كما شجعت الروابط التجارية الأوروبية الأقوى بالفعل المنتجين المغاربة على تلبية التفضيلات القارية، بينما شكلت متطلبات "قواعد المنشأ" التي وضعتها "اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والمغرب" عقبة أمام المصدّرين الذين يتطلّعون إلى دخول السوق الأمريكية. وفي عام 2021، شكلت المنسوجات حوالي 12٪ من الصادرات المغربية إلى الولايات المتحدة، وهي زيادة طفيفة نسبياً عن نسبة 8٪ التي سُجلت في عام 2008 (بالمقارنة، زادت صادرات الأسمدة من 7٪ إلى 23٪ خلال الفترة نفسها). وبقي هذا النمو متواضعاً على الرغم من حصول المملكة على تنازلات كبيرة خلال مفاوضات "اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والمغرب" فيما يتعلق بالمنسوجات (بفضل التمثيل القوي لمنتجي المنسوجات في المجتمع المدني المغربي).
وفي الوقت نفسه، شهد اثنان من الشركاء الإقليميين المقربين الآخرين لواشنطن، مصر والأردن، نمواً في قطاعات التصدير الخاصة بهما بفضل إنشاء "مناطق صناعية مؤهلة"، توفر تعريفات مخفضة للسلع المنتجة بالاشتراك مع إسرائيل. وقد قام المغرب بتطبيع العلاقات رسمياً مع إسرائيل في عام 2020، ووفقاً لبعض التقارير دفع باتجاه إنشاء منطقة صناعية مؤهلة خاصة به للمساعدة في زيادة صادرات المنسوجات إلى الولايات المتحدة. ومع ذلك، قد لا تكون مثل هذه المنطقة منطقية جغرافياً بقدر ما هي لمصر والأردن. كما أُشير إلى أن الفروقات اللغوية تشكل عائقاً أمام تعميق التجارة بين الولايات المتحدة والمغرب، وخاصة في قطاع الخدمات (حيث تتمتع أوروبا أيضاً بميزة مدمجة).
إمكانية الاستثمار؟
لتحقيق إمكاناتها كمحور رئيسي للإمدادات العالمية، تخصصت المملكة في الأسواق الاستهدافية مثل بطاريات السيارات الكهربائية، التي تَستخدم معادن حيوية متواجدة بشكل كبير في الصين ولكن أيضاً في المغرب وبعض الدول الإفريقية الأخرى. ومن الناحية النظرية، ينبغي أن تحفز "اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والمغرب" الاستثمار في هذا القطاع، بما في ذلك من أطراف ثالثة تسعى للاستفادة من الوصول إلى الأسواق الأمريكية. علاوة على ذلك، فإن "قانون خفض التضخم" الأمريكي لعام 2022 يشجع المستثمرين الأمريكيين على تمويل الصناعات التي تقلل من الكربون مثل بطاريات السيارات الكهربائية، وخاصة مع البلدان التي وقّعت اتفاقيات تجارة حرة ثنائية.
ومع ذلك، فقد رحب المغرب أيضاً باستثمارات من الصين، التي تسعى للاستفادة من بيئة الاقتصاد الكلي المستقرة للمملكة وقربها من الأسواق الرئيسية. ففي أيار/مايو وحزيران/يونيو وحدهما، أعلنت ثلاث شركات صينية عن خطط لفتح مصانع لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية أو مكوناتها في المغرب. وفي الواقع، شهدت المملكة طفرة في الاستثمارات المعلنة في "المجالات الخضراء"، والتي تتراوح من تصنيع السيارات الكهربائية إلى مشاريع الهيدروجين الأخضر. وتقود الصين هذه الزيادة، بينما تمثل رؤوس الأموال الأمريكية 1٪ فقط من هذه الاستثمارات. وقد يساعد الوجود الصيني السريع النمو في تصنيع المنتجات الخضراء في المغرب في تفسير إحجام واشنطن عن تشجيع المستثمرين الأمريكيين على اتباع المسار نفسه - إذ تسعى إدارة بايدن إلى تنويع سلاسل التوريد التي تدعم أهداف خفض الكربون ضمن "قانون خفض التضخم".
ومن الناحية النظرية، ينبغي أن تدفع "اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والمغرب" الرباط نحو إجراء إصلاحات داخلية، والتي من شأنها أن تفتح أسواقها بشكل أكبر وتزيد من نموها الاقتصادي. ومع ذلك، كان تنفيذ المملكة لمثل هذه التدابير متبايناً. ففي مراجعة أُجريت في عام 2016، أشادت "منظمة التجارة العالمية" بـ "الإصلاحات العديدة التي أجراها المغرب على نظامه التجاري"، بما في ذلك تنفيذه لـ "خطة المغرب الأخضر" التي تهدف إلى تقليل العجز التجاري مع تعزيز التنمية المستدامة. ومع ذلك، تأخرت إصلاحات أخرى. ولا تزال المخاوف قائمة بشأن الوجود المكثف للدولة في الصناعات الرئيسية (مثل الفوسفات)، وعدم تكافؤ الوصول إلى الائتمان، والفساد. بالإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من بعض التحسينات في مؤشرات التنمية البشرية على مدى العقود الماضية، لا تزال معدلات محو الأمية والتوظيف في المغرب منخفضة نسبياً (خاصة بين الإناث)، مما يعكس نظاماً تعليمياً لم ينجح في إعداد قوة عاملة ذات مهارات عالية أو دعم سوق عمل ديناميكي.
وفي المقابل، وضع المغرب نفسه بشكل جيد لتسهيل، والاستفادة من، النمو الاقتصادي والاستثمار في إفريقيا. ومن خلال التوصل إلى اتفاقيات تجارية ثنائية مع العديد من الشركاء الأفارقة والتوقيع على "اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية"، سعت المملكة إلى جني الفوائد من زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة هناك - وفي الواقع، هي الآن واحدة من الدول الإفريقية الرائدة من حيث تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة. وبقدر ما تهتم الولايات المتحدة بتعزيز النمو الاقتصادي والتجارة مع إفريقيا - بما في ذلك كمُوَرّد بديل للمعادن الحيوية - فإن الاستثمار في المغرب هو أحد الطرق للقيام بذلك.
توصيات في مجال السياسة العامة
في المحصلة، يبدو أن "اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والمغرب" قد خدمت المصالح السياسية والاستراتيجية أكثر من المصالح الاقتصادية. وبالنظر إلى القطاعات الاستراتيجية التي اختار المغرب تطويرها، فقد لا تحقق الاتفاقية أبداً إمكاناتها الحقيقية، ومن غير المرجح إعادة التفاوض عليها لاستهداف القضايا الاقتصادية الثنائية المستمرة، بالنظر إلى تصاعد النزعات الحمائية في واشنطن.
وفي المستقبل، ينبغي على الولايات المتحدة استخدام التجارة لدعم النمو الاقتصادي في المغرب من خلال التركيز على صناعات مثل التصنيع الخفيف، والتي يمكن أن تساعد في خلق وظائف جديدة، وخاصة للنساء. كما يجب على واشنطن أن تستمر في العمل من خلال "مؤسسة تمويل التنمية الدولية" لتحديد المبادرات التي تعزز الاستثمار الأمريكي وتحفز المغرب على تنفيذ الإصلاحات البيئية والعُمّالية. وأخيراً، بالنظر إلى قرار المملكة السابق بتعزيز التعليم باللغة الإنجليزية، ينبغي على واشنطن وغيرها من الدول الناطقة بالإنجليزية توسيع فرص التدريب اللغوي مع المغرب لتحقيق الفائدة الاقتصادية المتبادلة.
سابينا هينبرغ هي "زميلة سوريف" في معهد واشنطن.