- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
إطلاق سراح السجناء
أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما بفخر من البيت الأبيض، في اليوم الذي أعقب تنفيذ الصفقة النووية الإيرانية، أن "هذا يوم جيد"، في إشارة منه إلى ما يمكن تحقيقه من خلال "الدبلوماسية الأمريكية القوية". وسيحدد التاريخ ما إذا كان الاتفاق الإيراني صفقة ناجحة وفقاً للنجاح الذي يدعيه أنصارها بالفعل. لا بد من الإشارة هنا إلى أن أحد العوامل الرئيسية في نجاح الصفقة أو فشلها سيعتمد على قيام الولايات المتحدة بمحاسبة إيران - من خلال فرض العقوبات وغيرها من الأدوات - على استمرار سلوكها غير المشروع، مثل دعمها للإرهاب وانتهاكاتها لحقوق الإنسان وإنتاجها للصواريخ الباليستية.
قبل بضعة أسابيع فقط من اختبار إيران لصواريخ "عماد" الباليستية في تشرين الأول/أكتوبر، أكد القائم بأعمال وكيل شؤون الإرهاب وتعقب الأموال المشبوهة بوزارة الخزانة الأمريكية، آدم زوبين، أنه "سيتم الإبقاء على مجموعة كاملة من العقوبات التي تستهدف دعم إيران للإرهاب وأنشطتها الإقليمية المزعزعة للاستقرار ونشر الصواريخ وانتهاكات حقوق الإنسان". مع ذلك، أخّرت الولايات المتحدة فرض العقوبات على اختبار الصاروخ الذي تم في شهر تشرين الأول/أكتوبر حتى هذا الأسبوع.
لقد أصبحنا ندرك الآن أن قرار فرض عقوبات جديدة أصبح مترابطاً بشكل وثيق مع النجاح الدبلوماسي الآخر الذي أشار إليه الرئيس أوباما ألا وهو: الإفراج عن العديد من الأمريكيين الذين كانت إيران قد احتجزتهم ظلماً. وعبر إلقاء نظرة فاحصة على التفاعل بين هذه التطورات الثلاث، أي تنفيذ الصفقة الإيرانية وتأخير فرض العقوبات الجديدة والإفراج عن المحتجزين الأمريكيين، يتبيّن لنا الغموض المحيط بالتزام الإدارة الأمريكية بتنفيذ تعهدها بـ "استخدام جميع الوسائل المتاحة لدينا، بما في ذلك العقوبات، لمواجهة السلوك الإيراني الذي يهدد [المنطقة]".
عند التأمل في الأحداث الماضية، يصبح من الصعب اعتبار أن فرض عقوبات فورية على إيران بسبب اختبارها للصواريخ الباليستية في تشرين الأول/أكتوبر كان أكثر أهمية من الإتمام الناجح لمفاوضات سرية دامت 14 شهراً، كان هدفها إطلاق سراح المحتجزين الأمريكيين. فتحريرهم يشكل انتصاراً موضع ترحيب، حتى ولو خف وهجه بفعل استمرار احتجاز أمريكيين اثنين آخرين على الأقل. فالضرر لا يتعلق كثيراً بالتأخير الذي تم بقدر ما يرتبط بالطريقة الخرقاء التي فُرضت بها العقوبات التي نددت بها إيران، والتراجع عنها بسرعة.
إلى جانب ذلك، نحن نعلم الآن أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قد حذر من أن فرض العقوبات في منتصف مفاوضات تبادل الأسرى الحساسة - بين الولايات المتحدة وإيران وفي أوساط القادة الإيرانيين المتنافسين على حد سواء - يمكن أن يحد من احتمال ضمان تحرير الأسرى. وفي الواقع، ترتكز هذه الحجة على المنطق. لكنّ الأمور لم تكن تجري على هذا النحو في ذلك الوقت. وما أن انتشرت أنباء في الصحافة عن احتمال فرض عقوبات، سارع متحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إلى التشديد على أن "هذه الأعمال هي أحادية الاتجاه وتعسفية وغير قانونية، وقد حذرت جمهورية إيران الإسلامية الولايات المتحدة في هذا الصدد". كما انضم الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني نفسه إلى أصوات الإيرانيين الذين يدينون العقوبات وندد بقرار فرض عقوبات جديدة وأوعز إلى وزير دفاعه بالرد من خلال إنتاج المزيد من الصواريخ الباليستية.
وفي الواقع، يبدو الآن أنه لم يتم إبلاغ الكونغرس الأمريكي على أمر العقوبات المعلقة سوى نتيجة غيابٍ التواصل بين الوكالات وحدوث أخطاء بيروقراطية. فقد كان مسؤولون أمريكيون كبار، بمن فيهم الرئيس الأمريكي، قد سبق أن قرروا الانتظار وعدم فرض العقوبات إلا بعد "يوم تنفيذ" الصفقة النووية وإطلاق سراح المحتجزين الأمريكيين.
لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه هو: ألم تكن الإدارة الأمريكية تتوقع أن فرض أول مجموعة من العقوبات الجديدة على إيران منذ الصفقة النووية التي تم الإعلان عنها في تموز/يوليو قد يمثل تحدياً للصفقة أو أنه قد يُبطل مفاوضات تبادل الأسرى الحساسة؟ في هذا الإطار، تردّد أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري اتصل بظريف في 29 كانون الأول/ديسمبر لإبلاغه بأن واشنطن تعتزم فرض عقوبات على إيران بسبب اختبار الصاروخ الذي أجرته في تشرين الأول/أكتوبر. وعندئذ حذَّر ظريف من التداعيات المحتملة على عملية تبادل الأسرى المعلقة.
ويبدو أنّه كان من الأفضل لو تم فرض العقوبات مباشرة بعد اختبار الصواريخ الذي تم في تشرين الأول/أكتوبر لمنع قضية الصواريخ الباليستية من الوقوع في خضم عملية تبادل الأسرى. لقد أراد المسؤولون على ما يبدو الانتظار إلى أن يحدد فريق مراقبة الأمم المتحدة فيما إذا كان اختبار الصواريخ الباليستية يُعتبر من الناحية الفنية انتهاكاً لقرار مجلس الأمن رقم 1929، وهذا ما حدث في كانون الأول/ديسمبر. ومع ذلك، أرجأت الإدارة الأمريكية فرض عقوبات، الأمر الذي أعطى الانطباع بأن الإدارة، وعلى الرغم من تعهداتها التي تنص عكس ذلك، قد لا تطبق العقوبات الحالية أو لا تفرض عقوبات جديدة في حال انتهاك إيران لقرارات مجلس الأمن الدولي أو للصفقة النووية. وعندما فرضت وزارة الخزانة الأمريكية في نهاية المطاف هذه العقوبات في اليوم الذي أعقب "يوم التنفيذ"، أعلنت عبر موقع "تويتر" أن: "الإجراء الذي اتخذته [وزارة] الخزانة اليوم يؤكد على التزام الحكومة الأمريكية باستهداف برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية".
إن جذور انعدام الثقة حول التزام الإدارة الأمريكية بفرض عقوبات على سلوك إيران غير المشروع هي أعمق من ذلك. ففي إطار ما وصفها الرئيس الأمريكي بأنها "بادرة إنسانية متبادلة"، أسقطت وزارة العدل الأمريكية التهم (ووافقت على إلغاء "مذكرات الاعتقال الحمراء" الصادرة عن الانتربول) ضد 14 إيرانياً مطلوباً على خلفية مجموعة متنوعة من التهم. وقد كان معظم هؤلاء الأفراد مطلوبين بسبب مساعدتهم لإيران على التهرب من العقوبات، أو تهريب أجزاء من الطائرات أو غيرها من المواد المحظورة (بعضها ذات استخدامات نووية)، أو شراء المعدات العسكرية أو الأسلحة.
ومن بين الفارين الأربع عشر الذين أُسقطت عنهم التهم، يبرز اسم واحد: حميد عرب نجاد - المدير التنفيذي لشركة "ماهان" الإيرانية للطيران. وخلافاً للآخرين، ارتبط اسم عرب نجاد بدعم الإرهاب، وهو عمل من الأعمال التي لا تزال تخضع للعقوبات والتي تعهدت إدارة أوباما باستمرار بأنها ستواصل تحميل إيران المسؤولية فيها.
وقد تم إدراج شركة "ماهان" للطيران ضمن لائحة سلطات مكافحة الإرهاب في وزارة الخزانة الأمريكية في عام 2011 لدورها في دعم إيران المستمر للإرهاب. ووفقاً لمعلومات أصدرتها وزارة الخزانة في ذلك الوقت، تدعم الشركة بنشاط «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني و «حزب الله» من خلال تقديمها خدمات تتراوح من السفر السري وصولاً إلى تهريب الأسلحة. وبعد أقل من عامين، أدرجت وزارة الخزانة عرب نجاد نفسه على اللائحة، تحت سلطة مكافحة الإرهاب نفسها، لدوره الشخصي في الدعم المتواصل التي تقدمه "ماهان" للإرهاب.
إن إسقاط التهم الموجهة ضد الأشخاص الذين شاركوا في التهرب من العقوبات، والتي لم تعُد موجودة مع حلول "يوم التنفيذ"، يختلف تماماً عن إسقاطها ضد الفرد الذي، وفقاً لحكومة الولايات المتحدة، لعب دوراً "أساسياً" في دعم إيران للإرهاب. وفي حين تم إسقاط التهم، لا يزال عرب نجاد على قائمة "الرعايا الخاضعين لإدراج خاص" الصادرة عن وزارة الخزانة الأمريكية، وسيستمر تطبيق العقوبات الثانوية على أي شخص يتعامل معه.
هناك خلل كبير في الثقة بين الإدارة الأمريكية وعنصري الجمهور الأمريكي في الداخل وحلفاء الولايات المتحدة في الخارج بشأن سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط (من ناحية الخط الأحمر المتعلق بالأسلحة الكيماوية) والصفقة الإيرانية على وجه الخصوص (من ناحية التفتيش في أي مكان وفي أي وقت). فلطالما كان السؤال الذي يخيم على الصفقة الإيرانية هو: هل ستخاطر إدارة أوباما بالمساس بالصفقة الإيرانية من خلال معاقبة الكيانات الإيرانية على دعم الإرهاب أو انتهاك حقوق الإنسان أو تطوير برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية؟ في هذا الإطار أوضح زوبين أن العقوبات الحالية "لن تستمر فقط على الورق، بل سيستمر تطبيقها".
وفي البيان الذي أدلى به الرئيس أوباما في السابع عشر من كانون الثاني/يناير، تعهد بأن الولايات المتحدة سوف "تظل صامدة في معارضة سلوك إيران المزعزع للاستقرار"، بتسليطه الضوء على تهديدات إيران لإسرائيل ودول الخليج ودعمها للوكلاء الذين يعتمدون العنف في أماكن مثل سوريا واليمن. كما وأشار إلى أن العقوبات الأمريكية ستستمر على انتهاكات إيران لحقوق الإنسان ودعمها للإرهاب وبرنامج صواريخها الباليستية وتعهَّدَ بـ "مواصلة فرض هذه العقوبات، وبقوة".
إن الطريقة التي تم من خلالها التعامل مع العقوبات على الصواريخ الباليستية أعطت الانطباع بأن إنفاذها قد لا يكون من الأولويات. ولكن، عند النظر إلى الوراء، لم يكن هذا هو الحال، فعلى الرغم من أنه تم التعامل مع القضية بشكل سيء، إلا أنه كانت هناك أسباب وجيهة للتروي في فرض العقوبات، وقد تابعت الإدارة الأمريكية في النهاية هذه العقوبات وفرضتها. لكنّ إسقاط التهم الموجهة إلى الأفراد المرتبطين برعاية إيران للإرهاب يثير الشكوك من جديد، مما يلقي بالمسؤولية على عاتق الإدارة الأمريكية للعمل بسرعة وفعالية لإثبات أن مثل هذه الشكوك في غير محلها وذلك من خلال معاقبة سلوك إيران غير المشروع.
ماثيو ليفيت هو زميل "فرومر- ويكسلر" ومدير برنامج ستاين للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن.
"سايفر بريف"