- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
أوباما أضر بالعلاقات بين الولايات المتحدة ومصر
يوم الثلاثاء الماضي، وخلال مكالمة هاتفية مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تحدث الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن تحوّل متباين، بل هام في سياسة الولايات المتحدة تجاه مصر. فمن جهة، رفع أوباما الحظر المفروض على إرسال أنظمة الأسلحة وهي - 12 طائرة من طراز "F-16"، و 20 صاروخ من نوع "هاربون"، وما يصل الى 125 من "مجموعات دبابات" من طراز "أبرامز" - التي تم حجبها عن مصر منذ تشرين الأول/أكتوبر 2013. ولكن من جهة أخرى، انهى أوباما سياسة تمويل التدفق النقدي، التي مكنت مصر من استخدام المساعدات في المستقبل لشراء أسلحة بالدَيْن - وهي فائدة تتمتع بها إسرائيل فقط في الوقت الحالي.
ولفهم السياسة الجديدة لإدارة أوباما بصورة صحيحة، يجدر التأكيد على حقيقة واحدة بسيطة وهي: أن مسؤولين في الإدارة كانوا يحثون الرئيس الأمريكي على اتخاذ قرار بشأن مستقبل المساعدات العسكرية لمصر منذ تشرين الثاني/نوفمبر. وفي الواقع، على الرغم من أن مصر حليفة للولايات المتحدة منذ فترة طويلة وتحارب الجهاديين إلى الغرب في ليبيا وإلى الشرق في سيناء، إلا أن الأمر استغرق أكثر من أربعة أشهر قبل أن يقرر الرئيس أوباما ما إذا كان سيوافق على إرسال الأسلحة إلى القاهرة.
ويعكس تردد الرئيس الأمريكي التناقض العميق، والمشل على الأغلب [في سياسة] إدارته تجاه بمصر. وبكل بساطة، لا تتمكن الإدارة الأمريكية أن تقرر ما إذا كانت مصر هي شريك استراتيجي ينبغي دعمه بسخاء، أو دولة استبدادية قاسية يجب عدم تزويدها بالمساعدات إلى أن تتّبع مساراً أكثر ديمقراطية. وهكذا، ففي الفترة بين تشرين الأول/أكتوبر 2013 و آذار/مارس 2015 - سبعة عشر شهراً كاملاً - عاملت الإدارة الأمريكية مصر فعلياً كشريكة استراتيجية ودولة استبدادية على حد سواء.
ولذلك، احتجاجاً على حملة القمع الدامية التي أعقبت الإطاحة - في تموز/يوليو 2013 - بالرئيس المصري المنتخب لأول مرة، حجبت إدارة أوباما "بعض الأنظمة العسكرية والمساعدات النقدية الواسعة النطاق للحكومة [المصرية] في انتظار إحراز تقدم موثوق نحو تشكيل حكومة مدنية شاملة، ومنتخبة ديمقراطياً من خلال إجراء انتخابات حرة ونزيهة". ولكن في الوقت نفسه، واصلت تقديم العون "للمساعدة في تأمين حدود مصر، ومكافحة الإرهاب وعدم انتشار الأسلحة النووية، وضمان الأمن في سيناء".
ومن الناحية العملية، يعني ذلك أن واشنطن أرسلت (بعد تأخير لفترات طويلة من قبل الكونغرس) طائرات "الأباتشي" للمساعدة في جهود مصر لمكافحة الإرهاب في سيناء ولكنها حجبت الطائرات المقاتلة من طراز "F-16" لتشجيع [التحوّل نحو] مسار سياسي أكثر تقدمية. وكما رأى مسؤولو الإدارة ذلك، فقد مثّلت هذه السياسة التوازن "الصحيح" - أي غير السهل للغاية وغير الصعب جداً - بين حماية المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة وتعزيز القيم الديمقراطية الأمريكية. والأهم من ذلك، اعتقدت الإدارة الأمريكية أن الحكومة المصرية سوف تفسّر هذه السياسة تماماً كما كان المقصود منها وهي: أن القاهرة سوف تقدّر التزام واشنطن بالأمن المصري، ولكن تراعي أيضاً المخاوف الأمريكية من التطور السياسي في البلاد على المدى البعيد.
وغني عن القول، أن ذلك لم يحدث. فالسياسة الرمادية التي انتهجتها الإدارة الأمريكية أربكت تماماً [المسؤولين في] القاهرة، التي تواجه تهديدات متعددة على جبهات متعددة، وبالتالي تنظر إلى الأمور بالألوان الأسود والأبيض. إن الاطاحة بزعيم «الإخوان المسلمين» محمد مرسي في تموز/يوليو 2013 قد أدخل الحكومة المصرية في صراع عنيف على الحياة أو الموت مع «الإخوان» - الذين طالبوا مؤيديهم بإعدام السيسي، ودبروا تمرداً غير لافت للإنتباه ضد مؤسسات الدولة، ودعوا إلى "الشهادة" في بيان أصدروه في كانون الثاني/يناير 2015 أعلنوا فيه "الجهاد". وفي الوقت نفسه، بدأ الجيش المصري هجوماً كبيراً ضد الجهاديين في سيناء في أيلول/سبتمبر 2013، وشن سلسلة من الغارات الجوية ضد الجهاديين في ليبيا، ابتداءً من آب/أغسطس 2014.
وهكذا عندما انفجرت القنابل في المدن المصرية الكبرى، وبينما قُتل المئات من قوات الأمن المصرية في سيناء والصحراء الغربية، وفي الوقت الذي تردّت فيه الأوضاع في المنطقة الأوسع بصورة حادة ودخلت في حالة من الفوضى لم يسبق لها مثيل، كانت القاهرة تطرح سؤالاً واحداً لواشنطن: هل أنتِ معنا أم ضدنا ؟ وبعبارة أخرى، لم تنظر الحكومة المصرية إلى حجب إدارة أوباما للطائرات المقاتلة من طراز "F-16" تأكيداً لالتزام واشنطن بالديمقراطية. وبدلاً من ذلك، اعتبرت القاهرة بأن هذه الخطوة تشكل ضربة كبيرة لأمنها على المدى الطويل في وقت ربما هو الأخطر في تاريخ الشرق الأوسط المعاصر.
ولذلك، سعت مصر إلى تلبية احتياجاتها الدفاعية من دول أخرى - وخاصة من خلال المساعدة السخية من حلفائها في الخليج العربي. فقد وقعت اتفاقاً بقيمة 5.5 مليار دولار لشراء 24 طائرة مقاتلة من طراز "رافال" من فرنسا، وتتفاوض حالياً على اتفاق لشراء أسلحة من روسيا بقيمة 3.5 مليار دولار.
ونتيجة لذلك، تضاءل نفوذ واشنطن في القاهرة. وقد تجاهلت مصر انتقادات الإدارة الأمريكية لضرباتها ضد الجهاديين في ليبيا، ورفضت عرض واشنطن للتدريب على مكافحة الإرهاب، ومن المرجح أن تشتري صواريخ أرض-جو من طراز "S-300" من روسيا - وهو نظام أسلحة من شأنه أن يقوّض التفوق العسكري النوعي لإسرائيل - الذي تلتزم الولايات المتحدة بالحفاظ عليه بموجب القانون.
وفي الوقت نفسه، بقيت مصر استبدادية بشكل كامل، حيث أن القوة المحرِّكة المتمثلة بـ "إقتل أو تُقتل"، التي تعرّف السياسة في مصر ما بعد مرسي قد جعلت من السياسة الشاملة بعيدة الاحتمال، إن لم تكن مستحيلة. ومع ذلك، وحتى في الوقت الذي أصبح فيه من الواضح أن سياسة الإدارة الأمريكية تجاه القاهرة تضر العلاقات المصرية الأمريكية دون أن تعزز الديمقراطية بأي شكل من الأشكال، فلا يمكن لأوباما أن يذهب إلى حد أبعد من التعبير عن استيائه للسياسة الداخلية القمعية في مصر. لذلك فبينما حثّت وزارتي الخارجية والبنتاغون الإدارة الأمريكية نحو المضي قدماً، كانت سياسة واشنطن تجاه مصر عالقة لشهور عديدة في المَطْهر- أو بين الجنة والنار.
ومن المفارقات، ربما يكون الرئيس أوباما قد اعتقد أن مكالمته الهاتفية مع القاهرة والتي أعلن فيها عن رفع الحظر المفروض على إرسال الأسلحة، سوف تفتح صفحة جديدة في العلاقات التي يعروها الجمود. ولكن من خلال اقتران هذا القرار مع إلغاء خطة التمويل التي كانت إشارة عن العلاقة الخاصة لمصر مع واشنطن، ربما يكون الرئيس الأمريكي قد أنهى أي فرصة لتوثيق العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر إلى أن يتم انتخاب رئيس جديد يقوم بأخذ نظرة أخرى على هذا التحالف القديم.
إريك تراجر هو زميل واغنر في معهد واشنطن.
"ناشيونال إنترست"