- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
إيمان خامنئي المتضائل بـ «خطة العمل الشاملة المشتركة»: ماذا لو لم يكن حيلة تكتيكية؟
يواصل النظام الإيراني فرض قيود جزئية على قدرة "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" على الوصول إلى المواقع النووية ويستمر في توسيع برنامجه النووي عن طريق تخصيب اليورانيوم إلى 60 في المائة، وإجراء عمليات البحث والتطوير على أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، وإنتاج معدن اليورانيوم. وقد تكون مثل هذه الخطوات وسيلة من قبل خامنئي للضغط على واشنطن للإذعان لنهجه المتطرف أو المخاطرة بالتصعيد والمزيد من التقدم النووي.
منذ أوائل هذا العام، انخرطت إيران ودول الخمسة زائد واحد في مفاوضات في فيينا لإعادة إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، حيث يعمل الدبلوماسيون الغربيون على افتراض أن استمرار المفاوضات قد يؤتي ثماره في النهاية. ومع ذلك، مرت شهور ولم يقلّ عناد إيران وتشبّثها بشروط مسبقة غير واقعية.
وأحد التفسيرات المحتملة للتوقعات المتضاربة قد يكمن في الخطاب الأخير للمرشد الأعلى علي خامنئي وأفعاله. ففي 29 تموز/يوليو، سنحت فرصة للقائه الأخير مع حكومة الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني للتأكيد على موقفه من المفاوضات. ففي خطابٍ عُرض على قنوات التلفزيون المحلية حذّر خامنئي المسؤولين من وضع ثقتهم بالدول الغربية، لأنها "لا تتردد في خرق التزاماتها [النووية]". ثم حث المسؤولين على التعلم من تجربة إدارة روحاني و "التجنب تماماً ربط خططهم بالمفاوضات مع الغرب، لأنهم سيفشلون بالتأكيد". وبدلاً من ذلك، نصح الحكومة المقبلة - التي ستتولى السلطة بمجرد أن يؤدي الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي اليمين الدستورية في 5 آب/أغسطس - بالاعتماد على القدرات المحلية للبلاد، وهو موضوع يدعو إليه غالباً كوسيلة للحد من تعرض الجمهورية الإسلامية للضغوط الاقتصادية الخارجية.
وقد يجادل البعض بأن هذه التوجيهات هي جزء من مناورة معقدة للضغط من أجل الحصول على المزيد من التنازلات من المفاوضين الغربيين. ومع ذلك، تشير كلمات خامنئي وسياساته إلى أنه ربما فقَدَ فعلاً كل الثقة في الولايات المتحدة وحلفائها منذ عام 2015. وإذا كان الأمر كذلك، فقد يعتقد أنهم لن يحترموا أي شروط نووية جديدة يتم التوصل إليها في فيينا.
ففي كانون الثاني/يناير، على سبيل المثال، أكد أن إيران ليست "في عجلة من أمرها" للعودة إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة» وأنها لن تفعل ذلك إلا إذا رفعت واشنطن جميع العقوبات مسبقاً. وقال إنه في حالة عدم تحقيق هذا الأمر، فإن استئناف الولايات المتحدة للاتفاق "قد يضر" بإيران.
وكرّر الكلام نفسه في شباط/فبراير حين أعلن أن عودة الولايات المتحدة إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة» "على الورق" لن تكون كافية، وأنه سيتعيّن على إيران التحقق من الإزالة الفعلية لجميع العقوبات قبل أن تعود إلى التزاماتها النووية. وبالمثل، في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة عيد النوروز في آذار/مارس 2021، اتّهم إدارة أوباما برفع العقوبات "على الورق" مع استمرارها في تهديد الشركات وردعها عن التعامل مع إيران. وخلص إلى القول أنه إذا لم يتم تلبية الشرط المسبق برفع العقوبات، "فليس هناك شيء خاطئ" من التزام إيران بالوضع الراهن، لأن "العجلة [في الأمر] قد تكون لها عواقب أكثر خطورة من خسارة الفرصة".
وتجلّت الذهنية نفسها النابعة من تجنب المخاطرة بصورة واضحة في خطاب مجلس الوزراء الأسبوع الماضي. فقد زعم خامنئي أن الولايات المتحدة "لم تتخذ خطوة واحدة إلى الأمام" في مفاوضات فيينا، وبدلاً من ذلك قدمت وعوداً على الورق بشأن رفع العقوبات عندما "لم ولن ترفعها في الممارسة العملية". ووفقاً له، أصرت واشنطن أيضاً على أن يتضمن اتفاق فيينا الناشئ لغةً تُلزم إيران بالمشاركة في مفاوضات المتابعة - حتى مع رفض المسؤولين الأمريكيين تقديم ضمانات بأنهم "سيوفون بالتزاماتهم في المستقبل".
وفي اليوم الذي أعقب الخطاب، نشر مكتب المرشد الأعلى مقابلة مع مبعوث إيران لدى "الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، كاظم غريب أبادي (عبادي)، الذي قسّم تعليقات آية الله إلى شكاوى محددة. وادّعى، من جملة أمور أخرى، أن الولايات المتحدة:
- حاولت اشتراط استئناف العمل بـ «خطة العمل الشاملة المشتركة» بموافقة طهران على إجراء مفاوضات منفصلة بشأن سلوك النظام الإيراني في المنطقة.
- رفضت رفع العقوبات الرئيسية أو تقديم تأكيدات لإيران بأنها ستتجنب السياسات النووية للإدارات الأمريكية السابقة.
- أثارت مطالب نووية مفرطة خارج نطاق «خطة العمل الشاملة المشتركة».
- رفضت فكرة عودة إيران إلى التزاماتها النووية إلّا بعد التحقق من أن واشنطن رفعت عنها العقوبات.
إذاً ماذا بعد؟
ستكشف الأسابيع المقبلة ما إذا كان خامنئي يمارس لعبة تفاوض معقّدة أو يعتقد حقاً أن هناك مخاطر كبيرةٌ جداً من العودة إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة» دون ضمانات إضافية. وفي غياب عملية دقيقة ومعمقة للتحقق من رفع العقوبات الأمريكية كخطوة أولى، فقد يكون مستعداً لرفض «خطة العمل الشاملة المشتركة» بكاملها، حتى لو كان ذلك يعني أن إيران ستفقد الفوائد الاقتصادية وتواجه ضغوطاً دولية جديدة لعدم التنازل.
وحتى ذلك الحين، يواصل النظام فرض قيود جزئية على قدرة "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" على الوصول إلى المواقع النووية ويستمر في توسيع برنامجه النووي (على سبيل المثال، عن طريق تخصيب اليورانيوم إلى 60 في المائة، وإجراء عمليات البحث والتطوير على أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، وإنتاج معدن اليورانيوم). وقد تكون مثل هذه الخطوات مؤشراً آخر على المساومة الصعبة من جانب خامنئي - وسيلة للضغط على واشنطن للإذعان لنهجه المتطرف أو المخاطرة بالتصعيد والمزيد من التقدم النووي. ومع ذلك، رفض المسؤولون الأمريكيون مطالبه مراراً وتكراراً. والأهم من ذلك، يحذرون من أن الوضع قد يصل قريباً إلى النقطة التي لن تعُد فيها العودة إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة» منطقية بالنسبة للولايات المتحدة، نظراً لأن قيود الاتفاق لم تعد توفر إشعاراً مسبقاً كافياً حول وصول إيران إلى عتبة الأسلحة النووية (أي، "زمن تجاوز العتبة النووية في غضون عام واحد"). وبطريقة أو بأخرى، سوف تنكشف نوايا خامنئي الحقيقية قريباً، إذا استمر في ممارسة سياسة حافة الهاوية.
عومير كرمي هو زميل زائر سابق في معهد واشنطن، وقد قاد سابقاً جهوداً تحليلية وبحثية في "جيش الدفاع الإسرائيلي" فيما يتعلق بالشرق الأوسط.