- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2994
إيقاف حسابات "تويتر" والدبلوماسية الرقمية في الشرق الأوسط
حين قام موقع "تويتر" بإلغاء ملايين الحسابات المزيفة في 13 تموز/يوليو، استغلت المملكة العربية السعودية الفرصة لإحراج منافستها قطر. وقد ادعت صحيفة "عكاظ" السعودية باطلاً أن الأمير تميم بن حمد آل ثاني خسر 2،4 مليون من متابعيه على "تويتر"، ووصفت ذلك بأنه دليل آخر على تراجع ثقة الشعب القطري بزعمائه. وفي الحقيقة، خسرالأمير أقل من ألف متابع، ولم يتجاوز أبداً عدد متابعيه الإجمالي الـ 250 ألفاً. وإلى جانب كَوْن هذه الادعاءات بمثابة جولةً أخرى من التراشق التافه في الخلاف الجاري بين دول «مجلس التعاون الخليجي»، فإنها تلقي الضوء على الدور العام والسياسي المتنامي الذي تؤديه وسائل التواصل الاجتماعي في الشؤون الإقليمية.
وقد قرر موقع "تويتر" حذف عشرات الملايين من الحسابات المزيفة وسط قلق متزايد من إقدام أشخاص بارزين على شراء حسابات مزيفة لتضخيم أعداد متابعيهم. وجاءت هذه الخطوة في أعقاب تحقيق أجرته صحيفة "نيويورك تايمز" اكتشفت من خلاله أن شركةً تدعى "ديفومي" [Devumi] ومقرها في الولايات المتحدة باعت أكثر من 200 مليون حساب مزيف إلى آلاف السياسيين البارزين والمشاهير والكتّاب وغيرهم من الشخصيات العامة المعروفة في العالم. ويتوقع "تويتر" أن تؤدي حملة التنظيف إلى إلغاء 6٪ من مجمل الحسابات الموجودة على هذا البرنامج.
تأثير إلغاء الحسابات في الشرق الأوسط
يزداد تفضيل موقع "تويتر" كشكلٍ من أشكال التواصل الرسمي في الشرق الأوسط. ففي دراسة أجرتها شركة العلاقات العامة "بورسن كون أند وولف" [Burson Cohn & Wolfe] عام 2018، صنّفت الشركة العاهل السعودي الملك سلمان بالشخصية السياسية العالمية الأكثر تأثيراً على "تويتر" - وعلى الرغم من أنه لا يستخدم "تويتر" بانتظام، إلا أنه تمت إعادة تغريد كل تغريدةٍ له أكثر من 150 ألف مرة خلال العام الماضي. وهو الأمر بالنسبة للعاهل الأردني الملك عبدالله الذي جعل من "تويتر" وسيلة تواصل رئيسية لديه حيث احتل المرتبة الرابعة عشرة بين الزعماء العالميين في نفس القياس المتري، في حين جاءا وزيرَي خارجية الإمارات والسعودية في المرتبة الثانية والثالثة على التوالي بين وزراء الخارجية الأكثر متابعةً في العالم.
ونظراً لدور "تويتر" البارز في السياسة الإقليمية، كانت تأثيرات الحذف جديرة بالملاحظة. فقدْ خسر معظم قادة الشرق الأوسط حوالي 0.5٪ إلى 2٪ من متابعيهم، على غرار ما حدث مع زعماء العالم الآخرين (خسر الرئيس ترامب 0.6٪ من متابعيه، والرئيس السابق باراك أوباما 2.3٪، والرئيس فلاديمير بوتين 2.1٪). وخسر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي 0.4٪ فقط، وهو الأقل بين رؤساء دول المنطقة، في حين خسر الملك عبد الله حوالي 13.5٪ من متابعيه.
انقر على الجدول للحصول على نسخة ذات دقة أعلى.
ومن المثير للاهتمام أن الأمير تميم خسر 721 متابعاً في 12 تموز/يوليو، ثم كسب 3528 متابعاً مباشرةً بعد حملة التنظيف التي قام بها "تويتر" في اليوم التالي. ومنذ ذلك الحين، بدأ الزعيم القطري يكسب المتابعين بوتيرة متسارعة بحيث بلغ متوسط عدد هؤلاء المتابعين خلال الشهر السابق 360 شخصاً في اليوم، مع العلم أن هذا الرقم ارتفع الآن إلى نحو 2500، في حين خسر سفير قطر في الولايات المتحدة مشعل حمد آل ثاني نحو 60٪ من متابعيه.
وقد نال تأثير هذه التغيرات اهتماماً دعائياً واسعاً في حالة قطر لأن مواطني هذه البلاد يسجلون نسبةً عاليةً من إمكانية النفاذ إلى خدمة الإنترنت واستخدامها. فقد وجدت دراسة أجرتها "جامعة نورث وسترن" في قطر عام 2017 أن نسبة نفاذ المواطنين القطريين إلى خدمات الإنترنت والهواتف الذكية تناهز الـ 100٪، ويقدَّر بأنهم يقضون ما معدله 45 ساعة أسبوعياً على الإنترنت، مقارنةً بسبع وعشرين ساعة يقضيها مواطنو الدول الأخرى في المنطقة (رغم أنه تجدر الإشارة إلى أنه من الصعب التأكد من صحة هذه البيانات لأنه لم يكن بالإمكان إيجاد معلومات منهجية).
ومع أن هذا النفاذ التام إلى الإنترنت ليس متوفراً في كافة دول الشرق الأوسط، إلّا أن نسبته تتنامى سريعاً في المنطقة. وفي هذا السياق، تتوقع شركة "سيسكو" أن يحتل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الطليعة في نمو الحركة السحابية في العالم وذلك، خلال فترة قريبة لا تتعدى مطلع عام 2019. ويسلط هذا الأمر المزيد من الأضواء على التغيرات التي تحدثها وسائل التواصل الاجتماعي في منطقة أبدت فيها الصحافة اهتمامها [بعدد] متابعي الزعماء السياسيين على الإنترنت. فبعد حملة التنظيف التي قام بها "تويتر"، أفادت صحيفة "الشرق الأوسط" عن أوائل القادة في العالم الذين انضموا إلى البرنامج ويملكون العدد الأكبر من المتابعين. كما وصفت الصحيفة في مقالتها "الإشارات" على "تويتر" بأنها وسيلة لقياس التقارب الدبلوماسي بين الدول (على سبيل المثال، ما إذا كان القادة العرب يهنئون بعضهم بعضاً في أيام العطلات وفي الإنجازات أو يرسلون التعازي في حالات الكوارث).
الاتجاهات في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في المنطقة
جاءت عمليات الإلغاء في سياق التغيرات الكبيرة في أنماط وسائل التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء الشرق الأوسط. إذ يبدو أن مستخدمي الإنترنت يبتعدون عن البرامج المماثلة لـ "تويتر"، ويفضلون على ما يبدو خدمات الرسائل الجماعية المشفّرة. وقد وجد الاستطلاع الذي سبق ذكره وأجرته "جامعة نورث وسترن" في قطر أن استخدام "تويتر" في المنطقة تراجع بشكل كبير في السنوات الأخيرة، إذ بلغت نسبة مستخدمي الإنترنت على "تويتر" في الدول الست التي شملتها الدراسة (مصر ولبنان وقطر والمملكة العربية السعودية وتونس والإمارات العربية المتحدة) 48٪ عام 2014، إلّا أنّ هذه النسبة تدنّت إلى أقل من 30٪ بعد ثلاث سنوات فقط. ومن ثم، فقد تصبح عمليات الإلغاء على "تويتر" أقل أهميةً للمواطنين المحليين بمرور الوقت.
علاوةً على ذلك، أثببت عمليات الإلغاء أن شراء الحضور المُضخم على الإنترنت من خلال حسابات المتابعين المزيفة يمكن أن يزيد من صعوبة التحقق من الشعبية الحقيقية لزعماء المنطقة. وعلى الرغم من أن "تويتر" قام بتنظيف خدماته على ما يبدو في الوقت الحالي، إلا أنه من المؤكد أنه ستظهر أساليب مماثلة للتضخيم المزيّف. وبالتالي على الباحثين أن يشككوا في إحصاءات وسائل التواصل الاجتماعي حول الزعماء السياسيين وأن يدركوا احتمال أن تؤدي الشعبية على الإنترنت إلى إخفاء الاستياء الشعبي.
وفي هذا السياق، يشار إلى أنه مع تزايد انتشار الهواتف الذكية في الشرق الأوسط، فمن شأن برامج التراسل على غرار خدمة "واتسآب" [WhatsApp] أن تساعد الناس على التحايل على القيود التسلطية المفروضة على حريتهم في التجمع. وقد أدّت المحادثات الجماعية عبر "واتسآب" دوراً مهماً خلال التظاهرات الحاشدة الأخيرة في جميع أنحاء إيران، موضحةً سبب انطواء التوجهات عبر وسائل التواصل الاجتماعي على دلالات مهمة على الزعماء الإقليميين.
صامويل نورثروب هو مساعد باحث في معهد واشنطن.