- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3138
إيران تبدو مستعدة لتصعيد كبير - بل مدروس - في الخليج
في 13 حزيران/يونيو، استهدف هجومان تخريبيان ناقلتيْ نفط أبحرتا من السعودية والإمارات بعد شهرٍ واحد فقط من استهداف أربع ناقلات نفط كانت راسية قبالة ساحل الإمارات على يد جهة فاعلة حكومية وفق ما أفاد به بشكلٍ شبه مؤكّد المحققون الدوليون. وفي هذه المرة، نُفِّذ الهجومان في وضح النهار بينما كانت السفينتان تخرجان من مضيق هرمز بسرعة قصوى. وإذا ثبتت صحة الأدلة التي أصبحت وفيرة حول التورط الإيراني، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو، ماذا يعكس الحادث عن نوايا طهران على المدى القريب في المنطقة؟
الأدلة حتى الآن
في صباح الثالث عشر من حزيران/يونيو، تعرضت ناقلة النفط "فرونت ألتير" التي تملكها النرويج وتحمل علم جزر مارشال لأضرار جسيمة جراء الهجوم الذي أسفر عن تصاعد دخان كثيف من هيكلها. وكانت ناقلة النفط الخام من فئة "أفراماكس" المتوسطة الحجم التي تستوعب 110,000 طن كحمولة قصوى، تُبحر من مصفاة الرويس في أبو ظبي إلى تايوان مع حمولةٍ تزِن 75,000 طن من النافثا، وهو منتج بترولي بطيء الاحتراق يُستخدَم كمادة تغذية في المصافي. وتبيّن أن الصور واللقطات الجوية التي نشرتها السلطات الإيرانية تظهر نقطة إصابة في وسط السفينة، فضلاً عن ضرر كبير ناتج عن حريقٍ أصاب مكان الإقامة وغرفة المحرّك، مما يشير إلى أن الناقلة تعرضت إلى هجمات متعددة ستؤدي على الأرجح إلى تسببها بعطل كامل (على الرغم من أنه يبدو أنها حافظت على تماسكها الهيكلي في الوقت الحالي).
وبعد نحو ساعة، تعرضت ناقلة ثانية لهجوم على بُعد حوالى سبعين ميلاً بحريّاً (130 كم) من الفجيرة وأربعة عشر ميلاً بحريّاً (26 كم) من الشاطئ الإيراني جنوب مدينة جاسك، ليس على مسافةٍ بعيدةٍ من الهجوم الأول. وكانت سفينة "كوكوكا كوراجس" التي تملكها اليابان وتحمل علم بنما وتستوعب حمولة قصوى أصغر حجماً تبلغ 27,000 طن، تُبحر من ميناء الجُبيل السعودي إلى سنغافورة مع حمولة من الميثانول. وتسبّبت فجوة على خط الماء في بدنها من الجانب الأيمن في نشوب حريق في غرفة المحرّك؛ ويبدو أن المياه دخلت مَيْمَنة السفينة، رغم أن حمولتها بقيت سليمة وفقاً لبعض التقارير.
ووقع الهجومان على بعد أقل من خمسين كيلومتراً من بعضهما البعض ومباشرةً خارج المياه الإقليمية الإيرانية، على مرأى من محطات الرادار والمراقبة الإيرانية. وعلى الرغم من أن الهجوميْن وقعا على ما يبدو من الجهة الغربية للسفينتين، إلا أن موقعهما كان قريباً بشكل مريب من المنشآت البحرية الإيرانية المهمة في جاسك.
وأشارت التقارير الأولية إلى أنه ربما قد تمت إصابة الناقلتين بطوربيدات أو هجمات من البر، ولكن تقارير شهود عيان موثوق بها أفادت بأن المتفجرات كانت مثبتة على أجسامهما باستخدام زوارق سريعة (ربما أخطأت العين غير المتمرّسة في الظنّ أن آثار موجات جرّها كانت طوربيدات). وغادر طاقم "كوكوكا كوراجس" السفينة بعد أن اكتشف أنّ عبوة غير منفجرة كانت ما تزال عالقة في بدنها؛ وأظهرت لقطات المراقبة نشرتها البحرية الأمريكية زورقاً سريعاً على متنه أفراد من "القوة البحرية لـ «الحرس الثوري الإسلامي»" يحاولون بشكل محموم إزالة الجهاز. ولم تفصح طهران بعد عن اكتشاف هذا الدليل المهم.
وأنقذت القوة البحرية الإيرانية النظامية طاقم "ألتير" وأقتدته إلى جاسك ثم إلى بندر عباس، في حين استقبلت في النهاية مدمّرة الصواريخ الأمريكية الموجّهة "يو أس أس باينبريدج" البحّارة من "كوكوكا كوراجس". وليس من المعروف ما إذا كانت لقطات نزع الجهاز المتفجّر قد أُخِذت قبل عملية إنقاذ البحّارة أو بعدها.
وفي مؤتمر صحفي لاحق، أفاد المالك الياباني لسفينة "كوكوكا كوراجس" أن الطاقم رصد أجساماً طائرة عالية السرعة كانت تقترب من السفينة قبل الهجوم مباشرةً، مما يشير إلى أن بعض التفجيرات على الأقل قد تكون ناجمة عن طائرات انتحارية بدون طيار ومثقّلة بالمتفجّرات. وتملك إيران مهبطاً عسكرياً للطائرات على بُعد حوالي خمسين كيلومتراً شمال شرق موقع الهجوم، يُستخدَم بشكل متكرر لتشغيل الطائرات بدون طيّار. أما بالنسبة للمتفجرات المزروعة، فيبدو أنه قد تم توقيتها لتنفجر مباشرةً بعد خروج الناقلتيْن من مضيق هرمز، لكن مع استمرار تواجدها على مقربة من المياه الإقليمية الإيرانية.
وهذه الوقائع، بالإضافة إلى مقدار التنسيق المطلوب لتنفيذ مثل هذه العمليات، لا تدع مجالاً للشك في أن إيران هي المذنبة مرّة أخرى. فكما حدث خلال المواجهات البحرية في الخليج العربي مع الولايات المتحدة في الثمانينات، لا يُتوقَّع أن يتحمّل القادة الإيرانيون المسؤولية إزاء أعمال قوّاتهم في المياه المحلّيّة. وفي الماضي، نسبوا الهجمات إلى "يد الله" أو ألقوا باللوم على الدول الغربيّة على حوادث التلغيم، ليعودوا لاحقاً وينسبوها إلى أنفسهم (على سبيل المثال، قبالة ساحل الفجيرة في عام 1987). ولن يكون من المفاجئ سماعهم اليوم يقومون بادّعاءات مشابهة - فسبق أن ألقت بعثة إيرانية لدى "الأمم المتحدة" باللوم على الولايات المتحدة على التفجيرات، في حين زعم مسؤولٌ في الوكالة البحريّة أن "المشاكل التقنية" تسببت على الأرجح بالحرائق في كلا السفينتيْن.
النفوذ الإيراني في لعبة الضغط
أدّى الزخم المتزايد لسياسة "الضغط الأقصى" الأمريكية إلى دفع إيران إلى الرد بصورة أكثر عدائية في الآونة الأخيرة. ففي خطابٍ ألقاه المرشد الأعلى علي خامنئي في 29 أيار/مايو، أعلن أن "السبيل الوحيد" لكسب النفوذ الاستراتيجي على أمريكا يكمن في هزيمة واشنطن في لعبة الضغط الخاصة بها - ليس عبر المفاوضات، التي وصفها خامنئي بأنها الأسلوب المفضّل لدى الولايات المتحدة، ولكن عبر "أدوات النفوذ الخاصة بنا" والتي تشمل "الأدوات العسكرية". ووعد باستخدام المزيد من هذه الأدوات إذا لم يؤدِّ التهديد الأخير للنظام باستئناف بعض الأنشطة النووية إلى النتيجة المرجوة المتمثلة في تخفيف العقوبات ومساعدة الاقتصاد الإيراني. وبالنظر إلى مثل هذا الخطاب، من الصعب رؤية الهجومين الأخيرين أي شيئ غير تنفيذ النظام لما قاله خامنئي.
ويمكن اعتبار حادثتيْ الناقلتيْن كمحاولة لتحدّي قوة الردع الأمريكية المدروسة ومكانة الولايات المتحدة كقوة عظمى. وفي الواقع، إذا لم يجرِ الرد على هذين الهجوميْن، فقد تتقوّض مصداقية واشنطن بين حلفائها الإقليميين. وفي الوقت نفسه، تأمل طهران على ما يبدو إدارة التصعيد، والحفاظ على عنصر المفاجأة، والإبقاء على قابلية الإنكار المعقول. وقد يفسر الهدف الأخير سبب إسراع إيران في إنقاذ بعض البحّارة الذي جنحوا إلى الشاطئ - ويمكن استخدامهم أيضاً كدروع بشرية إذا شنت الولايات المتحدة أو جهات فاعلة أخرى عمليات انتقامية.
وتزامنَ الهجومان أيضاً مع الزيارة المتوقّعة لرئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى طهران، مما أثار تكهنات بأن إيران استهدفت سفينة يابانية لإيصال رسالة جريئة وواضحة تعبّر عن الاستياء من دور طوكيو في دعم العقوبات الأمريكية. فقبل ساعاتٍ فقط من الهجومين، صرّح خامنئي علناً أن الرئيس ترامب لا يستحق تبادل الرسائل معه - الأمر الذي شكّل على ما يبدو صفعةً مباشرةً لرئيس الوزراء آبي، الذي تردّد بأنه يحمل رسالةً من البيت الأبيض إلى إيران. ويتوافق هذا التكتيك مع ميل «الحرس الثوري الإسلامي» إلى تقويض وزارة الخارجية الإيرانية وإذلالها كلّما دعت الحاجة إلى كبش فداءٍ محلّي لامتصاص اللوم.
وتسلّط طبيعة حمولة الناقلتين مزيداً من الضوء على المدى الذي قد تصل إليه إيران بأفعالها، على افتراض أنها مسؤولة عن الهجوميْن. فسفينة "كوكوكا كوراجس" هي ناقلة للمواد الكيميائية من النوع 2 تُظهر بوضوح إشارات نقل منتجات تشكّل مخاطر شديدة مرتبطة بالبيئة والسلامة. ويُظهر الهجوم المتعمّد على مثل هذه السفينة تجاهلاً تاماً للأضرار البيئية والبشرية الكبيرة التي يمكن أن يسببها تسرّب هذه المنتجات. لذلك يمكن توقُّع أن تؤدي الهجمات المستقبلية إلى زيادة خطر ظهور بقع نفطية وغيرها من المشاكل المشابهة.
علاوة على ذلك، تُعتبر مصفاة الرويس، التي انطلقت منها إحدى الناقلتين، منافسة إقليمية كبيرة لقطاع البتروكيماويات في إيران - ومستفيدة كبيرة إذا خلّفت العقوبات الجديدة على صادرات البتروكيماويات الإيرانية أثراً شديداً على المحصلة النهائية التي يصبو إليها النظام. وفي هذا السياق، ربما جرى التخطيط للهجومين كردٍ مباشر على هذه العقوبات. ويبدو التحذير الأوسع نطاقاً واضحاً: على المنطقة ألا تتوقع الهدوء في وقت تتراجع فيه عائدات تصدير النفط الإيراني إلى مستويات متدنية قياسية فضلاً عن التهديد من حدوث الأمر نفسه من عائدات البلاد من البتروكيماويات. وبالأحرى، قد تتوسع تدريجيّاً التدابير التخريبية للنظام من حيث الحجم والنطاق الجغرافي والتعقيد، وربما تمتد لتشمل أهدافاً عسكرية. لذلك يتعين على واشنطن بالتالي بعث رسائل محددة وغير مبهمة حول الكيفية التي سترد بها على كل مستوى من التصعيد الإيراني، لردع النظام وبلورة الرد الدولي إذا أصبحت الإجراءات العسكرية ضرورية.
أخيراً، إذا ثبت بأي حال من الأحوال أن إيران غير مسؤولة بشكل قاطع عن هجوميْ الناقلتين، فلا بدّ أن تؤدي الحادثة إلى حث المجتمع الدولي على زيادة وجوده ونشاطه الهادف إلى تأمين الحماية في المياه التي عادةً ما تحرسها إيران، حتى لو برز خطر زيادة التوترات مع «الحرس الثوري الإسلامي». ينبغي على الولايات المتحدة أن تنظر في إرسال المزيد من التعزيزات المدروسة إلى المنطقة على الأقل بشكلٍ موقّت، بما يشمل حاملة طائرات أخرى مثل "يو أس أس رونالد ريغان".
فرزين نديمي هو زميل مشارك في معهد واشنطن، ومتخصص في شؤون الأمن والدفاع المتعلقة بإيران ومنطقة الخليج.